أهم المقالاتروسيا وأوكرانياسلايدر الرئيسيةغازمقالات الغاز

بدائل الاتحاد الأوروبي للاستغناء عن الغاز الروسي (مقال)

أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • الاتحاد الأوروبي شهد تحولًا ملحوظًا في إستراتيجية مصادر الطاقة على مدى السنوات الـ3 الماضية
  • الولايات المتحدة لاعب محوري في تقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الطبيعي الروسي
  • الاتحاد الأوروبي كثّف جهوده لتنويع وارداته من الغاز بعيدًا عن روسيا
  • التحديات الاقتصادية المرتبطة باستيراد الغاز المسال في الاتحاد الأوروبي متعددة الأوجه

تسبَّب استعمال روسيا إمدادات الطاقة وسيلة ضغط بعد غزوها أوكرانيا، في تحول الاتحاد الأوروبي إلى مصادر الغاز المسال البديلة لدى دول في القارة العجوز وخارجها، بهدف الحدّ من الاعتماد على واردات الغاز الروسي.

وشهد الاتحاد تحولًا ملحوظًا في إستراتيجية مصادر الطاقة على مدى السنوات الـ3 الماضية.

وتوازى الانخفاض الكبير في حصة واردات الغاز الطبيعي الروسي، من 41% في عام 2021 إلى 10% فقط في عام 2023، مع ارتفاع ملحوظ في واردات الغاز المسال، التي ارتفعت من 20% إلى 41% طوال المدة نفسها.

ويعكس هذا التحول استجابة الاتحاد الأوروبي الاستباقية للتخفيف من اعتماده على الغاز الروسي، وخصوصًا في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا وما تلا ذلك من استعمال صادرات الطاقة سلاحًا.

بدائل الغاز الروسي

برزت الولايات المتحدة لاعبًا محوريًا في هذا التحول، إذ يأتي ما يقرب من 50% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز المسال في عام 2023 من الولايات المتحدة، وهو ما يمثّل زيادة 3 أضعاف مقارنة بعام 2021.

بالتوازي مع ارتفاع واردات الولايات المتحدة من الغاز المسال، فإن المصادر المهيمنة الأخرى لإمدادات الاتحاد الأوروبي من الغاز المسال، في عام 2023، تشمل النرويج وشمال أفريقيا والمملكة المتحدة وقَطر.

وأدى المستوردون الرؤساء داخل الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا وإسبانيا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا، دورًا ملحوظًا في تنويع مصادر إمدادات الغاز.

ويؤكد هذا الجهد المتضافر التزام الاتحاد الأوروبي بتعزيز أمن الطاقة ومرونتها مع الحدّ من التعرض للاضطرابات الجيوسياسية، ما يجسّد الاستجابة الإستراتيجية لمشهد الطاقة المتغير.

محطة لتسييل الغاز الطبيعي تابعة لشركة نوفاتك بمنطقة مورمانسك في روسيا
محطة لتسييل الغاز الطبيعي تابعة لشركة نوفاتك بمنطقة مورمانسك في روسيا - الصورة من رويترز

التحول من الغاز الطبيعي الروسي إلى الغاز المسال

كان التحول من الغاز الطبيعي الروسي إلى الغاز المسال، ضمن مزيج الطاقة في الاتحاد الأوروبي، مدفوعًا بعدّة عوامل رئيسة.

ويتمثل أبرز هذه العوامل في غزو روسيا لأوكرانيا والتلاعب اللاحق بصادرات الغاز، ما أدى إلى انخفاض كبير في إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا.

وردًا على ذلك، كثّف الاتحاد الأوروبي جهوده لتنويع وارداته من الغاز بعيدًا عن روسيا، مع التركيز بشكل خاص على زيادة واردات الغاز المسال.

وسهّلت مرونة الغاز المسال وقابلية نقله الزيادة السريعة في الواردات لتعويض النقص الذي خلّفه تراجع إمدادات غاز خطوط الأنابيب الروسية، مع ارتفاع واردات الغاز المسال بنسبة 66% على أساس سنوي في عام 2022.

إضافة إلى ذلك، كان انتهاء عقود الغاز طويلة الأجل مع شركة غازبروم الروسية فرصة للاتحاد الأوروبي لتقليص التزاماته التعاقدية تجاه الغاز الروسي.

ويؤكد هذا، إلى جانب المبادرات السياسية مثل خطة ريباور إي يو REPowerEU المعتمدة في مايو/أيار 2022، التزام الاتحاد الأوروبي بتسريع التحول الأخضر وتعزيز أمن الطاقة.

وعلى الرغم من إحراز تقدّم كبير في الحدّ من الاعتماد على الغاز الروسي، ما تزال هناك تحديات، وخصوصًا في الاستغناء بشكل كامل عن واردات الغاز الروسي بحلول الموعد المستهدف للاتحاد الأوروبي عام 2027.

في المقابل، برز المحور الإستراتيجي للاتحاد الأوروبي تجاه الغاز المسال عنصرًا مهمًا في تعزيز أمن الطاقة، وسط أزمة إمدادات الغاز الروسي، على الرغم من التبعيات المستمرة بسبب العوامل الجغرافية والتعاقدية والسياسية داخل بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

التحديات المعقدة

يمثّل استيراد الغاز المسال في الاتحاد الأوروبي عددًا كبيرًا من التحديات المعقّدة ،التي تتطلب نهجًا إستراتيجيًا وإدارة حذرة.

ومن بين هذه التحديات الخطر الوشيك المتمثل في زيادة العرض بالبنية التحتية لاستيراد الغاز المسال في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.

ويثير التوسع السريع في قدرة استيراد الغاز المسال داخل المنطقة مخاوف بشأن الإفراط في البناء المحتمل للمحطات، إذ تشير التوقعات إلى وجود فائض قد يجعل العديد من المحطات معطلًا بحلول عام 2030، وتتجسد هذه المخاوف في ألمانيا، التي قد تواجه ما يصل إلى 9 مليارات متر مكعب من قدرة الغاز المسال الفائضة في العقد المقبل، ما يسلّط الضوء على الحاجة إلى التخطيط الحكيم لمنع تعثُّر الأصول.

وبالإضافة إلى اعتبارات البنية الأساسية، يسعى الاتحاد الأوروبي لإنجاز المهمة المعقّدة المتمثلة في إيجاد التوازن بين الدور المحوري الذي يؤديه الغاز المسال في تعزيز أمن الطاقة وضرورة التخفيف من آثار تغير المناخ.

وعلى الرغم من أن الغاز المسال يقدّم بديلًا أنظف للوقود الأحفوري التقليدي، فإن بصمته الكربونية تظل مصدر قلق كبير.

ويتطلب تحقيق توازن دقيق بين الاستفادة من الغاز المسال لتحقيق أمن الطاقة على المدى القصير، مع الالتزام بالأهداف المناخية طويلة المدى، اتّباع نهج دقيق يعترف بضرورة التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.

ويؤكد هذا التوازن المعقّد اهتمام الاتحاد الأوروبي بالتعامل مع هذا التفاعل المعقّد بين أمن الطاقة والاستدامة في سعيه إلى تحقيق مستقبل أكثر اخضرارًا.

محطة استيراد الغاز المسال في ميناء روتردام
محطة استيراد الغاز المسال في ميناء روتردام - الصورة من شبكة سي إن بي سي

المنافسة العالمية

يواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطًا متزايدة ناجمة عن المنافسة العالمية المكثفة على إمدادات الغاز المسال.

وتمثّل عودة الطلب من الاقتصادات الناشئة، وخصوصًا الصين، تحديات كبيرة أمام سعي الاتحاد الأوروبي إلى الحصول على واردات آمنة ومستدامة من الغاز المسال.

وكانت الدول الآسيوية، تاريخيًا، على استعداد لدفع أسعار أعلى للغاز المسال، ما قد يؤدي إلى تهميش دور الاتحاد الأوروبي في تأمين اتفاقيات التوريد المواتية.

بالإضافة إلى اعتماد الاتحاد الأوروبي على مشتريات الغاز المسال قصيرة الأجل، وضرورة الانتقال نحو عقود طويلة الأجل لزيادة الاستقرار والقدرة التنافسية، تكشف هذه التحديات الطبيعة متعددة الأوجه لجهود الاتحاد الأوروبي للتعامل مع المشهد المتغير لتجارة الغاز المسال العالمية.

وتُعدّ التحديات الاقتصادية المرتبطة باستيراد الغاز المسال إلى الاتحاد الأوروبي متعددة الأوجه، وتتطلب نهجًا إستراتيجيًا لمواجهتها.

ويتمثل أحد المخاوف الرئيسة في خطر زيادة العرض وقلة استغلال قدرة استيراد الغاز المسال.

وقد يؤدي توسُّع الاتحاد الأوروبي السريع في البنية التحتية للغاز المسال -رغم أنه يهدف إلى تعزيز أمن الطاقة، قد يؤدي إلى بقاء العديد من المحطات متعطلًا بحلول عام 2030- إلى إهدار استثمارات كبيرة وظهور أصول عالقة.

وهذا يؤكد أهمية التخطيط الحكيم لمواءمة تطوير البنية التحتية مع الطلب المتوقع.

من جهة ثانية، يواجه الاتحاد الأوروبي منافسة عالمية متزايدة على إمدادات الغاز المسال، وخصوصًا من الاقتصادات الناشئة مثل الصين.

ويمكن لعودة الطلب الصيني على الغاز المسال، إلى جانب أحجام الشراء المتفق عليها مسبقًا، أن تحدّ من قدرة الاتحاد الأوروبي على تأمين الواردات، خصوصًا أن الدول الآسيوية تقدّم تاريخيًا أسعارًا أعلى للغاز المسال.

وهذا يسبّب مشكلة للاتحاد الأوروبي في حروب العطاءات للحصول على الإمدادات المحدودة، ويسلّط الضوء على الحاجة إلى إستراتيجيات مبتكرة لتأمين مصادر موثوقة للغاز المسال.

من ناحية ثانية، فإن اعتماد الاتحاد الأوروبي على مشتريات الغاز المسال قصيرة الأجل وعدم استغلال قدرات الاستيراد الحالية يشكّل تحديات إضافية.

خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 1” في بلدة لوبمين بألمانيا
خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 1” في بلدة لوبمين بألمانيا - الصورة من رويترز

إعادة تغويز الغاز المسال في الاتحاد الأوروبي

مع تشغيل قدرة إعادة تغويز الغاز المسال في أوروبا بنسبة 25% إلى 40% فقط، فإن الخطر قائم، ويتمثل في تثبيط المزيد من الاستثمار في البنية الأساسية الجديدة.

بالإضافة إلى ذلك، يظل تحقيق التوازن بين دور الغاز المسال في أمن الطاقة والأهداف المناخية أمرًا بالغ الأهمية.

وعلى الرغم من أن الغاز المسال يطلق كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالفحم أو النفط، فإنه ما يزال يسهم في انبعاثات الكربون، ما يستلزم إيجاد توازن دقيق بين أمن الطاقة على المدى القصير وأهداف الاستدامة على المدى الطويل.

ومن ثم، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يعطي الأولوية للانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، مع تحسين واردات الغاز المسال، لتلبية احتياجات الطاقة الفورية.

ختامًا، فإنّ تحوُّل الاتحاد الأوروبي نحو الغاز المسال قد قلّل، بصورة كبيرة، من اعتماده على الغاز الطبيعي الروسي، ما عزّز أمن الطاقة في مواجهة التحديات الجيوسياسية.

وتُعدّ معالجة التحديات الاقتصادية، مثل زيادة العرض، والمنافسة العالمية، والاعتماد على المدى القصير، ونقص الاستعمال، والاعتبارات المناخية، أمرًا بالغ الأهمية لضمان استدامة ومرونة البنية التحتية للطاقة في الاتحاد الأوروبي.

وستصبح الجهود التعاونية والحلول المبتكرة ضرورية للتغلب على هذه العقبات، وتأمين مستقبل طاقة مستقر ومستدام لأوروبا.

 

* الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

 

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق