محطة طاقة شمسية فضائية تُسهل العيش على سطح القمر
صُمّمت على شكل فراشة
محمد عبد السند
- يتزايد الاهتمام بمحطات الطاقة الشمسية في الفضاء
- مشروع تصوّري لإنشاء محطة طاقة شمسية توصل الكهرباء النظيفة إلى القمر
- تتمتع الألواح الشمسية المثبتة في الفضاء بالقدرة على التقاط كمية غير محدودة من ضوء الشمس
- تُقدّم الأقمار الصناعية العاملة بالطاقة الشمسية خيارًا عمليًا بصورة أكبر لنشر الطاقة الشمسية في مدار الأرض
- إنشاء محطات الطاقة الشمسية الفضائية يواجه تحديات عدّة
يبرز مشروع محطة طاقة شمسية فضائية بصفته حلًّا مستقبليًا لمعضلة محدودية مصادر الوقود الأحفوري التي تشير دراسات بحثية إلى اقتراب نفاده في غضون عقود، إلى جانب الجدل المثار بشأن حساسيتها البيئية.
ورغم الآمال المعقودة على تلك التقنية في إتاحة الكهرباء النظيفة وتوصيلها إلى سكان القمر كما يُخطط في المستقبل، ما تزال هناك تحديات تعترض مسار الجهود التي تجري على قدم وساق من أجل تحويل حُلم توليد الكهرباء النظيفة في الفضاء إلى واقع ملموس.
وفي ضوء هذا السيناريو، حظيت خطط إقامة محطة طاقة شمسية فضائية بمزيد من الاهتمام في السنوات الأخيرة مقارنة بأيّ وقت مضى، حسبما ذكر موقع "إنتريستنغ إنجنيرينغ".
ويسابق العلماء الزمن لاختبار مدى قدرة تلك التقنية على التقاط الطاقة الشمسية، واستعمالها في توليد الكهرباء النظيفة التي سيعاد نقلها إلى كوكب الأرض، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
مصدر استثنائي للكهرباء
تمتلك الألواح الشمسية المثبتة في الفضاء القدرة على التقاط كمية غير محدودة من ضوء الشمس، باستمرار، ودون أيّ قيود ناجمة عن غروب الشمس، وهي الخاصية التي تمنح تلك الألواح الشمسية مصدرًا استثنائيًا ومستدامًا لتوليد الكهرباء المتجددة.
ويتساءل الخبراء -الآن- عمّا إذا كان بمقدور محطات الطاقة الشمسية في الفضاء إتاحة الكهرباء إلى سكان القمر في المستقبل.
وفي هذا الصدد، اقترحت وكالة الفضاء الأوروبية، وشركة "أستروستروم" السويسرية العاملة في مجال خدمات تطبيقات الفضاء، تصميمًا تصوريًا جديدًا لمشروع محطة طاقة شمسية فضائية، يحمل اسم "جريتر إيرث لونار باور ستيشن".
وقد يكون هذا التصور المستقبلي زاخرًا بالمميزات بالنسبة لتوليد الطاقة الشمسية على نطاق واسع، وهو ما يمكن أن يتيح الكهرباء النظيفة منخفضة الكلفة، ليس لسكان كوكب الأرض فحسب، ولكن لسكان القمر في المستقبل -أيضًا-.
آلية العمل
تعتمد فكرة توليد الطاقة الشمسية في الفضاء -أساسًا- على تجميع الطاقة الشمسية في الفضاء باستعمال عاكساتٍ أو مرايا ضخمة توجّه الإشعاع الشمسي للألواح الشمسية.
ثم يُبَثّ هذا الإشعاع لاسلكيًا إلى الأرض بطريقةٍ آمنة تخضع لرقابة مُحكمة، إمّا بصفة أمواج ميكروية أو بصفة أشعة ليزر أو حتى في صورة موجات راديو عالية التردد.
وأخيرًا، تُستَقبَل الكهرباء على كوكب الأرض عن طريق هوائيٍ أرضي، يسمى هوائي التقويم (ريكتينا)، لتحويل موجات الراديو إلى كهرباء، تُوَصَّل بعد ذلك إلى شبكة الطاقة.
محطة على شكل فراشة
يُعدّ المشروع الجديد جزءّا من حملة منصة إبداع الفضاء المفتوحة التي أطلقتها وكالة الفضاء الأوروبية بشأن "الكهرباء النظيفة.. أفكار جديدة للطاقة الشمسية من القمر".
ووفقًا لما ورد في بيان صادر عن وكالة الفضاء الأوروبية، ستحتوي محطة طاقة شمسية فضائية على شكل فراشة، على ألواح شمسية بشكل حرف V، مثبَّت لها قرون استشعار، منتشرة في تكوين هوائي يمتدّ لأكثر من كيلومتر مربع.
ونظريًا، يمكن لمحطة طاقة شمسية فضائية إتاحة سعات متعددة من الميغاواط من طاقة الموجات الميكروية -أحد أنواع الموجات الكهرومغناطيسية- إلى أجهزة الاستقبال المثبتة على الألواح الشمسية على سطح القمر.
وذكرت الدراسة أن هذا المفهوم التصوري من الممكن أن يتيح 23 ميغاواط من الكهرباء لتنفيذ عمليات مختلفة على سطح القمر.
وعلاوة على ذلك، يستلزم المفهوم التصوري الذي طُرِح استغلال موارد القمر المتاحة لتقليل النفقات وإنهاء الحاجة لنقل مجموعة ضخمة من البنية التحتية من كوكب الأرض.
وستُبنى محطات الطاقة الشمسية في الفضاء بموارد موجودة على سطح القمر، مثل الحديد والكبريت المُستخرج من سطح هذا الجرم السماوي المعتم، واستعمالها في تصنيع مادة البيريت منخفضة التكلفة وغير السامة والتي تُستعمل بديلًا لتصنيع الألواح الشمسية.
أقمار صناعية بالطاقة الشمسية
ستقدّم الأقمار الصناعية العاملة بالطاقة الشمسية خيارًا عمليًا بصورة أكبر لنشر الطاقة الشمسية في مدار الأرض، عند إطلاقها من القمر، بعكس الأقمار الصناعية التي أُطلِقَت مباشرة من كوكب الأرض.
وقال المسؤول في مبادرة محطة الطاقة الشمسية في الفضاء "سولاريس" سانجاي فيجيندرام: "إطلاق عدد كبير من الأقمار الصناعية العاملة بالطاقة الشمسية في المدار من سطح الأرض، سيواجه مشكلة نقص سعة الإطلاق، إضافة إلى التلوث الكبير المحتمل للغلاف الجوي".
و "سولاريس" هي مبادرة تحضيرية توفر الأساس للتطبيق العملي لمحطة الطاقة الشمسية في الفضاء؛ بهدف سدّ الطلب المتنامي على الكهرباء النظيفة على كوكب الأرض.
وأوضح فيجيندرام: "لكن ما إن يثبت مفهوم مثل جريتر إيرث لونار باور ستيشن، ومفهوم التجميع لقمر صناعي يعمل بالطاقة الشمسية في مدار القمر، يمكن توسيع نطاقه بعد ذلك لتصنيع مزيد من الأقمار الصناعية العاملة بالطاقة الشمسية من موارد موجودة على سطح القمر؛ بهدف خدمة كوكب الأرض".
المحطة تربط بين عمليات الأرض والقمر
هناك جانب آخر جذّاب لتلك الفكرة المثيرة، وتتمثل في أنها قد تتيح لمستكشفي المستقبل من البشر العيش في تلك المحطات.
وستبعد محطات الطاقة الشمسية في الفضاء بنحو 38.121 ميلًا ( 61.350 كيلومترًا) من سطح القمر، وتحديدًا عند نقطة لاغرانج بين الأرض والقمر.
ونقاط لاغرانج هي مواقع محددة في الفضاء، حيث تميل الأشياء الموضوعة فيه إلى الحفاظ على وجود مستقر وثابت.
وعند هذا الموقع المقترح، ستعمل المحطة حلقة وصل بين العمليات التي تجري على كوكب الأرض ونظيرتها على سطح القمر.
بل وستحتوي بعض وحدات المحطة على إعدادات جاذبية اصطناعية لتحفيز الظروف التي تشبه تلك السائدة على كوكب الأرض، من أجل صحة أفضل لرواد الفضاء في المستقبل.
حضارة ترتاد الفضاء
قال المسؤول في مبادرة محطة الطاقة الشمسية في الفضاء "سولاريس" سانجاي فيجيندرام: "سيوفّر هذا فوائد أخرى عديدة إضافة إلى إتاحة الكهرباء النظيفة الكافية لكوكب الأرض، من بينها تطوير نظام النقل القمري، والتعدين، والمعالجة، ومنشآت التصنيع على سطح القمر، وفي المدار؛ ما يقود في النهاية إلى ظهور اقتصاد ثنائي الكوكب، وميلاد حضارة ترتاد الفضاء".
ومؤخرًا، توصل الباحثون في معهد كاليفورنيا للتقنية إلى اكتشاف غاية في الأهمية بمجال نقل الطاقة الشمسية المولدة في الفضاء.
فللمرة الأولى، نجح النموذج الأولي الذي توصل إليه العلماء في إتاحة كمية صغيرة من الكهرباء ونقلها إلى كوكب الأرض من الفضاء.
ويتوقع العلماء نجاحًا مشابهًا في السنوات المقبلة، مع استمرار تطور التكنولوجيا بوتيرة سريعة بهدف تحقيق الأهداف المناخية.
ومع ذلك، ما تزال تلك التقنية في مراحلها البدائية، وما يزال الطريق أمامها طويلًا قبل استعمالها في تشغيل أكثر من مليون منزل على كوكب الأرض.
تحديات قائمة
رغم النتائج المبشرة للجهود المبذولة في مجال إنشاء محطة طاقة شمسية فضائية، تبقى هناك بعض التحديات التي يجب التعامل معها، وفيما يلي أبرز 3 تحديات:
1-وزن الألواح الشمسية
يبرز وزن الألواح الشمسية تحديًا رئيسًا يواجه المحطات الشمسية الفضائية، ومع ذلك يحاول العلماء مواجهة المُعضلة عبر تطوير خلايا شمسية خفيفة جدًا.
2-الكلفة والأثر البيئي
تُبنى محطات الطاقة الشمسية الفضائية وفق تصميم معياري يعتمد -أساسًا- على تجميع عدد كبير من الألواح الشمسية بوساطة روبوتات في المدار، لكن نقل جميع هذه المكونات إلى الفضاء مسألة باهظة التكلفة، إلى جانب تأثيرها في البيئة.
ليس هذا فحسب، بل إن عملية تجميع محطة طاقة شمسية فضائية واحدة -فقط- تستلزم العديد من عمليات إطلاق مكوك الفضاء، التي يصدر عنها انبعاثات ضخمة مرتبطة بذلك، رغم أن الطاقة الشمسية الفضائية تستهدف -أساسًا- خفض الانبعاثات الكربونية على المدى الطويل.
3-تحديات التشغيل
حتى إذا ما بُنيت محطة طاقةٍ شمسية فضائية بنجاح، ستبقى مشكلة تشغيلها مسألة تنطوي على تحديات عديدة، من بينها تلف الألواح الشمسية بسبب الحطام الفضائي، بجانب المسافة الكبيرة بين الأرض والقمر؛ ما سيجعل مهمة إصلاحها في حال تعرّضها لتلف شبه مستحيلة.
موضوعات متعلقة..
- الطاقة الشمسية في الفضاء.. خيال علمي أم واقع مستقبلي؟
- الجيش الأميركي يستكشف فرص الطاقة الشمسية في الفضاء
- الألومنيوم المصنوع بالطاقة الشمسية في الإمارات يسلك طريقه إلى الفضاء
اقرأ أيضًا..
- أكبر 10 شركات توربينات رياح في العالم.. الهيمنة صينية
- أنس الحجي: على دول الخليج زيادة استثمارات النفط والغاز.. ويحذر من ابتلاع "الطُعم" (صوت)
- بدء إنتاج الغاز المغربي قبل الموعد المحدد.. وترخيص جديد لـ"شاريوت"
الطاقة الشمسية افاق و