النفط الروسي يضع الهند في ورطة.. وأوروبا تلوح بالعقوبات
أسماء السعداوي
تواجه الهند، وهي تستزيد من شحنات النفط الروسي الرخيص، تصاعدًا في حدّة الانتقادات الغربية تجاهها، ووصل الأمر إلى المطالبة باتخاذ إجراءات صارمة ضدّها، بعد اتهامها بانتهاك العقوبات المفروضة على صادرات موسكو من الطاقة.
وترى أوروبا أن سلوك الهند في هذا الإطار يُعدّ تحديًا صريحًا لعقوبات فرضتها على موسكو بغية تجفيف منابع تمويل حربها على أوكرانيا، وهو ما حدا بالسلطات مؤخرًا إلى البحث عن إجراءات فاعلة لتقييد واردات النفط الروسي إلى أوروبا عبر الهند.
وأصبحت الهند -التي تستورد نحو 80% من احتياجاتها من النفط الخام من الخارج- أكبر مشترٍ للنفط الروسي خلال العام الماضي (2022)، بحسب بيانات اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
وفي هذا الصدد، دعا الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، في مقابلة مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الهند؛ عقابًا لها على إعادة بيع النفط إلى أوروبا في صورة وقود مكرر وبخاصة الديزل إلى دول القارة العجوز.
واردات الهند من النفط الروسي
فرضت دول مجموعة الـ7 -بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- سقفًا على أسعار النفط الروسي منذ أواخر العام الماضي (2022)، ضمن العقوبات المفروضة على روسيا، بعد حربها على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
ورغم تلويح الولايات المتحدة بعقوبات وغرامات على الدول غير الملتزمة بسقف أسعار النفط الروسي، اقتنصت نيودلهي الغالبية العظمى من صادرات موسكو من النفط في 2022 بأسعار أعلى من سقف السعر الغربي البالغ 60 دولارًا للبرميل.
وقبل غزو روسيا أوكرانيا وما تلاه من عقوبات، كانت الهند تستورد في المتوسط 154 ألف برميل يوميًا من الديزل ووقود الطائرات.
وكشفت بيانات شركة كبلر لبيانات الطاقة أن واردات الهند من النفط الروسي ارتفعت إلى 200 ألف برميل يوميًا، بعد حظر الاتحاد الأوروبي واردات النفط الروسي بدءًا من 5 فبراير/شباط 2023.
وكانت موسكو قد أعلنت، نهاية شهر مارس/آذار الماضي، أن واردات الهند من النفط الروسي ارتفعت 22 مرة خلال العام الماضي (2022).
كما ارتفعت واردات الهند من النفط الخام والمشتقات الروسية إلى 8.3 مليون برميل يوميًا، خلال أبريل/نيسان 2023، بحسب آخر تقرير شهري صادر عن وكالة الطاقة الدولية.
مكاسب هندية واتهامات أوروبية
أكد بوريل أن الاتحاد كان على دراية بأن مصافي التكرير الهندية اشترت كميات ضخمة من الخام الروسي، وكررته وحوّلته إلى وقود، ثم باعته إلى أوروبا.
وشدد على أنه، للمرة الأولى، ينبغي على الاتحاد الأوروبي اتخاذ إجراءات من أجل وقف ذلك.
تجدر الإشارة هنا إلى أن مصافي التكرير الهندية حققت هوامش ربح ضخمة، بشرائها الخام الروسي الرخيص والمحظور في أوروبا، وإعادة بيعه لأوروبا بالسعر الكامل.
ونادرًا ما كانت المصافي الهندية تشتري النفط الروسي قبل الحرب، متعللةً بارتفاع تكاليف الشحن، إلّا أنها استوردت ما يتراوح بين 970 ألفًا و981 ألف برميل نفط يوميًا خلال العام المالي 2023/2022، والذي انتهي في مارس/آذار الماضي، وهو ما يمثّل أكثر من خُمس واردات البلاد من الوقود.
وقال بوريل: "إذا كان الديزل أو البنزين المكرر من النفط الروسي يدخل أوروبا قادمًا من الهند، فهذا بالتأكيد تحايل عل العقوبات، وعلى الدول الأعضاء اتخاذ إجراءات".
وأضاف: "شراء الهند للنفط الروسي أمر طبيعي… لكن إذا كانت ستستعمله لتكون مركزًا لإعادة تكريره ثم بيع المشتقات النفطية لنا.. فعلينا التحرك".
موقف الهند
أقرّ بوريل بأن سقف الأسعار ساعد في خفض إيرادات روسيا النفطية، كما أبدى تفهّمه لرغبة الهند في الاستفادة من الخام الروسي الرخيص، بحسب وكالة رويترز.
غير أنه أبدى عدم ارتياحه من وصول هذا الكم الضخم من النفط الروسي إلى أوروبا في شكل وقود مكرر، عبر غطاء هندي.
ومن المقرر أن يلتقي بوريل مع وزير الخارحية الهندية سوبرامانيام جايشانكار اليوم الثلاثاء (16 مايو/أياد 2013)، لبحث الأمر.
من جانبه، دافع جايشانكار عن واردات بلاده من النفط الروسي، قائلًا في أغسطس/آب 2022، إنه من واجب الحكومة الأخلاقي توفير نفط أرخص للمواطنين، بحسب منصة "ذا ناشيونال".
كما دعمت الموقف ذاته وزيرة المالية الهندية نيرمالا سيترامان، التي قالت في منتصف أبريل/نيسان الماضي، إنه من الممكن شراء الخام الروسي عند مستوى قريب، أو يتجاوز سقف الأسعار الغربي، بحسب تقرير نشرته صحيفة "ذي إيكونوميك تايمز" المحلية (The Economic Times).
وقالت الوزيرة: "لدينا تعداد سكاني ضخم، ولذلك، سنضطر إلى البحث عن أسعار مناسبة لنا".
عقوبات على الهند؟
تأتي تصريحات بوريل قبل ضغوط محتملة من قبل زعماء دول مجموعة الـ7 على رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، خلال قمة في اليابان ستناقش التحايل على السقف السعري.
وترى "فاينانشيال تايمز" أن تقييد صادرات الوقود المكرر إلى أوروبا سيشكّل خطوة كبيرة في إطار العقوبات التي تهدف إلى الحدّ من عائدات موسكو، دون التأثير بتدفقات الإمدادات في السوق العالمية.
ومما يزيد الوضع تعقيدًا أن المصافي الهندية تستعمل النفط القادم من عدّة دول، ما يجعل من العسير تحديد الأصل الدقيق لبرميل الديزل أو البنزين الوارد إلى أوروبا.
وتنص العقوبات المفروضة -خاصة على إيران وفنزويلا- على قبول حقيقة أنه بمجرد تكرير النفط الخام، فلن يُصنَّف أنه قد جاء من الدولة التي صُدِّر منها في الأصل.
كما تخشى الولايات المتحدة -على وجه الخصوص- من احتمال ارتفاع أسعار النفط؛ ما سيضرّ بمصالح الاقتصاد العالمي، بل ربما سيزيد عائدات موسكو النفطية، ولو انخفضت أحجام التصدير.
وربما يُجدي مجرد التلويح بالعقوبات في ردع نيودلهي.
وعن ذلك يقول أحد محللي النفط، إن الهند أو دولًا أخرى ربما تتوقف عن شراء النفط الروسي إذا هدد الاتحاد الأوروبي بقطع واردات الوقود الروسي المكرر في الهند.
من جانبه، يقول بوريل، إن أيّ آلية لتحجيم تدفّق النفط الروسي يجب أن تُنفذ من خلال السلطات الوطنية.
وأضاف: "إذا كانوا يبيعون، فذلك لأن شخصًا ما اشترى، وعلينا معرفة من هو".
موضوعات متعلقة..
- صادرات النفط الروسي ترتفع إلى مستويات ما قبل غزو أوكرانيا
- الهند ترفض وصفها بـ"مغسلة" النفط الروسي.. وتؤكد: لم ننتهك العقوبات
- صادرات النفط الروسي إلى تركيا تتضاعف في مايو
اقرأ أيضًا..
- قطر للطاقة توقع عقد الإنشاءات الرئيس لمشروع حقل الشمال الجنوبي
- وكالة الطاقة الدولية: الطلب الصيني على النفط يهدد بنقص المعروض العالمي
- أباتشي الأميركية تلمح إلى اكتشافات نفطية جديدة في صحراء مصر الغربية (فيديو)