التغير المناخيتقارير التغير المناخيرئيسيةقمة المناخ كوب 28

قصة مدينة أميركية عمرها 400 عام تهددها التغيرات المناخية بالغرق (صور)

محمد عبد السند

اقرأ في هذا المقال

  • التغيرات المناخية تهدد بمحو مدينة جيمستاون الأميركية
  • من المتوقع أن تبقى جيمستاون من 50 إلى 75 عامًا أخرى
  • يفرض منسوب البحر تهديدًا خطيرًا لمنطقة هامبتون رودز في فيرجينيا،
  • تلامس كُلفة تشييد حاجز ضد الفيضانات ومضخات الصرف الصحي ورفع مستويات الطرق والممرات والمباني المنخفضة قرابة 41 مليون دولا

تبرز التغيرات المناخية خطرًا داهمًا لا يهدد بتقلبات متطرفة في ظروف الطقس أو اضطراب في سلاسل الغذاء، أو حتى اشتعال حرائق الغابات فحسب، بل إنها قد تؤدي إلى اندثار مدن بأكملها حال لم تنتبه حكومات العالم إلى هذا الخطر الداهم، والتحرك الفوري للحد من مسبباته.

ولطالما حذر العلماء من المخاطر التي ستفرضها تلك الظاهرة التي تتسارع وتيرتها عالميًا في شكل ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وارتفاع منسوب مياه البحر، وتزايد عدم المساواة بين البلدان الغنية والفقيرة، ونقص المياه والغذاء والطاقة، وفق معلومات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

وفي إطار هذا السياق، عثر فريق البحث التابع لعالم الآثار في جيمستاون في ولاية فيرجينيا الأميركية ديفيد جيفنز بالصدفة على دائرة من الطوب تشير إلى بئر يعود إلى القرن السابع عشر، كان يحتوي على قطع من الملابس والأحذية والبذور وعظام الحيوانات، إلى غير ذلك من العناصر اليومية التي جرى التخلص منها بوصفها قمامة؛ ما يقدم أدلة دامغة على وجود حياة في تلك المستعمرة التي تواجه الآن مخاطر التغيرات المناخية، وفق ما أوردته شبكة بلومبرغ.

لكن اليوم، وبفعل التغيرات المناخية، اختفت تلك الأشياء من الحفرة العميقة، ليظهر بدلًا منها حشرة السلطعون وهي تركض حولها، وفق ما قاله جيفنز.

 فريق من علماء الآثار في جيمستاون يغطون موقع التنقيب لحمايته
فريق من علماء الآثار في جيمستاون يغطون موقع التنقيب لحمايته - الصورة من بلومبرغ

شبح الغرق

تمثل حشرة السلطعون علامة صغيرة على معضلة أكبر تواجه جيمستاون التي تعد موطنًا لأول مستوطنة إنجليزية دائمة في أميركا الشمالية، وهي المياه التي تغمر كل مكان من المفترض ألا تصل إليه.

وتبرز جزيرة جيمستاون منخفضة المستوى عُرضة للفيضانات أكثر مما كانت عليه من قبل؛ نتيجة تعرضها الشديد للتغيرات المناخية.

وعلى أحد جانبي ما تبقى من القلعة التاريخية والمدينة المجاورة -العاصمة الأولى لفيرجينيا- يظهر مستنقع الجزيرة، فيما تضرب، على الجانب الآخر، أمواج المد والجزر في نهر جيمس الخط الساحلي.

وقال الرئيس ومدير التشغيل في مؤسسة إعادة اكتشاف جيمستاون التي تتشارك في إدارة الجزيرة مع مؤسسة "ناشونال بارك سيرفيس" جيمس هورن: "ما نراه هو زيادة مضطردة في آثار التغيرات المناخية التي من الممكن أن تُغرق جزءًا كبيرًا من هذا الموقع تحت الماء في غضون الأعوام الـ25 المقبلة،" وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

الرئيس ومدير التشغيل في مؤسسة إعادة اكتشاف جيمستاون جيمس هورن
الرئيس ومدير التشغيل في مؤسسة إعادة اكتشاف جيمستاون جيمس هورن - الصورة من بلومبرغ

اكتشاف المستعمرة

قبل 4 قرون، بعثت شركة فيرجينيا ومقرها العاصمة البريطانية لندن السفن عبر المحيط الأطلسي، لاكتشاف المستعمرة والبحث عن الذهب والفضة ومسار بحري إلى آسيا.

وبالفعل أبحر قادة الحملة أعالي النهر مما بات يُعرف –حاليًا- بمدينة نورفورك في فيرجينيا، حتى وصلوا إلى أرض تحيطها المياه من 3 جهات.

وكانت شبه الجزيرة التي نزلوا وأقاموا المعسكر بها، مملوكة لشعب باسباغي الذي دافع عنها، وقد شهدت العلاقات بين المستوطنين والقبائل تقلبات من الحرب المفتوحة إلى السلام المتوتر قبل أن تعود تلك العلاقات مرة أخرى خلال السنوات الأولى القاتمة لجيمستاون، عندما لقي المستعمرون حتفهم بسبب المرض أو الجوع أو الإصابات التي لحقت بهم أثناء القتال.

عصر المجاعة

دفع الشتاء الذي مرت به جيمستاون خلال المدة من عام 1609 إلى 1610 والمعروف بـ"عصر المجاعة"، الناس إلى أكل القطط والكلاب والفئران وجلود الأحذية.

وقدمت بقايا هيكل عظمي لفتاة مراهقة إنجليزية، عُثر عليها في عام 2012 دليلًا دامغًا على أكل لحوم البشر، غير أن اكتشاف محصول التبغ هو الذي أنقذ مستعمر جيمستاون من الانهيار.

وربما تكون جيمستاون معروفة أكثر بصلتها بابنة الزعيم الإقليمي واهونسوناكوك، وتٌدعى بوكاهانتس، بحسب معلومات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

زارت بوكاهانتس المستوطنين وأحضرت لهم الطعام، وتزوجت لاحقًا من جون رولف، أحد المستوطنين الإنجليز الأوائل في أميركا الشمالية، ويُنسب له الفضل في زراعة التبغ بصفته محصولًا تجاريًا للتصدير في مستعمرة فرجينيا.

تجمع المياه في حقل بالقرب من متحف الآثار في جيمستاون
تجمع المياه في حقل بالقرب من متحف الآثار في جيمستاون - الصورة من بلومبرغ

تاريخ تدمره التغيرات المناخية

فيما أضحى الجانب الرومانسي من قصة بوكاهانتس أحد الأساطير المؤسسة للبلاد، فإن إرث جيمستاون يتضمن -أيضًا- معاهدات مبكرة وضعت الشعوب الأصلية تحت سلطة التاج الإنجليزي، وقيدت وصولهم إلى أراضٍ معينة.

وبناءً عليه قد يكون من الصعب أن نفكر في أي مكان، غير جيمستاون، في الولايات المتحدة الأميركية، يروي قصة أكثر أهمية وتعقيدًا عن بدايات البلاد، غير أن تلك المستوطنة التاريخية تختفي الآن بسبب التغيرات المناخية.

فمنسوب البحر يشكل تهديدًا خطيرًا لمنطقة هامبتون رودز في فيرجينيا، بأكثر من أي مكان آخر على الساحل الشرقي؛ إذ يزيد ارتفاع المياه حول جزيرة جيمستاون بواقع 1.6 قدمًا مقارنةً بما كان عليه قبل قرن مضى، بل ومن المتوقع أن يرتفع 3 أقدام أخرى بحلول عام 2075 نتيجة اشتداد وتيرة التغيرات المناخية.

ومن المرجح أن يقود ذلك إلى غرق 14 فدانًا من أصل 22.5 فدانًا تشكل الجزء من الجزيرة الذي تديره مؤسسة إعادة اكتشاف جيمستاون، حيث توجد مناطق تراثية وتاريخية، مثل القلعة وبرج الكنيسة الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر.

وتُشرف مؤسسة "بارك سيرفيس" على بقية الجزيرة التي تصل مساحتها إلى 1500 فدان، والتي تزخر -كذلك- بالمواقع الأثرية التي باتت عُرضة للخطر الآن بسبب التغيرات المناخية، وفق ما قاله رئيس قسم إدارة الموارد والعلوم في المتنزه الوطني التاريخي الاستعماري دواين شيد.

وأوضح شيد أن الهبوط في المنطقة أمر مهم، مردفًا: "لذلك لا يرتفع منسوب مياه البحر فقط، بل تغرق الجزيرة أيضًا؛ ما يزيد المشكلة تعقيدًا"، بحسب ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.

فريق من الباحثين يحمون موقع الحفر من تسرب المياه.
فريق من الباحثين يحمون موقع الحفر من تسرب المياه - الصورة من بلومبرغ

الشاطئ الغربي يتآكل

المثير للدهشة أن جيمستاون تصارع آثار التغيرات المناخية منذ مدة طويلة؛ فتآكل الشاطئ الغربي للجزيرة بفعل عوامل التعرية كان على أشده بحلول مطلع القرن العشرين؛ ما دفع سلاح المهندسين بالجيش الأمريكي إلى بناء جدار بحري في عام 1901.

لكن هذا الجدار البحري ضَعُف بمرور الوقت؛ ما اضطر مؤسسة إعادة اكتشاف جيمستاون إلى تعزيز بنائه في العام الماضي (2022)، بـ98 ألف طن من صخور الغرانيت؛ بهدف إبطاء وتيرة عملية التآكل، وتبديد الطاقة من الأمواج أثناء العواصف.

وكانت تلك الخطوة الأولى الحاسمة في خطة المرونة التي تجمع المؤسسة الأموال لتنفيذها، غير أن تعزيز الجدار البحري للصمود أمام مخاطر التغيرات المناخية، جعل هؤلاء المهندسين يدركون -تمامًا- الخطر الشديد الموجود وراءه ممثلاً في المستنقع.

فالأشجار التي تحمي المستنقع تتساقط بشكل متزايد في العواصف، وتَضعف جذورها نتيجة ارتفاع منسوب المياه الجوفية قليلة الملوحة.

ومع ارتفاع مستوى النهر وزيادة هطول الأمطار، لا يوجد مكان تتجمع فيه كل هذه المياه إلا الأراضي الجافة المتبقية.

ونتيجة ذلك أصبح أنبوب الصرف الوحيد الذي رُكب في خمسينيات القرن الماضي مغطى بالطمي؛ ما جعل مؤسسة إعادة اكتشاف جيمستاون ترغب في تركيب منظومة صرف جديدة، وبناء محطات ضخ إضافة إلى بناء حاجز لحماية المناطق التاريخية من آثار الفيضانات.

حزام من العشب

مؤخرًا، ظهر حزام من العشب على بعد 20 قدمًا من المنطقة التي ينفذ فيها فريق عالم الآثار في جيمستاون بولاية فيرجينيا الأميركية ديفيد جيفنز أعمال الحفر للبحث عن آثار تاريخية غير معروفة من قبل المؤرخين.

(القدم = 0.3048 مترًا تقريبًا).

وقد تحتوي تلك المنطقة على مدافن؛ نظرًا لأنها تقع على بُعد مسافة من القلعة والكنيسة، ومن ثم فقد تكون تلك المدافن لأشخاص مهمشين، مثل الخدم أو العبيد الأفارقة آنذاك.

جيفنز وعالمة الآثار ماري آنا هارتلي بجانب مستنقع جيمستاون
جيفنز وعالمة الآثار ماري آنا هارتلي بجانب مستنقع جيمستاون - الصورة من بلومبرغ

ولعل هذا ما يدفع علماء الآثار إلى سباق الزمن لاكتشاف أكبر عدد ممكن من تلك الآثار التاريخية قبل أن تصل إليها المياه وتدمرها.

وفي هذا الصدد، قال عالم الآثار سين روميو الذي كان يشير إلى تربة رمادية مشبعة بالمياه الجوفية إن تسرب المياه يٌسهم في تغيير كيمياء التربة، بل وقد يتسبب في إتلاف الآثار وتحلل العظام.

وأضاف روميو: "ومن ثم فقد نفقد المعلومات المهمة حال واصل منسوب المياه الارتفاع".

معضلة الـ41 مليون دولار

تلامس كُلفة تشييد حاجز ضد الفيضانات ومضخات الصرف الصحي ورفع مستويات الطرق والممرات والمباني المنخفضة قرابة 41 مليون دولار.

وبناءً علية، يؤكد الرئيس ومدير التشغيل في مؤسسة إعادة اكتشاف جيمستاون التي تتشارك في إدارة الجزيرة مع مؤسسة "ناشونال بارك سيرفيس" جيمس هورن أن جيمستاون لا تتحمل الانتظار حتى تحصل على الموافقات التي تستغرق في العادة أوقاتًا طويلة، أو دورات التمويل البعيدة؛ ما يجعل المستوطنة فريسة لآثار التغيرات المناخية.

وتابع: "التأخير يفاقم المخاطر التي يتعرض لها الموقع، وفي حال نجح المشروع ونُفذ على أرض الواقع، ربما تستمر جيمستاون من 50 إلى 75 عامًا أخرى".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق