المقالاتسلايدر الرئيسيةكهرباءمقالات الكهرباءمقالات منوعةمنوعات

أزمة التدفئة في منطقة موسكو تتويج لسنوات من إهمال البنية التحتية (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • في بلدة سولنيشنوغورسك أصبح الوضع رهيبًا، حيث تجمدت النوافذ وتعطلت أنظمة التدفئة
  • تداعت البنية التحتية، وهي إرث حقبة ماضية تحت وطأة الوقت وعدم كفاية الصيانة
  • أنظمة المرافق في روسيا مهترئة إلى حدّ مثير للقلق
  • رفاهية المجتمعات والوقاية من الكوارث المستقبلية تعتمد على الإجراءات المتخذة اليوم

تتصاعد حاليًا أزمة التدفئة في منطقة موسكو، حيث غابت خدمات التدفئة والمياه الساخنة والكهرباء عن عشرات الآلاف من سكانها الذين وجدوا أنفسهم محاصرين في برد الشتاء القارس.

وقد طغت أزمة مجتمعية كبيرة على بداية عام 2024 في روسيا، وأثّرت خصوصًا في منطقة موسكو.

ويبدو أن هذه الكارثة، بعيدًا عن كونها حادثًا مؤسفًا مفاجئًا، تبدو تتويجًا لسنوات من الإهمال والتدهور بالبنية التحتية المجتمعية في المنطقة.

واتخذت الأزمة منعطفًا نحو الأسوأ في 5 يناير/كانون الثاني 2024، مع انقطاع التيار الكهربائي وانقطاع التدفئة وإمدادات المياه الساخنة، ما أثّر بأكثر من 20 مقاطعة في منطقة موسكو، وأكثر من 20 ألف شخص. وسرعان ما تبيّن أنّ ما بدا في البداية وكأنه حوادث معزولة، كان -في الواقع- مشكلة واسعة النطاق.

وفي بعض البلدات، مثل سولنيشنوغورسك، أصبح الوضع رهيبًا، حيث تجمدت النوافذ وتعطلت أنظمة التدفئة؛ ما أدى إلى انفجار الأنابيب.

وعلى الرغم من الضرورة الملحّة المتزايدة، بحلول 11 يناير/كانون الثاني/الجاري، لم يكن هناك تحسّن كبير، ما ترك السكان في حالة من اليأس.

أزمة التدفئة في منطقة موسكو تتحول إلى كارثة

تحولت أزمة التدفئة في منطقة موسكو، التي كان يُنظر إليها في البداية على أنها قضية مجتمعية محلية، إلى كارثة واسعة النطاق أثّرت في العديد من المدن.

وبعد 8 يناير/كانون الثاني 2024، ما يزال سكان بودولسك، وسولنتشنوغورسك، وخيمكي، وكراسنوغرسك، ولوبنيا، وسخودنيا، ومناطق أخرى، يعانون من البرد القارس مع تفاقم أزمة البنية التحتية.

ولا يُعدّ هذا الوضع مجرد مصدر إزعاج مؤقت، وإنما مظهر صارخ لمشكلة منتظمة عميقة الجذور.

وتعرضت منطقة تولا، وخاصة مدينة نوفوموسكوفسك، لحادث مرافق كبير؛ ما ترك عددًا كبيرًا من السكان والمنشآت الاجتماعية دون خدمات التدفئة الأساسية خلال أشهر الشتاء القاسية.

ويضيف هذا الحادث فصلًا آخر إلى المشكلات المستمرة في قطاع الخدمات المجتمعية المتعثر في روسيا، وفي 14 يناير/كانون الثاني الجاري، شهدت مدينة نوفوموسكوفسك، التي يبلغ عدد سكانها نحو 120 ألف نسمة، عطلًا كبيرًا في المرافق العامة، وأثّر هذا الحادث وحده في 372 مبنى سكنيًا و10 مدارس و16 روضة أطفال ومستشفى واحد، وتركها دون تدفئة.

قضية عميقة الجذور

تكشفت أزمة التدفئة في منطقة موسكو بسرعة، إذ شهدت المنطقة انهيارًا شبه كامل لخدماتها المجتمعية، وأدى الشتاء الروسي القاسي، المعروف ببرده القارس، إلى تفاقم الوضع، ما دفع السكان إلى الصراع من أجل الدفء والراحة.

ولا يُعدّ هذا الانقطاع في الخدمات الأساسية مجرد إزعاج، بل يشكّل مخاطر كبيرة على صحة وسلامة السكان المتضررين.

إزاء ذلك، تدفقت المساعدات الإنسانية بسرعة لتوفير بعض الراحة للسكان المحاصرين، ولكن هذه الجهود، رغم أنها تستحق الثناء، كانت بمثابة قطرة في محيط، لأنها تمثّل حلولًا مؤقتة لمشكلة ظلت متفاقمة منذ عقود، وتداعت البنية التحتية، وهي إرث حقبة ماضية، تحت وطأة الوقت وعدم كفاية الصيانة.

لقد أصبح من الواضح أن هذا الانهيار العمومي ليس حدثًا معزولًا، بل هو تقليد مثير للقلق في منطقة موسكو، ويشير هذا النمط إلى الإهمال المزمن للبنية التحتية للمرافق العامة في المنطقة، وتُعدّ القضية الأساسية هي أكثر خطورة بكثير مما يبدو.

وفي ما لا يقلّ عن 14 حيًا في منطقة موسكو، تعاني شبكات المرافق من التآكل بنسبة تزيد عن 80%.

وفي ليتكارينو، حيث ظهرت المشكلات في وقت أبكر من المناطق الأخرى، يصل معدل التآكل إلى 89%.

مطبخ متنقل جرى نشره للمواطنين بسبب انقطاع التدفئة المركزية عن عشرات المباني السكنية في منطقة موسكو
مطبخ متنقل نُشِرَ للمواطنين بسبب انقطاع التدفئة المركزية عن عشرات المباني السكنية في منطقة موسكو – الصورة من رويترز

الاستجابة القانونية والإدارية

استجابة للأزمة، بدأت السلطات إجراءات جنائية ضد أولئك الذين عَدَّتْهم مسؤولين عن الإهمال، وتشير هذه الخطوة إلى الاعتراف بخطورة الموضوع والالتزام بالمساءلة.

رغم ذلك، فإن الإجراءات القانونية وحدها لا تكفي لتصحيح مشكلات النظام التي أدت إلى هذه الكارثة.

وتمثّل المحنة، التي تعيشها منطقة موسكو، تذكيرًا صارخًا بالعواقب المترتبة على الإهمال طويل الأمد في المرافق العامة الأساسية، ويمثّل هذا الوضع نداء تنبيه، ليس فقط للمسؤولين المحليين، ولكن للسلطات في جميع أنحاء البلاد، لإعطاء الأولوية لتحديث وصيانة البنية التحتية الحيوية.

كارثة غير مسبوقة

لا تُعدّ الكارثة المجتمعية في منطقة موسكو حادثة معزولة، بل هي جزء من نمط أوسع من تدهور البنية التحتية.

وتكشف التحقيقات في قطاع الإسكان والمرافق، بما في ذلك التحليلات التي أجرتها قناة تسارغراد التفلزيونية، اتجاهًا مثيرًا للقلق من الانهيارات والفشل.

ولا تترك البيانات التي جُمِعَت من هذه التحقيقات أدنى شك في أن الأزمة الحالية هي نتيجة لقضايا منظومة جرى تجاهلها لمدة طويلة، لأن أنظمة المرافق في روسيا مهترئة إلى حدّ مثير للقلق، إذ بلغ ما يُقدَّر بنحو 60% إلى 70% منها حالةً من الانهيار.

وينبع هذا التآكل، في المقام الأول، من أن العديد من أنابيب المرافق رُكِّبَت خلال الحقبة السوفيتية، وقد تدهورت الآن أو تعفنت تمامًا، وأصبحت مسألة الأنابيب دون المستوى المطلوب مصدر قلق بالغ.

وتوصلت رابطة مصنّعي أنظمة خطوط الأنابيب إلى اكتشاف مثير للقلق: ثلث الأنابيب الموجودة في السوق مزيف، ومصنوع من مواد منخفضة الجودة، أو حتى في بعض الحالات، مواد مستعملة مجددة.

وهذه ليست مجرد مسألة ذات نوعية رديئة، ولكنها تشير إلى عمل احتيال متعمد، وهو ما يصفه أحد المحللين بأنه جريمة جنائية.

وأثار انتشار المواد المقلدة في السوق، خصوصًا في أوقات نقص المواد، تساؤلات جدّية بشأن سلامة وموثوقية خطوط الأنابيب التي استُبدِلَت حديثًا.

ويشكّل الاستعمال واسع النطاق لهذه المواد دون المستوى مخاطر كبيرة على سلامة وفعالية شبكات التدفئة والمرافق العامة الأخرى.

تدفئة أنبوب داخل مبنى سكني في بلدة كليموفسك بمنطقة موسكو
تدفئة أنبوب داخل مبنى سكني في بلدة كليموفسك بمنطقة موسكو – الصورة من رويترز

التحرك لحل الأزمة

يتطلب حل أزمة التدفئة في منطقة موسكو أكثر من مجرد إصلاحات قصيرة الأمد؛ فهو يتطلب إجراء إصلاح شامل للبنية التحتية للخدمات المجتمعية في المنطقة.

وينطوي ذلك على استثمار كبير، ليس فقط في التطوير المادي للمرافق، ولكن في اعتماد ممارسات وتقنيات الإدارة الحديثة.

وقد يبدو الالتزام بتجديد 7.5 ألف كيلومتر من شبكات التدفئة على مدى عقد من الزمن كبيرًا، لكنه يتضاءل مقارنة بالمدى الإجمالي لشبكات التدفئة في روسيا، التي تمتد على ما يُقدَّر بنحو 50 ألف كيلومتر.

ويثير هذا التفاوت تساؤلات بشأن التأثير والفعالية الشاملة للبرنامج الاتحادي في معالجة مشكلات البنية التحتية المنتشرة على نطاق واسع.

وتمثّل الأزمة الحالية في منطقة موسكو تذكيرًا صارخًا بالعواقب المترتبة على إهمال البنية التحتية الحيوية، وهو يسلّط الضوء على الحاجة الملحّة إلى نهج شامل ومنسّق لمعالجة مشكلات النظام التي ابتُلي بها قطاع الإسكان والمرافق في روسيا.

لذلك، ينبغي أن يشمل هذا النهج ما يلي:

تحديد وتسجيل شبكات المرافق: يعدّ إنشاء ملكية أو مسؤولية واضحة لهذه الشبكات أمرًا بالغ الأهمية للمساءلة والإدارة الفعالة.

الاستثمار في تحديث البنية التحتية: هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة لترقية واستبدال أنظمة المرافق القديمة والمتهالكة.

تنفيذ الصيانة الدورية والتقييم: إن اعتماد نهج استباقي للصيانة يمكن أن يمنع الأزمات المستقبلية، ويضمن موثوقية الخدمات الأساسية.

التواصل الشفاف وإصلاح السياسات: بناء الثقة مع الجمهور من خلال التواصل الشفاف، وتنفيذ إصلاحات السياسات التي تعطي الأولوية لصيانة البنية التحتية وتطويرها.

خاتمة

يمثّل شتاء السخط الذي تشهده منطقة موسكو درسًا قاسيًا في أهمية الاهتمام الاستباقي والمستدام بالبنية الأساسية العامة، وهو دعوة للسلطات وصنّاع السياسات للعمل على معالجة القضايا الأساسية التي أدت إلى هذا الانهيار.

من ناحية ثانية، تعتمد رفاهية وسلامة الآلاف على الاستجابة السريعة والفاعلة لهذه الأزمة، ويُعدّ هذا الوضع بمثابة تذكير بالدور الحاسم الذي تؤديه الخدمات المجتمعية القوية، التي تتمّ صيانتها جيدًا بضمان نوعية الحياة في المناطق الحضرية.

وتُعدّ محنة السكان في منطقة موسكو تجربة تحذيرية بشأن أهمية صيانة البنية التحتية والعواقب الوخيمة للإهمال.

وفي الوقت الذي تواجه فيه المنطقة هذه الأزمة غير المسبوقة، فإنها تصبح بمثابة تذكير ملحّ للمناطق في كل مكان بأهمية الاستثمار في البنية التحتية العامة الحيوية وصيانتها، إذ تعتمد مصلحة المجتمعات والوقاية من الكوارث المستقبلية على الإجراءات المتخذة اليوم.

 

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

 

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق