تقارير السياراتالتقاريرالنشرة الاسبوعيةرئيسيةسيارات

عمال صناعة السيارات يسقطون من حسابات "كهربة" طرق أوروبا وأميركا

هبة مصطفى

يشكّل التساؤل حول مصير عمال صناعة السيارات ضرورة مُلحّة في ظل الاتجاه العالمي نحو "كهربة" الصناعة وخفض انبعاثات قطاع النقل، حتى لا تتحول السيارات الكهربائية إلى سلاح ذي حديْن، وفق ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.

وبينما تستوعب الطرق الأوروبية والأميركية المزيد من السيارات الكهربائية، تستعد أعداد هائلة من عمالة القطاع للمكوث في منازلهم دون عمل، ما يشكل تهديدًا وضغطًا حقيقيًا على بعض الاقتصادات.

ويتعيّن على مُصنّعي السيارات الكهربائية توضيح كيفية التعامل مع تلك المعضلة، إذ افتقرت خطط التطوير إلى طرح رؤية واضحة لكيفية تأهيل من ظلوا لسنوات يعملون في إنتاج سيارات محرك الاحتراق الداخلي للانتقال إلى الصناعة الجديدة أو التكيف معها.

الطموح الأوروبي

تضع أوروبا نصب أعينها منافسة الصين في تطور صناعة السيارات الكهربائية، وتلهث وراء هذا الهدف دون قياس مردود ذلك على اقتصادات دول الاتحاد التي تعاني ارتفاع معدلات البطالة.

ويحمل الطموح الأوروربي للحاق بالركب الصيني المتطور في صناعة السيارات الكهربائية وجهين مختلفين، إذ يسمح لدور القارة العجوز بالمضي قدمًا نحو خفض انبعاثات قطاع النقل، غير أنه لم يمهد بالقدر الكافي لهذا التحول وما يتطلبه من التعامل مع عمال صناعة السيارات والموردين.

ويُركز الاتحاد الأوروبي، خلال العام الجاري 2024، على دعم إنتاج السيارات الكهربائية محليًا لدى دول الاتحاد، في محاولة للتخلص من الهيمنة الصينية على الصناعة، بعدما عزّزت الأخيرة من نشر مصانعها محليًا وأوروبيًا.

ولا تنطبق هذه الرؤية على كل دول الاتحاد، إذ يبدو الوضع مختلفًا في سلوفاكيا والتشيك على سبيل المثال، إذ تهدّد خطط الـ"كهربة" مصير الآلاف من عمال صناعة السيارات، ونسب البطالة مقابل الناتج المحلي الإجمالي، حسب بلومبرغ.

عمال صناعة السيارات
إنتاج أحد طرازات سكودا في سلوفاكيا - الصورة من ET Auto

واقع مغاير

قد لا تلبي صناعة السيارات الكهربائية في سلوفاكيا الطموح الأوروبي، رغم أن مرحلة ما بعد تشيكوسلوفاكيا (الدولة التي انقسمت عام 1993 إلى التشيك وسلوفاكيا) شهدت 30 عامًا من ازدهار الصناعة في مدينة "دولني كوبين" وحوّلتها إلى واحدة من أكبر المدن المنتجة للسيارات في العالم.

ولفك التشابك بين القدرات الصناعية الهائلة لمدينة دولني كوبين -التي يُطلق عليها "ديترويت أوروبا"، نسبة إلى مدينة ديترويت الواقعة في ولاية ميشيغان الأميركية مركز صناعة السيارات في البلاد- وأسباب تأخرها عن الركب الأوروبي يجب النظر إلى عمالة صناعة السيارات.

وبعد أن اشتهرت سلوفاكيا والتشيك بإنتاج غزير هو الأعلى في العالم لنصيب الفرد من السيارات لسنوات طويلة، وشكلت مصانع السيارات ما يقارب "رُبع" صادرات كل منهما، بات مصير آلاف العمال مجهولًا منهم 260 ألف شخص يعملون في 4 شركات تصنيع و350 موردًا في أنحاء سلوفاكيا وحدها.

وربما لا تقتصر المخاوف على سلوفاكيا وحدها، لكنها تمتد إلى جارتها المنفصلة عنها "التشيك" التي تضم أعدادًا مضاعفة من العاملين في الصناعة يبقى مصيرهم مجهولًا مع التحول للسيارات الكهربائية.

حلقة مفقودة

لسنوات طويلة قبيل الحديث عن "الكهربة" أنتج الآلاف من عمال صناعة السيارات التقليدية وحدات سيارات وقطع غيار ومحركات احتراق وغيرها، هذه العمالة لم تؤهل بعد للتعامل مع البطاريات والشواحن الكهربائية ومكونات الصناعة الجديدة.

وهناك على ما يبدو "حلقة مفقودة"، إذ لم يُجب الداعمون لنشر السيارات الكهربائية عن مصير العمال، وكذلك مصير المرافق والمصانع والشركات ذاتها المتناغمة مع إنتاج السيارات التقليدية.

وتحتضن سلوفاكيا مصانع إنتاج السيارات التقليدية مثل مصنع شركة كيا الكورية الجنوبية، وكذلك شركة "ميبا" النمساوية التي تصنع محركات احتراق لشركات ضخمة مثل فولكس فاغن وشركات مجموعة ستيلانتس، وتستوعب هذه المصانع أعدادًا هائلة من العمالة.

وحال توقف إنتاج سيارات محرك الاحتراق الداخلي في البلاد، وتعزيز تصنيع السيارات الكهربائية ونشرها في سلوفاكيا، استجابة لرؤية الاتحاد الأوروبي وخططه، يصبح مستقبل عمال صناعة السيارات والشركات المُصنعة والشركات الداعمة لها بخدمات التوريد وقطع الغيار في مهب الريح.

عمال صناعة السيارات
خط لتجميع السيارات في مصنع لشركة كيا - الصورة من بلومبرغ

انقلاب أميركي

لم تكن أوروبا وحدها التي تواجه مسؤولية إيجاد مخرج لمصير عمال صناعة السيارات التقليدية خلال التحول نحو مثيلتها الكهربائية، وشهدت أميركا وتحديدًا مدينة ديترويت الشهيرة بصناعة السيارات في ولاية ميشيغان موقفًا مشابهًا لسلوفاكيا.

ودخل عمال الصناعة الأميركية في صراع بين المتنافسين على مقعد الرئيس القادم، جو بايدن ودونالد ترمب، إذ شن الأخير هجومًا على سياسات منافسه -الرئيس الحالي- الداعم للسيارات الكهربائية.

وتحولت صناعة السيارات، والتخلي عن السيارات العاملة بالبنزين والديزل، إلى "جدل انتخابي" بين المتنافسين، بعدما زار ترمب العام الماضي 2023 ميشيغان، والتقى عددًا من عمال صناعة السيارات، ليؤكد أن التخلص من سيارات محرك الاحتراق الداخلي يفتح المجال أمام البطالة والتضخم، وفق ما نقلته عنه صحيفة بوليتيكو (Politico) حينها.

واقتصرت استعمالات السيارات الكهربائية -من وجهة نظر ترمب- على راغبي السفر في "رحلات قصيرة" تجنبًا لمشكلات الشحن.

ورغم أن بايدن من أكبر الداعمين في أميركا لنشر السيارات الكهربائية، فإنه لم يطرح -حتى الآن- رؤية لمصير عمال صناعة السيارات التقليدية وكيفية دمجهم أو تأهيلهم للتعامل مع مقومات التصنيع الجديدة.

العمالة والشركات

مع نشر المزيد من مصانع إنتاج السيارات الكهربائية والبطاريات ونقاط الشحن وغيرها من ملحقات الصناعة الجديدة، لجأت شركات عدة إلى التخلي عن موظفيها وعمال صناعة السيارات التقليدية ومحركات الاحتراق الداخلي.

ولم يقف الأمر عند ذلك، وإنما تحولت شركات ومجموعات بالكامل إلى الاستثمار في الصناعة الجديدة، إذ انجرفت شركات عدة وراء توصيات الاتحاد الأوروبي بالتحول نحو السيارات الكهربائية وتعزيز منافسة الصين في هذا المضمار.

ودفع ذلك الشركات المُصنعة لمكونات السيارات إلى الاستغناء عن أعداد كبيرة من العمالة، وقررت شركة سكودا التشيكية استثمار 5.6 مليار يورو في عملية التحول نحو الاعتماد على السيارات الكهربائية بحلول عام 2027، في خطوة استباقية لبدء سريان الحظر الأوروبي على المبيعات الجديدة لسيارات محرك الاحتراق الداخلي "العاملة بالبنزين والديزل" عقب عام 2035.

(يورو = 1.10 دولارًا أميركيًا)

عمال صناعة السيارات
سكودا تبدأ إنتاج السيارات الكهربائية في سلوفاكيا - الصورة من electrive

اضطراب غير مُنظم

انعكس التحول غير المنظم نحو السيارات الكهربائية سلبًا على عمالة شركات تصنيع مكونات السيارات، إذ استغنت شركة "كونغسبرغ أوتوموتيف" -المعنية بتصنيع مكونات ناقل الحركة في السيارات التقليدية- عما يقرب من 192 موظفًا، خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وتدرس شركة "ميبا" في مدينة دولني كوبين السلوفاكية أيضًا مصير 750 موظفًا يعملون في تصنيع محركات سيارات الاحتراق الداخلي.

ومن جانب آخر، تتطلّب توسعات السيارات الكهربائية نشر المزيد من مصانع البطاريات التي قد تتسع لعدد هائل من عمال صناعة السيارات، لكن تلك الخطوة لم تُنجز في أميركا وأوروبا بالقدر الملائم لأعداد العمال.

ففي سلوفاكيا وكذلك التشيك، يُعد نشر مصانع البطاريات جانبًا من الاستثمارات التي لم تنجح الدولتان في جذبها حتى الآن، مقارنة بدول أوروبية أخرى مثل المجر وبولندا، ويبدو أن الأمر في أميركا لم يختلف كثيرًا، وإن كان أفضل حالًا.

وما لم يضعه داعمو السيارات الكهربائية في الحسبان أن تتسبب التكلفة المرتفعة للصناعة في تسريح إضافي للعمالة، مثلما فعلت شركة أرايفال الناشئة (Arrival) -ومقرها المملكة المتحدة- بعد أن قررت مطلع العام الماضي 2023 التخلي عن 50% من موظفيها لخفض التكاليف، ما أضاف عبئًا إضافيًا على عمال صناعة السيارات ممن يعانون تحولًا غير منظم للصناعة، وفق موقع ذي فيرج (The Verge).

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق