التقاريرالتغير المناخيتقارير التغير المناخيرئيسية

التخلص من الفحم في ألمانيا يهدد بنقص المياه.. الوجه الآخر للأهداف المناخية

هبة مصطفى

مع الاستعدادات لإنهاء الاعتماد على الفحم في ألمانيا بحلول نهاية العقد (2030) تكون أكبر الاقتصادات الأوروبية قد أنجزت خطوة مناخية مهمة، لكنها بالتوازي مع ذلك تبدأ مرحلة خطرة من نقص المياه.

وربما تكون العاصمة برلين أكثر المدن الألمانية المعرّضة لمواجهة شبح الجفاف، ولا سيما مع تراجع معدل هطول الأمطار إثر التداعيات المناخية، وفق ما تابعته منصة الطاقة المتخصصة.

ويعكس المشهد الألماني ارتباطًا وثيقًا بين استمرار الاعتماد على الفحم وتوافر المياه؛ ما يُشير إلى أن الإجراءات العالمية للتخلص من الوقود الأحفوري قد تؤدي إلى تداعيات أشد خطورة، حسب تحليل أجرته بلومبرغ.

علاقة الفحم بالمياه

تتضح مخاطر التخلص من الفحم في ألمانيا بصورة أكبر في مدينة برلين المكتظة بنحو 3.6 مليون نسمة، ولتفسير ذلك تجدر الإشارة إلى أن غالبية المياه التي تغذي المدينة مصدرها نهر "سبري" الذي اعتمد على تدفقات مياه مناجم الفحم البُني لما يزيد على 100 عام.

ويتزامن رفع شارة "النهاية" أمام الوقود الملوث مع تراجع معدل سقوط الأمطار بالعاصمة إثر التداعيات المناخية؛ ما يزيد نطاق التهديد بتعرض المدينة لنقص المياه الذي قد يتفاقم إلى الجفاف.

أحد مناجم الفحم في ألمانيا
أحد مناجم الفحم في ألمانيا - الصورة من Clean Energy Wire

فإغلاق المناجم يتسبب في عدم حصول نهر سبري على تدفقات المياه الجوفية التي كان يجري ضخها لتسهيل عمليات استخراج الفحم، من شأن تراجع موارد المياه أن تؤثر في تدفق النهر بنسبة تتراوح بين 50 و75%، طبقًا لبيانات هيئة البيئة الألمانية.

ولم يقف التهديد عند ذلك، بل امتد الأمر إلى إقدام الجهات المعنية على سحب المياه من نهر سبري في العاصمة برلين خلال الأوقات الحارة والجافة بفصل الصيف، لضمان حصة تكفي لمياه الشرب دون تبخر.

التخلص من الوقود الأحفوري!

قال رئيس هيئة البيئة الألمانية، ديرك ميسنر، إن برلين تحصل على الحصة الكبرى من مياه الشرب عبر نهر سبري؛ ما ينذر بمستويات خطورة مع تناقص مياه النهر بنسبة تصل إلى 75%.

ورغم أن التخلص من الفحم في ألمانيا يُعَد طموحًا مهمًا لدى نشطاء البيئة والمناخ المحليين وخارج حدود أكبر الاقتصادات الأوروبية؛ فإن نقص المياه لمستويات تصل إلى "الربع" يعد وجهًا غير مألوف لمسار الحرب على الوقود الأحفوري.

ويمكن أن يتعرض النظام البيئي المتوازن للعاصمة برلين إلى "الاهتزاز" مع نقص مستوى نهر سبري، والذي قد يتفاقم بمرور الوقت ومضي خطط إنهاء الاعتماد على الفحم في ألمانيا بحلول عام 2030.

وقد يخرج الأمر عن السيطرة، ليزيد مخاوف الحكومات المترددة في بدء مسارات مكافحة التغير المناخي؛ إذ لن يقتصر الأمر حينها على ألمانيا وحدها لكن قد يلفت نظر العامة إلى تداعيات التخلص من الوقود الأحفوري ويبطئ مسيرة الأهداف المناخية.

إغراق المناجم

بخلاف ما قد يترتب على التخلص من الفحم في ألمانيا من تراجع لمنسوب المياه في نهر سيبري، تعاني العاصمة أمرًا إضافيًا يؤثر في حصص المياه سلبًا.

فهناك عدد من المناجم معرض إلى الغمر المائي ضمن خطط إنشاء بحيرات صناعية، مثل إغراق منجم "كوتبوس- نورد" بنحو 84 مليون متر مكعب من المياه، بما يعادل 40% من الاستهلاك السنوي لبرلين.

نهر سبري
نهر سبري - الصورة من بلومبرغ

وكان الهدف الرئيس من إغراق المنجم إنشاء بحيرة صناعية تحمل اسم "كوتبوسر أوستسي" هي الأكبر من نوعها في ألمانيا؛ إذ تضم -عقب الانتهاء من بنائها في 2025- أكبر محطة طاقة شمسية عائمة في البلاد بالإضافة إلى شواطئ وميناء لليخوت بوصفه موقعًا ترفيهيًا.

ودعت الدراسة المُعدة من قِبل وكالة حماية البيئة إلى استعمال بحيرة "كوتبوسر أوستسي" بوصفها مساحةً وأداةً للحفاظ على المياه من التبخر خلال فصل الصيف الحار، لكن شركة التعدين "إل إي إيه جي" المشرفة على عملية التطوير رفضت المقترح الرامي للحفاظ على مياه الشرب.

الطلب على المياه

أكدت شركة التعدين "إل إي إيه جي" أن موقع البحيرة لن يتحول إلى "خزان" للمياه، لكنه سيركز على الاستفادة من "موسم" السباحة وركوب القوارب خلال فصل الصيف، ودعت إلى ضرورة دراسة التداعيات على قطاع المياه الناجمة عن التخلص من الفحم في ألمانيا.

ومن جانب آخر، احتفظت برلين بأدنى معدلات هطول الأمطار لدى الدولة الأوروبية، ومع تنامي التغيرات المناخية قد يهبط هذا المعدل إلى مستويات أقل تخاطر بنقص المياه مع توقعات بتعرض العاصمة إلى أجواء مشابهة لجنوب فرنسا.

وما قد يزيد خطط التخلص من الفحم في ألمانيا سوءًا بالمستقبل النمو السكاني والصناعي للعاصمة؛ إذ يُتوقع بلوغها 4 ملايين نسمة بحلول عام 2040؛ ما قد يزيد الطلب على المياه.

ودفعت المخاوف من زيادة الطلب على المياه في برلين الهيئات المعنية نحو دراسة خطط رئيسة، يمكن من خلالها تأمين الإمدادات اللازمة لتزويد المنازل والشركات، وانطلقت المطالبات بخفض الاستهلاك والطلب مع إجراء تنسيق مشترك بين برلين والمدن المحيطة.

حلول متاحة

لم يعد أمام العاصمة الألمانية سوى خيارات محدودة للتوصل إلى حلول تضمن أمن إمدادات المياه، ومن بين هذه الحلول العمل على إنشاء بركة خرسانية ضخمة شمال برلين.

وقد تلجأ المدينة إلى تطوير مرافق مياه الصرف الصحي لزيادة قدرتها على المعالجة؛ إذ خُصصت استثمارات تصل إلى 2.2 مليار دولار لتطوير 6 محطات معالجة حتى عام 2031.

إغراق منجم كوتبوس نورد
إغراق منجم كوتبوس نورد - الصورة من Pacific Standard

وتقوم إستراتيجية العمل المقترحة للبركة الخرسانية على ضخ مياه الصرف الصحي إلى المدينة بدلًا من ضخها نحو نهر سبري، غير أن هذا المقترح يواجه حظرًا قانونيًا.

وذهبت محاولات التغلب على تداعيات التخلص من الفحم في ألمانيا إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ اقترحت رئيسة هيئة الأمطار في برلين "دارلا نيكل" تحويل العاصمة إلى "مدينة إسفنجية" عبر التوسع في نشر الأسقف المزروعة وخزانات المياه لامتصاص مياه الأمطار فور هطولها.

واستبعدت نيكل إمكان تجاوز الأسباب الرئيسة لسيناريو ندرة المياه في برلين، رغم أن محاولات احتواء الأمر تجري على قدم وساق، خاصة مع توقف السد الواقع قرب ميدان ألكسندر عن ضخ المياه في نهر سبري حينما تشتد درجات الحرارة ويتحول الجو إلى طقس جاف.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق