صراع على سوق التحليل الكهربائي بين الصين وأوروبا وأميركا.. من يفوز؟

أسماء السعداوي

2023-09-12

0 1٬233

يمثّل التحليل الكهربائي الركيزة الأساسية في إنتاج الهيدروجين الأخضر أحد أبرز معالم تحول الطاقة وخفض الانبعاثات بعيدًا عن الوقود الأحفوري الملوث للبيئة.

ويُنتَج الهيدروجين الأخضر عن طريق استعمال الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة لتشغيل المحلل الكهربائي الذي يُفكك الماء إلى هيدروجين وأكسجين، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وكانت أوروبا في طليعة الداعمين لصناعات الطاقة المتجددة، لكن يبدو أن الولايات المتحدة -بدعم من قانون خفض التضخم- سيكون لها الرأي النهائي في صياغة مستقبل صناعة التحليل الكهربائي.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تهيمن الولايات المتحدة والصين وأوروبا على سوق التحليل الكهربائي العالمية بحلول عام 2030.

كما تتوقع شركة أبحاث الطاقة "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy) أن يرتفع إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى 24 مليون طن عبر توليد 212 غيغاواط من التحليل الكهربائي بحلول عام 2030، بدعم من حوافز قانون خفض التضخم الأميركي، وخطط الدعم الأوروبية.

رواد سوق التحليل الكهربائي

تترقب سوق التحليل الكهربائي العالمية طفرة هائلة في ضوء التوجه لتوليد الطاقة المتجددة؛ تحقيقًا لأهداف خفض الانبعاثات والحياد الكربوني.

وتمتلك أوروبا تكنولوجيا عالمية الطراز في تصنيع أجهزة التحليل الكهربائي، كما أنها رائدة في مجال الابتكار التكنولوجي، وفي المقابل تُنتج الصين أرخص أجهزة التحليل الكهربائي في العالم، بحسب تقرير نشره موقع "يورأكتيف" (euractiv).

وتستهدف أوروبا إنتاج 10 ملايين طن من الهيدروجين بحلول عام 2030، ورفع قدرات التحليل الكهربائي من 3 غيغاواط حاليًا إلى 21 غيغاواط بحلول عام 2025، بحسب خطة "ريباور إي يو" (REPowerEU).

من جانبه، يؤكد رئيس شركة "هيدروجين يوروب" (Hydrogen Europe) جورغو تشاتزي ماركاكيس أن أجهزة التحليل الكهربائي الأوروبية من بين الأفضل على مستوى العالم.

وفي المقابل، ثمة مخاوف بين شركات تصنيع أجهزة التحليل الكهربائي في أوروبا بسبب المنافسة الشرسة مع الصين، وما يؤكد تلك الشكوك هو أن أول مشروعات التحليل الكهربائي في أوروبا كان بمكونات صينية.

ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- طريقة إنتاج الهيدروجين باستعمال جهاز التحليل الكهربائي:

الهيدروجين الأصفر ومتطلبات الماء والكهرباء لإنتاج الهيدروجين باستخدام جهاز التحليل الكهربائي

تقنيات التحليل الكهربائي

هناك 3 تقنيات للتحليل الكهربائي للماء لإنتاج الهيدروجين، وهي: القلوية، وغشاء البولمير، والتحليل الكهربائي لأكسيد الصلب.

ويتميز النوع القلوي بالفاعلية من حيث التكاليف والكفاءة، غير أنه يتطلب تشغيلًا دون توقّف، في المقابل، يعدّ غشاء البوليمر الأغلى، لكنه يوفر المرونة، وتتميز تقنيات التحليل الكهربائي للأكسيد الصلب بالكفاءة، وتعتمد على درجات الحرارة المرتفعة.

ويسيطر النوع القلوي على سوق التحليل الكهربائي، ويُستَعمَل في الأنشطة الصناعية؛ لتميُّزه بانخفاض تكاليف رأس المال، وعمره التشغيلي الطويل، بحسب تقرير أعدّته شركة أبحاث وتحليلات السوق "بولاريس ماركت ريسيرتش" الأميركية (Polaris Market Research).

وتستعمِل التقنية محلولًا قلويًا سائلًا من البوتاسيوم، أو هيدروكسيد الصوديوم، وتتميز بوقت تشغيلي أطول مقارنة بالتحليل الكهربائي بغشاء البوليمر.

في المقابل، ما زال التحليل الكهربائي بتقنية غشاء البولمير في مراحل مبكرة من التسويق، لكن من المتوقع أن تكتسب حصة سوقية خلال السنوات المقبلة، إذ تتميز بكثافة طاقة أعلى وأوقات استجابة أسرع من التقنية القلوية، وهو ما يجعلها مناسبة لاستغلال الكهرباء المتجددة.

وتعدّ تقنيات التحليل الكهربائي للأكسيد الصلب هي الأحدث، وتعمل في درجات حرارة مرتفعة أعلى من 700 درجة مئوية، ورغم أنها تتميز بالكفاءة العالية، فهي باهظة الثمن، لكن من المتوقع أن تؤدي إلى تقليل تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر.

وتستعمل الصين أجهزة التحليل الكهربائي من النوع القلوي المعروفة برخص الثمن، على الجانب الآخر، تفضل أوروبا أجهزة غشاء البوليمر الأغلى.

قواعد أوروبية صارمة

نال مصنّعو أجهزة التحليل الكهربائي في أوروبا دفعة كبيرة، بعد اعتماد معايير إنتاج الهيدروجين من مصادر الكهرباء المتجددة.

ووفق القواعد، يجب أن تزوّد محطات الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أجهزة التحليل الكهربائي من أجل أن ينال الهيدروجين المنتج شهادة الطاقة المتجددة للحصول على الإعفاءات الضريبية.

ويعتمد حجم الإعفاء الضريبي الذي ستحصل عليه شركات الهيدروجين على كمية الانبعاثات الناتجة في أثناء الإنتاج، وسيُقاس الالتزام بهذه القاعدة شهريًا، وكل ساعة، بدءًا من عام 2023.

ويتطلب ذلك مرونة شديدة لأجهزة التحليل الكهربائي في الإنتاج خلال أوقات وجود الرياح والشمس.

وفي هذا الصدد، شكّكت دراسة بالآثار الإيجابية للقواعد الصارمة لإنتاج الهيدروجين في البيئة والمناخ.

وانتقد الأستاذ بجامعة كولونيا الألمانية، الباحث بمعهد اقتصادات الطاقة التابع للجامعة أوليفر روهناو، إصرار أوروبا على حساب انبعاثات الهيدروجين بالساعة للحصول على الإعانات الحكومية، قائلًا، إنه يأتي على حساب الكفاءة الاقتصادية.

ونتيجة لذلك -بحسب روهناو- سيضخّ المستثمرون أموالهم لإنتاج وقود فائض للحصول على الإعانات، على حساب ارتفاع التكلفة التي سيتحملها دافعو الضرائب والمشروعات الداعمون الأصليون للصناعة الناشئة.

كما توصلت الدراسة إلى أن إنتاج الهيدروجين الأخضر دون مطابقته بالساعة لا يؤدي بالضرورة لزيادة انبعاثات قطاع الكهرباء.

وتوقع الأكاديمي والخبير الألماني تحقيق نتائج مماثلة في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.

قانون خفض التضخم الأميركي

يرتكز مستقبل أجهزة التحليل الكهربائي في أميركا على التشريعات، وعلى رأسها قانون خفض التضخم الذي أقرّه الرئيس جو بايدن في العام الماضي 2022، ويمنح دعمًا غير مسبوق لمشروعات الطاقة المتجددة من أجل مكافحة تغير المناخ؛ بهدف تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

ومن المقرر أن تصبح الولايات المتحدة رائدًا عالميًا في إنتاج الهيدروجين، بفضل قانون خفض التضخم التاريخي، الذي يُعدّ أكبر حزمة مناخية في العالم.

ويقدّم القانون حوافز جديدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر أو منخفض الكربون من خلال منح ائتمان ضريبة الإنتاج (PTC)، لمدة 10 أعوام، ليصل إلى 3 دولارات لكل كيلوغرام من الهيدروجين، بدءًا من تاريخ تشغيل المنشأة.

وعلى عكس السيارات الكهربائية، لم يربط القانون الإعانات بشرط الإنتاج المحلي، ولذلك، من المتوقع أن يغيّر القانون الأميركي الجديد قواعد اللعبة داخل سوق التحليل الكهربائي العالمية.

جهاز التحليل الكهربائي — جهاز المحلل الكهربائي - الصورة من موقع شركة "Cummins "

قواعد إنتاج الهيدروجين

لم تُصدر أميركا قرارًا بعد بشأن المعايير التي ستتبعها لدى حساب انبعاثات الكربون عند إنتاج الهيدروجين، لكن الأكيد أن الخيار سيؤثّر في مصير الصناعة العالمية بأكملها.

ومن المتوقع أن تصدر وزارة الخزانة إرشادات حاسمة بشأن قواعد إنتاج الهيدروجين النظيف.

وتحمل تلك الإرشادات آثارًا بعيدة المدى في الصناعة، ومن الآن يُثار جدل كبير بشأنها، فبينما تقول شركات محلية، إن الالتزام بالمعايير الأوروبية الصارمة الخاصة بالمحاسبة بالساعة سيعرقل نمو القطاع، يقول المدافعون عن البيئة، إن الالتزام بقواعد صارمة سيحول دون إهدار الكهرباء المنتجة من مصادر متجددة.

وبالتأكيد، ستستفيد أوروبا إذا اتّبعت أميركا مسارها نفسه، وهو ما سيمنح الشركات الأوروبية ميزة التفوق التكنولوجي، لكن في المقابل، قد يمنح التساهل في وضع القواعد الأميركية أفضلية للتقنيات الصينية الرخيصة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..