كيف يصمد قطاع الطاقة الروسي أمام العقوبات وضربات الطائرات المسيرة؟ (مقال)
أومود شوكري - ترجمة: نوار صبح
- قرار روسيا خفض أنشطة تكرير النفط في عام 2024 يتردد صداه على مستوى العالم
- قطاع التكرير في روسيا يواجه عراقيل كبيرة بسبب العقوبات التي تلت غزوها أوكرانيا
- تخفيض روسيا لأنشطة تكرير النفط في عام 2024 ينطوي على آثار جيوسياسية كبيرة
- روسيا قد تسعى إلى تعزيز هيمنتها في أسواق الطاقة الإقليمية
تزداد معاناة قطاع الطاقة الروسي بعدما ألحق استهداف المصافي الروسية بالطائرات المسيرة الأوكرانية أضرارًا جسيمة وانخفاضًا ملحوظًا في قدرة التكرير، إذ تمرّ إستراتيجية الطاقة في البلاد بمنعطف مهم أظهره قرارها خفض أنشطة تكرير النفط في عام 2024، حسبما أعلنه النائب الأول لوزير الطاقة الروسي، بافيل سوروكين.
وعلى الرغم من أن روسيا تواجه تبعات هذه التهديدات الأمنية، فإن تداعيات قرارها يتردد صداها على مستوى العالم، ما يؤثّر في اقتصادها، ومكانتها في أسواق النفط، ومشهد الطاقة الأوسع.
لذلك، تضطر البلاد إلى تعزيز صادرات النفط الخام لتعويض الانخفاض في أحجام المنتجات المكررة المتاحة للتصدير، ما يثير تساؤلات بشأن استقرار أسعار النفط العالمية وعائدات تصدير النفط الروسي.
ويُظهر هذا نقاط الضعف الكامنة في الحفاظ على أحجام الصادرات وسط التحديات الأمنية، وتعطّل البنية التحتية.
وفي خضم هذه التحديات، فإن فهم الدوافع الكامنة وراء التحول الإستراتيجي في روسيا وتقييم تداعياته يُعدّ أمرًا ضروريًا.
قطاع التكرير في روسيا
يواجه قطاع الطاقة الروسي، وبالأخصّ قطاع التكرير، عراقيل كبيرة بسبب العقوبات التي تلت غزوها أوكرانيا، ما أثّر في قدرة البلاد على معالجة وتصدير النفط.
وتهدف هذه العقوبات، التي تستهدف الصناعات بما في ذلك النفط، إلى إضعاف الأساس الاقتصادي لروسيا والحدّ من قدرتها على تمويل الحرب.
ومن خلال استهداف أعضاء النخبة السياسية الروسية، تسعى العقوبات إلى تقويض القدرات الصناعية والاقتصادية، وخصوصًا في مجال إنتاج الأسلحة وصيانتها.
ويُعدّ تأثير العقوبات بالناتج المحلي الإجمالي لروسيا واضحًا، إذ تشير التوقعات إلى انخفاض بنسبة 2.1% في عام 2022، ما يعكس تأثيرات أوسع في قدرة البلاد على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.
وتواجه صناعة التكرير الروسية تحديات محددة، تتفاقم بسبب الحاجة إلى التكيف مع الطلب العالمي على المنتجات الخفيفة والتشريعات الصارمة.
في المقابل، يتطلب نظام التكرير، الذي كان موجهًا تاريخيًا نحو إنتاج زيت الوقود للصناعات الثقيلة، تحديثات لتلبية المعايير المتطورة.
بدورها، تؤدي العقوبات إلى تفاقم هذه التحديات من خلال تقييد الوصول إلى التمويل والتكنولوجيا اللازمة لتحديث المصافي، بينما تستهدف صادرات النفط والمنتجات المكررة الروسية.
وانخفض إنتاج التكرير، بشكل واضح في الأسبوعين الأولين من فبراير/شباط 2024، ويعزى ذلك إلى قيود التصدير والعقوبات التي تستهدف الشركات التي تدعم جهود الكرملين الحربية، بما في ذلك العاملة في قطاعي تصنيع الأسلحة والتمويل.
التوقعات طويلة المدى
لا يمثّل تخفيض روسيا لأنشطة تكرير النفط في عام 2024 مجرد ردّ فعل على التهديدات الأمنية المباشرة، ولكنه ينطوي على آثار جيوسياسية كبيرة، خصوصًا داخل مشهد الطاقة الأوراسي.
ويسّط اعتراف النائب الأول لوزير الطاقة الروسي، بافيل سوروكين، بتأثير هجمات الطائرات المسيرة الأوكرانية في المصافي الروسية، الضوء على النهج الإستراتيجي الذي تتبعه روسيا في مواجهة التحديات الأمنية الإقليمية.
وإلى جانب معالجة هذه المخاوف المباشرة، يحمل هذا القرار أهمية جيوسياسية أوسع، يمكن أن تعيد تشكيل حراك الطاقة في المنطقة.
ويتمثل أحد الاعتبارات الأساسية في طريقة تأثير سعة التكرير المتضائلة لدى روسيا في دورها بصفتها موردًا رئيسًا للطاقة في أوراسيا.
وبالنظر إلى ضرورة زيادة صادرات النفط الخام لتعويض انخفاض أحجام المنتجات المكررة، قد تسعى روسيا إلى تعزيز هيمنتها بصفتها لاعبًا رئيسًا في مجال الطاقة في الأسواق الإقليمية.
ويمكن لهذا التحول في إستراتيجية التصدير أن يؤثّر في سلاسل إمدادات الطاقة وحركة التجارة عبر منطقة أوراسيا، ما قد يغير التحالفات الجيوسياسية وهياكل السلطة في المنطقة.
إضافة إلى ذلك، فإن قرار تقليص أنشطة تكرير النفط يمكن أن يؤثّر في علاقات روسيا الدبلوماسية مع شركاء الطاقة الرؤساء والدول المجاورة.
وعلى الرغم من أن روسيا تتغلب على تعقيدات الموازنة بين أمن الطاقة والمصالح الجيوسياسية، فإن قدرتها على الوفاء بالالتزامات ضمن إطار تحالف أوبك+ والحفاظ على علاقات دبلوماسية مستقرة ستخضع للتدقيق.
ويمكن لأيّ انقطاع في إمدادات الطاقة، أو تقلبات في أسعار النفط نتيجة للتحول في سياسة روسيا، أن يكون له تأثيرات مضاعفة في الاستقرار الإقليمي والعلاقات الدولية.
تأثير انخفاض تكرير النفط داخليًا
على الصعيد الداخلي، قد يؤدي انخفاض تكرير النفط إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية القائمة داخل روسيا ومنطقة نفوذها.
ويكشف الانخفاض في صادرات المنتجات المكررة عن نقاط الضعف في سلسلة إمدادات الطاقة في روسيا، ويسلّط الضوء على الحاجة الملحّة للاستثمارات الإستراتيجية في مرونة البنية التحتية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العواقب المالية لحظر التصدير على منتجي النفط المحليين يمكن أن تزيد من الضغط على نفوذ روسيا الإقليمي، ما قد يعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي في أوراسيا.
ومن خلال تحويل التركيز إلى العقوبات المفروضة على صناعة التكرير في روسيا، فإنها تؤكد الدور الإستراتيجي الذي يؤديه الاتحاد الأوروبي بصفته لاعبًا عالميًا.
العقوبات الأوروبية على قطاع الطاقة الروسي
يعكس فرض الاتحاد الأوروبي للعقوبات على قطاع الطاقة الروسي جهوده الرامية إلى تأكيد نفوذه ودعم قيمه على مستوى العالم، وخصوصًا في الردّ على الانتهاكات المتصورة للمعايير الدولية من جانب روسيا.
وهذا يسلّط الضوء على أهمية الاتحاد الأوروبي في تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية والضغط على روسيا لحملها على الالتزام بالمعايير والتشريعات الراسخة.
على صعيد آخر، فإن مرونة الاقتصاد الروسي وقدرته على التكيف وسط العقوبات تزيد من تعقيد الوضع الجيوسياسي.
وعلى الرغم من القيود الاقتصادية والاضطرابات التي تواجهها في قطاع التكرير، أظهرت روسيا قدرة استثنائية على التخفيف من تأثير العقوبات من خلال المناورات الإستراتيجية وتنويع أنشطتها الاقتصادية، وتؤكد هذه المرونة تصميم روسيا على حماية مصالحها والحفاظ على مكانتها بصفتها لاعبًا رئيسًا في سوق الطاقة العالمية، على الرغم من الضغوط الخارجية.
ورغم ذلك، فإن فرض هذه العقوبات على قطاع الطاقة الروسي يشكّل تحديات في سياق عالمي، إذ لا تتفق جميع البلدان على أهداف الاتحاد الأوروبي.
وبالنظر إلى سعي الاتحاد الأوروبي إلى تطبيق صارم، فإن فاعلية هذه التدابير تعتمد على تعاون وامتثال الدول الأخرى.
وقد تكون البلدان التي لها مصالح جيوسياسية أو علاقات اقتصادية متباينة مع روسيا مترددة في الالتزام الكامل بالعقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي، ما يعقّد الجهود الرامية إلى الإنفاذ الشامل ويقوض التأثير المقصود للتدابير.
الآثار الجيوسياسية بعيدة المدى
في الختام، يمثّل قرار روسيا بتخفيض أنشطة تكرير النفط في عام 2024 منعطفًا حاسمًا ذا آثار جيوسياسية بعيدة المدى على منطقة أوراسيا.
وبينما تواجه روسيا التحديات التي تفرضها العقوبات وتعمل على تعديل إستراتيجيتها في مجال الطاقة، يتعين على أصحاب المصلحة مراقبة التطورات عن كثب، وتقييم التداعيات الأوسع نطاقًا على أمن الطاقة الإقليمي، والاستقرار الاقتصادي، والديناميكيات الجيوسياسية.
وسوف يستمر التفاعل بين المكانة الإستراتيجية للاتحاد الأوروبي، وقدرة روسيا على الصمود، والتعقيدات التي تحيط بآليات التنفيذ العالمية، في تشكيل المشهد الجيوسياسي خلال السنوات المقبلة.
* الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- ما هو الهيدروجين الطبيعي وحجم احتياطياته عالميًا؟
- حقول الغاز الطبيعي في مدينة غزة.. ثروات مُعطلة قد تغيّر مستقبل القطاع
- أنس الحجي: النفط الروسي لم يتأثر بالعقوبات.. وأسعار البنزين هدف بوتين وبايدن