التغير المناخيتقارير التغير المناخيرئيسية

تغير المناخ قد يدفع الإنسان للانتحار

أسماء السعداوي

هل يراودك شعور بالقلق من تغير المناخ عند قراءة الأخبار بشأن الفيضانات أو الجفاف أو ذوبان الجليد؟ إذا كانت الإجابة بنعم فأنت لست وحدك؛ فهي ظاهرة آخذة في الانتشار.

وبينما تتوالى التحذيرات من تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري في صحة الأرض؛ حذّر علماء النفس من ظهور نوع جديد من القلق المرتبط بالمناخ، لكن لا يرقى إلى درجة الاضطراب النفسي.

وفي حالات متقدمة، يتسبّب ذلك القلق في عرقلة القدرة على للعمل يومًا بعد يوم، والشعور بالاغتراب عن العائلة والأصدقاء، والضيق عند التفكير في المستقبل، وأفكار متطفلة بشأن من سينجو من كوارث تغير المناخ.

وأصبح المرضى المصابون بهذا النوع من القلق يتفقدون بهوس الأخبار بشأن الطقس القاسي، ويقرأون الدراسات المناخية، ويتبعون نشاطات مناخية متطرفة، بل إن البعض يرى أن الانتحار هو الحل الوحيد أو قد لا يرغبون بالإنجاب.

ويصف الخبراء القلق المناخي بكونه "وحشًا جديدًا" لا نعلم تمام المعرفة كيفية التعامل معه، ولذلك طلب بعضهم وضع قواعد جديدة تمامًا للعلاج؛ لأنه سيكون من الخطأ التعامل معه وعلاجه مثل الأنواع الأخرى الموجودة منذ عقود.

وما زالت هناك وصمة عار وبخاصة لدى البالغين من الاعتراف بأن حياتهم قد تأثرت بشدة، لكن المعالجين سجّلوا زيادة في الطلب للعلاج من آثار تغير المناخ؛ إذ اعترف المرضى لمعالجيهم بأن له تأثيرًا عميقًا في صحتهم العقلية، كما تشير الدراسات إلى أن هذا النوع من القلق ينتشر على نطاق واسع.

القلق بشأن تغير المناخ

يصعب تحديد ماهية القلق المناخي بالظبط، كما أن الخوف لدى معظم الأفراد بشأن الاحتباس الحراري غير واضح، ولذلك ما زال من غير المعلوم ما يتعين فعله للعلاج.

تقول المعالجة النفسية كارولين هيكمان، إن مساعدة إنسان ما على التغلب على الخوف من الكلاب مثلًا، يكون عن طريق بناء رابط ثقة بين الطرفين وتنمية مهارات التعامل لحين خفض التوترات، لكن القلق بشأن تغير المناخ "أسوأ بكثير".

وفي كتابها بعنوان "الدليل الميداني للقلق المناخي"، تقول المؤلفة سارة راي، إن طالبة كانت تعاني شعورًا بالذنب تجاه البيئة لدرجة توقفها عن استهلاك الكثير من الأشياء ومنها الطعام.

الجفاف يهدد الأنظمة الزراعية وأمن الغذاء
الجفاف يهدد الأنظمة الزراعية وأمن الغذاء - الصورة من "griffith.edu.au"

ووجدت دراسة نشرتها مجلة "ذا لانسيت بلانتيري هيلث" (The Lancet Planetary Health) في عام 2021، أن 59% ممن استُطلعت آراؤهم يشعرون بالقلق الشديد أو البالغ بشأن تغير المناخ، ورأى 59% منهم أن للظاهرة تأثيرًا سلبيًا في حياتهم اليومية.

كما وجد استطلاع للرأي في العام الماضي (2023) أن المعالجين في المملكة المتحدة رصدوا زيادة كبيرة في عدد المرضى الذين يصفون تغير المناخ بوصفه عاملًا في صحتهم العقلية أو شعورهم بالضيق، وهي زيادة من المتوقع أن تستمر.

وما يدعو إلى الإحباط هو أن القلق المناخي قد يتداخل مع مشكلات الصحة النفسية الموجودة بالفعل، وهو ما يصعّب عملية تحليله بمفرده.

وعلى نحو خاص، سجّل المعالجون النفسيون ارتفاعًا في المرضى المصابين بالقلق المناخي عند ورود أخبار بشأن تغير المناخ، أو في أوقات انعقاد مؤتمرات المناخ التابعة للأمم المتحدة، أو صدور تقرير علمي، أو حالات الطقس السيئ.

وكان العلماء العاملون على ظاهرة تغير المناخ في طليعة صفوف الذين يعانون القلق المناخي.

ذوبان الجليد يهدد التنوع البيولوجي
ذوبان الجليد يهدد التنوع البيولوجي - الصورة من موقع صندوق النقد الدولي

هل ثمة علاج للقلق المناخي؟

ولا تُعد أساليب العلاج الحالية مناسبة دائمًا في هذه الحالة، وبالنسبة للمعالجين، أصبح الأمر يتطلب إرساء قواعد جديدة، وفق ما جاء في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ.

ويرى المعالجون النفسيون أن القلق المناخي ليس اضطرابًا؛ حيث يقول المتخصص في علم النفس السريري باتريك كينيدي ويليامز، ومقره أكسفورد بالمملكة المتحدة: "نَعُده استجابة مفهومة لخطر حقيقي ومنطقي".

ولا توجد حالة نموذجية للقلق بشأن البيئة والمناخ، وربما يحتاج بعض المرضى للنقاش بشأن تجربتهم المباشرة لآثار تغير المناخ مثل الفيضانات أو حرائق الغابات، في حين ربما يرغب آخرون بالحديث بشأن شعورهم بالذنب تجاه معاناة الآخرين مع الأصدقاء أو العائلة.

وقد يصل الأمر إلى أن الأشخاص ربما لا يدركون وجود القلق، بحسب ويليامز، بل يصفون الأمر بالصدمة أو الحزن أو الاكتئاب.

وعادة ما ينتهي القلق بشأن المناخ مرتبطًا بمشكلات أخرى في مسار حياة الفرد، ومنها الاختيار بين إنجاب الأطفال من عدمه أو مكان العيش وسبل كسب لقمة العيش، وهي خيارات مرهقة للغاية.

ترتبط بعض أنواع القلق بمحفزات محددة يمكن معالجتها مباشرة، لكن تغير المناخ أوسع نطاقًا، ولا يمكن حل تلك المشكلة العالمية بوساطة شخص واحد؛ لذلك من المستحيل منح شعور بالثقة أو السيطرة على المشكلة.

كما يشعر العديد من المرضى بأن السياسيين "نائمون على عجلة القيادة"، وهو ما يزيد الإحساس بفقدان السيطرة على الأمور.

ومن المثير للدهشة هو أن القلق بشأن المناخ مرتبط بإنكار وجوده، لكن الخبراء يقولون إن الاثنين وجهان للشعور نفسه.

وتقول المعالجة النفسية هيكمان: "أصحاب نظرية المؤامرة مطمئنون.. إذا كنت لا تتحمل القلق، ستميل لتصديق شخص يمنحك وعودًا كاذبة".

تقول خبيرة علم النفس التربوي المتخصصة في علم نفس المناخ لويز إدغينغتون، إن التغلب على تلك المشاعر هو المفتاح لحل أزمة المناخ، مشيرة إلى أن الشعور بالخوف وعدم التمكين دفع الناس إلى الانزواء والتركيز على الحفاظ على الذات والبقاء على قيد الحياة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق