التقاريرتقارير الغازسلايدر الرئيسيةعاجلغاز

صفقة غاز روسية مشبوهة تثير الشكوك حول علاقة توتال إنرجي بـ"بوتين"

صديقان للرئيس الروسي يربحان 1.6 مليار دولار من صفقة يامال للغاز المسال

أمل نبيل

أثار تخلي عملاقة الطاقة الفرنسية توتال إنرجي عن حصتها في شركة نوفاتك الروسية المالكة لمشروع يامال للغاز الطبيعي المسال، تساؤلات كثيرة حول توقيت التخارج، خاصة أن 10 أشهر كاملة قد مرت على الهجوم الروسي على أوكرانيا، وانسحاب معظم شركات الطاقة الكبرى من مشروعاتها في موسكو.

ويثير التحقيق التالي، الذي تنشره منصة الطاقة المتخصصة، نقلًا عن صحيفة الغارديان البريطانية، الشكوك حول وجود علاقة خفية بين توتال إنرجي ومكاسب تتجاوز مليار دولار حققها صديقان مقربان للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من بيع أسهمها في مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال، واستغلال جزء من هذه المكاسب في بناء يخت بوتين العملاق "غريسفل".

كريستوف دو مارجري

في المياه الجليدية لميناء سيبيريا، كانت "كريستوف دو مارجري"، وهي سفينة روسية تحمل اسمًا فرنسيًا، جاهزة للتحميل، وصُممت أول ناقلة غاز كاسحة للجليد في العالم لغرض محدد للغاية، وهو فتح طرق للشحن من القطب الشمالي الروسي إلى أوروبا وآسيا خلال أشهر الشتاء.

كان ذلك في ديسمبر/كانون الأول 2017، وانخفضت درجات الحرارة إلى -27 درجة مئوية، لكن السياسيين والمديرين التنفيذيين لشركات النفط المجتمعين في سابيتا، في شبه جزيرة يامال، كانوا مبتهجين، وبإشارة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في موقع الحدث، بدأ الغاز يُضخ في الناقلة.

وقال بوتين: "ربما تكون هذه أكبر خُطوة في تطوير القطب الشمالي"، بحسب صحيفة الغارديان، والمعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

في أثناء مشاهدتهم، لاحظ الحاضرون سمة أخرى مُميزة للسفينة؛ مقدمتها كانت مطلية بشارب أبيض عملاق، وكان الشارب والاسم؛ تكريمًا للرئيس السابق لشركة النفط الفرنسية العملاقة توتال إنرجي، المعروف باسم "الشارب الكبير".

كان دو مارجري قد أمضى سنوات في الانتقال بين باريس وموسكو؛ حيث أقام شراكة بقيمة 27 مليار دولار مع شركة نوفاتك، أكبر مجموعة غاز خاصة في روسيا، وشركة النفط الحكومية الصينية، من أجل تحويل صحراء نائية تحتوي على حقل غاز شاسع غير مستغل إلى مركز صناعي مزدحم.

يوجد في سابيتا الآن ميناء ومطار ومحطة سكة حديدية ومحطة طاقة ومنشأة لتكثيف الميثان في شكله السائل، ثم يُصَدَّر الغاز الطبيعي المسال عن طريق البحر.

الرئيس السابق لشركة توتال إنرجي، كريستوف دو مارجري - صاحب لقب الشارب الكبير
الرئيس السابق لشركة توتال إنرجي، كريستوف دو مارجري - صاحب لقب الشارب الكبير

لم يكن دو مارجري حاضرًا لافتتاح الناقلة؛ إذ لقي مصرعه في حادث وقع قبل ذلك بـ3 سنوات، حينما اصطدمت طائرته الخاصة بجرافة الثلج في مطار موسكو.

تنطوي ممارسة الأعمال التجارية في روسيا على مخاطر، لكن الحوافز قد تكون مغرية؛ في السنوات الـ5 منذ 2017 حتى الآن، جمعت توتال إنرجي أرباحًا بقيمة 1.8 مليار دولار من استثماراتها مع شركة نوفاتك ومشروعها المشترك يامال للغاز الطبيعي المسال؛ منها 750 مليون دولار خلال العام الماضي 2021.

ووصف مستشارو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أرباح توتال إنرجي بأنها "أموال دية".

تخارج توتال إنرجي من نوفاتك

في الأيام التي أعقبت هجوم روسيا على أوكرانيا، عمل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وسيطًا بين البلدين، وأجرى حوارًا مع بوتين قبل أن ينأى بنفسه في النهاية.

واتبعت توتال إنرجي نهجًا مشابهًا؛ فبينما أعلنت كل من شركة النفط البريطانية بي بي وشل نية قطع العلاقات في غضون أيام من غزو 24 فبراير/شباط 2022، وتخارج شركة إكوينور النرويجية؛ واصلت توتال العمل مع شركة نوفاتك.

يوم الجمعة 9 ديسمبر/كانون الأول 2022، غيّرت توتال إنرجي من مسارها، وشطبت قيمة حصتها التي تقارب 20% في نوفاتك، واستقال ممثلوها في مجلس الإدارة بأثر فوري.

بدا التوقيت مفاجئًا، وقال أحد المحللين: إن "السؤال المهم في بيان اليوم هو لماذا الآن وليس قبل ذلك؟"، بحسب رويترز.

وبحسب صحيفة الغارديان، جاء البيان الصحفي لشركة توتال قبل ساعات من الموعد النهائي للرد على خطاب أرسلته الصحيفة البريطانية وحددت موعدًا نهائيًا للرد عليه في الساعة الخامسة مساءً، عن علاقة مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال بالكرملين.

وقالت توتال إنه لا يوجد رابط بين الموعد النهائي والإعلان عن تخليها عن حصتها في شركة نوفاتك، مشيرة إلى أنها قد خفّضت استثمارات روسية بمليارات الدولارات وتخلّت عن مشروع مشترك آخر مع نوفاتك.

وكانت الشركة الفرنسية تُسهم -بالتعاون مع الشركة الروسية- في مشروعات إنتاج الغاز، ومن ضمنها (مشروع يامال للغاز المسال، ومشروع أركتيك للغاز المسال أيضًا).

وقال متحدث رسمي باسم شركة الطاقة الفرنسية: "إن القرار كان خطوة منطقية جديدة، تتماشى مع خطتنا للانسحاب التدريجي من أصولنا الروسية".

العلاقة بين بوتين وشركة نوفاتك

يسلّط تحقيق الغارديان الضوء على الدور الذي أداه عضوان من الدائرة المقربة لبوتين، وهما غينادي تيمشينكو وبيتر كولبين، في إخضاع شركة نوفاتك، أكبر شركة غاز خاصة في روسيا، لسيطرة الكرملين، وتحقيق أرباح ضخمة من هذه العملية.

وقع العديد من هذه الأحداث عندما أُدرِجَت نوفاتك في بورصة لندن؛ حيث كانت أسهمها مملوكة للصناديق الممتازة نيابة عن المُدخرين البريطانيين؛ ما يعكس تعقيدات ممارسة الأعمال التجارية في ظل نظام بوتين.

توتال إنرجي
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برفقة رئيس شركة نوفاتك ليونيد ميخلسون ووزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك - الصورة من الغارديان

كان بيتر كولبين صديق طفولة لبوتين، ويُعتقد أنه توفي في عام 2018، ووصفته حكومة المملكة المتحدة بأنه "الشريك التجاري المزعوم" لبوتين.

وكان كولبين أحد المساهمين في شركة خارجية (أوف شور)، يبدو أنها قد ربحت أكثر من 400 مليون دولار من الأرباح من بيع حصة في مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال.

سُجِّلَت الصفقة في إيداعات الشركة على أنها حدثت في عام 2011، وفي العام نفسه استثمرت توتال 4 مليارات دولار في نوفاتك، ومبلغًا منفصلًا غير مُفصح عنه في مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال.

وقالت توتال إنرجي إنها اشترت حصتها في يامال من نوفاتك، بحسب المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

من خلال تجميع المعلومات من تسريبات شركات الأوف شور، بما في ذلك أوراق بنما، وسجلات الشركات والشحن في قبرص وروسيا، والوثائق المقدمة من مصدر إلى "دوسير سنتر"، وهي وحدة تحقيقات يموّلها رجل الأعمال الروسي المنفي ميخائيل خودوركوفسكي، تتبعت الغارديان شبكةً من الشركات الخارجية السرية (أوف شور) التي يستخدمها كولبين وتيمشينكو (صديقا بوتين) على ما يبدو لإدارة استثماراتهما في يامال.

يبدو أن هذه الشبكة تربط تيمشينكو بالمال الذي دُفِعَ لبناء واحد من أغلى ألعاب بوتين، يخت فاخر بقيمة 100 مليون دولار يسمى غريسفل.

وقالت شركة الطاقة الفرنسية، في بيان: "بالنظر إلى أن استثمارات توتال إنرجي، في نوفاتك ويامال للغاز الطبيعي المسال، تمت علنًا وبالقيمة السوقية، مع مساهمين شرعيين وقانونيين لديهم أنشطة تجارية فعلية ولم يخضعوا لأي عقوبات؛ فإن توتال إنرجي ترفض رفضًا قاطعًا مزاعم لا أساس لها من الصحة ومضحكة بشأن التورط بأي شكل من الأشكال في معاملات مزعومة تهدف إلى إثراء فلاديمير بوتين أو دائرته المقربة".

وأضافت أن نوفاتك وشركاءها تمكنوا من جمع تمويل دولي بمليارات الدولارات لمشروع يامال للغاز الطبيعي المسال من مؤسسات مالية دولية مرموقة.

وأكدت نوفاتك الروسية أنها تتبع معايير حوكمة صارمة للشركات، ويتم التحقق من بياناتها المالية من قِبل مدققين خارجيين ومجلس إدارتها، الذين يشملون أعضاء مستقلين من مجتمع الأعمال الدولي.

وأشارت إلى أن المعاملات في الشركة كانت تتم دائمًا وفقًا لشروط السوق ومفيدة لجميع المساهمين.

وأضافت: "نوفاتك لا تعلم، ولا تعلّق على الإجراءات التي يتخذها أشخاص غير مشاركين في إدارة الشركة وكذلك المعاملات خارج أنشطة الشركة".

مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال

اكتُشف حقل غاز جنوب تامبي في السبعينيات من القرن الماضي، في شبه جزيرة يامال النائية؛ حيث توفر السهول الثلجية موطنًا حيويًا لحيوانات الرنة والدببة القطبية والطيور البرية.

في حملة الخصخصة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي في منتصف التسعينيات، استغل العقيد السابق في المخابرات السوفيتية، نيكولاي بوغاتشيف، الفرصة وحصل على رخصة حقل جنوب تامبي، ودخل في شراكة مع نوفاتك.

تأسست نوفاتك على يد ليونيد ميخلسون، وهو مهندس يبلغ من العمر 67 عامًا بدأ رئيسَ عمال إنشاءات قبل بدء أعماله الخاصة.

وبحثًا عن رأس المال لبدء الحفر، أبرم ميخلسون اتفاقية مع توتال إنرجي في صيف عام 2004، لبيع ربع أسهم نوفاتك للشركة الفرنسية، لكن الصفقة واجهت معارضة سياسية، ورفضت دائرة مكافحة الاحتكار الفيدرالية الروسية منح موافقتها؛ لذا اتجهت نوفاتك للإدراج في بورصة لندن، وجمعت 880 مليون دولار.

توتال إنرجي
مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال - الصورة من الغارديان

ويبدو أن عملية الإدراج التي تمت في عام 2005، كانت حافزًا لسلسلة من الصفقات، وكانت -أيضًا- مدة جرى خلالها تغيير ترخيص حقل ساوث تامبي عدة مرات.

سرعان ما وجد الكولونيل نيكولاي بوغاتشيف نفسه تحت ما يعتقد أنه ضغوط حكومية لبيع حصته البالغة 74.9% في مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال (غاز جنوب تامبي)، بعد أن قدمت "غازبروم بنك"، وهي شركة تابعة لشركة الغاز الروسية العملاقة المملوكة للدولة غازبروم، شكوى قانونية.

زعم فيكتور نجل الكولونيل بوغاتشيف، الذي أُرسِلَ للعيش في الولايات المتحدة الأميركية، في مقابلة عام 2017، أن والده تعرّض لحملة ترهيب.

وأضاف: "كانت هناك مداهمات على مكتبه بالبنادق في محاولة للحصول على معلومات، كانت هناك 3 سيارات تتبعه في جميع الأوقات، عندما كنا في مكتبه، كان يرفع صوت التلفزيون بصوت عالٍ ويخبرنا في همسات ما هي التطورات".

وتابع: "لحسن الحظ بسبب علاقاته، لم يُطَارد بطريقة قد تهدّد حياته".

الدائرة المقربة لبوتين

فاز بوغاتشيف بالقضية القانونية عند الاستئناف، لكنه وافق على بيع حصته في مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال إلى شركة خاصة، ثم وضعت غازبروم أنظارها على نوفاتك؛ حيث استحوذت على جزء من أسهمها وحصلت على مقعدين في مجلس الإدارة.

واحتاج ليونيد ميخلسون إلى إستراتيجية خاصة؛ فمن دون الحماية السياسية، ربما واجه مؤسس شركة نوفاتك ضغوطًا مماثلة لضغط الكولونيل نيكولاي بوغاتشيف.

توتال إنرجي
المدير السابق لشركة نوفاتك، غينادي تيمشينكو

وقال النائب السابق لوزير الطاقة في عهد بوتين، فلاديمير ميلوف، وهو الآن ناشط معارض ذو مكانة كبيرة: "لم يكن بإمكان نوفاتك البقاء على قيد الحياة بوصفها مُنتجًا مستقلًا للغاز إذا لم تسمح لأشخاص من الدائرة المقربة لبوتين بالدخول وأن يصبحوا مساهمين في الشركة".

وأضاف: "ما فعله ميخلسون هو الاندماج الأكثر سلاسة مع رجال الكرملين، ليس استيلاءً عدائيًا، بل ضَمن لنفسه القدرة على تنفيذ رؤيته".

في هذه المرحلة، أصبح غينادي تيمشينكو (صديق بوتين) مساهمًا في نوفاتك، واستحوذ على حصة 5% من أسهم الشركة من خلال مجموعته "فولغا غروب".

ويعرف تاجر النفط ذو الـ70 عامًا، المقيم في مدينة سانت بيترسبيرغ الروسية، فلاديمير بوتين منذ التسعينيات، وارتقى الاثنان في الرتب التجارية والسياسية جنبًا إلى جنب.

ويشتركان في شغف الجودو وهوكي الجليد والكلاب، وأخبر تيمشينكو ذات مرة أحد المحاورين بأن حيوانته الأليفة "رومي" هي ابنة كلب بوتين "كوني" أسود اللون من فصيلة لابرادور، وأمضت أسابيعها الأولى جروًا تعيش في أحد القصور الرئاسية.

في عام 2008 -أيضًا- استحوذ تيمشينكوف على 74.9% من أسهم يامال للغاز الطبيعي المسال التي تخلى عنها الكولونيل بوغاتشيف، جرت الصفقة في الخارج، في قبرص؛ حيث لا يوجد التزام بإعلان من يمتلك الشركة في النهاية".

اشترت الكيانات القبرصية المُسجلة "ألدي للتجارة المحدودة" و"أورسل للاستشارات المحدودة" 25% لكل منهما، و"إنيكتو للمشروعات المحدودة" 24.9%، تربط الوثائق المسربة، الشركات الـ3، بغينادي تيمشينكو، وقد أُعلن لاحقًا وجود صلة بينهما.

في أبريل/نيسان 2009، استحوذت شركة قبرصية أخرى، "فاريكس إنتربرايز"، على 25.1% من أسهم يامال من غازبروم.

وفقًا لتقارير صحفية، لم تظهر هوية المالك الجديد لأسهم يامال إلا في العام التالي، وأطلقت وكالة أنباء إنترفاكس على المشتري اسم كولبين (الصديق الآخر لبوتين).

ومنذ ذلك الحين ظهر أن بيتر كولبين وفلاديمير بوتين نشآ معًا في قرية إمينيتسي بالقرب من الحدود الإستونية، كان أبواهما صديقين وفي سن المراهقة تشاجرا مع أولاد من قرية مجاورة.

كانت حياتهما في البلوغ متباينة؛ حيث عمل كولبين في النهاية في متجر جزار سوفيتي، بينما انضم بوتين إلى المخابرات السوفيتية، ومع ذلك، لم ينسَ الرئيس الروسي أبدًا صديقه القديم؛ فقد أرسل لكولبين خطابًا لتهنئته بعيد ميلاده بعد مدة وجيزة من توليه رئاسة الدولة.

شركة نوفاتك

في مايو/أيار 2009، أعلنت شركة فولغا غروب، أنها زادت حصتها في نوفاتك، وعُيِّنَ غينادي تيمشينكو تيمشينكو مديرًا لها.

وبوصفها جزءًا من الصفقة، استحوذت نوفاتك على حصة 51% من مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال، من فولغا غروب والشركات المرتبطة بها.

ويمتلك تيمشينكو وشركة غازبروم الروسية المملوكة للدولة الآن حصصًا أكثر في نوفاتك من ميخلسون وفريق إدارته.

وقالت صحيفة "كوميرسانت" المالية، تعليقًا عن الصفقة: "فقدت نوفاتك استقلالها".

وأوضحت المؤرخة والمؤلفة، آن أبلباوم، أن السيطرة على الشركات المهمة إستراتيجيًا أمر أساسي في سياسة حكم بوتين.

وترتبط قبضة بوتين على السلطة في روسيا ارتباطًا وثيقًا بهجومه على الأوليغارشية -رجال الأعمال في الجمهوريات السوفيتية السابقة- ومحاولاته السيطرة عليهم، بهدف التأكد من أن الجميع يمارسون الأعمال التجارية في روسيا فقط بإذن منه.

الغاز الروسي

حتى هذا العام (2022)، نُقِلَ معظم الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا، لكن التدفقات من موسكو توقّفت إلى حد كبير في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا.

بالنسبة إلى بوتين؛ فإن تصدير الغاز عن طريق البحر في شكل غاز طبيعي مسال شديد البرودة إلى شركاء تجاريين لا يزالون حلفاء مثل الصين والهند، يمثّل الآن أولوية قصوى.

أهمية مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال ليست تجارية فقط؛ بل سياسية؛ فقد قال الشريك في شركة الاستشارات روس إنرجي، ميخائيل كروتيخين: "كان أحد طموحات بوتين هو إعادة السيطرة الروسية على ساحل القطب الشمالي".

وكان الوجود العسكري لموسكو في المنطقة ضعيفًا، بسبب سقوط الاتحاد السوفيتي، وكان بوتين مقتنعًا بأن التجارة يمكن أن تساعد في عكس ذلك.

في عام 2011، سُمِحَ لشركة توتال أخيرًا بامتلاك حصص من أسهم نوفاتك.

وفي 2 مارس/آذار من ذلك العام، استحوذت الشركة الفرنسية على 14.1% من أسهم نوفاتك مقابل 4 مليارات دولار، والتي تقول توتال إنها اشترتها من ليونيد ميخلسون (مؤسس الشركة) وغينادي تيمشينكو (صديق بوتين).

كما استحوذت على حصة مباشرة بنسبة 20% من مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال من نوفاتك مقابل مبلغ لم يُكشف عنه.

وقالت توتال إنها اشترت أسهم يامال من شركة نوفاتك، والشركات التابعة لها المملوكة بنسبة 100%.

وأضافت أنه في كل الصفقات المبرمة دفعت توتال المبالغ المستحقة مباشرة إلى أصحابها أو من خلال شركات مقرها داخل الاتحاد الأوروبي.

بعد أيام من صفقة توتال، وتحديدًا في 14 مارس/آذار 2011، أظهرت الحسابات أن فاريكس -المملوكة لصديق بوتين بيتر كولبين- باعت أسهمها في يامال مقابل 526 مليون دولار، محققة أرباحًا تُقدَّر بنحو 416 مليون دولار.

في سبتمبر/أيلول من ذلك العام (2011)، باع تيمشينكو -أيضًا- حصة "إنيكتو للمشروعات المحدودة" البالغة 23.9% في حقل يامال مقابل 450 مليون دولار.

بعد إضافة المعاملات المختلفة، يبدو أن تيمشينكو وكولبين قد باعا أسهم مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال مقابل 1.6 مليار جنيه إسترليني (1.9 مليار دولار).

واستحوذا على المشروع بأكمله في عام 2008، وباعا بعضه في عام 2009، والباقي في عام 2011.

ونظرًا إلى أن الحسابات التي تكشف عن هذه الصفقات قُدِّمَت فقط في عام 2014، عندما كانت الشركات القبرصية قيد التصفية؛ فقد ظلت الأرباح مخفية عن الأنظار سنوات، ولم تذكر الإيداعات اسم مشتري حصص تيمشينكو وكولبين.

اليخت غريسفل

مع حمامات رخامية وأثاث جلدي مزخرف، ومهبط للطائرات العمودية ومسبح داخلي بطول 15 مترًا يمكن تغطيته لإنشاء حلبة للرقص، يكلّف اليخت الفاخر "غريسفل" أكثر من 5 ملايين دولار سنويًا للصيانة.

توتال إنرجي
يخت غريسفل الفاخر

تشير المستندات والأوراق المُسرّبة من نزاع قضائي اكتشفته محطة الإذاعة الفنلندية (واي إل إي)، إلى أن اليخت مُوِّلَ جزئيًا من قِبل شركة تتخذ من جزر فيرغين البريطانية مقرًا لها تسمى "أولنيل أسيتس".

حتى عام 2019، ذُكِرَت أولنيل في سجل شحن "لويدز" بوصفها مالكة ليخت غريسفل، ويبدو أن أولنيل كانت جزءًا من شركة تيمشينكوف وكولبين خارج الحدود.

وفي عام 2022، نُقِلَت ملكية غريسفل إلى سجل الشحن الروسي؛ حيث امتلكته شركة روسية، والتي كانت في النهاية مملوكة لشركة جزر فيرغن البريطانية.

وتشير الوثائق الخارجية إلى أن شركة "نافوليشون فينشرز ليمتيد"، التي تتخذ من جزر فيرغين البريطانية مقرًا لها، خاضعة لسيطرة تيمشينكو (صديق بوتين المقرب).

ولا يوجد دليل على أن اليخت مُوِّلَ بأموال جرى الحصول عليها من صفقة يامال، تُقدّر ثروة تيمشينكو بنحو 13 مليار دولار ويمكن أن يكون مصدر السيولة من استثمارات أخرى.

في عام 2013، حصل تيمشينكو على أعلى وسام استحقاق في فرنسا، وسام جوقة الشرف "ليجيون دو هونور" من الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا أولاند، على الرغم من إدراجه في القائمة السوداء من قِبل الولايات المتحدة بعد عام، بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم.

بعد مدة وجيزة من الحرب الروسية على أوكرانيا، استقال غينادي تيمشينكو من مجلس إدارة شركة نوفاتك.

الغاز الطبيعي المسال الروسي

عارضت أوروبا الحرب الروسية على أوكرانيا بشدة؛ ما أثر في التدفقات الروسية من الغاز الطبيعي للقارة العجوز، لكنها لا تزال مستمرة.

ميخلسون الذي لا يزال رئيسًا لشركة نوفاتك، فُرِضَت عليه عقوبات من قِبل كندا والمملكة المتحدة، اللتين لا تعتمدان على الغاز الروسي، بينما لم تُفرَض عليه أي عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة؛ ولم تُعَلِّق بروكسل على الأمر.

لا يزال انسحاب توتال، من روسيا جزئيًا، ولا تزال تحتفظ بأسهم في مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال، ومشروع آخر واعد مع نوفاتك، أركتيك للغاز الطبيعي المسال.

وأشارت توتال إنرجي إلى أنها ستستمر في قبول توزيعات الأرباح إذا دُفِعَت.

وقال متحدث باسم الاتحاد الأوروبي: "طلبت سلطات الاتحاد الأوروبي من شركة توتال إنرجي المساهمة في تأمين إمدادات الغاز الأوروبية من محطة يامال للغاز الطبيعي المسال في إطار العقود طويلة الأجل التي يجب على الشركة الالتزام بها ما دام أن الحكومات الأوروبية لا تفرض عقوبات على الغاز الطبيعي المسال الروسي".

في هذه الأثناء، تبحر السفينة كريستوف دو مارجري، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، وأظهر متعقب للسفن أنها قامت برحلتين لمحطات الغاز الطبيعي المسال في إسبانيا، وتعبر الآن القطب الشمالي في طريق عودتها إلى سيبيريا.

توتال إنرجي
أول ناقلة غاز كاسرة للجليد في العالم، السفينة كريستوف دو مارجري الروسية - الصورة من الغارديان

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق