لماذا تعد خطط الطاقة المتجددة في فرنسا مهمة لأوروبا بأكملها؟ (تقرير)
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- فرنسا رابع أكبر دولة جاذبة لاستثمارات الطاقة في أوروبا
- مزيج الكهرباء الفرنسي من الأقلّ اعتمادًا على الوقود الأحفوري في أوروبا
- فرنسا لديها قدرة تصدير عالية للكهرباء إلى دول أوروبا
- دول أوروبية عديدة تعاني من اختناق الشبكة وخطط فرنسا قد تنفّذها
- قدرة تصنيع البطاريات في فرنسا قد تصل إلى 60 غيغاواط/ساعة بحلول 2030
تتزايد الرهانات على تعزيز الطاقة المتجددة في فرنسا لكسر اعتمادها الضخم على الطاقة النووية، ما يسمح بمرونة أكبر في تلبية الطلب المتسارع والمتوقع على الكهرباء لدى واحدة من أكبر الاقتصادات الأوروبية.
ورجّحت نمذجة مستقبلية، أجرتها شركة أبحاث الطاقة النرويجية "ريستاد إنرجي"، ارتفاع الطلب على الكهرباء في فرنسا بنسبة 14% خلال المدة من 2022 إلى 2030.
ورغم تركّز الجدل تاريخيًا حول الطاقة المتجددة في فرنسا مقابل الطاقة النووية، فإن هناك اتجاهًا متزايدًا لتعزيز خطط توليد الكهرباء من كل المصادر منخفضة الكربون لمواكبة الطلب وضمان أمن الطاقة في البلاد، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وتواجه الدول الأوروبية تحديات ضخمة في أمن الطاقة منذ اندلاع الحرب الأوكرانية خلال العام الماضي، ما دفع الحكومات إلى تسريع خطط الاستثمار في بدائل الغاز الروسي على المدى الطويل، وفي القلب منها الطاقة المتجددة.
أكبر الدول الأوروبية في استثمارات الطاقة
تعدّ فرنسا رابع أكبر دولة أوروبية في جذب استثمارات الطاقة سنويًا، بعد ألمانيا والنرويج والمملكة المتحدة، بحسب تقرير حديث صادر عن ريستاد إنرجي.
وبلغت الاستثمارات الرأسمالية الأوروبية في مجال الطاقة قرابة 173 مليار دولار هذا العام (2023)، مدفوعة بالإنفاق على الطاقة الشمسية بنسبة 25%، وطاقة الرياح البرية 23%، بينما يستحوذ قطاع النفط والغاز على 19%.
ومن المرجّح استمرار زيادة استثمارات الطاقة الأوروبية بنسبة 13% خلال العام المقبل (2024)، لتصل إلى 196 مليار دولار، مع تسارع النشاط في الصناعات منخفضة الكربون، مثل طاقة الرياح والهيدروجين واحتجاز الكربون وتخزينه واستعماله.
ويمثّل هذا الاتجاه الاستثماري المرتفع فرصة كبيرة لقطاع الطاقة المتجددة في فرنسا والقطاعات منخفضة الكربون الأخرى، إذ تتمتع البلاد بمكانة مركزية في صناعة الطاقة الأوروبية وسلاسل القيمة ذات الصلة، بحسب تقديرات ريستاد إنرجي.
خطط تحول الطاقة في فرنسا مهمة لأوروبا
سلّط النقص الأخير في توليد الطاقة النووية الضوء على أهمية تعزيز مصادر الطاقة المتجددة في فرنسا، وإعداد نظام طاقة منخفض الكربون يمكن الاعتماد عليه لمعالجة هذه المشكلة مستقبلًا.
وتعمل فرنسا في الوقت الحالي على توسيع أسطول محطاتها النووية المولدة للكهرباء بالتزامن مع إطلاق العنان لإمكانات الطاقة المتجددة في البلاد.
ويعدّ قانون تسريع الطاقة المتجددة في فرنسا من أبرز الخطوات المتخذة -مؤخرًا- في إطار هذه الإستراتيجية، ما سينعكس على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح البحرية بصورة أساسية خلال السنوات المقبلة.
ولا يمثّل تحقيق التوازن بين إمدادات الكهرباء الموثوقة و منخفضة الكربون تعزيزًا لأمن الطاقة في فرنسا فحسب، بل يمتد ذلك إلى تعزيز شبكة الكهرباء في أوروبا -أيضًا-، بحسب ريستاد إنرجي.
وأبدت الحكومة الفرنسية التزامها بإزالة الكربون من قطاعات الصناعة والنقل عبر تعزيز خطط التحول إلى الكهرباء، ودعم صناعات البطاريات والهيدروجين لخفض الانبعاثات.
ويمثّل هذا التحول المرتقب في توجهات الطاقة الفرنسية دفعة لتحفيز الاستثمار في قطاعات الطاقة المتجددة، ما قد يجعل فرنسا لاعبًا رئيسًا بتحصين سلسلة توريد التقنيات النظيفة في أوروبا.
وتواجه عدّة دول أوروبية تحدّيات كبيرة في مجال تطوير شبكات الكهرباء، مع زيادة حوادث اختناق الشبكة وضعف قدرات الربط البيني، واضطرار مشغّلي الشبكات لتقليص إنتاج الطاقة المتجددة، بما يتعارض مع مصالح المنتجين ويهدد هوامش أرباحهم بصورة كبيرة.
وتتمتع فرنسا بمزيج كهرباء متنوع ومنخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري بصورة أكبر من غيرها على مستوى الاتحاد الأوروبي، إلى جانب قدرتها التصديرية العالية للكهرباء على مستوى القارة، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
لهذا السبب، تستحوذ خطط فرنسا المحلية في تحسين البنية التحتية لشبكة الكهرباء على اهتمام واسع من قبل الأوروبيين، وليس المواطنين الفرنسيين فحسب، لما تحققه من منافع محلية ذات امتدادات أوروبية واضحة وبتكلفة أقلّ بالنسبة للأوروبيين، بحسب كبير محللي الطاقة المتجددة لدى ريستاد إنرجي، فيكتور سينز.
مصادر إنتاج الكهرباء في فرنسا
أنتجت فرنسا 62% من احتياجات الكهرباء باستعمال المفاعلات النووية خلال العام الماضي، ما يعادل 293 تيراواط/ساعة، وهي أقلّ حصة نووية للبلاد منذ عدّة عقود، بعد أن كانت 68% خلال عام 2021.
ويرجع ذلك الانخفاض في التوليد النووي إلى زيادة معدلات الصيانة لمفاعلات شركة كهرباء فرنسا "EDF" خلال 2022، لكنّ تحسُّن جدول الصيانة قد يؤدي لزيادة التوليد مجددًا إلى 321 تيراواط/ساعة خلال 2023.
ورغم ذلك، ما زال توليد الكهرباء من المفاعلات النووية في فرنسا أقلّ من مستوياته المسجلة قبل جائحة كورونا، وسط توقعات بأن يظل إنتاجها ثابتًا بين 320 تيراواط و350 تيراواط/ساعة.
وتعدّ فرنسا من أقل الدول الأوروبية في توليد الكهرباء من الوقود الأحفوري، ما يجعل مزيج الكهرباء الفرنسي مميزًا على مستوى القارة، بسبب اعتماده الشديد والمتراكم على الطاقة النووية منذ عقود طويلة.
ويستهدف مسار الطاقة المتجددة في فرنسا التخلص الكامل من توليد الكهرباء بالفحم بحلول عام 2027، بينما سيظل الغاز جزءًا من مزيج الكهرباء لأسباب متصلة بالمرونة.
وشكّلت مصادر الطاقة المتجددة في فرنسا 26% من توليد الكهرباء خلال العام الماضي، شاملة الطاقة الكهرومائية، وسط توقعات بزيادة هذه الحصة إلى 39% بحلول عام 2030.
وتستهدف فرنسا إنتاج 93% من احتياجات الكهرباء عبر مصادر الوقود غير الأحفوري بحلول عام 2030، بما في ذلك الطاقة النووية، ما يزيد على المتوسط الأوروبي المستهدف عند 80%.
خطط تصنيع البطاريات في فرنسا
تستهدف فرنسا تعزيز دمج البطاريات مع أنظمة الكهرباء في إطار خطط خفض الانبعاثات والوصول إلى الحياد الكربوني الكامل بحلول عام 2050.
وتراهن خطط تعزيز الطاقة المتجددة في فرنسا على خفض البصمة الكربونية لقطاع النقل الذي يتسبب في 42% من الانبعاثات الفرنسية، عبر دعم عمليات التحول إلى الكهرباء في هذا القطاع، ما سيمثّل حافزًا واسعًا للطلب على البطاريات خلال العقود المقبلة.
وتتزايد الحاجة إلى البطاريات، ليس فقط في تشغيل السيارات الكهربائية والحافلات والمركبات التجارية، بل في استعمالات أخرى متصاعدة، مثل تخزين الكهرباء.
ورغم ضخامة حصة الطاقة النووية في فرنسا وانخفاض انبعاثاتها، فإن البلاد ستكون بحاجة إلى دمج أنظمة تخزين البطارية "BESS" مع طفرة التوجه نحو الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
وتعدّ هذه الأنظمة ضرورية لمعالجة مشكلة التوليد المتقطع للكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتعزيز أمن الطاقة واستقرار الشبكة، خاصة على مستوى البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية التي تحتاج إلى بقاء المحطات في حالة استعداد دائم على مدار اليوم.
وتتوسع سلسلة توريد البطاريات في فرنسا بصورة مطّردة، مدفوعة باكتشاف أحد مناجم الليثيوم خلال العام الماضي، وإنشاء مرافق متخصصة في تصنيع البطاريات على مستوى البلاد.
ومن المتوقع وصول القدرة الإنتاجية للبطاريات في فرنسا إلى 3 غيغاواط/ساعة نهاية هذا العام، بينما تشير خطط المرافق والمنشآت الجديدة المعلنة إلى أن هذه القدرة قد تصل إلى أكثر من 100 غيغاواط/ساعة بحلول عام 2030، لكنها ما تزال مجرد خطط ومقترحات، بحسب ريستاد إنرجي.
وتقدّر شركة الأبحاث النرويجية وصول قدرة إنتاج البطاريات إلى 60 غيغاواط/ساعة سنويًا بحلول نهاية العقد الحالي، لكن ذلك لن يكون كافيًا لمسار الطاقة المتجددة في فرنسا، وربما يضطرها لاستيراد 60% أو أكثر من احتياجاتها آنذاك.
خطط إنتاج الهيدروجين في فرنسا
تمتد خطط تعزيز الطاقة المتجددة في فرنسا إلى الهيدروجين الذي وضعت له البلاد أهدافًا مبكرة لاستعماله في القطاعات الصناعية والنقل منذ عام 2018، ثم ألحقت ذلك بإعلان إستراتيجية رسمية للهيدروجين عام 2020.
وتتضمن هذه الإستراتيجية تخصيص 8.2 مليار دولار، لتركيب 6.5 غيغاواط من التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وتعدّ فرنسا -حاليًا- ثاني أكبر مستهلك أوروبي للهيدروجين ومشتقاته بعد ألمانيا، بحجم يصل إلى مليون طن موزعة على مصافي التكرير وقطاع الأسمدة المعتمد على الأمونيا، أحد أبرز مشتقات الهيدروجين.
وتنتج فرنسا قرابة 800 ألف طن من الهيدروجين محليًا، بينما تستورد الباقي في صورة منتجات متنوعة للأمونيا، مثل اليوريا ونترات الأمونيوم والمواد اللامائية "Anhydrous".
وتستهدف خطط الطاقة المتجددة في فرنسا وإستراتيجية الهيدروجين الوطنية استبدال وقود متجدد من أصل غير حيوي ب 42% من الهيدروجين الرمادي المستعمل في الصناعة، بما يتماشى مع توجيهات الاتحاد الأوروبي بشأن الطاقة المتجددة.
ومن المتوقع ارتفاع الطلب على الهيدروجين في فرنسا إلى 3.4 مليون طن بحلول عام 2040، لتحقيق أهدافها المناخية، بحسب تقديرات مفصلة رصدتها وحدة أبحاث الطاقة من تقرير ريستاد إنرجي.
وتبلغ سعة إنتاج الهيدروجين النظيف من المشروعات المقترحة -حاليًا- في فرنسا قرابة 670 ألف طن، معظمها عبر التحليل الكهربائي، لكن 80% من هذه المشروعات أو أكثر ما زالت في مرحلة التخطيط، ولم تتحول إلى مشروعات تنفيذية بعد.
وخصصت الحكومة الفرنسية 4 مليارات يورو (4.3 مليار دولار) لدعم مناقصات إنتاج الهيدروجين محليًا، شاملة مشروعات التحليل الكهربائي للهيدروجين باستعمال مصادر الطاقة المتجددة في فرنسا أو الطاقة النووية.
ويستند هذا الدعم على آلية العقود مقابل الفروقات في مزادات علنية تستهدف مشروعات بقدرة 150 ميغاواط في عام 2024، و250 ميغاواط عام 2025، و600 ميغاواط عام 2026.
موضوعات متعلقة..
- الطاقة المتجددة في فرنسا تتسبب بالهجوم على مرشحة الرئاسة
- إنتاج الكهرباء في فرنسا سيتضاعف من مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2023
- خريطة تطورات مزيج توليد الكهرباء في الاتحاد الأوروبي على مدار 12 عامًا (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- اتفاق باريس ومصطلحات خفض الانبعاثات.. هدف مشترك ودلائل مختلفة
- أوروبا تحدد انبعاثات غاز الميثان بحلول 2030.. والجزائر وأميركا أبرز المتضررين
- مخاطر نقص إمدادات الغاز قد تظهر في الشتاء.. وهذه شروط ارتفاع الأسعار