التقاريرالنشرة الاسبوعيةتقارير السياراتسلايدر الرئيسيةسيارات

سوق السيارات في الجزائر بين الإفلاس والهجرة.. القصة الكاملة

عماد الدين شريف - الجزائر

على الرغم من حالة الانتظار والترقب في سوق السيارات في الجزائر، فإن وزير الصناعة أحمد زغدار، لم يجد أفضل من الرد على تطلعات شريحة واسعة من المواطنين بربط استئناف استيراد السيارات بـ"اعتمادات" تمنحها لجنة دراسة الملفات المعنية، قال إنها أبدت تحفظات على طلبات الوكلاء والمتعاملين، إذ درست اللجنة -إلى حد الآن- 27 ملفًا من أصل 66 ملفًا أُودِعت من طرف المتعاملين الاقتصاديين، دون منح أي اعتماد.

ويبدو أنّ الوزير الحالي للصناعة يرث "تركة ثقيلة" اسمها "ملف السيارات"، أطاحت على مدار السنوات الماضية بوزراء القطاع السابقين، وسببت صداعًا مزمنًا للحكومة.

ولم يأتِ هذا الصداع لكون "التركة" ملفًا معقدًا يكبّد الخزينة العمومية إنفاق المليارات سنويًا على الواردات ويؤدي إلى تعميق جرح العجز في الموازنة العامة فحسب، وإنما لارتباطه -أيضًا- بصراع أطراف نافذة، يسعى كل منها للاستحواذ على هذه "الغنيمة".

سوق السيارات "كعكة" تسيل لعاب الطامعين

بعد سنوات من "البحبوحة" المالية والإنفاق غير المحسوب وعدم إيلاء الاهتمام بالفساد المستشري في العديد من القطاعات، وعلى رأسها قطاع السيارات، أعادت أزمة أسعار برميل النفط الحكومة إلى "رشدها" في ظل التراجع الرهيب للمداخيل الوطنية من جراء تهاوي سعر النفط، تواصل منذ يونيو/حزيران 2014، ليبلغ 30 دولارًا في يناير/كانون الثاني 2016، لتجد الحكومة الجزائرية نفسها مضطرة إلى الاستنجاد بإجراءات استعجالية أخذت شكل تسقيف الواردات من السيارات وتحديد الحصص المخصصة لكل وكيل.

ومن الإجراءات المستعجلة للحد من الانهيار والتفاقم القياسي في موازنة الدولة، إدراج رخص الاستيراد وتحديد سقفه بـ152 ألف وحدة، وهو السقف الذي ما فتئ يتراجع إلى أن بلغ 90 ألف سيارة مستوردة بحد أقصى في كل سنة.

وهو قرار سرعان ما تبين أنه لا يكفي للحد من نزيف العملة؛ لأن الحيل وطرق تهريب العملة الصعبة معقدة ومتنوعة، ومنها تضخيم فاتورة الاستيراد من قبل الوكلاء، كونها أبرز ذريعة لتهريب العملة الصعبة الوطنية نحو الخارج.

وعلى الرغم من هذا، لم يتوقف الصراع بين المتعاملين ورجال الأعمال للحصول على التمثيل الرسمي في السوق الوطنية للعلامات العالمية المصنعة للسيارات، وإنما تواصل ليتجاوز حد التنافس الاقتصادي إلى تكريس العلاقات والنفوذ السياسي.

وأدى ذلك إلى نزع توزيع علامة "هيونداي" الكورية وتمثيلها -على سبيل المثال- من رجل الأعمال عمر ربراب (ابن أغنى رجل أعمال في الجزائر أسعد ربراب)، لمنحها إلى محيي الدين طحكوت أحد المقربين من السلطة والوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى.

وهو المصير نفسه الذي عرفه رجل الأعمال عبدالرحمان عشايبو الذي نُزعت منه علامة "كيا"، لتُمنح إلى محمد عرباوي في وقت لاحق.

أول سيارة مستوردة
سيارات مستوردة - أرشيفية

توقيف استيراد السيارات منذ 4 سنوات

لم تتجدد الحظيرة الوطنية للسيارات منذ أربع سنوات، حين قررت الحكومة تجميد استيراد السيارات الجديدة مطلع 2018، ضمن مساعٍ لكبح فاتورة واردات المركبات والسيارات في المقام الأول التي تخطت 4 مليارات دولار سنة 2016، حسب الأرقام الرسمية.

وسببت هذه الفاتورة تفاقم العجز في الموازنة العامة للبلاد، إثر الدواعي التي أعلنتها الحكومة -وعلى رأسها الوزير الأول وقتئذ أحمد أويحيى- تحت ذريعة إطلاق صناعة ميكانيكية محلية، سرعان ما انقشعت الغيوم عنها لتكشف عن ملفات فساد كبيرة نخرت في جسد الدولة وأطاحت بمجموعة كبيرة من المسؤولين عن الملف بالإضافة إلى الوكلاء المعتمدين وأصحاب المصانع الخمسة الذين ما يزالون حتى الآن وراء القضبان في قضية ضخمة عرفت بـ"تمويل حملة الرئيس السابق مقابل الحصول على الامتيازات".

نزيف متواصل للعملة الصعبة

لم تنجح الحكومة في وقف نزيف ارتفاع فاتورة الواردات الوطنية، على الرغم من توقيف عمليات الاستيراد الخاصة بالسيارات الجديدة، إذ تحولت هذه التكاليف إلى فاتورة واردات مجموعة الأجزاء الموجهة لتركيب السيارات على مستوى المصانع المحلية التي تواصلت في الارتفاع دون أنّ تسدد المستحقات الجمركية والجبائية، كونها أحد الامتيازات التي منحت إلى "المصانع المحلية"، لتبلغ الفاتورة خلال الربع الأول من سنة 2019 ما يزيد على 920 مليون دولار مقابل 758 مليون دولار في المدة نفسها من 2018، بزيادة نسبتها تفوق 21%.

وفي هذا الشأن، أظهرت بيانات مديرية الدراسات والاستشراف التابعة للجمارك (أحدث بيانات مُعلنة) أن قيمة استيراد مجموعة الأجزاء الموجهة لتركيب مركبات الوزن الخفيف بلغت 694 مليون دولار في الربع الأول من 2019، مقارنة مع 652 مليون دولار في المدة نفسها من 2018، بزيادة قدرها ما يقرب من 41 مليون دولار.

ومن جانبها، ارتفعت قيمة واردات مجموعة الأجزاء الموجهة لتركيب مركبات نقل المسافرين والسلع بنسبة تزيد على 100%، إذ بلغت 226 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من 2019 (آخر سنة قبل قرار غلق الاستيراد) مقابل ما يربو على 105 ملايين دولار في المدة المقارنة نفسها، بزيادة قدرها 120 مليون دولار.

وكشفت هذه الأرقام عن أنّ الحكومة الجزائرية خسرت على جميع الأصعدة، من جهة عدم القدرة على تقليص حجم النفقات على الواردات الوطنية، وكذا انعدام المقابل من الحقوق وأعباء الضرائب المقابلة لذلك على السواء.

أما قطع الغيار المستخدمة لصيانة السيارات المستعملة، فقد ارتفعت وارداتها هي الأخرى إلى 102 مليون دولار في الربع الأول من 2019، مقارنة بـ76 مليون دولار في المدة نفسها من 2018، بزيادة تفوق 26 مليون دولار (+33%).

وشمل هذا الاتجاه الصعودي -أيضًا- فاتورة واردات الجرارات التي بلغت 59 مليون دولار، مقابل 46 مليون دولار، بزيادة قدرها 26%.

حكاية مصانع "نفخ العجلات"

بعد أن قررت الحكومة غلق باب استيراد السيارات الجديدة من الخارج، تحوّلت السوق الجزائرية إلى فضاء خصب لما أطلق عليه "مصانع تركيب السيارات المحلية".

فقد منحت الحكومة -بقيادة الوزير الأول السابق أحمد أويحيى- الاعتماد حصريًا لـ5 وكلاء يمثلون 5 علامات، هي "سوفاك" التي تمثّل سيارات مجموعة فولكس فاغن الألمانية (فولكس فاغن وسكودا وسيات) سُلّمت إلى رجل الأعمال مراد علمي، وعلامة "هيونداي" الكورية التي يمثلها رجل الأعمال محيي الدين طحكوت، بالإضافة إلى العلامة الكورية "كيا" التي مُنح تركيبها إلى الوكيل ورجل الأعمال محمد عرباوي، وعلامتا "فيات" و"إيفيكو" إلى الوكيل المعتمد محمد بايري، والعلامة الفرنسية "رينو" الموجودة في وقت سابق.

وبينما عدّت الحكومة في ذلك الوقت "المصانع" المعلنة "بذرة" صناعة ميكانيكية حقيقية، كان الواقع يؤكد عكس ذلك، فقد ارتفعت أسعار السيارات الجديدة المركبة في هذه المصانع بما يعادل 50% على الأقل، بالمقارنة مع أسعار نظيراتها المستوردة.

جاء ذلك على الرغم من جميع الامتيازات التي حظيت بها المصانع المحلية، لا سيما في مجال الإعفاءات في تحمل الأعباء الجمركية خلال عملية استيراد الهياكل والتجهيزات، والامتيازات الجبائية الأخرى، فضلًا عن حصرية البيع في السوق الوطنية دون أدنى منافسة من العلامات الأخرى.

وعلى هذا الأساس، اشترط الوزير الأول أيمن بن عبدالرحمن، في تصريح أخير له، تحقيق الإدماج في المؤسسات الوطنية لصناعة السيارات بنسبة 35% في ظرف 36 شهرًا من النشاط، في إشارة إلى دفتر الشروط والأعباء الجديد المنظم والمؤطر للنشاط.

وجاء هذا الشرط لتفادي تكرار السيناريوهات السابقة، التي خلقت صناعة سماها رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون "المزيّفة"، ومن ثمة خلق قاعدة للمناولة تسهم في صناعة السيارات وتقلص -بالموازاة مع ذلك- من فاتورة الواردات الوطنية لاقتناء المدخلات والتجهيزات ذات العلاقة بها.

أما وزير الصناعة أحمد زغدار، فقد كشف عن التفاوض مع العلامات المصنّعة وقال: "نريد صناعة فاعلة وحقيقية، ونحن في اتصال مع كبريات الشركات من أجل أن تكون لدينا صناعة فعلية"، مؤكدًا أنّ هذا الملف بالنسبة إلى المتعاملين الاقتصاديين يكتسي بُعدًا إستراتيجيًا من أجل إرساء صناعة فعلية حقيقية تصل إلى التصدير".

سوق السيارات في الجزائر
د. الهواري تيغرسي

تحرير السوق ضرورة

رأى الخبير الاقتصادي الدكتور الهواري تيغرسي، أنّ سوق السيارات في الجزائر أخذت أكثر من حجمها، الأمر الذي جعلها أحد الملفات المعقدة والمتشابكة الأبعاد، ليجر في ثناياها تداعيات انعكست على العديد من القطاعات الاقتصادية، فضلًا عن الأنشطة ذات العلاقة المباشرة بعمل وكلاء السيارات، وتجارة المركبات وسوق قطاع الغيار، بالإضافة إلى قطاع النقل العمومي.

وقال تيغرسي -في تصريح خص به "الطاقة"- إنّ حل هذا الملف مرهون باتخاذ خطوة عملية وحيدة تتمثل في تحرير السوق من جميع القيود البيروقراطية والإدارية التي تحيط بها حاليًا.

وأشار من الجانب المقابل إلى ما عبّر عنه بـ"التناقض" الموجود بين النص القانوني والواقع الاقتصادي، مستدلًا بقرار السماح باستيراد السيارات المستعملة لأقل من ثلاث سنوات، الذي بقي غير مفعل على الرغم من صدور القانون الخاص به رسميًا، والمصادقة عليه من الهيئة التشريعية المتمثلة في البرلمان بغرفتيه، على خلفية أنّ النصوص التطبيقية غير موجودة.

وحذّر تيغرسي من انعكاسات تواصل سياسة الغلق التي ظهرت بوادرها جلية خلال السنوات الثلاث الماضية على مستوى العديد من القطاعات، كما هو الشأن بالنسبة إلى قطاع البناء والأشغال العمومية المتأثرة مشروعاته جراء النقص الكبير في آليات الشاحنات وتجهيزات البناء والإنجاز.

