شل تواجه اتهامات بمساعدة إيران على التربّح من قطاع الطاقة العراقي
محمد عبد السند
- شركة مابنا الإيرانية المستفيد الأكبر من محطة كهرباء الرميلة في العراق
- محطة كهرباء الرميلة تستعد لتزويد مشروع تدعمه شل
- شركة مابنا دليل على التغلغل الإيراني في قطاع الطاقة العراقي
- نال مشروع شل المشترك إشادة واسعة لدوره المهم في قطاع الغاز العراقي
تُثير عملاقة الطاقة شل الريبة إزاء دورها المزعوم في مساعدة كيانات تجارية إيرانية على التربّح السخي من مشروعات ضخمة تنفّذها الأخيرة في قطاع الطاقة العراقي.
ورغم أن شركة النفط الأنغلو هولندية سارعت إلى تفنيد تلك المزاعم التي تطالها بين الحين والآخر عبر نفي وجود أيّ تعاملات مباشرة بينها وبين شركات إيرانية في العراق، فإنه ما تزال هناك علامات استفهام تُلقي بظلالها في هذا الخصوص.
وفي هذا السياق، تبرز شركة إيرانية المستفيد الأكبر من محطة كهرباء تتهيّأ لتزويد مشروع تدعمه شل في العراق؛ ما يسلّط الضوء على تغلغل طهران التجاري بقطاع الطاقة في البلد العربي، ويضع شل على طرفي نقيض مع الأولويات الجيوسياسية المتغيرة للغرب في الشرق الأوسط، حسبما ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.
وستصبح شركة غاز البصرة المملوكة بنسبة 44% من قبل شل المُدرجة في بورصة لندن، مُستهلِكًا رئيسًا للكهرباء المولدة من محطة الرميلة المستقلة الواقعة جنوب العراق حينما تدخل المحطة الجديدة التابعة للأولى حيز التشغيل في يونيو/حزيران (2023).
محطة الرميلة ومشروع شل
تعود ملكية محطة الرميلة إلى مجموعة شمارة هولدنغ الاستثمارية، ومقرّها الأردن، لكنها بُنيت بوساطة مجموعة "مابنا" التي تتخذ من العاصمة الإيرانية مقرًا لها، ويحقّ لها الحصول على 78% من الإيرادات المُتحققة من مبيعات الكهرباء من المحطة، وفقًا لوثائق طالعتها "فاينانشيال تايمز"، وتثبّتت منها منصة الطاقة المتخصصة.
ولطالما نال مشروع شل المشترك، الذي حصل على تمويل من البنك الدولي، إشادة واسعة لدوره المهم في شراء الغاز الذي سبق أن جرى حرقه في حقول النفط العراقية، ثم معالجته بُغية استعماله في توليد الكهرباء، أو لتصديره، أو حتى استعماله في أغراض الطهي.
وتمتلك شركة غاز الجنوب العراقية الحكومية 51% من أسهم المشروع، في حين تستحوذ شركة ميتسوبيشي اليابانية على 5%، لكن شل وشركة غاز البصرة تؤكدان أنه لا تجمعهما أيّ علاقة مع مابنا.
ولا يوجد -حتى الآن على الأقلّ- ما يدلّ على أن المدفوعات الآتية من شركة غاز البصرة لشراء الكهرباء من محطة الرميلة، والتي دفعتها وزارة الكهرباء العراقية، ستخرق العقوبات الأميركية أو الأوروبية بشأن التعامل مع إيران.
ومع ذلك، يعكس الدور الذي تؤديه مابنا في محطة كهرباء الرميلة مدى تغلغل النظام الحاكم في إيران بالاقتصاد العراقي.
تغلغل إيراني في العراق
قال الزميل والباحث والمدير في مبادرة العراق في تشاتام هاوس، ريناد منصور: "مصالح إيران ونفوذها يتعمقان في العراق، ووزاراته".
وأضاف: "استثمارات طهران طويلة الآجل و-أيضًا- شبكة أعمالها في العراق تؤكدان أنها ما تزال القوة الأجنبية الأكثر تأثيرًا في العراق".
وتتغلغل إيران -بوجه خاص- في قطاع الطاقة العراقي، إذ أضحت بغداد، عقب 20 عامًا من الغزو الأميركي، إضافة إلى تراجع وتيرة الاستثمارات والفساد، تعتمد بقوة على واردات الغاز والكهرباء الإيرانية، التي تسدّ ما يربو على ثُلث احتياجات الطاقة في البلد العربي الواقع غرب آسيا.
ولا يمثّل هذا أهمية بالنسبة لشركة شل فحسب، ولكن هناك شركات نفط عالمية كبرى، من بينها بي بي البريطانية، وإكسون موبيل الأميركية، تدير حقولًا نفطية في العراق، وتستهلك الكهرباء الآتية من الشبكة الوطنية العراقية.
سياسة الكيل بمكيالين
ربما يعدّ بناء شركة مابنا لمحطة كهرباء الرميلة مثالًا صارخًا على التغلغل الإيراني في قطاع الكهرباء، كما أنه دليل دامغ على سياسة "الكيل بمكيالين" التي ينتهجها الغرب إزاء التعاملات التجارية مع إيران خلال العقد الماضي؛ ما يُعقّد بدوره عمليات المستثمرين الأجانب في العراق.
وحينما وقع الاختيار على مابنا للمساعدة على بناء محطة كهرباء الرميلة عام 2015، كانت إيران -آنذاك- على وشك توقيع اتفاق طهران النووي مع القوى الغربية، كما كانت العلاقات آخذة في التحسّن حينها.
ذهبت تلك المؤشرات الإيجابية على العلاقة بين طهران والغرب أدراج الرياح، بعد مضي 3 سنوات، حينما سحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بلاده من الاتفاق النووي، ليعيد فرض العقوبات على طهران.
داعش عائق
مُنح عقد تطوير محطة كهرباء الرميلة البالغة سعتها 3 آلاف ميغاواط إلى شمارة هولدنغ في عام 2014، بدعم من اتفاقية شراء طاقة مُبرَمة مع وزارة الكهرباء العراقية.
وكانت الشركة تأمل -في بادئ الأمر- العمل مع شريك أوروبي أو أميركي، غير أنها عانت الأمرّين في تحقيق هذا الهدف، مع اجتياح مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" مناطق واسعة من العراق وسوريا في ذاك الصيف؛ ما أرهب المستثمر الغربي، بحسب مصدر مُطّلع على المراحل الأولى من المشروع.
في غضون ذلك، فتح عامان من المفاوضات الدائرة بين القوى الغربية وإيران حول اتفاق نووي إمكان تجدد التعاملات مع الشركات الإيرانية، وفق ما صرّح به المصدر ذاته، وطالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وفي النهاية، فازت مابنا بعقد بناء وتزويد التكنولوجيا الرئيسة لمحطة كهرباء الرميلة، لامست قيمته 2.05 مليار دولار، بدعم من ضمان مدفوعات منحته إياها الحكومة العراقية، والمُبرم في 9 يوليو/حزيران (2015)- أي قبل أيام من توقيع الاتفاق النووي بين طهران والقوى الغربية.
مابنا والنظام الإيراني
تأسست مجموعة الطاقة والبنية التحتية مابنا في عام 1993، وهي واحدة من أنجح الشركات والاستثمارات في محطة كهرباء الرميلة، وتحظى بدعم مُطلق من قبل النظام الإيراني.
وحصلت المحطة على دعم من قبل صندوق ضمان الصادرات الإيراني، تَمثَّل في بوليصة تأمين مخاطر قدرها 300 مليون دولار، كما وُصفت محطة كهرباء الرميلة -على الموقع الإلكتروني للشركة- بكونها أكبر مشروع عالمي للكهرباء.
وافق مشروع شل المشترك على الحصول على الكهرباء من محطة الرميلة في عام 2009، إذ وقّع عقدًا بقيمة 35 مليون دولار لبناء خط كهرباء بطول 18 كيلومترًا، لصالح محطة لمعالجة الغاز الطبيعي، تبنيها الشركة في أحد الأماكن القريبة، وفقًا لوثائق طالعتها "فاينانشيال تايمز".
ومن المقرر أن تدخل محطة البصرة لمعالجة الغاز الطبيعي حيز التشغيل في يونيو/حزيران (2023)، على أن تستمد 70 ميغاواط من الكهرباء من حقل الرميلة، وهي السعة التي قد ترتفع إلى 200 ميغاواط، مع توسعة المحطة.
وتُنتج محطة كهرباء الرميلة ما يصل إلى 1500 ميغاواط من الكهرباء منذ عام 2020.
وتعدّ وزارة الكهرباء المزوّد الوحيد للكهرباء في البلاد؛ ما يعني أنها تؤدّي دور الوسيط في أيّ تعاقدات تجارية تبرز المحطة طرفًا فيها، وبناءً عليه تدفع وزارة الكهرباء العراقية الأموال إلى مجموعة شمارة ومابنا نظير الحصول على الكهرباء المولدة، وإعادة بيعها إلى عملاء مثل شركة غاز البصرة.
وتحصل شمارة على 22% من الإيرادات، في حين تتدفق النسبة المتبقية إلى خزائن مابنا، بشكل تعويضات لها عن عملها في المشروع، وفق وثائق و3 مصادر مُطّلعة على العقود.
شل تنفي
أكدت شل أنها لا تتعامل مُطلقًا مع مابنا أو أيّ كيانات إيرانية أخرى، مشيرة إلى أنه "لا يمكنها التعليق على البنية التحتية لوزارة الكهرباء العراقية أو تدفّق الأموال أو ترتيبات الوزارة التجارية مع مورّدي الطرف الثالث، أو حتى متعهدي الطاقة".
كما دافعت شركة شل عن مشاركتها في مشروع غاز البصرة المشترك، قائلة: إنه "قد أُسِّس في إطار حل لتعزيز الاكتفاء الذاتي من الطاقة في العراق، وخفض اعتماد بغداد على واردات الغاز".
وذكرت شركة غاز البصرة أنها دفعت الأموال فقط لوزارة الكهرباء العراقية، مؤكدة عدم وجود تعامل يُذكر مع مابنا الإيرانية.
وأوضحت الشركة أنه لا يوجد تعامل بينها وبين شمارة، إلّا اتفاقية وُقِّعت في عام 2019، لبناء خط كهرباء، مؤكدة أن "الفحص النافي للجهالة الذي أجرته (غاز البصرة) بشأن شمارة لم يشر إلى أيّ مخاوف بشأن عقوبات تتعلق بقوانين الامتثال التجاري".
دور مثير للجدل
يبقى الدور الذي تؤديه مابنا في مشروع شل المشترك مثيرًا للجدل، وفي هذا السيناريو قال مستشار سابق لرئيس الوزراء العراقي، ومصدر آخر مطّلع، إن بغداد -تحت ضغط أميركي- قد جمّدت الحساب العراقي الذي تحصل من خلاله مابنا على الأموال منذ العام قبل الماضي (2021).
ونتيجة ذلك أرجأت مابنا إنجاز المحطة المُصممة لتوليد كهرباء بسعة 3 آلاف ميغاواط.
وتشعر الولايات المتحدة الأميركية بقلق، من بين قضايا أخرى، إزاء الدور الذي يؤديه السفير الإيراني السابق لدى بغداد، والعضو السابق في سلاح الحرس الثوري الإيراني حسن دنيفار، في الضغط على بغداد لصالح مابنا، حسبما ذكرت مصادر.
وفي معرض ردّها على استفسارات حول مابنا، قالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان: "الولايات المتحدة الأميركية والعراق يعملان معًا لتحديث النظام المالي العراقي، ومكافحة الفساد، ومنع التلاعب بالنظام المالي".
وأضاف البيان أن واشنطن تركّز على تعزيز أمن الطاقة في العراق عبر دعمها في مسار تعزيز مشروعات احتجاز الغاز بما يساعد على تقليص الانبعاثات الكربونية وتعزيز توليد الكهرباء وبناء وصلات بينية إقليمية، و-أيضًا- تحديث البنية التحتية للكهرباء.
حوالات مشروطة
لا تعدّ الحوالات المالية التي تدخل حسابات مابنا الوحيدة ذات الصلة بالمدفوعات بين العراق وإيران، التي تواجه مشكلات، فالإعفاء من العقوبات الأميركية يتيح للعراق استيراد الغاز والكهرباء مباشرة من طهران.
رغم ذلك فإن تلك الأموال المدفوعة من قبل بغداد يمكن فقط استعمالها من قبل إيران لتمويل شراء الأغذية والأدوية، أو حتى للحوالات العالمية الأخرى المصرَّح بها.
وهذا من شأنه أن يساعد العراق على سدّ معدلات الطلب المحلي المتنامية على الكهرباء، غير أنه يعني أن مدفوعاتها المُستحقة لطهران غالبًا ما تتأخر؛ ما قد يدفع الأخيرة إلى قطع الإمدادات من حين لآخر.
من جهته، قال محلل الشؤون الخليجية لدى مؤسسة "ميدل إيست إيكونوميك سيرفي" ياسر المالكي: "العقوبات سبّبت كارثة للعراق".
وواصل: "من هذا المنطلق تعي واشنطن أن واردات الغاز والكهرباء الإيرانية لا غنى عنها للاستقرار السياسي والاجتماعي في العراق، وهي مستمرة في التنازل عن العقوبات".
وأتمّ: "لكن القيود على نقل المدفوعات إلى إيران تعني أنها تتراكم في العراق".
موضوعات متعلقة..
- مستقبل قطاع الطاقة العراقي بعد عقدين من الغزو الأميركي.. 7 خبراء يتحدثون
- وزير النفط العراقي يبحث مع نوفاك تطوير مشروعات الغاز وقطاع الطاقة
- لهذا السبب.. شركة شل تقترب من هجر أصولها في بحر الشمال
اقرأ أيضًا..
- قطر للطاقة توقع عقد الإنشاءات الرئيس لمشروع حقل الشمال الجنوبي
- وكالة الطاقة الدولية: الطلب الصيني على النفط يهدد بنقص المعروض العالمي
- الهند ترفض وصفها بـ"مغسلة" النفط الروسي.. وتؤكد: لم ننتهك العقوبات