التغير المناخيالتقاريرتقارير التغير المناخيرئيسية

التغير المناخي يهدد وجود قاعدة "تولي" الجوية الأميركية في القطب الشمالي (تقرير)

نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • فتحَ ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند الطريق أمام كاسحات الجليد للإبحار من روسيا
  • القادة لم يمتثلوا لمتطلبات تحديد المخاطر البيئية الحالية والمتوقعة ونقاط الضعف وتدابير التخفيف
  • تغير المناخ تهديد خطير يقوّض قدرة القوات المسلحة على تأمين الولايات المتحدة
  • الرئيس الأميركي يأمر بدمج تأثير المناخ وإدارة المخاطر في الخطط لجميع المنشآت العسكرية

تواجه قاعدة "تُولي" (ثول Thule) الجوية الأميركية، الواقعة على بعد 1448 كيلومترًا جنوب القطب الشمالي، حاليًا، تداعيات التغير المناخي بالتزامن مع انشغالها -حاليًا- بأداء أهمّ واجباتها العسكرية منذ نهاية الحرب الباردة؛ إذ يعوق الاحترار العالمي مهمتها، ويتسبب في إذابة التربة الصقيعية التي بُنيت عليها قبل 7 عقود.

وتشهد قاعدة "تُولي" مَيْلًا في أرضية قاعة الحفلات وشقوقًا في مدرج الطائرات، الذي يبلغ طوله 3048 مترًا، وتهدد بانهيارها، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

وتُعدّ "تُولي" أول بؤرة استيطانية من شأنها أن تكتشف هجومًا وشيكًا قد تنفّذه روسيا على الولايات المتحدة، ويمكنها مراقبة جميع أنشطة الصواريخ الروسية، وإرسال تحذير في غضون 60 ثانية إلى صنّاع القرار في البنتاغون بواشنطن والقواعد في كاليفورنيا وكولورادو.

وفتح ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند الطريق أمام كاسحات الجليد للإبحار من روسيا؛ ما سمح للبلاد بإنشاء طرق تجارية وبنية تحتية عسكرية في القطب الشمالي، حسبما نشرته مؤسسة إنسايد كلايمت نيوز المعنية بالشؤون البيئية (Inside Climate News) في 26 فبراير/شباط الجاري.

تشييد قاعدة "تُولي" الجوية الأميركية

كانت قاعدة "تُولي" حيوية للأمن الأميركي منذ عام 1953، وشُيِّدَت في 60 يومًا فقط، ووُصِفَت بأنها تحفة هندسية، وحُفِرَت المباني في الجليد، واستُعمِلَت التربة الصقيعية بدلًا من الأسمنت. ومع مرور الوقت، بدأت المشكلات في الظهور.

صُمِّمَت مباني القاعدة لتقليل أيّ تأثير ذوبان ناتج عن الحرارة داخلها، إذ تحتوي المنشآت التي يجب أن تكون على مستوى الأرض، مثل حظائر الطائرات، على طابقَين يدور الهواء البارد بينهما، وشُيِّدَت بعض المرافق فوق الأرض.

وما دامت التربة الصقيعية التي يبلغ سمكها 1600 قدم (487.68 مترًا) مجمدة، كانت المباني آمنة.

ولم يتمكن المهندسون من توقّع مدى تأثير التغير المناخي الكبير في التربة الصقيعية. وفي عام 2009، تسببت حرارة الصيف غير المسبوقة بغرق بعض المباني في مزيج من المياه والحصى، وأصبحت المرْكبات محاصرة على الطرق غير المعبّدة المبللة بالقاعدة.

في الشهر الماضي، أظهر بحث جديد أن العقد الأول من القرن الـ21 كان أحرّ 10 سنوات مسجلة في غرينلاند، منذ ألف عام على الأقلّ.

اليوم، تُظهر المباني الأصلية ذات السطح المسطح عمرها، مع تقشير الطلاء من الجدران والأنابيب الصدئة التي تمتد على طول حوافّها. وتظهر الشروخ الهيكلية الناتجة عن ذوبان الجليد في كل مكان.

التغير المناخي يهدد وجود قاعدة تولي الجوية الأميركية في القطب الشمالي
الكتل الجليدية في غرينلاند – الصورة من موقع إنسايد كلايمت نيوز

وقال قائد القاعدة، العقيد براين كابس، إن البناء على التربة الصقيعية ينطوي على "الكثير من التجارب، وإن المرافق التي نراها أساساتها الغارقة، وأشياء من هذا القبيل، ظهرت لأنّنا كنا نجرّب."

وأشار العقيد في سلاح الجو، الذي شغل منصب قائد قاعدة "تولي" في 2015-2016، ستيوارت بيتيس، إلى أن أيّ نوع من البناء في البيئة المحيطة سيكون صعبًا بشكل استثنائي.

وأضاف: "كل شيء يعتمد على التربة الصقيعية الدائمة، التي إذا تعرضت للذوبان فلن تعود أبدًا، ويجب الحفاظ على هذا الجو باردًا".

وتمتد القاعدة على مساحة 264 ميلًا مربعًا (683.75 كيلومترًا مربعًا)، وتتكون اليوم من عشرات المباني، و 65 ميلًا (104.60 كيلومترًا) من الطرق غير المعبدة، ومدرج يبلغ طوله 10 آلاف قدم (3048 مترًا).

وتعمل قاعدة "تولي" بمولدات تُشَغَّل بوقود نفاث مستورد، وتوجد منافذ كهربائية في كل مكان لضمان توصيل الكهرباء لجميع السيارات وتدفئتها.

في ديسمبر/كانون الأول، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية منح عقد صيانة جديد بقيمة 3.95 مليار دولار لشركة إنوكسوك إيه/إس المشكلة حديثًا، المملوكة لشركات في غرينلاند والدنمارك والولايات المتحدة.

وستُخَصَّص الأموال للتحسينات المهمة، مثل تحديث البنية التحتية للطاقة والاتصالات في القاعدة، ومعالجة مخاطر المناخ وتجديد المهاجع.

وحضر مهندسو الإنشاءات إلى موقع قاعدة "تولي" الخريف الماضي؛ لتقييم الأضرار الهيكلية، وأشاروا إلى خطر يستوجب إغلاق المبنى بشكل دائم بسبب احتمال الانهيار.

وبالنظر إلى حرب روسيا مع أوكرانيا ومهام الدعم التي تستنفذها الولايات المتحدة من القاعدة، مثل نظام الإنذار المبكر من الصواريخ الباليستية، وُضعَت بعض التجديدات على الموقد الخلفي.

وكان من المقرر إجراء تجديد كبير لرادار قاعدة "تولي"، ولكن تأجّل إلى أجل غير مسمى بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، حسبما نشرته مؤسسة إنسايد كلايمت نيوز المعنية بالشؤون البيئية (Inside Climate News) في 26 فبراير/شباط الجاري.

توبيخ من البنتاغون

في أبريل/نيسان الماضي، أصدرت وزارة الدفاع الأميركية تقريرًا ينتقد القادة في قواعدها العسكرية الـ6 في القطب الشمالي ومحيطه؛ لفشلهم في تنفيذ خطط الطوارئ المناخية كما يقتضي القانون الأميركي، حسب تقرير اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

ووجد المحققون أن هؤلاء القادة "لم يمتثلوا لمتطلبات تحديد المخاطر البيئية الحالية والمتوقعة ونقاط الضعف وتدابير التخفيف".

وأفادوا أن قادة القاعدة كانوا يركّزون بشكل كبير على الظروف الحالية، وفشلوا في تحليل التهديدات المناخية طويلة المدى، وألقى التقرير باللوم على البنتاغون نفسه لتقديمه توجيهات وموارد غير كافية لتقييم تداعيات التغير المناخي.

تجدر الإشارة إلى أن وزارة الدفاع الأميركية تدير أكثر من 1700 منشأة عسكرية عالمية على طول السواحل، وهي مناطق عانت من آثار التغير المناخي.

في عام 2019، وجد البنتاغون أنّ ما لا يقلّ عن ثلثي المنشآت البالغ عددها 79، التي تمّ التحقيق فيها، كانت تعاني من أضرار ناجمة عن تكرار الفيضانات، مع تعرُّض نصفها الآخر لظروف الطقس القاسية مثل الجفاف أو حرائق الغابات.

وعلى الرغم من حجب معظم المعلومات بشأن قاعدة "تُولي" الجوية، فإن التقرير يشير إلى أنه من المقرر إجراء تجديدات رئيسة في القاعدة حتى عام 2025.

عرّف تحليل منفصل للمخاطر المناخية لعام 2021 التغير المناخي بأنه تهديد خطير يقوّض قدرة القوات المسلحة على تأمين الولايات المتحدة والدفاع عنها.

في ذلك العام، أمر الرئيس الأميركي جو بايدن مسؤولي الدفاع بدمج تأثير المناخ وإدارة المخاطر في خططهم لجميع المنشآت العسكرية.

وتتضمن الوثيقة صورًا للشقوق والمنخفضات على المدرج وفي حظائر الطائرات الناجمة عن تجمد المياه وذوبانها جرّاء ذوبان التربة الصقيعية، واحتوت على صور للأضرار التي لحقت بالدروع المستعملة لمنع الفيضانات على طول الجسور.

التهديد الرهيب لذوبان الغطاء الجليدي

في المرتبة الثانية بعد القارة القطبية الجنوبية من حيث الحجم، يغطي الغطاء الجليدي في غرينلاند 80% من البلاد، ويصل سمكه إلى مِيليْن (3.21 كيلومترًا).

ويعتقد العلماء أن الجليد قد يكون عمره 18 مليون سنة، باستثناء القارة القطبية الجنوبية، يبلغ حجم الغطاء الجليدي 4 أضعاف حجم الجليد والأنهار الجليدية الأخرى على الأرض مجتمعة.

وفقدت غرينلاند ما يكفي من الجليد في يوم واحد -فقط الصيف الماضي- لغمر ولاية فلوريدا بأكملها في بوصتين (5.08 سنتمترًا) من الماء، وفقًا لمنظمة الأرصاد الجوية العالمية.

ويعدّ هذا أكبر مساهم في ارتفاع مستويات سطح البحر، مع إضافة ملليمتر سنويًا، ومن المتوقع أن يؤدي ذوبان الجليد في الجزيرة إلى زيادة مستوى سطح البحر العالمي بما لا يقلّ عن 11 بوصة (27.94 سنتمتر) بحلول نهاية القرن.

وفي حالة ذوبان الصفيحة الجليدية بأكملها، فستضيف 24 قدمًا (731.52 سنتمترًا) من الماء إلى مستوى سطح البحر، ما يؤدي إلى إغراق كل مدينة ساحلية رئيسة في الولايات المتحدة، من ميامي إلى سان فرانسيسكو، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وتُعدّ الأنهار الجليدية مكتبات للتاريخ، وقصصًا متحجرة يسافر الباحثون من جميع أنحاء العالم لاكتشافها، وقد تكون غرينلاند أكثر النظم البيئية المدروسة في العالم.

وظهرت مخاوف بشأن التلوث مؤخرًا، عندما هدد التغير المناخي بكشف البقايا النووية، وكُلِّفَ علماء من هيئة المسح الجيولوجي للدنمارك وغرينلاند بمراقبة المشكلة.

على صعيد آخر، يكشف الذوبان البكتيريا والفيروسات القديمة، والتي حذّر العلماء من أنها قد تؤدي في يوم من الأيام إلى جائحة.

وقال الجيولوجي في هيئة المسح الجيولوجي للدنمارك وغرينلاند، نايجل بيكر، إنه حتى تلك اللحظة، لم يقم أحد بتقييم مخاطر الانهيار الأرضي الناجم عن تغير المناخ في غرينلاند.

وأوضح أن ذوبان التربة الصقيعية وزيادة هطول الأمطار يمكن أن يقوّض المنحدرات؛ ما يؤدي إلى تفاقم الاحتمال.

التغير المناخي
ذوبان الجليد في غرينلاند – الصورة من موقع إنسايد كلايمت نيوز

ثروات القطب الشمالي

استثمرت الصين أكثر من 90 مليار دولار فوق الدائرة القطبية الشمالية في البنية التحتية ومشروعات أخرى، وفقًا لمسؤولين أميركيين، بهدف إنشاء "طريق الحرير القطبي" للتجارة.

وتعلم بكين أنها لا تستطيع التوسع في القطب الشمالي بمفردها، وهي بحاجة إلى روسيا، وأصبحت العلاقة القطبية الشمالية بين البلدين مفيدة بشكل متزايد لكلا البلدين، حسبما نشرته مؤسسة إنسايد كلايمت نيوز المعنية بالشؤون البيئية (Inside Climate News) في 26 فبراير/شباط الجاري.

ولدى بكين عقد مدّته 30 عامًا مع روسيا لاستيراد الغاز من حقول يامال في سيبيريا وحصة 20% في شركة يامال للغاز الطبيعي المسال، وهي شركة غاز طبيعي مسال في القطب الشمالي الروسي.

من ناحيتها، تعتمد روسيا بشكل أكبر على التكنولوجيا الصينية لدعم ناقلات الغاز لديها، إذ تراجعت الشركات الغربية عن البلاد؛ ردًا على غزوها لأوكرانيا.

وضاعفت الصين من جهودها لشراء العقارات وتوسيع وجودها في غرينلاند، بعد أن تجاوزت الولايات المتحدة منذ مدة طويلة بصفتها أكبر منتج للمعادن الأرضية النادرة.

وتمثّل الصين حاليًا 85% من الإنتاج العالمي، وتوجِّه أنظارها الآن إلى مكامن الخام الغنية في غرينلاند.

تشير التقديرات إلى أن الجبال المحيطة ببلدة نارساك الريفية في جنوب غرينلاند تحتوي على ربع المعادن الأرضية النادرة في العالم، والتي يُحتمل أن تصل إلى مليار طن.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق