تسبَّب ارتفاع أسعار النفط في شح إمدادات الديزل العالمية، لتترك مصافي التكرير دون حيلة تُذكر لإنتاج الوقود المستعمل في كل شيء تقريبًا، بدءًا من النقل والشحن إلى قطاع الصناعة.
ويُستَعمَل الديزل -المنتج عبر تسخين النفط الخام إلى 200 و350 درجة مئوية- بوصفه وقودًا للتدفئة في كثير من أنحاء العالم، وهو ما يفسّر زيادة الطلب على النفط في فصل الشتاء، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وكان السبب الرئيس لشحّ إمدادات الديزل هو ارتفاع أسعار النفط التي واصلت حصد المكاسب للأسبوع الثالث على التوالي يوم الجمعة الماضية 15 سبتمبر/أيلول 2023.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت تسليم نوفمبر/تشرين الثاني 2023 إلى 93.93 دولارًا للبرميل، كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي -تسليم أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى 90.77 دولارًا للبرميل.
وقفزت أسعار الديزل في أميركا لأكثر من 140 دولارًا يوم الخميس 14 سبتمبر/أيلول 2023، مسجلةً أعلى مستوى لها في 2023، كما ارتفع سعر الديزل في أوروبا بنسبة 60% خلال الصيف الجاري، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرغ.
ولذلك، يُنذِر شح إمدادات الديزل العالمية الناجم عن ارتفاع أسعار النفط حاليًا بمخاطر جمة، خاصة مع قرب فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، والذي تزداد معه متطلبات بناء مخزون كافٍ لأغراض التدفئة في أوروبا وأميركا على نحو خاص.
سوق الديزل العالمية
عزا تقرير بلومبرغ ارتفاع أسعار النفط لإعلان المملكة العربية السعودية (أكبر مصدّر للنفط في العالم) في 5 سبتمبر/أيلول الجاري تمديد الخفض الطوعي لإنتاج النفط، بمقدار مليون برميل يوميًا، لـ3 أشهر إضافية حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، بالإضافة لإعلان روسيا تمديد خفض صادراتها لنهاية العام.
وجاء تمديد تخفيضات إنتاج النفط السعودي، والصادرات الروسية، في وقت حرج؛ إذ عادةً ما يرتفع الطلب على الديزل خلال الأشهر الـ3 الأخيرة من كل عام.
كما من المتوقع ارتفاع استهلاك الديزل بنحو 100 ألف برميل يوميًا خلال هذا العام 2023، وفق التقرير الشهري لوكالة الطاقة الدولية.
يقول رئيس قسم المشتقات النفطية في شركة "إف جي إي" (FGE) لاستشارات الطاقة يوجين ليندل، إن السبب الرئيس لأزمة إمدادات الديزل العالمية هو شحّ المعروض، مشيرًا إلى فشل المصافي الأوروبية خلال الصيف في بناء المخزون بسبب توقّفها عن العمل بصورة غير مخطط لها، وهو ما أدى إلى شح الإمدادات قبل حلول الشتاء.
ويمثّل الوضع الراهن تحديًا لمصافي التكرير العالمية التي تعاني منذ أشهر من تراجع الإنتاج، إذ أجبر ارتفاع درجات الحرارة في نصف الكرة الشمالي خلال الصيف الجاري الكثير من المصافي للعمل بوتيرة أبطأ، وهو ما تسبَّب في توقُّف بناء المخزونات.
ويشير المحلل في مؤسسة "غولدمان ساكس غروب" المصرفية (Goldman Sachs) كالوم بروس -في هذا الصدد- إلى الضغوط على مصافي التكرير لإنتاج أنواع أخرى، مثل وقود الطائرات والبنزين، التي انتعش الطلب عليها.
يُضاف إلى كل تلك التحديات، إغلاق المصافي الأقلّ كفاءة، عندما تسبَّب تفشّي فيروس كوفيد-19 في تراجع الطلب، ولذلك يختفي العديد من مصافي التكرير من على الخريطة، رغم انتعاش الطلب حاليًا.
من جانبه، يشير مدير قسم سوق النفط في وكالة الطاقة الدولية توريل بوسوني إلى خطر داهم، يتمثل في استمرار شح المعروض بسوق الوقود، وخاصة نواتج التقطير، خلال أشهر الشتاء المقبلة.
رغم كل ذلك تظهر بارقة أمل، إذ من المحتمل أن تهدأ أزمة إمدادات الديزل العالمية، فمع حلول فصل الشتاء تخفّ القيود المرتبطة بدرجات الحرارة على المصافي، حتى مع خضوع بعضها للصيانة الدورية.
يقول المحلل في مؤسسة "غولدمان ساكس غروب" كالوم بروس، إن هوامش التكرير تجاوزت الحدود، متوقعًا أن يؤدي وضع السوق المنهكة حاليًا والتوقف المؤقت لبعض المصافي إلى نتائج إيجابية.
دور روسيا والصين
تبرز روسيا والصين ضمن قائمة كبار مصدّري الديزل عالميًا، إلّا أن هذا الدور يحمل آثارًا سلبية على السوق، في ظل تراجع الإمدادات من البلدين.
ومازالت روسيا مزودًا كبيرًا للديزل رغم العقوبات الغربية والحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على واردات الديزل والمشتقات النفطية الروسية في 5 فبراير/شباط (2023)، ضمن حزمة عقوبات طالت بشكل رئيس قطاع الطاقة الروسي المزوّد الرئيس لخزينة موسكو، بعد غزو أوكرانيا في مطلع العام الماضي 2022.
وقالت موسكو، إنها تستهدف خفض أحجام صادرات الديزل للأسواق العالمية، وبالفعل، تراجعت صادرات الديزل الروسي بصورة ملحوظة بعد بدء موسم صيانة مصافي النفط هناك.
وانخفضت صادرات الديزل الروسي إلى 135.2 ألف طن يوميًا (959.9 ألف برميل) بين يومي 1 و11 سبتمبر/أيلول (2023)، مقارنة بـ 139.3 ألف طن يوميًا (989 ألف برميل) في أغسطس/آب (2023)، و148.2 ألف طن يوميًا (1.05 مليون برميل) في يوليو/حزيران (2023)، بحسب منصة "أرغوس ميديا" (Argusmedia) نقلًا عن بيانات شركة فورتيكسا للتحليلات النفطية (Vortexa).
على صعيد الصين، التي تُعدّ صمام أمان محتمل لإمدادات الديزل العالمية، لا يبدو المشهد ورديًا، فقد أعلنت مؤخرًا زيادة حصة صادرات المشتقات النفطية، لكن تجّارًا ومحللين أسيويين قالوا، إنها غير كافية للحيلولة دون شح المعروض حتى نهاية العام 2023.
وبحسب التقرير الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة، فقد ظلت شحنات صادرات الوقود الصينية خلال معظم أشهر عام 2023، عند أدنى مستوى في 5 سنوات.
يُشار هنا إلى أن تراجع صادرات الصين من المشتقات النفطية بدأ في عام 2020، إذ تسببت جائحة كوفيد-19 في تراجع الطلب العالمي على الوقود، ثم عدّلت بكين سياسة تصدير الوقود في أواخر 2021، لتنخفض على إثرها أحجام الحصص بنسبة 40% تقريبًا في عام 2022 المنصرم.
وكان السبب الرئيس للانخفاض الحادّ في صادرات المشتقات الصينية هو مخاوف بكين من حدوث أزمة محلية مماثلة لتلك التي واجهها إنتاج الفحم الحراري، وأدت إلى انقطاع الكهرباء على نطاق واسع.
بدا شح إمدادات الديزل الصادرة من روسيا والصين واضحًا في مراكز التخزين الرئيسة؛ إذ إن كل المخزونات القابلة للرصد في الولايات المتحدة وسنغافورة أقلّ من المستويات المعتادة في هذا الوقت من العام.
كما أن المخزونات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أقلّ مما كانت عليه قبل 5 سنوات.
سوق الديزل الأميركية
كان أحد أسباب ارتفاع العقود الآجلة للديزل في أميركا هو الطلب المتزايد من قِبل سائقي الشاحنات.
يقول مدير قطاع النفط العالمي في شركة "رابيدان إنرجي" (Rapidan Energy) كلاي سيغل، إن الديزل هو وقود الشاحنات التي تنقل البضائع من المصنع إلى السوق، ولذلك فارتفاع الأسعار سيرفع تكلفة النقل على كلٍ من الشركات والمستهلكين.
وحذّر من أن يقوّض ارتفاع أسعار الوقود -لاسيما البنزين والديزل- التقدم الذي أحرزه الاقتصاد الأميركي في تجنّب مخاطر الركود.
وأشار إلى احتمال أن يدفع ارتفاع أسعار الديزل مصافي التكرير إلى منح الأولوية للديزل على حساب البنزين، طمعًا في تحقيق مكاسب.
موضوعات متعلقة..
- انخفاض صادرات الديزل الروسية يضع أوروبا في ورطة
- حظر سيارات البنزين والديزل في أميركا قد يشهد مفاجأة من العيار الثقيل
- انخفاض صادرات الوقود الروسي.. ودولتان عربيتان تحصدان كميات أكبر من البنزين والديزل
اقرأ أيضًا..
- ناقلات النفط الإيراني تواصل التخفي.. وهذه قصة 2 مليون برميل جديدة
- أكبر احتياطيات الغاز في أفريقيا.. 3 دول عربية تستحوذ على 45%
- مستقبل الهيدروجين في ألمانيا قد يحمل فرصًا ضخمة للجزائر والإمارات