كاتب بريطاني: فضائح التحول الأخضر تكشف عن تبديد المليارات في الهواء
أسماء السعداوي
سلّطت وقائع حديثة الضوءَ على "فضائح" التحول الأخضر في دول الغرب؛ بسبب تخصيص مليارات الدولارات من أموال الشعوب -دون حساب أو خطط واقعية- لصالح أهداف التخلي عن الوقود الأحفوري إلى مصادر أقل انبعاثات.
آخر تلك الوقائع كانت الإطاحة برئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا، قبل أيام، على خلفية اتهامه بالضلوع في واقعة فساد تتعلق بمشروعات تعدين الليثيوم (المكون الرئيس لصناعة تقنيات الطاقة المتجددة وبطاريات السيارات الكهربائية)، وفق ما طالعته منصة الطاقة.
فقد أسفرت القضية عن اعتقال 5 أشخاص على صلة بـ"كوستا"؛ من بينهم رئيس موظفي مكتبه فيتور إسكاريا، ووزير الطاقة السابق غواو غالامبا، ورئيس وكالة البيئة نونو لا كاستا؛ لاستخدامهم اسم كوستا في تحقيق الكسب غير المشروع، واستغلال النفوذ للفوز بصفقات بمنطقتي الامتياز باروسو ومونتاليغري شمالًا للتنقيب عن الليثيوم.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب البريطاني ماثيو لين، إن فضيحة كوستا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في فضائح التحول الأخضر، معددًا اتهامات مماثلة طالت شركة ساوث بول (South Pole) السويسرية المتخصصة في بيع أرصدة الكربون، وشركة "نيكولا" (Nikola) الأميركية لصناعة الشاحنات الكهربائية.
وتساءل الكاتب عما إذا كانت الأموال الضخمة المخصصة لتحقيق أهداف مثل إزالة الكربون وخفض الانبعاثات، قد تخضع للتدقيق، محذرًا من أن استمرار الوضع كما هو عليه يهدد بذهاب تلك المليارات أدراج الرياح، وفق مقال نشرته صحيفة ذا تيليغراف البريطانية.
فساد التحول الأخضر في 2023
كانت استقالة رئيس وزراء البرتغال الحلقة الأحدث من سلسلة وقائع كشفت عن حجم الفساد المتفشي داخل خطط التحول إلى الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، من أجل خفض استهلاك الوقود الأحفوري المصدر الرئيس للانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري التي تهدد بقاء الإنسان على كوكب الأرض.
وبحسب الكاتب ماثيو لين؛ تواجه شركة "ساوث بول" أحد أكبر بائعي أرصدة تعويضات الكربون -والتي تتخذ من سويسرا مقرًا لها- اتهامات بالمبالغة في تقدير الحالة المناخية لمشروع كاريبا لحماية الغابات في زيمبابوي (ثاني أكبر مشروع لأرصدة الكربون في العالم).
ويُعَد "كاريبا" أكبر مشروعات "ساوث بول" ربحية، وتعوّل عليه الشركة لبيع أرصدة التعويضات لصالح الشركات المُطلقة للانبعاثات، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرغ واطلعت عليه منصة الطاقة.
ورفعت ساوث بول التي تحتفظ بنسبة 25%، حصتها عبر شراء أرصدة شريكتها "كاربون غرين إنفستمنتس" (Carbon Green Investments)، لترتفع حصتها إلى 42% من عائدات المشروع الذي تُقدر إيراداته بنحو 100 مليون يورو (107 ملايين دولار أميركي).
(اليورو = 1.07 دولارًا أميركيًا).
أُقيم المشروع بناءً على دعاية مفادها أن مدفوعات الشركات المحلية لشراء أرصدة تعويضات الكربون قد تنقذ أشجار كاريبا من الإزالة، مع إنفاق تلك التعويضات على تعليم سكان المنطقة المجاورة لغابات كاريبا التقنيات المستدامة للزراعة، وابتكار صناعات صديقة للغابات مثل تربية النحل.
ورغم أن بعض الأهداف قد تحققت بالفعل؛ فإن تقديرات إزالة الغابات كانا مبالغًا بها، وأكد ذلك كبير العلماء في شركة تصنيفات الكربون "رينوستر" إلياس أيري، الذي وصف مشروع كاريبا بأن تقديراته مبالغ بها، وأن الأرصدة زادت بمقدار 30 ضعفًا عن حجمها الحقيقي.
وفي أحدث التطورات، يواجه "كاريبا" مصيرًا مجهولًا بعدما قررت ساوث بول في شهر يوليو/تموز (2023) وقف المشروع بعد اشتراط حكومة زيمبابوي تسليم نصف إيراداته لها، بحسب بيان صحفي أصدرته الشركة عبر موقعها.
واستشهد الكاتب البريطاني ماثيو لين أيضًا بواقعة إدانة مؤسس شركة شركة نيكولا لصناعة الشاحنات الكهربائية تريفور ميلتون، بتضليل المستثمرين، وهو ما أدى لانهيار سعر سهم الشركة التي كانت -يومًا ما- تفوق قيمة شركة فورد (Ford) الأميركية.
واتهمت شركة هايدنبرغ ريسيرش (Hindenburg Research) ميلتون بخداع المستثمرين بعد الترويج لابتكار سيارة تستعمل خلايا وقود الهيدروجين، لجذب المستثمرين.
وخلال محاكمته، قال ممثلو الادّعاء إن ميلتون أصبح مليارديرًا من خلال الكذب على المستثمرين بداية من عام 2019 بشأن تقنية الخلايا التي تعمل بالكهرباء والهيدروجين، وكذا استعماله وسائل التواصل الاجتماعي ومقابلات وسائل الإعلام لتقديم ادعاءات كاذبة ومضللة؛ بما في ذلك أنّ شركة نيكولا صنعت شاحنة بيك آب تعمل بخلايا وقود الهيدروجين من الألف إلى الياء.
وفي تطور ذي صلة، رفعت شركة النفط العالمية شل (Shell) دعوى قضائية ضد منظمة غرينبيس (Greenpeace) المعنية بالدفاع عن البيئة، مطالبة إياها بدفع 2.1 مليار دولار، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز الذي اطلعت عليه منصة الطاقة.
وبحسب شل، صعد نشطاء غرينبيس إلى سطح سفينة تابعة للشركة في يناير/كانون الثاني 2023 بالقرب من جزر الكناري قبالة سواحل المحيط الأطلسي، احتجاجًا على التنقيب عن النفط وسافروا على متنها وصولًا إلى النرويج.
وقال متحدث باسم شل إن الحق في الاحتجاج مكفول ونحترمه تمامًا، إلا أنه ينبغي ممارسته بصورة آمنة وقانونية، وإن اعتلاء مركبة متحركة في عرض البحر غير قانوني وخطير للغاية.
واعتراضًا على أعمال التنقيب عن النفط، استعمل 4 من نشطاء المنظمة الحبال للصعود إلى السفينة، من قوارب مطاطية طاردت السفينة بسرعة عالية.
وتعليقًا على ذلك، يقول كاتب المقال إن خطوة شل علامة على أن الشركات الكبرى قد بدأت الدفاع عن مشروعاتها ما دام أنها كانت في حدود ما يسمح به القانون.
استثمارات الحكومات.. هل من رقيب؟
اتهم الكاتب ماثيو لين، في مقاله بصحيفة ذا تيليغراف البريطانية، حكومات الغرب بإنفاق مبالغ استثنائية على سياسات التحول الأخضر، واصفًا الأمر بكونه "اندفاعًا مستميتًا لتحقيق أهداف وُضعت دون التفكير ولو قليلًا على ما يبدو في طريقة تحقيقها".
ودلل في هذا الصدد على قرار الرئيس الأميركي جو بايدن، إنفاق ما يقدر بـ270 مليار دولار على تحول الطاقة، مع منح إعفاءات ضريبية مفتوحة، وهو ما يدفع قيمة الفاتورة الإجمالية لكسر حاجز التريليون دولار.
وتعهد أيضًا الاتحاد الأوروبي، بموجب الصفقة الخضراء الجديدة، بحشد 270 مليار دولار بنهاية هذا العقد في عام 2030، مع دفع المزيد إذا لزم الأمر.
كما وعد المحافظ السابق لبنك إنجلترا مارك كارني، بتخصيص 13 تريليون دولار لتمويل خطته المناخية الساعية لتحقيق الحياد الكربوني.
مشروعات خضراء ولكن..
حذّر الكاتب ماثيو لين، في مقاله الذي اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة، من أن يؤول مصير مئات الملايين المخصصة لتحقيق التحول الأخضر، أدراج الرياح، مع استغراق الكثير من أعوام العقد المقبل في التحقيق في العشرات بوقائع الاحتيال على الأموال التي تشتد الحاجة إليها ولكن في موضع آخر.
يقول لين إن المشكلة ومبعث القلق الحقيقي بشأن هذا النوع من التعهدات، هو أن النجاح لن يُحسب بناءً على النتائج وإنما على حجم الاستثمارات، وهو ما يفتح الباب لفرص لا تُحصَى لممارسة الاحتيال.
وقال: "ثمة قلق حقيقي للغاية بشأن عدم فرض قيود دقيقة على بعض تلك الاستثمارات"، مضيفًا: "عند دعم مصنع جديد بملايين الدولار، لن يكون من الصعب المبالغة في الإنفاق في تكاليف الاستشارات والإدارة".
وتساءل: "عندما لا توجد شبكة أمان حكومية، أين الحافز لضمان إنجاز تلك المشروعات في موعدها بأقل تكلفة ممكنة؟".
وأضاف أن بعض مشروعات التحول الأخضر ليست مضطرة لاستيفاء المعايير التجارية الطبيعية، وعندما يحدث العكس وتخضع لدرجة من التدقيق، يقوم الرأسماليون بغض الطرف عن العلامات التحذيرية أملًا منهم في دعم الأعمال التي قد تغير العالم، على حد وصفه.
وبحسب الكاتب، ثمة حاجة للتحول إلى اقتصاد محايد كربونيًا؛ فهو مشروع ضخم يتطلب الكثير من الاستثمارات، لكنه قال: "نقوم بذلك حاليًا بأسوأ طريقة ممكنة".
وأوضح أن ذلك يجري عبر التخطيط المركزي قديم الطراز، ثم توقع اختيار السياسيين للفائزين بدلًا من اكتشاف السوق لتوجيهنا نحو الحلول الأكثر فاعلية من حيث التكلفة.
واقترح بدلًا من فرض ضرائب على الانبعاثات، منح السوق الفرصة لتقرر بشأن طريقة وتقنيات القيام بذلك، مشيرًا إلى أن تلك الطريقة لن تمنح القادة السياسيين الفرصة ليفتخروا بحجم الاستثمارات الضخم.
لكن -بحسب الكاتب- فالسياسة الصناعية الحالية تؤدي دائمًا إلى تبديد الأموال، مؤكدًا أن ذلك لن يتغير بسبب ملصق "التحول الأخضر" المرفق على تلك المشروعات.
موضوعات متعلقة..
- إمكانات الطاقة النظيفة في أميركا اللاتينية تؤمن طريق التحول الأخضر عالميًا (تقرير)
- خبراء: النفط في جنوب شرق آسيا باقٍ رغم التحول الأخضر
- أسواق الكربون.. أداة عالمية لتحفيز التحول الأخضر (مقال)
اقرأ أيضًا..
- النفط في أميركا اللاتينية.. 3 سيناريوهات متوقعة للإنتاج والصادرات (تقرير)
- بعد معركة الغاز المسال الأميركي.. خبير أوابك: 4 دول عربية مصدر موثوق للإمدادات
- أسعار الهيدروجين الأخضر في أوروبا لن تنخفض بحلول 2030 (تقرير)
- الطاقة النووية في أوروبا تدعم الخطط المناخية.. و3 دول تقود الطفرة