وأشار إلى الإسقاطات التي تعرّض لها قطاع الفلاحة "الإستراتيجي" في منظور الجهات الوصية، تبعًا لما أُنجر عن توقيف استيراد الآليات الموجهة للبذر والحصاد وغيرها من المعاملات، إلى جانب عدم القدرة على تحقيق الأهداف المتعلقة بتحويل الجزائر إلى مصدر للمنتجات الفلاحية نحو القارة الأفريقية عبر نقل شحنات السلع عبر المعابر الحدودية المفتوحة مؤخرًا في إطار تفعيل التعاون بين الجزائر ودول الساحل.

نتيجة الغلق.. الإفلاس والهجرة

قال رئيس جمعية وكلاء السيارات المتعددة العلامات، يوسف نباش، إنّ تواصل حالة الغلق في استيراد السيارات دفع كل المتعاملين الاقتصاديين والوكلاء المعتمدين للوقوع فريسة الإفلاس ومغادرة النشاط، بل والهجرة نحو تونس التي تحوّلت إلى ملاذ للوكلاء المختصين في هذا المجال للمواصلة في النشاط، في ظل الامتيازات التي تمنحها السوق التونسية في هذا الشأن.

وذكر نباش -في تصريحه إلى "الطاقة"- بأنّ وكلاء السيارات حاولوا المقاومة خلال السنتين الأوليين من قرار غلق باب الاستيراد أمامهم، من خلال تحويل نشاطهم إلى فروع أخرى على غرار تجارة قطع الغيار وخدمات ما بعد البيع، على أمل استئناف نشاطهم إثر تنظيم السوق ورفع النقاط المبهمة، ضمن ما تفرضه مبادئ المنافسة الشريفة بين المتعاملين.

سوق السيارات في الجزائر
يوسف نباش

وأضاف أنّ هذه الوضعية حرمت الخزينة العمومية من المليارات من المداخيل التي تمثلها الأعباء والرسوم الجمركية، من منطلق أنّه أكد أنّ سوق السيارات في الجزائر كانت تمثل ما يعادل 6 مليارات دولار أميركي.

وذهب نباش إلى أبعد من هذا حينما أشار إلى أنّ الوكلاء المعتمدين لاستيراد السيارات وتسويقها فقدوا الثقة في الوعود التي تطلقها الجهات صاحبة القرار في ملف السيارات، مع تواصل ما وصفه بـ"مسلسل دفاتر الشروط المعدلة والمستحدثة والملغاة في كل مرة".

وحذّر من كون تبعات قرار الغلق لا تتوقف على الصعيد الاقتصادي، وإنما تتعدى ذلك إلى السلامة المرورية، في ظل قدم الحظيرة الوطنية وارتفاع عدد حوادث المرور من جراء ذلك، لا سيما بالنسبة إلى حافلات النقل العمومية.

استيراد 10 آلاف سيارة في شهر

استورد الأفراد الجزائريون خلال شهر واحد أكثر من 10 آلاف سيارة جديدة، وهو الرقم الذي أعلنه وزير الصناعة أحمد زغدار في تصريحه الأخير، حين قال إنّ الجزائريين استوردوا 10 آلاف سيارة خلال شهر يناير/كانون الثاني من طرف الأفراد.

واستدل بهذه الحصيلة لتأكيد أنّ عملية استيراد السيارات تتم بصفة عادية على الرغم من توقف عمليات الاستيراد من قبل الوكلاء المعتمدين.

وأضاف الوزير أنّ العملية -رغم الظروف الصحية السائدة بسبب انتشار وباء كورونا- تتم بصفة عادية، لافتًا إلى أنّ معدل الاستيراد يتراوح ما بين 4 و5 آلاف سيارة شهريًا، في حين تشير الأصداء المقربة من هذا الملف، إلى أنّ فئة صغيرة جدًا يمكنها القيام بهذا النوع من المعاملات؛ لارتفاع تكاليف الجمركة وأعباء الرسوم والضرائب المرتبطة بها، التي تجعل السعر النهائي للسيارة المراد استيرادها مرتفعًا بشكل كبير.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق