تآكل إطارات السيارات الكهربائية.. مُعضلة تهدد التحول إلى النقل الأخضر
محمد عبد السند
- يُعوّل على السيارات الكهربائية في إنجاح جهود تحول الطاقة
- تآكل إطارات السيارات الكهربائية يسبب تلوثًا للبيئة
- تتحمل إطارات السيارات الكهربائية حمولة أثقل
- عوادم السيارات تشهد انخفاضًا دراماتيكيًا بفضل استعمال المرشحات والمحولات الحفازة
- السيارات الكهربائية تواجه العديد من التحديات التي تعرقل انتشارها
تبرز معضلة تآكل إطارات السيارات الكهربائية المسببة للتلوث عقبةً تهدد بنسف الآمال المعقودة على تلك المركبات النظيفة في قيادة رؤية النقل الأخضر، التي تأتي في إطار خطة أوسع لتحقيق أهداف الحياد الكربوني واقتصادات خالية من الانبعاثات.
وتتحمل إطارات تلك المركبات منخفضة الانبعاثات حمولة أثقل، وعزم دوران أعلى، مما يؤدي إلى زيادة تآكل الإطارات، ليجد القائمون على تلك الصناعة الحيوية أنفسهم مطالبين بسرعة تطوير إطارات ذات هياكل أقوى ومواد مطاطية أكثر قوة، وفق تقارير طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتُسهم السيارات الكهربائية، التي غالبًا يُنظر إليها على أنها الحل الجذري للمشكلات البيئية، في خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، كما أنها تَعِد بمستقبل نظيف عبر المساهمة في تحقيق الحياد الكربوني.
ومع ذلك، يمثّل تآكل إطارات السيارات الكهربائية التحدي الأكبر –على ما يبدو- الذي يقف حجر عثرة أمام تأدية تلك المركبات الدور المأمول منها في جهود تحول الطاقة.
مشكلة تطفو على السطح
في ظل مسودة القانون الأخيرة الصادرة عن المفوضية الأوروبية –الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي-، والذي سيحظر مبيعات السيارات التي يصدر عنها انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول أواسط العقد المقبل (2235)، وإمكان منح استثناءات إلى الوقود الاصطناعي، تبرز إطارات السيارات الكهربائية مشكلة أخرى يتعين أخذها في الحسبان بهذا الخصوص.
ويُقصَد بالوقود الاصطناعي الذي يشمل الكيروسين الاصطناعي أو الميثان الاصطناعي أو الميثانول الإلكتروني، ذلك الوقود الذي يُنتَج بوساطة الطاقة الكهربائية التي تولّد من المصادر المتجددة، ومن المياه وثاني أكسيد الكربون من الهواء، ولا يصدر عنه أيّ انبعاثات ضارة أو ثاني أكسيد كربون إضافي بخلاف أنواع الوقود التقليدية.
ويطلِق الوقود الاصطناعي عادةً ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي عند استعماله في المحرك، ولكن الفكرة هنا أن هذه الانبعاثات تعادل الكمية المأخوذة من الغلاف الجوي لإنتاج الوقود بالضبط، مما يجعلها محايدة من حيث إطلاق ثاني أكسيد الكربون عمومًا.
إطارات مسببة للتلوث
يسلّط تقرير حديث صادر عن منظمة غريست المعنية بشئون التغيرات المناخية الضوء على حقيقة مفادها أن السيارات الكهربائية التي تكون في الغالب أثقل وزنًا من سيارات الوقود الأحفوري، بسبب بطارياتها، يمكنها تسريع عملية تآكل الإطارات، ما يَنتُج عنه أعباء مادية إضافية، إلى جانب مشكلات السلامة ذات الصلة، وفق ما نشرته المنظمة في موقعها الإلكتروني.
ولا تتوقف تداعيات تلك المشكلة عند حدّ استبدال إطارات السيارات الكهربائية المتآكلة بأخرى سليمة فحسب، ولكنها تعني -أيضًا- إطلاق جسيمات دقيقة تلوث الهواء والبيئة.
وأشار التقرير إلى أن السيارات الكهربائية تبدو نظيفة للوهلة الأولى، غير أن إطاراتها ربما تنبعث عنها مواد بلاستيكية دقيقة، وملوثات أخرى للبيئة الطبيعية.
وأوضح التقرير أنّ تآكل إطارات السيارات الكهربائية لا يحدث في وضع ثبات المركبة فحسب، ولكنه يزداد خلال تسارع السيارة، وعند استعمال المكابح لوقف المركبة، والانعطاف الشديد، لا سيما في البيئات الحضرية؛ إذ يكثر استعمال هذا النوع من السيارات.
كما قد يحدث تآكل إطارات السيارات الكهربائية حتى خلال القيادة المحافظة، ما يجعل التلوث البيئي أمرًا حتميًا.
مشكلة عصيّة على الحل
قال المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "إميشانز أناليتيكس" Emissions Analytics المتخصصة في إجراء اختبارات مستقلة على عوادم السيارات وانبعاثات الإطارات نيك مولدن: "ندفع باتجاه إزالة الكربون عبر استعمال السيارات الكهربائية، ونحن، خلال تلك العملية، نتسبب في إطلاق الانبعاثات الناجمة عن تآكل إطارات تلك المركبات... وهي مسألة من الصعب حلّها".
وأوضح مولدن أن عوادم السيارات تشهد انخفاضًا دراماتيكيا بفضل استعمال المرشحات، والمحولات الحفازة، والتي تستعمل تفاعلات كيميائية لخفض التلوث.
في غضون ذلك، تُعدّ الإطارات -أساسًا- نظامًا مفتوحًا، ولذا لا توجد طريقة فاعلة لاحتجاز الجسيمات الملوثة التي تتطاير منها، وفق التقرير.
ولفت التقرير إلى أن معضلة خطيرة تكمن في ثقل حجم السيارات الكهربائية، مقارنةً بمركبات الاحتراق الداخلي، وهو ما يتسبب في تآكل إطارات السيارات الكهربائية، ويحولها إلى عامل ملوث للبيئة.
وعلاوة على ذلك، وجدت شركة "إميشانز أناليتيكس" -ومقرّها لندن- أن سيارة واحدة تفقد قرابة 9 أرطال (نحو 4 كيلوغرامات) من إطارها سنويًا، في المتوسط.
(الرطل = 450 غرامًا).
وعالميًا يعادل هذا 6 ملايين طن متري من التلوث الناجم عن إطارات السيارات الكهربائية سنويًا، علمًا بأن معظم هذا التلوث يأتي من البلدان الغنية، التي ينتشر فيها استعمال السيارات الشخصية بمعدلات أعلى.
وتتزايد كمية التلوث الناجم عن إطارات السيارات الكهربائية مع ارتفاع أعداد تلك المركبات التي تسير على الطرق حول العالم، والتي لامست قرابة 14 مليون وحدة هذا العام (2023)، بحسب التقديرات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية.
معضلة الوزن الثقيل
غالبًا تكون السيارات الكهربائية أثقل وزنًأ، مقارنة بالمركبات الهجينة أو حتى المركبات التي تعمل بالبنزين، نتيجة بطارياتها الأكبر حجمًا.
وتزن بطارية السيارة الكهربائية ألف رطل في المتوسط، في حين تصل أوزان بعض البطاريات إلى 3 آلاف رطل.
ووجدت "إميشانز أناليتيكس" أن إضافة ألف رطل إلى سيارة متوسطة الحجم قد زاد تآكل إطاراتها بنحو 20%، مشيرةً إلى أن طراز تيسلا "واي"، الذي تُنتجه عملاقة صناعة السيارات الكهربائية الأميركية تيسلا Tesla، قد تسبَّب في تلوث ناجم عن تآكل الإطارات يزيد بنسبة 26% عن طراز مماثل هجين من إنتاج شركة كيا Kia.
كما يُعدّ عزم الدوران الأكثر قوة بالنسبة للسيارات الكهربائية -الذي يُترجم إلى تسارع أقوى- عاملًا آخر ينتج عنه زيادة عدد جسيمات الإطارات لكل ميل، مقارنةً بالسيارات المماثلة التي تعمل بمحرك الاحتراق الداخلي.
أضرار صحية خطيرة
جسيمات الإطارات عبارة عن خليط سامّ من المواد البلاستيكية الدقيقة والمركبات العضوية المتطايرة، إلى غير ذلك من الإضافات الكيميائية التي تتسلل إلى الهواء والتربة والمياه في المناطق التي تشهد تجارة تلك الإطارات.
ويتراكم المطاط والمعادن والمركبات الأخرى المنبعثة من الإطارات على طول الطرق؛ إذ يجرفها المطر إلى المجاري المائية.
لكن تبقى قطع صغيرة من جسيمات الإطارات عالقة في الهواء؛ إذ يمكن استنشاقها، بل من الممكن أن تدخل أصغر هذه الجسيمات - المعروفة باسم "بي إم 2.5" PM 2.5، لأن كل جسيم يبلغ 2.5 ميكرومترًا أو أقلّ – مباشرة إلى مجرى الدم.
وخلصت نتائج دراسة أجريت في عام 2017 إلى أن تآكل إطارات السيارات الكهربائية مسؤول عمّا يتراوح بين 5% و10 % من تلوث المحيطات بالمواد البلاستيكية الدقيقة، كما أنه مسؤول عمّا يتراوح بين 3% و7 % من التلوث بجسيمات "بي إم 2.5" المحمولة في الهواء.
ووثقت الدراسة إحدى المواد الكيميائية المثيرة للقلق بشكل خاص في الإطارات، ويُطلق عليها " بي بي دي6" 6PPD، التي تُضاف إلى جميع الإطارات تقريبًا لمنع تشقّق المطاط.
ولكن في البيئة، تتفاعل " بي بي دي6" مع غاز الأوزون لتتحول إلى بي بي دي6 كينون 6PPD-quinone، وهي مادة عادةً ما يُربَط بينها وبين نفوق سمك السلمون في شمال غرب المحيط الهادئ.
كانت دراسة منفصلة أجريت في العام الماضي 2022 قد أثبتت أن مركب بي بي دي6 كينون قاتل أيضًا لسمك تراوت قوس قزح وتراوت النهر.
كما دلّت أبحاث إضافية على أن هذه المادة الكيميائية تمتصها النباتات الصالحة للأكل، مثل الخس، بل ومن الممكن أن تتراكم فيها.
ووجدت دراسة أجريت في جنوب الصين كلا المركبين بي بي دي6 و بي بي دي كينون في عينات البول البشرية.
لكن لم تُفهم بعد آثار هذه المادة الكيميائية بصحة الإنسان، غير أن هناك دراسات تربط بين المواد الكيميائية الأخرى الموجودة في الإطارات وبين مشكلات صحية تتدرج من تهيج الجلد إلى مشكلات الجهاز التنفسي وتلف الدماغ.
ويوضح التصميم أدناه -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- مبيعات السيارات الكهربائية حول العالم:
تلوث مائي
أظهرت نتائج دراسة بحثية أجرتها جامعة بورتسموث البريطانية إلى أن تآكل إطارات السيارات الكهربائية يُسهم بقوة في حدوث التلوث الكيميائي السامّ في مياه المملكة الممتحدة.
ولدى تلك الجسيمات، التي تأتي مقترنة بمواد كيميائية ضارة، القدرة على إلحاق الضرر بالحياة البحرية، ومن ثم إمكان التسلل إلى سلسلة الغذاء الخاصة بالبشر.
وفي إطار مواجهتها تلك المعضلة الخطيرة، تتخذ بعض الدول إجراءات ملموسة، من بينها فرنسا والنرويج اللتين تحفّزان المستهلكين لاقتناء المركبات خفيفة الوزن، عبر أنظمة ضريبية مغرية.
ورغم أن هذه التشريعات لا تستهدف -أساسًا- مواجهة معضلة تآكل إطارات السيارات الكهربائية، فإنها تقرّ -ضمنًا- بتأثير الوزن في الطريق والبيئة.
وأوصى تقرير غريست بأنه من أجل إحداث تغيير حقيقي في البصمة الكربونية، يتعين النظر إلى ما هو أبعد من مصدر كهرباء السيارة، مع الأخذ في الحسبان جميع مكونات السيارة الكهربائية، بدءًا من البطارية إلى الإطارات.
وبناءً عليه، فإنه رغم كون السيارات الكهربائية واعدة، فإنها لا تخلو من التحديات التي تعترض طريق انتشارها واسع النطاق.
وفي هذا الصدد، قال التقرير، إن هناك حاجة ماسّة لأخذ تلك القضايا محمل الجدّ، ومواجهتها في الحال، لضمان تحول مستدام حقيقي إلى النقل الأخضر.
موضوعات متعلقة..
- أنس الحجي: السيارات الكهربائية لم تخفض استهلاك البنزين.. والشركات تفلس لهذه الأسباب
- دعاية السيارات الكهربائية تنتهي بالشرطة.. كواليس رحلة مثيرة لوزيرة الطاقة الأميركية
- صيانة السيارات الكهربائية.. قطاع هش يفتقر للمرافق والخبرات (تقرير)
- السيارات الكهربائية والهجينة في أميركا تُشكل 16% من مبيعات المركبات الخفيفة
اقرأ أيضًا..
- أكبر 6 منصات نفطية في العالم من حيث الإنتاج.. أميركا بالمقدمة (إنفوغرافيك)
- هل يفقد الوقود الأحفوري هيمنته في توليد الكهرباء بسبب الطاقة الشمسية؟.. خبراء يجيبون
- تأثير كفاءة الطاقة في الطلب على الوقود الأحفوري (إنفوغرافيك)
- وكالة الطاقة الدولية: الطلب على الوقود الأحفوري يجب أن ينخفض 25% بحلول 2030