أهم المقالاتالمقالاتغازمقالات الغاز

حقل بارس الجنوبي في إيران يحتاج إلى استثمارات متجددة ومستدامة (مقال)

بقلم: أومود شوكري – ترجمة: هبة مصطفى

يؤدي حقل بارس الجنوبي دورًا كبيرًا لتعزيز إنتاج الكهرباء في إيران، إضافةً إلى دوره الرئيس بوصفه أحد أكبر حقول الغاز في العالم، لكن التحديات الأخيرة التي تواجه عمليات الإنتاج في الحقل تدفع طهران نحو خفض اعتمادها على الغاز الطبيعي والاتجاه للاستثمار في الطاقة المتجددة.

وتُنتج محطات الطاقة الحرارية ما يزيد عن 95% من كهرباء إيران وفق نائب مدير التخطيط لدى شركة الكهرباء الحرارية "أمير دودابينيجاد"، لذلك تُكسب البلاد هذه الوحدات أولوية في عمليات التخطيط الشامل السنوية لضمان إتمام عمليات بناء محطات الكهرباء في المدة الملائمة.

وحافظت وزارة الطاقة الإيرانية على مواعيد صيانة محطات الكهرباء وفق جدول زمني صارم، لتعزيز قدرتها على الإنتاج خلال الموسم الحارّ للعام.

واقع قطاع الكهرباء الإيراني

يرتبط اعتماد إيران الكبير على محطات الطاقة الحرارية في إنتاج الكهرباء بأهمية وقود الغاز الطبيعي لديها، إذ طُوِّرَت صناعة توليد الكهرباء عبر جهود التخطيط وإجراءات الصيانة الفعالة التي تُجريها حكومة طهران والأجهزة المعنية.

وتهدف هذه الإجراءات إلى ضمان توفر إمدادات الكهرباء في البلاد بمعدلات ثابتة، والتعامل مع المشكلات التي تنجم عن ارتفاع درجات الحرارة.

وتستهلك إيران -حاليًا- ما يزيد عن 72 ألف ميغاواط (72 غيغاواط)، يأتي 54 ألف ميغاواط منها عبر إنتاج محطات الطاقة الحرارية، بينما تُسهم المحطات الكهرومائية والمتجددة والنووية ووحدات الديزل والمولدات صغيرة الحجم بالإنتاج المتبقي، طبقًا لأمير دودابينيجاد.

مرافق للغاز الطبيعي ضمن حقل بارس الجنوبي
مرافق للغاز الطبيعي ضمن حقل بارس الجنوبي - الصورة من بلومبرغ

وتسعى طهران إلى سدّ فجوة بين إنتاج الكهرباء واستهلاكها في البلاد بما يعادل 10 آلاف ميغاواط (10 غيغاواط)، عبر إجراءات وخطط مُدرجة ضمن أشار إليها دودابينيجاد ضمن خطة التنمية السابعة.

ومع نمو استهلاك الكهرباء المتوقع للسنوات الـ5 المقبلة، تحتاج طهران إلى بناء محطة كهرباء جديدة بسعة 35 ألف ميغاواط، وتُقدَّر استثماراتها بنحو 18 مليار يورو.

(اليورو = 1.10 دولارًا أميركيًا)

وأشار أمير دودابينيجاد إلى أن متوسط كفاءة محطات الطاقة الحرارية في إيران بالآونة الحالية يصل إلى 39.5%، بما ينخفض عن المتوسط العالمي للكفاءة بنحو 1%.

وقال، إن هناك اتجاهًا للاستفادة من السعة القصوى المتاحة لزيادة كفاءة المحطات، عبر بناء وحدات بخار داخل المحطات العاملة بالغاز بديلًا عن محطات الكهرباء القديمة والمتهالكة.

دور حقل بارس الجنوبي

تملك إيران ثاني أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم طبقًا لرئيس اتحاد جمعيات الطاقة الإيرانية "سيد هاشم أوري"، ويسهم حقل بارس الجنوبي المشترك وحده بنصف هذه الاحتياطيات.

ويؤدي حقل بارس الجنوبي دورًا مهمًا، بتوفيره ما يقرب من 70% من الغاز الإيراني وإسهامه بتوليد 50% من كهرباء البلاد، ما يجعله شريانًا رئيسًا لقطاع الطاقة في إيران.

ويواجه حقل بارس الجنوبي المشترك مع قطر تحدّيات عدّة، من بينها عدم التوازن بين قطاعات الطاقة، وبوصفه أحد أكبر حقول الغاز في العالم، يُعدّ الحفاظ على استمرار الضغط ضرورة للحفاظ على إنتاج الغاز، استنادًا إلى ما أورده "أوري".

ويدفع العمر الافتراضي لآبار الحقل نحو تقليص الضغط، رغم زيادة الطلب السنوي على الغاز بمعدل 12%.

ولتفادي هذه التحديات، تخطط إيران لحفر 35 بئرًا جديدة، لضمان المحافظة على وتيرة إنتاج حقل بارس الجنوبي وزيادته.

وتتضمن خطط طهران إطلاق برنامج لتطوير معدل الضغط في الآبار للمحافظة على الإنتاج، خاصة بعدما انخفض متوسط الضغط في الآبار القديمة للحقل إلى 3 آلاف و500 رطل لكل بوصة مربعة، انخفاضًا من 5 آلاف و200 رطل لكل بوصة مربعة، مؤخرًا.

مواجهة مشكلات الضغط

رغم احتياطيات حقل بارس الجنوبي المشترك الضخمة من الغاز الطبيعي، فإن انخفاض ضغط الآبار مع تقادم الحقل يزيد صعوبة الحفاظ على معدلات الاستخراج.

وتتطلع السلطات الإيرانية المعنية بقطاع الطاقة إلى البحث عن تقنيات تخفض معدل تراجع الضغط وتحافظ على معدل إنتاج الغاز، ولعل من بين الإستراتيجيات المُحفّزة للآبار التوسع في استعمال التكسير المائي (الهيدروليكي).

المرحلة 11 من تطوير حقل بارس
المرحلة 11 من تطوير حقل بارس - الصورة من Oil & Gas Middle East

ومن جانب آخر، قد تتجه طهران إلى إنفاق المزيد من الاستثمارات لحفر آبار جديدة بالحقل، في محاولة لتعويض الانخفاض الحالي لإنتاج بعض الآبار، لكن يبدو أن مشكلة انخفاض ضغط الآبار معقّدة بعض الشيء، وتستلزم نفقات ضخمة على البحث والتقنيات، بالإضافة إلى تآزر دولي لحلّها.

وبوصف حقل بارس الجنوبي حقلًا مشتركًا مع قطر في النطاق ذاته، فإن التعاون مع الدول الأخرى وشركات الطاقة العالمية أمر ضروري لزيادة إنتاج الحقل إلى أقصى حدّ ممكن، عبر تطوير الحلول الإبداعية.

وتُظهر صعوبة حلّ مشكلات الضغط في الحقل ضرورة تطبيق طهران لتقنيات إدارة الطاقة المستدامة، خاصة أن اعتماد البلاد على حقل غاز واحد لتوفير احتياجاتها من الطاقة بنسبة كبيرة يشكّل خطورة مستقبلية، إذا ما تعرَّض الإنتاج للانقطاع.

الطاقة المتجددة.. هل تكون بديلًا؟

يتعين على إيران البحث عن مصادر طاقة أخرى وتنويع الموارد، لضمان أمن واستقرار الطاقة طويل الأمد.

وربما تخفض إيران من الاعتماد على الغاز الطبيعي، وتتجه إلى بناء نظام طاقة مستقر ودائم ومرن في الوقت ذاته، عبر الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، ومن بينها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

تقليص انخفاض الضغط في آبار حقل بارس الجنوبي قد يعوّضه تبنّي خيارات الطاقة المتجددة، والتي تسهم بدورها في مكافحة تغير المناخ والحفاظ على البيئة.

ولا يمكن إغفال احتياج إيران إلى إستراتيجيات مبتكرة، تُسهم في إدارة حقول الغاز وتطوير تقنيات التعامل مع مشكلة انخفاض ضغط آبار حقل بارس الجنوبي.

ويعدّ التزام طهران بتوفير حلول لمشكلات الطاقة مُحفّزًا للجوانب البحثية التي ينتج عنها تطوير ممارسات الحفر وتحفيز الآبار، وكذلك زيادة معدل استخراج الغاز بصورة فعالة.

ويسمح تعاون إيران الدولي مع حلفائها وشركات الطاقة بفتح المجال لتبادل المعلومات والمهارات، وتلقّي أفكار جديدة تواصل من خلالها جهود الحفاظ على إنتاج الغاز وزيادة معدل توليد الكهرباء.

ويدفع انخراط طهران في التعامل مع مشكلات قطاع الطاقة نحو تطوير تقني كبير، وكذلك بناء محفظة متنوعة، ما ينعكس إيجابًا على سوق الطاقة العالمية، ويضمن لها مستقبلًا آمنًا للطاقة.

الاعتماد على الغاز

مع نمو استثمارات إيران في مصادر الطاقة المتجددة، ومن ضمنها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ينخفض اعتماد البلاد على الغاز الطبيعي، ويتواصل تأسيس بنية تحتية أكثر قوة واستدامة في قطاع الطاقة.

ومن شأن هذا الإجراء أن يُسهم في حماية البيئة ومكافحة تغير المناخ، جنبًا إلى جنب مع الحدّ من آثار انخفاض ضغط آبار حقل بارس الجنوبي المشترك مع قطر.

ويرصد الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- تدرّج احتياطيات الغاز الإيراني من عام 1980 حتى العام الماضي 2022:

احتياطيات الغاز الطبيعي في إيران

وقد يدفع سعي إيران لمعالجة مشكلات قطاع الطاقة نحو تحسين التقنيات وتطوير إدارة حقول الغاز وسبل استخراج الإمدادات أيضًا، لذا يعدّالعمل المشترك مع الشركاء العالميين وشركات الطاقة للتغلب على تحديات الإنتاج في حقل بارس الجنوبي المشترك أمرًا ضروريًا لتبادل المعلومات والتوصل إلى حلول جديدة.

وتضمن الوسائل المستدامة ومصادر الطاقة الأخرى والشراكات مستقبل الطاقة لإيران، ما يعود بالنفع على المجتمع المحلي والسوق العالمية.

ويشكّل إنتاج حقل بارس الجنوبي من الغاز الطبيعي المصدر الأبرز لتلبية الطلب الإيراني من الطاقة، إذ يؤدي دورًا في غاية الأهمية لإنتاج الكهرباء.

وبالنظر إلى أن طهران تملك ثاني أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي العالمية، فإنها تعتمد بصورة كبيرة على الحقل لتلبية الطلب على الطاقة.

إنقاذ قطاع الكهرباء

تشكّل محطات الطاقة الحرارية الإيرانية مصدرًا لتوفير ما يزيد عن 95% من كهرباء البلاد، وتسهم إمدادات الغاز من حقل بارس في تشغيل غالبية المحطات، لذا يشكّل الحقل "شريانًا" للبنية التحتية لقطاع الطاقة، بتوفيره 70% من احتياجات الغاز لطهران، و50% من الكهرباء.

وتشكّل احتياطيات الغاز الطبيعي في حقل بارس الجنوبي مصدرًا موثوقًا لتوليد الكهرباء بأسعار ملائمة، ما يسهم بالحفاظ على أمن الطاقة الإيراني، وخفض الاعتماد على الواردات.

ومن زاوية أخرى، يدعم الحقل السيادة الوطنية والاستقرار الاقتصادي في البلاد، لكن تحديات انخفاض ضغط بعض الآبار تُشير إلى ضرورة تطبيق إيران إستراتيجيات الإدارة الفعالة والمستدامة لقطاع الطاقة.

ويتزامن ذلك مع تزويد البلاد بفرص استثمارية فيما يتعلق بتطوير التقنيات، واستكشاف مصادر بديلة تُنوِّع محفظة الطاقة لطهران، وتضمن مستقبلًا مرنًا ومستدامًا بصورة أكبر.

لذا، تُعدّ كيفية معالجة تحدّي انخفاض ضغط آبار الحقل أمرًا ضروريًا لضمان إمدادات غاز ثابتة وموثوقة، ومصدر طاقة آمن لتوليد الكهرباء.

* الدكتور أومود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق