التقاريرالتقارير السنويةالذكرى الثانية لغزو أوكرانياتقارير النفطرئيسيةروسيا وأوكرانيانفطوحدة أبحاث الطاقة

الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا.. صادرات موسكو النفطية تتفوق على العقوبات

هبة مصطفى

في الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا، يبدو أن العقوبات والملاحقة جاءت في صالح صادرات موسكو من النفط، إذ فتحت أسواقًا جديدة ولجأت إلى مسارات مختلفة للتحايل على القيود المفروضة عليها.

ويُعدُّ "غسل" هذه الصادرات أبرز الحيل التي حافظت على تدفّقها، وقلّصت تحجيم العقوبات لها، وهو ما يكشفه الرقم القياسي الذي سجلته تدفقات خامات موسكو إلى الأسواق المختلفة عام 2023 الماضي.

ومع تأكيد بيانات حصلت عليها منصة الطاقة المتخصصة تفوقًا روسيًا، وفي الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا، بات التساؤل حول جدوى العقوبات مُلحًّا، لا سيما في ظل استمرار تدفّق خام موسكو إلى أسواق البلدان الراعية للقيود، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ودون قيود.

ولا ننسى -مع حلول الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا- أن خريطة الشراء في سوق الطاقة العالمية شهدت تغيرًا واسع النطاق، إذ فتحت موسكو لنفسها منافذ وأسواقًا جديدة، وعدّلت بوصلة وجهتها تجاه آسيا، بعد أن كانت شحناتها تُغرق الدول الأوروبية، بحسب ما نناقشه في التقرير أدناه.

صادرات النفط الروسي قبل الحرب وبعدها

قُدِّر متوسط صادرات النفط الروسي الإجمالية للعام الماضي 2023 بنحو 7.4 مليون برميل يوميًا، تشمل 4.9 ملايين برميل من الخام و2.6 ملايين برميل من المشتقات النفطية، وفق تحليل لوكالة الطاقة الدولية (IEA) استند إلى بيانات مجموعة أرغوس ميديا (Argus Media) وكبلر (Kpler).

وبالنظر إلى بيانات العام الأول بعد غزو أوكرانيا، حافظت الصادرات خلال العامين الماضيين (2022، 2023) على المعدل ذاته.

ويكمن عنصر المفاجأة في نتائج مقارنة البيانات التي حصلت عليها منصة الطاقة المتخصصة، ببيانات صادرات عام 2021، قبل اندلاع الحرب.

ناقلات عملاقة محملة بشحنات النفط
ناقلات عملاقة محمّلة بشحنات النفط - الصورة من Energy Connects

ورغم القيود والعقوبات، سجّل متوسط صادرات النفط الروسي العام الماضي مستوى يفوق ما قبل الحرب، بعد أن بلغ 7.2 ملايين برميل يوميًا في 2021، بما يشمل 4.6 للخام، و2.6 ملايين برميل للمشتقات.

ولعل الاختلاف الحقيقي ليس حجم الصادرات، بل في الوجهات، إذ غيّرت العقوبات خريطة الشراء، وقلبت أسواق الطاقة رأسًا على عقب.

وبالتحليل، تلقّت دول الاتحاد الأوروبي 3.3 ملايين برميل يوميًا من النفط الروسي في 2021، مقارنة بـ600 ألف برميل يوميًا في 2023.

وبعد أن كان متوسط صادرات النفط الروسي إلى أميركا والمملكة المتحدة مجتمعتين يصل إلى 600 ألف برميل في 2021، لم تتلقَّ الدولتان أيّ براميل من خامات موسكو أو مشتقاتها النفطية العام الماضي.

ومقابل ذلك، نمت الصادرات إلى: (الصين، والهند، وتركيا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وغيرها).

غسل النفط الروسي

لم تكن صادرات النفط الروسي لتنمو في ظل العقوبات إلّا بدعم من دول أخرى تورطت في غسل الشحنات، قبيل إعادة إرسالها مرة أخرى إلى الأسواق الأوروبية.

وبالنظر إلى خريطة شراء أسواق النفط مع الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا، نجد أن الدول التي فرضت العقوبات ضد موسكو زادت وارداتها المكررة من الدول المستوردة لخامات موسكو، منذ العام الأول للحرب.

ويُقصد بعملية "غسيل النفط الروسي" استيراده في صورته الخام من قبل دول لم تشارك في وضع العقوبات، وتكريره في مصافيها، ثم إعادة إرساله إلى الدول المتبنّية للعقوبات في صورة مشتقات نفطية مكررة، أو إعادة إرساله في صورته الأصلية "نفط خام"، بعد نسبه لدول وشركات غير روسية.

ويرصد الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- حجم صادرات النفط الخام والمنتجات المكررة من روسيا، منذ اندلاع الحرب في 2022 حتى الآن:

صادرات النفط الروسي

ولوحظ إقبال دول تحالف السقف السعري على تكثيف وتيرة الشراء المشتقات النفطية، من: (الصين، والهند، وتركيا، والإمارات، وسنغافورة)، حسب بيانات نشرها مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CERA).

واستحوذ الاتحاد الأوروبي على لقب أكبر مشتر للمنتجات النفطية من الدول الـ5 سالفة الذكر، خلال العام الأول من الحرب، إذ استوردت دول الاتحاد بقيمة 17.7 مليار يورو، وأستراليا 8 مليارات يورو، وأميركا 6.6 مليار يورو، وبريطانيا 5 مليارات يورو، واليابان 4.8 مليار يورو.

(اليورو = 1.08 دولارًا أميركيًا).

وكان الديزل على رأس هذه المشتريات، يليه وقود الطائرات، مدعومة بالأسعار المخفضة التي منحتها روسيا لمشتري نفطها.

الطلب الآسيوي وعائدات التصدير

كان الشاهد الأبرز بالنسبة صادرات نفط موسكو في الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا، زيادة الطلب من الصين والهند بصورة خاصة.

وهدفت الدولتان الآسيويتان إلى شراء الخام الروسي بأسعار زهيدة والتمتع بالخصومات التي أقرّتها موسكو، لتُجري الدولتان عمليات تكرير ومعالجة في مصافيها، وتُعيد إرساله إلى الدول الغربية في صورة مشتقات أخرى.

وبحسب الأرقام التي حصلت عليها منصة الطاقة المتخصصة، تدرّجت واردات الصين من النفط الروسي من 1.6 مليون برميل يوميًا عام 2021، ثم 1.9 مليون برميل يوميًا في 2022، لتصل إلى 2.3 مليون برميل يوميًا في نهاية 2023.

وتكرر الأمر ذاته مع واردات الهند، إذ زادت من 100 ألف برميل يوميًا عام 2021، إلى 900 ألف برميل يوميًا في 2022، لتصل إلى 1.9 مليون برميل يوميًا العام الماضي.

ومؤخرًا، بات استمرار صادرات خامات موسكو إلى الهند بالوتيرة ذاتها "محلّ شك"، بعدما قرر المورّدون رفع أسعار البراميل وتقليص الخصم الممنوح، ونشب خلاف حول عملة الدفع أيضًا.

ولم تتأثر عائدات صادرات النفط الروسي كثيرًا بالعقوبات والسقف السعري، إذ سجل المتوسط الشهري 15.1 مليار دولار في 2021، و14.6 مليار دولار في 2023، لكن عائدات العام الأول من الحرب (2022) كانت مرتفعة عنهما، مسجلةً 19 مليار دولار، مدعومة بالإقبال على الشراء قبيل سريان السقف السعري.

ويوضح الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- عدد شحنات الخام الروسي، خلال العام الماضي 2023، عبر طرق عدّة، من بينها ناقلات الظل:

شحنات النفط الروسية في 2023

التحايل على العقوبات

لم تكن شحنات النفط الروسي لتستمر على وتيرتها وتتزايد صادراتها دون دعم من أسطول ناقلات هائل، يُطلق عليه "أسطول الظل"، إذ يضم ناقلات متهالكة تحتاج إلى صيانة، أو تجاوزت عمرها التشغيلي.

واحتاج نشر الناقلات المحملة بالصادرات النفطية إلى تأسيس شركات شحن "وهمية" في بلدان مختلفة، لتخطّي إجراءات التأمين على الشحنات وتقديم الوثائق المطلوبة، التزامًا بالسقف السعري.

وبعد مرور ما يقرب من عام ونصف على الحرب الأوكرانية (في يوليو/تموز 2023)، بلغت حصة صادرات النفط الروسي المنقولة بوساطة أسطول الظل 44% من إجمالي صادرات موسكو، مقابل 13% قبل الحرب، طبقًا لتحليل تابعته منصة الطاقة المتخصصة.

واتجه "ثلثا" صادرات الخام الروسي، المنقول عبر ناقلات الظل، إلى كل من الهند والصين، خلال هذه المدة.

وأثيرت مخاوف من إمكان تسبُّب هذه الناقلات في كارثة بيئية تصل إلى وقوع تسرب نفطي، إثر ضعف صيانة الناقلات المتقادمة وعدم شمول بعضها للغطاء التأميني العالمي.

وركزت روسيا على زيادة عدد رحلات شحن النفط من المواني، بمعدل فاق تركيزها على زيادة أعداد الناقلات.

ورُصِدت استضافة شركات تتخذ من الإمارات مقرًا لها ما يقرب من نصف أسطول ناقلات الظل، الذي تعتمد عليه موسكو لنقل النفط.

ومن بين دول ائتلاف السقف السعري كافة، كانت بريطانيا متورطة حتى النخاع في مخالفة العقوبات وتعزيز استمرار صادرات النفط الروسي.

وفتحت بريطانيا سواحلها أمام ناقلات الظل المتهالكة المحمّلة بالخامات الروسية، معرّضةً البلاد إلى احتمالات وقوع تسرب نفطي، وأنفقت شركات بريطانية 130 مليار دولار على تأمين شحنات موسكو منذ اندلاع الحرب وحتى الذكرى الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا.

وشارك رجال أعمال ومحاومون بريطانيون في توفير الغطاء القانوني اللازم لشحنات الخام الروسي، ولم تُخضع الحكومة الشركات والأشخاص المتورطة في مخالفة العقوبات للمساءلة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق