أسواق الكربون الطوعية تشهد انكماشًا للمرة الأولى منذ 7 سنوات (تقرير)
نوار صبح
- العديد من مشروعات حماية الغابات لم تحقق وفورات الانبعاثات الموعودة
- شركة غوتشي تراجع إستراتيجيتها المناخية لتحقيق تأثير أكثر إيجابية
- "نستله" ستوقف استعمال تعويضات الكربون وتبحث عن طرق أخرى لتحقيق الحياد الكربوني
- شركة فيرا ستنشر قواعد محدثة لمشروعات حماية الغابات في الربع الثالث
للمرة الأولى منذ 7 سنوات على الأقل، تشهد أسواق الكربون الطوعية انكماشًا وتراجعًا في أنشطتها، وهو ما يُعدّ خبرًا سيئًا للدول الفقيرة التي قد تخسر جرّاء تباطؤ تدفق الأموال من الشركات متعددة الجنسيات لتمويل مشروعات التخفيف من آثار تغير المناخ.
من جهتها، تسعى كينيا -على سبيل المثال- إلى أن تصبح مركزًا لتجارة تعويضات الكربون، التي تعتمد على مشروعات مثل زراعة الأشجار، للتخفيف من غازات الدفيئة التي تولّدها الشركات، حسبما أوردته وكالة رويترز (Reuters) في 1 سبتمبر/أيلول الجاري.
وقد خفّضت الشركات، بما في ذلك شركة الأغذية العملاقة نستله ودار الأزياء غوتشي، شراء الائتمانات، ووجدت الدراسات أن العديد من مشروعات حماية الغابات لم تحقق وفورات الانبعاثات الموعودة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ويُعدّ الحفاظ على الغابات أمرًا بالغ الأهمية، لتحقيق الأهداف الدولية، للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية، لمنع العواقب القاسية للاحتباس الحراري.
الطلب على ائتمانات الكربون
تفيد التحليلات بأن الطلب على ائتمانات الكربون في طريقه إلى الانخفاض في عام 2023، وفقًا لاثنين من أبرز مزوّدي البيانات.
وكشفت بيانات منصة بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة (بي إن إي إف) عن أن عدد الائتمانات التي تستعملها الشركات انخفض بنسبة 6% في النصف الأول من العام، وهو أول انخفاض منذ 7 سنوات على الأقل.
وأظهرت بيانات شركة الاستشارات إيكو سيستم ماركت بليس انخفاضًا حادًا بنسبة 8% خلال المدة نفسها. قد يجري تحديث بيانات كلا المزودين بأثر رجعي مع مراجعة سجلات التعويضات.
في المقابل، لم تقدم غوتشي تفاصيل مالية بشأن حصتها في تعويض الكربون، أو توضح سبب حذفها الادعاءات من موقعها على الإنترنت، في وقت سابق من هذا العام، بأنها محايدة تمامًا للكربون.
وقال متحدث باسم الشركة، في بيان عبر البريد الإلكتروني: "إن غوتشي بصدد مراجعة إستراتيجيتها والتزاماتها المناخية، بهدف تحقيق التأثير الإجمالي الأكثر إيجابية".
وأعلنت شركة نستله، التي لم تكشف عن إنفاقها على التعويضات، أنها ستتوقف عن استعمال تعويضات الكربون، وتبحث عن طرق أخرى للوصول إلى الحياد الكربوني.
بالإضافة إلى ذلك، ألغت الشركة خططًا لتصنيع منتجات، بما في ذلك رقائق كيت كات الخفيفة المحايدة كربونيًا.
وأوضحت: "نحن نبتعد عن الاستثمار في تعويضات الكربون لعلاماتنا التجارية للاستثمار في البرامج والممارسات التي تساعد على تقليل انبعاثات غازات الدفيئة في سلسلة التوريد والعمليات لدينا، إذ يُحدث الفرق الأكبر للوصول إلى طموحنا بتحقيق الحياد الكربوني"، وفق بيان لها عبر البريد الإلكتروني.
وقال 3 أشخاص -طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم لأنهم غير مخولين بالتحدث في هذا الشأن-، إن غوتشي توقفت عن شراء تعويضات الكربون من القطب الجنوبي.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة ساوث بول لاستشارات تمويل الكربون السويسرية، رينات هوبرغر، لرويترز، إن الشركة اتبعت المنهجية المعتمدة للمشروع في جميع الأوقات.
وأوضح رينات هوبرغر، أنه "لا توجد طريقة أخرى لتنفيذ مشروعات إزالة الغابات. لا يمكنك معرفة معدلات إزالة الغابات مقدمًا بـ10سنوات".
جودة الخطط
أفاد موقع شركة إيكو سيستم ماركت بليس، بأن جودة الخطط تمثّل مشكلة. وقال المدير الإداري للشركة، ستيفن دونوفريو: "تَسبب عدد من الدراسات السلبية بشأن ائتمانات الكربون في إثارة قلق كافٍ لدى بعض الشركات لإيقاف الشراء مؤقتًا وانتظار المزيد من الإرشادات بشأن نوع الائتمانات التي يجب أن تشتريها".
وأضاف أن "الشركات تتحرك في الاتجاه الصحيح، إذ إن هناك تفضيلًا متزايدًا للائتمانات ذات الجودة الأعلى والأكثر تكلفة".
في سياق متصل، أظهرت الدراسات التي نشرتها المؤسسات الإخبارية في شهري يناير/كانون الثاني ومارس/آذار، أن الشركة المطورة للمشروع الضخم "ساوث بول"، إلى جانب شركة "فيرا" لإصدار شهادات ائتمانات الكربون، كانت مرتبطة بائتمانات حماية الغابات التي لم تحقق الوفورات الكربونية الموعودة.
وكانت سوق الكربون الطوعية، حتى هذا العام، تنمو نتيجة لتعرض المزيد من الشركات لضغوط المساهمين لتبني سياسات الحياد الكربوني.
وبلغت قيمة السوق نحو ملياري دولار في عام 2021، وتوقعت شل ومجموعة بوسطن الاستشارية معًا في يناير/كانون الثاني، أنها قد تصل إلى ما بين 10 مليارات و40 مليار دولار بحلول عام 2030.
وقد كافحت أرصدة الكربون لمدة طويلة من أجل ترسيخ الثقة. وتقول المجموعات البيئية إنها تسمح للشركات بالظهور وكأنها تتخذ إجراءات مناخية، في حين أنها في الواقع لا تخفّض الانبعاثات.
انخفاض أسعار تعويضات الكربون
نتيجة لتباطؤ الطلب، انخفضت أسعار تعويضات الكربون التي يجري تداولها عبر سوق التداول إكسبانسيف سي بي إل، وهي أكبر بورصة فورية للكربون في العالم، بأكثر من 80% على مدار 18 إلى 20 شهرًا الماضية.
وبلغ سعر عقد تعويض الانبعاثات العالمية (جي إي أوه) -الذي يتضمن المشروعات المؤهلة بموجب خطة تعويض الانبعاثات العالمية (كورسيا) الخاصة بشركات الطيران- نحو 1.60 دولارًا أميركيًا للطن في يوليو/تموز، بانخفاض عن ذروة بلغت 8.85 دولارًا أميركيًا للطن في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وبلغ سعر موازنة الانبعاثات العالمية المستندة إلى الطبيعة 2.60 دولارًا أميركيًا للطن الواحد، انخفاضًا من أعلى مستوى عند 11.75 دولارًا للطن في يناير/كانون الثاني 2022، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
ويُظهر الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أسعار تعويضات الكربون المتوقعة بحلول 2050:
أسواق الكربون الطوعية
تستعمل الشركات أسواق الكربون الطوعية من خلال المتاجرة بائتمانات الكربون التي تهدف إلى اجتناب أو إزالة انبعاثات الكربون، للتخفيف من غازات الدفيئة التي تولدها.
وبالنظر إلى أن قياس التوفير في الكربون أمر صعب، يقول المحللون إن معظم المشروعات تبالغ في تقدير الفوائد التي قد تكون قصيرة الأجل نظرًا إلى سهولة تدمير الأشجار على سبيل المثال.
وأعلنت شركة طيران إيزي جِت في سبتمبر/أيلول الماضي، أنها ستنهي برنامج التعويضات الخاص بها للتركيز على خفض الانبعاثات الناتجة عن عملياتها.
وقالت مديرة الاستدامة في إيزي جِت، جين أشتون: "ليس هناك من ينكر أنه مجال شهد قدرًا لا بأس به من النقاش الإعلامي والضبابية". فقد اشترت شركة إيزي جِت تعويضات حماية الغابات المعتمدة من شركة فيرا، حسبما أوردته وكالة رويترز (Reuters) في 1 سبتمبر/أيلول الجاري.
وقالت أشتون، إن الشركة اطمأنت لتقييمات الطرف الثالث بأنها حققت وفورات الكربون الموعودة. وأعلنت فيرا أنها ستنشر قواعد محدثة لمشروعات حماية الغابات في الربع الثالث.
وقالت مديرة كبيرة في شركة فيرا، ناعومي سويكارد: إن الصحافة السلبية دفعت بعض الشركات -للأسف- إلى التساؤل "لماذا أفعل هذا وأستثمر في شيء قد يؤدي إلى التعرض للهجوم في الصحافة؟".
وتابعت قولها: "في بعض الحالات، يؤدي ذلك إلى تقويض رغبة الشركات في العمل بشأن المناخ على الإطلاق".
بدوره، قال مدير شركة كاربون غرين إنفستمنتس التي أنشأت مشروع كاريبا، ستيف وينتزل، لرويترز: إن أحد المشروعات التي تعرضت للانتقاد بسبب المبالغة في تقدير معدلات توفير الكربون التي حصلت على شهادة فيرا هو مشروع كاريبا في زيمبابوي الذي لم يبع منذ أكتوبر/تشرين الأول.
وأكد وينتزل، أن "المشروع مُوّل لبضع سنوات، ولكن بعد ذلك أصبحت التوقعات غير مؤكدة".
حظر المطالبات البيئية
يخطط برلمان الاتحاد الأوروبي لحظر استعمال المطالبات البيئية التي تعتمد فقط على خطط تعويض الكربون بدءًا من العام المقبل، في حين أن مسودة معايير الإبلاغ عن الكربون لدى التكتل تتطلب من الشركات الإبلاغ عن بصمتها الكربونية قبل خصم أي ائتمانات كربونية أو تجنب الانبعاثات.
وتشير شركة نورماتيف الاستشارية -التي تتخذ من العاصمة السويدية ستوكهولم مقرًا لها، وتساعد الشركات على حساب بصمتها الكربونية- إلى أن العملاء أصبحوا حذرين من استعمال الائتمانات، ويدركون أنه دون بذل العناية الواجبة المناسبة لما يشترونه، فإنهم يخاطرون بالاتهام بالغسل الأخضر.
وقال كريستيان رون، المؤسس المشارك لشركة نورماتيف: "إنها (الشركات) لا تعد ائتمانات الكربون مكملًا لخفض انبعاثاتهم فعليًا".
من ناحيتها، تختار شركات مثل تولو أويل البريطانية تطوير مشروعاتها الخاصة بدلًا من الاعتماد على مزوّدي الخدمات الخارجيين. وتعمل الشركة على مشروع للحفاظ على الغابات في غانا، وتتوقع اتخاذ قرار الاستثمار النهائي هذا العام.
اقرأ أيضًا..
- الطلب العالمي على توربينات الرياح يرتفع إلى مستوى قياسي قرب 70 غيغاواط
- كيف اختفى المخزون العائم من النفط الإيراني دون اتفاق نووي؟ أنس الحجي يجيب
- انبعاثات الوقود الأحفوري.. ثروة مهدرة قد تنقذ الإنسانیة (مقال)