التغير المناخيالتقاريرتقارير التغير المناخيرئيسية

تسرب الميثان من منجم فحم يهدد حياة عائلة أميركية.. ما القصة؟

نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • • استخراج الفحم أدى إلى تجفيف بئر المزرعة الذي كانت تستعمله عائلة نيستور لسقاية ماشيتها
  • • ولاية فرجينيا الغربية تُعدّ من بين المنتجين الرؤساء للفحم المعدني في الولايات المتحدة
  • • الميثان يتراكم في طبقات الفحم، إذ تتحول المادة العضوية إلى فحم
  • • صناعة التنقيب عن الفحم في الولايات المتحدة شهدت حالة تدهور منذ سنوات
  • • على الصعيد العالمي، يطلق استخراج الفحم 52.3 مليون طن متري من الميثان سنويًا

بسبب تسرب الميثان من منجم فحم مجاور لمنزلها، تقدّمت عائلة نيستور، التي تعيش في بلدة ثورنتون في مقاطعة تايلور بولاية فرجينيا الغربية الأميركية، بدعوى قضائية أمام محكمة المقاطعة ضد شركة آرتش ريسورسز، ثاني أكبر مشغّل للمناجم الفحم في البلاد.

وبحسب الدعوى القضائية، ينبعث غاز الميثان من منجم الفحم أسفل منزل عائلة نيستور في أنبوب أبيض طويل بجوار الشرفة الخلفية، وأدى استخراج الفحم إلى تجفيف بئر المزرعة الذي كانت العائلة تستعمله لسقاية ماشيتها، حسب تقرير اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وكان جيم وميليسا نيستور يربّيان أولادهما الـ3 بمزرعتهما في وادٍ أخضر خصب على بعد 3 أميال (4.82 كيلومتر) جنوب ثورنتون، وهي بلدة تقع على طول الطريق الأميركية السريعة رقم 50، وتضم كنيسة وخدمة لسحب السيارات ومكتب بريد، ولا توجد فيها إشارة مرور.

عندما فكّ جيم وميليسا نيستور مضخة البئر لمعرفة مصدر المشكلة، سمعا صوتًا عاليًا، وكان الغاز يتصاعد من البئر. وقالا: إنه "لأمر عجيب، ولم نشهد كارثة كبيرة هناك، مثل انفجار ناجم عن شرارة من أداة كهربائية".

وقد تسرّب الميثان، إذ شقّ طريقه للأعلى عبر شقوق صخرية في قاع البئر إلى مدخل البئر من منجم للفحم على عمق 350 قدمًا (106.68 مترا)، وفقًا لما نشره موقع إنسايد كلايمت نيوز (insideclimatenews).

تغيُّر نمط حياة عائلة نيستور

في أغسطس/آب الماضي، تغيَّر نمط حياة عائلة نيستور، التي كانت تتمحور حول رعاية ماشيتهم وحيواناتهم الأليفة ودعم أنشطة أبنائهم الـ3 في لعبة البيسبول والمصارعة وكرة القدم والرماية إلى الأبد، نتيجة لتسرب الميثان إلى بئر مزرعتهم من منجم فحم مجاور.

ويعيش الزوجان الآن في مسكن مؤقت على بعد مِيل واحد، بينما يبقى مستقبلهما معلّقًا، اعتمادًا على نتيجة الدعوى التي رفعها الزوجان في محكمة مقاطعة تايلور بولاية فرجينيا الغربية ضد شركة آرتش ريسورسز في سانت لويس، ثاني أكبر مشغّل للمناجم في البلاد.

في الدعاوى القضائية التي تستهدف شركة الفحم آرتش، أكد السكان أن نشاط استخراج الفحم قد أربك حياتهم وأطلق غازًا يهدد سلامتهم وكوكب الأرض.

تسرب الميثان من منجم فحم
جيم وميليسا نيستور في مزرعتهما بمقاطعة تايلور، ولاية فيرجينيا – المصدر: إنسايد كلايمت نيوز

وتُعدّ قضية عائلة نيستور واحدة من 8 حالات على الأقلّ ما تزال معلّقة، وتؤكد أن منجم لير التابع لشركة آرتش في مقاطعة تايلور قد ألحق أضرارًا بالمنازل والعقارات نتيجة لممارسات التنقيب التي يمكن أن تتسبّب في انخساف الأرض وتلويث المياه الجوفية والسطحية، وفي حالة عائلة نيستور، تسرّب الميثان الخطير.

وترى الدعاوى القضائية، من بين ادّعاءات أخرى، بأن أنشطة التنقيب في شركة آرتش انتهكت قانون الولاية.

ويدعو قانون ولاية فرجينيا الغربية شركات التنقيب إلى "حماية المناطق خارج الموقع من الضرر"، و"القضاء على مخاطر الحريق"، و"التقليل إلى أدنى حدّ من اضطراب توازن النظام المائي السائد في موقع المنجم، وفي المناطق المعنية خارج الموقع"، خلال عمليات التنقيب وبعدها.

تأتي هذه الدعاوى القضائية بعد أكثر من 20 دعوى أخرى رُفِعت في مقاطعة تايلور في السنوات الأخيرة، وتمّ فيها التوصل إلى تسويات قانونية، وفقًا للمحامي في مدينة فيليبي، بولاية فيرجينيا الغربية، الذي يتولّى جميع قضايا المدّعين الذين يقاضون شركة آرتش، هنتر مولينز.

وقال مولينز، إنه يتوقع المزيد من الدعاوى القضائية مع استمرار التنقيب في إلحاق الضرر بالعديد من مئات الأشخاص الذين يعيشون فوق منجم لير ومع توسع آرتش في عملياتها في لير ساوث، وهو منجم للفحم يقع في مقاطعة باربور المجاورة، الذي بدأ عملياته في عام 2021.

مخاوف العائلات المجاورة لمناجم الفحم

بالنسبة للعائلات التي تعيش بجوار مناجم الفحم، فإن احتمال تسرب الميثان، وهو غاز عديم اللون والرائحة وقابل للاشتعال والانفجار، يمكن أن يشقّ طريقه إلى السطح، يُعدّ مصدر خوف دائم.

ويُعرف غاز الميثان بتهديد الانفجارات وقتل عمال المناجم في أعماق الأرض، وتسبّبت أبخرة الميثان بحرائق أو انفجارات في المنازل أو بالقرب منها عندما تسربت إلى السطح.

في الصيف الماضي، رفضت إدارة حماية البيئة في ولاية فرجينيا الغربية ومكتب الولايات المتحدة لاستصلاح التنقيب السطحي وإنفاذ القانون مناشدات عائلة نيستور إلى تحميل شركة آرتش ريسورسز المسؤولية.

تسرب الميثان
جرّافة تنقل الفحم في منجم لير الجنوبي التابع لشركة آرتش ريسورسز - المصدر إنسايد كلايمت نيوز

وأفادت الوكالتان أن الاختبارات التي أُجريت في يوم واحد في سبتمبر/أيلول الماضي داخل منزلهما لم تكشف عن تسرب الميثان إلى المنزل، ونتيجة لذلك، أعلنتا أنه لا يوجد تهديد "وشيك".

ويُعدّ الميثان عاملًا فعالًا في تغير المناخ، لأنه أقوى بنحو 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون في احترار الكوكب على مدى 20 عامًا.

نوع الفحم المستخرَج

على الرغم من أن صناعة التنقيب عن الفحم في الولايات المتحدة شهدت حالة تدهور منذ سنوات، إذ تتبنّى المرافق الكهربائية الغاز الطبيعي الأرخص ثمنًا ومصادر الطاقة الأنظف، فإن نوع الفحم الذي تستخرجه شركة آرتش في مناجم لير في ولاية فرجينيا الغربية يظلّ سلعة ثمينة.

ويتميز هذا النوع من الفحم بجودة عالية، ويُستعمل في صناعة الفولاذ ويباع بسعر ممتاز، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

ويرى الخبراء الاقتصاديون فرصة لاستمرار سوق هذا الفحم، المسمى بالفحم المعدني، لعقود مقبلة؛ ما يزيد من احتمال زيادة الانبعاثات وتسرب الميثان.

وقالت مديرة السياسات لدى برنامج المناخ والطاقة التابع لاتحاد العلماء المعنيين، راشيل كليتس: "ينتاب المرء إحساس واضح بأن كل ما نعرفه عن مدى ضرر اعتمادنا على الفحم، ومناخنا وصحتنا، يزداد من خلال هذا الإدراك الذي يرتبط أيضًا بانبعاثات غاز الميثان".

وأضافت: "في الوقت نفسه، نحن لا نحاسب الشركات التي تسببت في هذا التلوث".

التزام آرتش ريسورسز بالسلامة

في أحدث تقرير سنوي لها، قُدِّم إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، أعلنت شركة مناجم الفحم آرتش ريسورسز التزامها بالسلامة وحماية المجتمعات المحلية.

وذكرت الشركة في تقريرها: "نعتقد أن نجاحنا على المدى الطويل يعتمد على تحقيق التميز في سلامة المناجم، والإشراف البيئي، وإجراء الأعمال بأكثر الطرق الأخلاقية والشفافية، والاستثمار في موظفينا والمجتمعات التي نعمل فيها، وإظهار حوكمة قوية للشركات".

وقد غادرت عائلة نيستور، التي تعيش في بلدة ثورنتون بمقاطعة تايلور بولاية فرجينيا الغربية الأميركية منزلها، بعد أن حذّرهم كبير مهندسي سلامة المناجم الفيدرالي السابق الذي يعمل مستشارًا لسكان حقول الفحم والعاملين ومحاميهم، جاك سبادارو، من الخروج.

وتقع بئر الماء التي جفّ ماؤها بسبب تسرب الميثان من منجم فحم مجاور على بعد 9 أقدام (2.74 مترًا) خلف منزلهم.

بعد أن أبلغ الزوجان جيم وميليسا نيستور عن تجربتهما، قامت شركة آرتش ريسورسز بتركيب أنبوب في البئر يمتد 20 قدمًا (6.09 مترًا) في الهواء في محاولة لمساعدة الميثان على الانطلاق على مستوى عالٍ بما يكفي عن الأرض، بحيث يقلّ تهديده وخطره.

ويُعدّ الأنبوب، الذي يستمر بالتسبب في تسرب الميثان، قريبًا جدًا من منزل عائلة نيستور، التي تقلق بشأن قربه من الشرفة الخلفية ونوافذ المطبخ وغرفة النوم.

قراءات الميثان المتناقضة

فَتّشت إدارة الحماية البيئية بولاية فرجينيا الغربية الموقع في 9 سبتمبر/أيلول، وذكر تقريرها أن تركيزات غاز الميثان تصل إلى 89% في الفتحة.

وتمّ اختبار الميثان في 19 أغسطس/آب 2022 داخل المنزل من جانب مودي آند أسوشيتس، وهي شركة استشارية مقرّها بنسلفانيا، وظّفها محامو شركة آرتش ريسورسز، ولكن عند مستويات أقلّ بكثير، 120 جزءًا في المليون، أو أقلّ من 1%، وفقًا للاستشاريين.

وخلصت شركة مودي إلى أن هذا "أقلّ بكثير من تركيز 5 آلاف جزء في المليون، من شأنه أن يؤدي إلى إخلاء المسكن".

نقلًا عن هذا التقرير، صرّح محامو آرتش ردًا على دعوى عائلة نيستور أنه بينما اكتُشِف تسرب الميثان داخل المنزل، لم تكن المستويات عالية بما يكفي لتتطلب أيّ إجراء "فوري".

وأفادت الشركة: "ينكر المدَّعى عليهم أن عمليات التنقيب قد ألحقت أضرارًا أو تلوثًا بممتلكات عائلة نيستور".

وأوضح كبير مهندسي سلامة المناجم الفيدرالي السابق الذي يعمل مستشارًا لسكان حقول الفحم والعاملين ومحاميهم، جاك سبادارو، أن استنتاج شركة مودي "لا يُعدّ بيانًا دقيقًا".

وقال، إن التركيزات التي تزيد عن 1% في المناجم تشير إلى حالة محتملة الخطورة، ويتطلب مستوى 2% إغلاق المناجم حتى يمكن استعادة التهوية الكافية.

واستشهد بدليل فني صادر عن مكتب وزارة الداخلية الفيدرالية للتنقيب السطحي والاستصلاح، ويحدد الدليل مستويات الميثان في المنازل فوق المناجم التي تتجاوز 1% بصفته تركيزًا قد "يستلزم إجراءات علاجية بسبب التراكم المحتمل لمستويات الميثان المتفجرة".

في الوقت الحالي، تعتمد عائلة نيستور على نصيحة سبادارو، الذي كان يحقق في كوارث المناجم لأكثر من 50 عامًا، ومولينز، الذي تبنّت ممارسته القانونية في البلدة الصغيرة هدف تحميل شركات استخراج الفحم المسؤولية عن النطاق الكامل للتأثيرات لدى الناس الذين يعيشون بجوار المناجم.

وقالت ميليسا نيستور، التي تعمل سائقة حافلة مدرسية، إن الأسرة غادرت المكان "لأنني كنت خائفة كثيرًا على أطفالي وعلينا" من تسرب الميثان.

وأضافت: "يتسرب الميثان إلى المنزل من مكان ما"، "متى يمكنك النوم في منزل دون معرفة متى ستصل كمية أكبر من غاز الميثان إلى هذا المكان؟".

وأكدت: "لا أستطيع النوم، مع العلم أنه في أيّ وقت يمكن أن يجلب لنا ما يكفي لتفجيرنا، أو إحضار ما يكفي لإخراج الأكسجين من الهواء، ولن نستيقظ أبدًا".

تسرب الميثان من مناجم الفحم

يتراكم الميثان في طبقات الفحم، إذ تتحول المادة العضوية إلى فحم، وهي عملية يمكن أن تستغرق ملايين السنين.

وعلى الرغم من أن تسرب هذا الغاز أصبح تهديدًا لعائلة نيستور، فإنه يُعدّ جزءًا من أزمة مناخ عالمية، وفقًا لما نشره موقع إنسايد كلايمت نيوز (insideclimatenews).

على الصعيد العالمي، يطلق استخراج الفحم 52.3 مليون طن متري من الميثان سنويًا، وهو ما يتجاوز الانبعاثات من قطاعي النفط (39 مليون طن متري) والغاز (45 مليون طن متري)، وفقًا لتقرير عام 2022 الصادر عن مجموعة غلوبال إنرجي مونيتور المعنية بقطاع الطاقة.

وأفادت المجموعة أن الانبعاثات العالمية المقدّرة من غاز الميثان من الفحم تعادل تقريبًا التأثير المناخي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون لجميع محطات الفحم في الصين.

تسرب الميثان
عمّال بأحد مناجم الفحم الصينية- الصورة من رويترز

وقال مؤلف التقرير، ريان دريسكيل تيت، إنّ تسرب الميثان من مناجم الفحم "تتهرب من الكثير من التدقيق".

من جهتها، تؤكد مديرة السياسات لدى برنامج المناخ والطاقة التابع لاتحاد العلماء المعنيين، راشيل كليتس، أن انبعاثات الميثان من جميع المصادر لا يُبَلَّغ عنها عمومًا، بما في ذلك تلك الصادرة عن مناجم الفحم.

إزاء ذلك، تحدّ القوانين الفيدرالية وقوانين الولايات من تركيزات الميثان داخل المناجم لحماية عمال المناجم، ولكن لا توجد لوائح حكومية تحدّ من كمية الميثان التي تنبعث من مناجم الفحم في الغلاف الجوي لحماية عمال المناجم، أو ما يتسرب في الهواء من تلقاء نفسه.

وقالت متحدثة باسم وكالة حماية البيئة الفيدرالية، إنها لم تكن على علم بأيّ جهد من جانب الوكالة للتحرك نحو اعتماد قيود على تسرب الميثان من مناجم الفحم.

وقالت كليتس، إن الحكومة الفيدرالية ركّزت بدلًا من ذلك على تقليل تسرب الميثان القادم من مناجم الفحم المهجورة، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

على صعيد آخر، يوفر قانون الرئيس جو بايدن للاستثمار في البنية التحتية والوظائف لعام 2021 نحو 11 مليار دولار، لمدة تزيد عن 15 عامًا لمعالجة مجموعة من المشكلات التي تسبّبها مناجم الفحم المهجورة، بما في ذلك تسرب غاز الميثان.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق