لماذا ترتفع صادرات النفط الروسي إلى الصين.. وتنخفض من السعودية؟ (مقال)
فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح
- في الربع الأول من عام 2024 شهدت واردات الصين من النفط الروسي زيادة كبيرة
- في سوق النفط الصينية الأوسع تظل السعودية مصدرًا رئيسًا
- هناك مخاوف متزايدة بشأن اعتماد الهند والصين الشديد على النفط الروسي
- ما يزال النفط الروسي يتمتع بأسعار تنافسية
شهدت واردات الصين من النفط الروسي زيادة كبيرة في الربع الأول من عام 2024، ما يعكس عمق علاقات الطاقة بين البلدين وسط التطورات الحاصلة في تعاملات التجارة العالمية.
وتكشف البيانات الأخيرة، الصادرة عن الجمارك الصينية، عن أن واردات النفط من روسيا ازدادت بنسبة 12.85% من حيث الحجم، لتصل إلى 28.528 مليون طن.
وأصبح هذا النمو ملحوظًا من حيث الحجم، والتعاملات النقدية، إذ ارتفعت قيمة هذه الواردات إلى 13.858 مليار دولار، بزيادة قدرها 17.9% مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي.
ويُظهر هذا الاتجاه الاعتماد المستمر على الطاقة الروسية على الرغم من العقوبات الغربية التي تهدف إلى الحد من صادرات النفط الروسية.
وشهدت مشتريات الصين من النفط الروسي زيادة كبيرة في مارس/آذار 2024، إذ اشترت بكين 10.8 مليون طن مما يُعرف باسم "الذهب الأسود".
وتمثّل هذه المشتريات زيادة بنسبة 18.8% في الإنفاق مقارنة بشهر فبراير/شباط الماضي، ما يشير إلى ارتفاع حاد في ديناميكيات الطلب والتسعير.
وفي مارس/آذار الماضي، زادت الصين متوسط وارداتها النفطية اليومية من روسيا إلى 2.55 مليون برميل يوميًا، وهو ما يقل بمقدار 10 آلاف برميل يوميًا فقط عن الكميات القياسية المسجلة في يونيو/حزيران من العام الماضي.
ويتضح ذلك من خلال حسابات وكالة إنترفاكس الإخبارية الروسية، بناءً على بيانات الإدارة العامة للجمارك في جمهورية الصين الشعبية.
في المجمل، زوّدت روسيا الاتحادية الصين خلال الشهر الماضي بـ10.81 مليون طن من النفط، مقارنة بـ9.1 مليون طن في فبراير/شباط الماضي.
وبلغ متوسط الصادرات اليومية من النفط الروسي إلى الصين في مارس/آذار الماضي 349 ألف طن مقارنة بـ314 ألف طن في الشهر السابق، بمعدل 2.55 إلى 7.3 مليون برميل يوميًا مقارنة بـ2.29 مليون برميل يوميًا في فبراير/شباط الماضي، حسبما هو موضح أعلاه.
وهكذا ارتفع متوسط حجم الإمدادات اليومية من الاتحاد الروسي إلى الصين في مارس/آذار الماضي بنسبة 11.4% مقارنة بالشهر السابق.
وكان حجم واردات النفط الصينية من روسيا قريبًا من القيم القياسية المسجلة في يونيو/حزيران من العام الماضي، عندما استوردت بكين 2.56 مليون برميل يوميًا من روسيا.
انخفاض الواردات من السعودية
على النقيض من أداء روسيا، شهدت المملكة العربية السعودية، وهي ثاني أكبر مصدر للنفط إلى الصين، انخفاضًا في أحجام إمداداتها خلال الشهر الماضي.
وانخفضت صادرات النفط السعودية إلى الصين من 1.76 مليون برميل يوميًا في فبراير/الماضي إلى 1.48 مليون برميل يوميًا في مارس/آذار الماضي، وبلغ إجمالي حجم النفط المورد من المملكة إلى الصين ما يقارب 6.3 مليون طن.
أما من حيث اتجاهات واردات النفط الأوسع، فقد كان إجمالي واردات الصين من النفط في مارس/آذار الماضي كبيرة، إذ وصل إلى 49.05 مليون طن أو 11.55 مليون برميل يوميًا، مقارنة بـ44.14 مليون طن أو 11.11 مليون برميل يوميًا في فبراير/شباط الماضي.
وفي الربع الأول من هذا العام، بلغ إجمالي واردات الصين من النفط 137.36 مليون طن بقيمة 80.84 مليار دولار أميركي، واستحوذت روسيا على 28.52 مليون طن أو ما يزيد قليلًا على 20% من الإجمالي.
وبلغت إيرادات موسكو من هذه الإمدادات 16.34 مليار دولار في المدة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار الماضيين.
التداعيات الإستراتيجية والاقتصادية
توضح هذه الأرقام الدور الحاسم الذي تواصل روسيا أداءه في إستراتيجية الطاقة الصينية، وتسلط الضوء على العوامل المتغيرة في أسواق النفط العالمية، لا سيما في سياق التوترات الجيوسياسية والتحالفات التجارية المتطورة.
ويُظهر الحجم الكبير لواردات النفط من روسيا التحرك الإستراتيجي للصين لتأمين مصادر طاقة موثوقة، على الرغم من أن انخفاض الواردات من المملكة العربية السعودية يمكن أن يشير إلى تحول في الأفضليات أو إستراتيجيات التنويع في سياسات شراء الطاقة في بكين.
وتُعد هذه الزيادة جزءًا من اتجاه أوسع لوحظ خلال العام الماضي 2023، إذ عززت شركات النفط الروسية صادراتها إلى الصين بصورة كبيرة، وباعت ما مجموعه 107 ملايين طن، وهو ما يمثّل زيادة بنسبة 24% عن العام السابق 2022.
وتؤكد الأرقام المتزايدة عمق علاقة الطاقة بين روسيا والصين، على الرغم من استمرار العقوبات الغربية، التي تهدف إلى الحد من قدرات تصدير النفط الروسي.
وفي سوق النفط الصينية الأوسع، تظل المملكة العربية السعودية مصدرًا رئيسًا، لكنها ما تزال تتخلف عن روسيا.
وزوّدت المملكة الصين بـ19.8 مليون طن من النفط بقيمة 12.1 مليار دولار، ما ضمن مكانتها بصفتها ثاني أكبر مصدر للنفط، وحافظ العراق على المركز الثالث، إذ قدم 15.6 مليون طن بقيمة 9 مليارات دولار.
هيمنة النفط الروسي على أسواق الصين والهند
في السنة المالية الأخيرة، التي انتهت في 31 مارس/آذار الماضي، عززت روسيا مكانتها بصفتها أكبر مصدر للنفط إلى الهند، إذ قدمت 1.64 مليون برميل يوميًا.
ويمثّل هذا 35% من إجمالي واردات الهند من النفط، وهي زيادة كبيرة من 22% في العام السابق، ما يعكس نموًا بنسبة 57% على أساس سنوي من حيث الحجم.
ويؤكد هذا الاتجاه إعادة التوجيه الإستراتيجي لصادرات روسيا النفطية نحو الأسواق الآسيوية، خصوصًا الهند والصين، في أعقاب انخفاض القدرة على الوصول إلى الأسواق الأوروبية بسبب التحولات الجيوسياسية.
سياسات السوق وتأثير التسعير
ما يزال النفط الروسي يتمتع بأسعار تنافسية، وهو ما يشكل عاملًا مهمًا في هيمنته على هذه الأسواق.
وفي الربع الأول من عام 2024، حافظت روسيا على تفوقها في الصين على المصدرين الرئيسين الآخرين مثل المملكة العربية السعودية والعراق، ونفّذت ذلك بأسعار أقل نسبيًا.
وبلغ متوسط سعر النفط الروسي 66.5 دولارًا للبرميل، وهو أقل -بصورة ملحوظة- من الأسعار المدفوعة للنفط الوارد من المملكة العربية السعودية (83.7 دولارًا للبرميل) والعراق (79 دولارًا للبرميل).
وتتوافق هذه الأرقام مع اتجاهات السوق الأوسع، إذ بلغ متوسط سعر خام الأورال الروسي 69 دولارًا للبرميل، في حين بلغ سعر خام برنت، وهو معيار عالمي، 81 دولارًا للبرميل.
التداعيات والمخاوف الإستراتيجية
على الرغم من أن قدرة روسيا على تحويل صادراتها النفطية من أوروبا إلى آسيا تستحق الثناء من الناحية الإستراتيجية، فإن هناك مخاوف متزايدة بشأن اعتماد الهند والصين الشديد على النفط الروسي.
وتستوعب هاتان الدولتان، حاليًا، نحو 90% من إجمالي صادرات روسيا النفطية، التي تتراوح بين 4 و4.5 مليون برميل يوميًا.
ويسلط هذا التركيز الكبير في عدد قليل من الأسواق الضوء على المخاطر المحتملة المتعلقة بالاعتماد الإستراتيجي وضعف السوق.
التوقعات المستقبلية والاعتبارات الاقتصادية
كانت التخفيضات الكبيرة المعروضة على النفط الروسي عاملًا مهمًا في الاستحواذ على حصص كبيرة من الأسواق الهندية والصينية.
في المقابل، ولكي تتمكن روسيا من التخفيف من مخاطر الاعتماد المفرط على هذه الأسواق، فإن تنويع وجهات صادراتها سيكون ضروريًا.
ومن المرجح أن يستغرق مثل هذا التحول الإستراتيجي وقتًا، وقد يتوقف على تعديلات في سياسات أسعار النفط العالمية، لا سيما تضييق فجوة الأسعار بين خام الأورال ونظيره برنت.
ومع استمرار تطور مشهد الطاقة العالمي، فإن الدور الذي تؤديه روسيا بصفتها موردًا رئيسًا للنفط إلى الصين والهند يُظهر قدرتها الإستراتيجية على التكيف، ويُبرز الحاجة إلى إستراتيجيات سوق أوسع نطاقًا لضمان المرونة الاقتصادية المستدامة في مواجهة الضغوط الجيوسياسية.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- أنس الحجي: وكالة الطاقة الدولية تبالغ في نمو السيارات الكهربائية.. وهذه الأدلة
- خسائر تغير المناخ قد تسجل أرقامًا صادمة بحلول 2050.. ما السبب؟ (دراسة)
- 3 تحديات تهدد العقوبات الأميركية ضد قطاع الطاقة في إيران (مقال)