ثورة النفط الصخري في الأرجنتين.. هل يشعلها الرئيس الذي يشبه ترمب؟ (تقرير)
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- الأرجنتين رابع دولة في احتياطيات النفط الصخري عالميًا والثانية في الغاز
- احتياطيات النفط الصخري القابلة للاستخراج تُقدَّر بنحو 27 مليار برميل
- حقل فاكا مويرتا قد ينافس حقول النفط الصخري في تكساس بحلول 2030
- السياسات الحمائية ومشكلة سعر الصرف أبرز المشكلات التي تواجه الشركات الأجنبية
- إكسون موبيل تفكر في التخارج من البلاد، وتدرس بيع أصولها في فاكا مويرتا
- تدخُّل الدولة في صناعة النفط إرث قديم قد يتحطم قريبًا على يد خافيير ميلي
- مجلس النواب يمرّر قانون الرئيس لتحرير الصناعة، لكن مجلس الشيوخ قد يعرقله
ما زالت ثورة النفط الصخري في الأرجنتين تترقب من يكسر قيودها لتنطلق إلى آفاق عالمية تمكّنها من تحقيق الآمال المعقودة عليها؛ لإنقاذ اقتصاد البلد اللاتيني، الذي يعاني من أزمات الديون والتضخم المزمنة منذ عقود.
وتطمح صناعة النفط والغاز الأرجنتينية في تحقيق قفزة إنتاجية ضخمة خلال السنوات القليلة المقبلة، وسط دعم سياسي قوي محتمل من الرئيس الأرجنتيني الجديد ذي الميول الليبرالية الواضحة، خافيير ميلي، الذي فاز بالانتخابات الماضية (نوفمبر/تشرين الثاني 2023).
ويتبنّى ميلي الذي يصف نفسه بـ"الرأسمالي الفوضوي" مقولات العلاج بالصدمة، التي تعني اتخاذ إجراءات حادة غير مألوفة لمسار الاقتصاد، كما يتبنّى شعار "ثورة السوق الحرة في اقتصاد متعثر"؛ ما دفع بعضهم لتشبيهه بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من حيث أدائه السياسي الذي يبدو شعبويًا، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة، ومقرّها واشنطن.
وتُعقَد آمال صناعة النفط الصخري في الأرجنتين على أن يسهم الدعم السياسي المرتقب في تذليل العقبات التي تواجه القطاع على مستوى البنية التحتية وارتفاع التكاليف، خاصة بعد موافقة البرلمان (أبريل/نيسان 2024) على قانون الإصلاح الشامل للاقتصاد الذي قدّمه الرئيس.
احتياطيات النفط الصخري في الأرجنتين
تُقدَّر احتياطيات النفط الصخري في الأرجنتين (القابلة للاستخراج) بنحو 27 مليار برميل، ما يضعها في المركز الرابع عالميًا بعد روسيا (75 مليار برميل)، والولايات المتحدة (58 مليار برميل)، والصين (32 مليار برميل).
بينما تُقدَّر احتياطياتها من الغاز الصخري بنحو 802 تريليون قدم مكعبة، في المركز الثاني عالميًا بعد الصين التي تمتلك احتياطيات تُقدَّر بنحو 1115 تريليون قدم مكعبة، بحسب بتقييم واسع أجرته إدارة معلومات الطاقة الأميركية عام 2015.
ويُظهر الرسم البياني التالي -الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة- أن الأرجنتين تحتلّ المركز الرابع بين أكبر الدول المالكة لاحتياطات النفط الصخري في العالم:
كما يُصنَّف حقل فاكا مويرتا (Vaca Muerta) الضخم في الأرجنتين رابع أكبر حقل العالم من حيث احتياطيات النفط الصخري، وثاني أكبر احتياطي غاز صخري، إلى جانب كونه الأضخم في أميركا اللاتينية، بحسب تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.
وتعوّل خطط الأرجنتين على هذا الحقل بقوة لإنقاذها من فواتير استيراد الطاقة الباهظة التي أثقلت كاهلها خلال السنوات الماضية، وضغطت على احتياطيات العملة الأجنبية بشدة، بل تطمح إلى تصدير النفط والغاز للبلاد المجاورة.
توقعات إنتاج النفط والغاز الصخري 2030
تتوقع شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي أن يقفز إنتاج النفط الصخري في الأرجنتين من حقل فاكا مويرتا إلى أكثر من مليون برميل يوميًا بحلول 2030، بعد أن بلغ 300 ألف برميل يوميًا خلال عام 2023.
كما تتوقع وكالة الطاقة الدولية ارتفاع إنتاج الغاز الطبيعي في الأرجنتين بنسبة 20%، أو ما يعادل 10 مليارات متر مكعب خلال المدة من 2022 وحتى 2026، مدفوعًا بزيادة إنتاج الغاز الصخري، خاصة من حقل فاكا مويرتا.
وارتفع إنتاج الغاز الصخري من حقل فاكا مويرتا من لا شيء تقريبًا في عام 2014 إلى 18 مليار متر مكعب عام 2022، ما أدى إلى زيادة حصة الغاز الصخري من إجمالي إنتاج الغاز في البلاد من 1% فقط عام 2014، إلى 45% في 2023، بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية التي تتوقع وصول هذه الحصة إلى 60% بحلول 2026.
ومن شأن هذه التقديرات الطموحة أن تدفع بحقل فاكا مويرتا إلى حلبة المنافسة العالمية مع أحواض النفط الصخري الكبرى في الولايات المتحدة؛ ما قد يحول الأرجنتين إلى نموذج "تكساس أميركا اللاتينية" بسرعة كبيرة، على حدّ وصف صحيفة التليغراف البريطانية التي نشرت تحقيقًا موسعًا حول فرص النفط الصخري في الأرجنتين وتحدياته.
وتتوقع شركة أبحاث ريستاد إنرجي أن يقترب حقل فاكا مويرتا من منافسة بعض أحواض النفط الصخري الأميركية، مثل حوضي إيغل فورد و باكن بحلول عام 2030، إذا نجح في هدف المليون برميل يوميًا.
وبلغ متوسط إنتاج النفط الصخري في حوض إيغل فورد قرابة 1.1 مليون برميل يوميًا خلال عام 2023، بينما بلغ متوسط إنتاج حوض باكن نحو 1.2 مليون برميل يوميًا، بحسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
شركات النفط الصخري المحلية متفائلة
تعتقد بعض شركات النفط الصخري في الأرجنتين أنها قادرة على تجاوز هدف المليون برميل يوميًا الذي تستهدفه الحكومة بحلول عام 2030 إلى أعلى من 1.5 مليون برميل يوميًا، بحسب تصريحات مؤسس شركة فيستا إنرجي الأرجنتينية (Vista Energy) ميغيل غالوتشيو.
وتُصنَّف فيستا إنرجي ثاني أكبر منتج للنفط الصخري في البلاد، بعد شركة واي بي إف (YPF) المملوكة للدولة، بحسب خريطة القطاع التي رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.
ويقول غالوتشيو، إن شركته نجحت في حفر 8 آبار جديدة في شهر مارس/آذار 2024 وحده، ما قد يمكّنها من مضاعفة إنتاج النفط والغاز 3 مرات بحلول عام 2028، بحسب حديثه مع التيليغراف البريطانية.
كما تروّج شركة النفط الأرجنتينية المملوكة للدولة "واي بي إف" أن البلاد قد تحقق 30 مليار دولار سنويًا من صادرات النفط والغاز بحلول عام 2030 أو بعدها بقليل، ما قد يحل مشكلة سعر الصرف المزمنة ويوفر مستقبلًا أفضل، بحسب الرئيس التنفيذي للشركة هوراسيو مارين.
ويتوقع مارين أن يصل نصيب الفرد في البلاد من إجمالي صادرات النفط والغاز إلى ما يعادله في روسيا بحلول منتصف العقد المقبل (2035)، إذا سارت الأمور على ما يرام.
إكسون موبيل تصطدم الجميع وتدرس التخارج
تخشى الشركات الأجنبية العاملة بقطاع النفط الصخري في الأرجنتين من استمرار السياسات القديمة والأنظمة المالية التي ما زالت تحمي الشركات المحلية وتمنحها الأفضلية منذ تأميم شركة "واي بي إف" عام 2012.
وأحدثَ تأميم الشركة آنذاك ضجة واسعة في أوساط صناعة النفط الصخري في الأرجنتين، ما أدى إلى نشوب سلسلة واسعة من الدعاوى القضائية التي أثارت خشية رأس المال الأجنبي، وجعلت الشركات الأجنبية تتحسّس خطاها في البلاد.
وتنشط عدّة شركات أجنبية في البلاد، أبرزها شل العالمية متعددة الجنسيات، وشيفرون الأميركية، وإكسون موبيل الأميركية، وتوتال إنرجي الفرنسية، وقطر للطاقة، لكن نشاطها ما زال محدودًا مقارنة بنشاطها في أسواق النفط والغاز الناشئة الأخرى.
وتبدو أغلب الشركات الأجنبية حذرة بخطط التوسع بقطاع النفط الصخري في الأرجنتين في ظل السياسات القائمة والتحديات الاقتصادية المتفاقمة والتضخم الجامح وضعف البنية التحتية والإنفاق العام الموجّه للقطاع، بل إن بعضها يفكر في التخارج من البلاد مثل شركة إكسون موبيل التي تدرس منذ فبراير/شباط 2024 عدّة عروض لبيع أصولها في حقل فاكا مويرتا مقابل مليار دولار، بحسب ما نشرته وكالة بلومبرغ.
وتشمل أصول إكسون موبيل محل التفاوض حصصًا مشتركة مع شركة قطر للطاقة في 7 كتل للنفط والغاز في مناطق النفط الصخري، إضافة إلى حصص أخرى في خط أنابيب، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ويُقدَّر حجم الاستثمارات المطلوبة لتحقيق المستهدفات الطموحة من حقل فاكا مويرتا بنحو 45 مليار دولار خلال السنوات الـ10 المقبلة، وهو ما يتجاوز إمكانات الدولة الأرجنتينية في أيّ سيناريو معقول، بحسب شركة أبحاث الطاقة ماكنزي (McKinsey).
هل تنجح معركة الرئيس في تحرير صناعة النفط؟
يهدف الرئيس خافيير ميلي، الذي لم يمرّ عام على ولايته، إلى إزالة غابة القوانين العتيقة وفتح صناعة النفط والغاز بالبلاد أمام رأس المال الأجنبي والشركات العالمية.
وتقدَّم الرئيس إلى البرلمان في ديسمبر/كانون الأول 2023 بقانون إصلاح شامل للاقتصاد يتضمن تحرير صناعة النفط وإنهاء عقود من تدخُّل الدولة في السوق.
ويمنح القانون شركات النفط والغاز الأجنبية الحرية الكاملة لإعادة أرباحها إلى الوطن الأصلي بسعر صرف السوق، مع إلغاء ضرائب الاستيراد والتصدير، لتتمكن من جلب معدّاتها الخاصة إلى البلاد دون قيود.
كما يتعهد القانون بعدم تدخُّل الدولة لمدة 30 عامًا، بحسب وزير الطاقة الأرجنتيني إدواردو رودريجيز الذي يشدد على أن كل شيء يجب أن يسير وفق قواعد السوق الحرة.
ورغم نجاح قانون الإصلاح الشامل في الحصول على موافقة مجلس النواب بعد مساومات كثيرة، فإنه قد يواجه معركة شرسة لتمريره في مجلس الشيوخ الذي لا يحظى بأغلبية مؤيدة للرئيس؛ ما قد يضطره إلى اللجوء لإصداره عبر سلطة المراسيم -صلاحية تخوِّل الرئيس إصدار بعض القرارات دون الرجوع للبرلمان لكنها محل جدل- إذا فشلت كل الطرق، بحسب خبراء تحدثت معهم صحيفة التليغراف البريطانية.
موضوعات متعلقة..
- أنس الحجي: ثورة الصخري الأميركية لم تنتشر عالميًا لأسباب قانونية.. وتمويلية
- احتياطيات النفط والغاز الصخري في ليبيا.. ما حجمها وأين توجد؟ (خريطة)
- النفط الصخري في الجزائر.. ثروة غير مستغلة تحتاج إلى فتح الأبواب (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- وزيرة الطاقة المغربية: لسنا السعودية ولا قطر.. وقريبًا صفقات البنية التحتية للغاز (حوار)
- مسؤول مغربي: لدينا أكبر محطة شمسية مركزة في العالم.. وأنتجنا أكثر من 120 مشروعًا بحثيًا (حوار 1/2)
- الطلب العالمي على الكهرباء يرتفع لمستوى قياسي.. وهذه الدول أكثر استهلاكًا (تقرير)
- تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى وقود متجدد.. تقنية ثورية تكافح تغير المناخ