مشروعات الهيدروجين الأخضر في أوروبا تصطدم بسياسات غير ناجعة
انتقادات واسعة من مطوري المشروعات
أحمد أيوب
تواجه السياسات الحاكمة لقطاع الهيدروجين الأخضر في أوروبا انتقادات بالجملة من مُطوري المشروعات الذين يعدّون أن هذه السياسات تحرم القارة العجوز من فرص زيادة إنتاج الهيدروجين المتجدد بصورة كبيرة.
وتنتقد الشركات العاملة في هذا المجال الاتحاد الأوروبي والحكومات الوطنية في أوروبا لما تتبنّاه من سياسات غير مرنة تتعلق بطول مدة الموافقات اللازمة للحصول على الدعم المالي الذي يُقرّه التكتل لهذا النوع من المشروعات، بحسب ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وقدّم مسؤولون في عدد من الشركات العاملة بأوروبا مجموعة من المقترحات لدفع هذا القطاع المهم للأمام، من بينها صياغة حوافز ضريبية، وتسهيل الحصول على التمويل، وتعديل التشريعات المُنظمة للقطاع، وفق التقرير الذي نشره موقع هيدروجين إنسايت (Hydrogen Insight).
وتعدّ مسألة الدعم المالي لمشروعات الهيدروجين الأخضر في أوروبا مسألة حيوية، فلولاه لن يستطيع الوقود النظيف الصمود في معركة المنافسة السعرية العالمية المُشتدة.
ويؤدي تأخير الحصول على هذا الدعم المالي لمشروعات الهيدروجين المتجدد في أوروبا إلى تأجيل قرارات الاستثمار النهائية من قِبل مُطوري المشروعات؛ لعدم وضوح الصورة الكاملة، وغياب اليقين حول دعم المشروعات من عدمه، وهو ما قد ينتج عنه تكلفة زائدة، ومن ثم فشلها.
طريق شاق للحصول على الدعم
قالت نائبة رئيس قسم الهيدروجين في شركة إنجي الفرنسية، فاليري رويز دومينغو، إن الحصول على الدعم المالي لمشروعات الهيدروجين الأخضر في أوروبا يستلزم المُضي في طريق شاق وغير واضح وطويل للغاية.
وأضافت: "للحصول على دعم مالي من الاتحاد الأوروبي -عبر صندوق الابتكار- أو من الحكومات الوطنية، عبر الاستفادة من آلية "المشروعات المُهمة لخدمة المصلحة الأوروبية المشتركة"، يستغرق الأمر نحو عامين".
وأوضحت، خلال مؤتمر ترابط قطاع الهيدروجين الأخضر في أوروبا الذي عُقد في مدريد الأسبوع الماضي، أنه خلال هذه المدة، تُقدَّم طلبات الحصول على الدعم المالي، وقد يقع الاختيار على شركة ما، أو ربما لا يحالفها الحظ، مُضيفة: "أنت لا تعرف بالضبط ما هي النتيجة".
في السياق ذاته، قالت رئيس قسم الهيدروجين في شركة "إي دي بي" البرتغالية، آنا كويلهاس : "يتعين علينا الانتظار لأشهر حتى يأتينا الرد، ولا نعرف ماذا ستكون النتيجة، وحتى لو كانت إيجابية، فنحن نعلم أنها لن تكون كافية".
وأضافت أن الشركة حصلت على الموافقة لـ3 مشروعات هيدروجين في إسبانيا خلال شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي 2022، وفقًا لآلية "المشروعات المُهمة لخدمة المصلحة الأوروبية المشتركة"، لكنها لم تتلقَّ بعد أيّ تمويل من الحكومة الإسبانية.
وتابعت كويلهاس:"بوصفنا مطورًا للطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر في أوروبا، يصعب علينا اتخاذ قرار الاستثمار النهائي الآن".
تعظيم الاستفادة من الهيدروجين الأخضر
تناول مطورو مشروعات الهيدروجين الأخضر في أوروبا ما يمكن أن نسميه مجموعة من المقترحات، للنهوض بقطاع الهيدروجين في القارة العجوز، وضخّ المزيد من الاستثمارات فيه خلال المرحلة المقبلة.
-
تطبيق الإعفاءات الضريبية
ترغب نائبة رئيس قسم الهيدروجين في شركة إنجي الفرنسية، فاليري رويز دومينغو، أن يحذو قطاع الهيدروجين الأخضر في أوروبا أثر سياسات الإعفاء الضريبي التي تطبّقها الولايات المتحدة.
قالت، إن هذه الإعفاءات "مرنة" مقارنة بما يُطبَّق في أوروبا، لأن المشروعات في أميركا تبدأ تلقائيًا فور الموافقة على طلب المشروع.
ووافقتها الرأي رئيسة قسم الهيدروجين في شركة "إي دي بي" البرتغالية، آنا كويلهاس، إذ تعدّ الإعفاءات الضريبية مناسبة ماليًا أكثر بالنسبة للمطورين، وهي كذلك مفهومة بشكل أفضل من قبل المجتمع المالي.
وعلى الرغم من الدعوات المتزايدة من قِبل مُطوري المشروعات، قد يكون من المستحيل تطبيق نظام مالي على مستوى الاتحاد الأوروبي، مُماثل لمنظومة الإعفاءات الضريبية في الولايات المتحدة الأميركية.
وردًا على ذلك، قال مستشار السياسات في الدائرة العامة للبحث والابتكار في المفوضية الأوروبية، آلان هاي: "لسنا الولايات المتحدة، وليس لدينا حكومة فيدرالية يُمكنها وضع خطة ضريبية تُطبّق حدًا ضريبيًا مختلفًا ونظامًا ضريبيًا مختلفًا على أوروبا بأكملها".
وأضاف أن الضرائب ليست من اختصاص الاتحاد الأوروبي كونه تكتلًا، فالضريبة من اختصاص الدول الأعضاء، مشيرًا إلى أن الإعفاءات الضريبية على غرار ما يُقدَّم في الولايات المتحدة، تحتاج إلى تنظيم من قبل ائتلاف من الدول الأعضاء.
-
ابتكار آليات تمويل مختلفة
يدعم الاتحاد الأوروبي التقنيات المُبتكرة منخفضة الكربون من خلال صندوق الابتكار الذي يبلغ رأسماله 10 مليارات يورو (10.9 مليار دولار).
(اليورو = 1.10 دولارًا أميركيًا)
وترى الشركات العاملة في مجال تطوير مشروعات الهيدروجين الأخضر في أوروبا أن الصندوق يستغرق وقتًا طويلًا في صرف الدعم المالي المُستحق للمشروعات، مُتعللًا بضرورة وجود خبرة وإثبات عملي لنجاح المشروعات.
كما أن الصندوق يصرف 40% فقط من الحوافز الممنوحة لمشروعات تطوير الهيدروجين الأخضر في أوروبا قبل تشغيل المشروع، مع صرف الحوافز المتبقية فور نجاح المشروع في الحدّ من الانبعاثات.
وقال مستشار السياسات في الدائرة العامة للبحث والابتكار في المفوضية الأوروبية، آلان هاي، إن أدوات التمويل للمشروعات الكبيرة، مثل صندوق الابتكار، تستغرق بالضرورة وقتًا أطول بكثير.
وعلى النقيض، فإن صندوق "هوريزون يوروب" الذي يدعم مجالات البحث والتطوير، ويبلغ رأس ماله 95.5 مليار يورو، يمكنه البتّ في الطلبات المُقدَّمة له خلال 90 يومًا.
واتصالًا بالحديث عن التمويل، قالت رئيسة هيكلة الهيدروجين المتجدد والشراكات الإستراتيجية في شركة النفط الإسبانية "سيبسا"، آن ماريا فيدوري، إن بنك الاستثمار الأوروبي، ذراع الإقراض في الاتحاد الأوروبي، حريص على دعم المشروعات، مؤكدة ضرورة تيسير الحصول على التمويل لهذه المشروعات؛ لأنها لا تستطيع سوى تدبير جزء من التمويل، والباقي يتعين الحصول عليه من البنوك التجارية.
-
المزيد من الدعم المالي
يطالب مطوّرو مشروعات الهيدروجين الأخضر في أوروبا بمزيد من الدعم المالي لمشروعات الهيدروجين الأخضر فور إنشائها وتشغيلها.
ويبدو أن مسألة التمويل تحتلّ أولوية مهمة للقطاع؛ نظرًا لأن المُقرضين من القطاع الخاص يُحجمون عن دعم قطاع ناشئ عالي المخاطر دون مصدر واضح للإيرادات، بحسب المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وغالبًا ما يكون المشترون المحتملون غير راغبين في إجراء تعاقدات على المدى القصير، بسبب فجوة التكلفة الهائلة بين إنتاج الهيدروجين المتجدد و الهيدروجين الرمادي الذي يعتمد على عملية إصلاح الميثان بالبخار.
ويوضح الرسم البياني التالي- الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- مصادر إنتاج الهيدروجين:
قال العضو المنتدب لشركة "إتش واي سي سي"، مارسيل غالي: "معظم الدعم المالي التي نراه الآن هو دعم مُوجّه للنفقات الرأسمالية، وهو أمر جيد في مرحلة التطوير المبكرة"، مُضيفًا أن الأمر يتطلب آلية تمويل مختلفة تمامًا.
وأضاف: "في حين إن التركيز على النفقات الرأسمالية "عظيم للابتكار"، إلا أنه يأمُل من الاتحاد الأوروبي تبنّي آلية دعم للنفقات التشغيلية على غرار دعم التعرفة الجمركية لمصادر الطاقة المتجددة، من أجل تسريع وتيرة المشروعات.
وفي هذا الإطار، تُخطط المفوضية الأوروبية لمنح منتجي الهيدروجين الأخضر في أوروبا مبلغًا ثابتًا يصل إلى 4 يورو/كيلوغرام من خلال نظام العطاءات المرتقب -عبر بنك الهيدروجين الأوروبي الذي لم يكتمل بعد- من أجل سدّ فجوة التكلفة بين الهيدروجين المتجدد والرمادي.
-
صياغة أفضل للتشريعات
يرى مطورو مشروعات الهيدروجين الأخضر في أوروبا أنه يتعين صياغة التشريعات الأوروبية بصورة أفضل مما هي عليها، وهو ما يُعزز حالة اليقين لدى المستثمرين لاتخاذ قرار الاستثمار النهائي.
قال الرئيس التنفيذي لقسم الهيدروجين الأخضر في شركة "إي أو إن"، غابرييل كليمنس: "يمكن تغيير التشريعات فيما يتعلق بالمدد الزمنية للمشروع، ومدة البناء والسداد، وهو ما يخلق حالة من الأمان واليقين قبل اتخاذ القرار النهائي للاستثمار".
وقال الشريك في مكتب المحاماة جيسبون آند كروشر، صامويل أوغونلاغا، إن إمكان تغيير الأطر القانونية بعد اتخاذ قرار الاستثمار النهائي هو الحال بالنسبة لأيّ مشروع في أيّ قطاع.
ويضغط مطوّرو المشروعات من أجل مراجعة اللوائح المُنظمة، التي أُقرّت الشهر الماضي (يونيو/تموز)، من أجل خفض تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في أوروبا.
قال مدير الوقود المتجدد في شركة النفط الإسبانية ريبسول، توماس مالانجو: "لا يتعلق الأمر هنا بإلغاء اللوائح التنظيمية، بل بخلق نوعًا من الموازنة، للتأكد من أن الأمور تسير بشكل صحيح".
وأضاف أن هذا النوع من اللوائح المرنة شوهد في سوق الطاقة المتجددة منذ 25 عامًا، مما أتاح التوسع السريع.
ويتعين على المفوضية الأوروبية تقديم تقرير إلى البرلمان الأوروبي حول تأثير اللوائح المُنظمة بحلول 1 يوليو/تموز 2028، مما قد يؤدي إلى إعادة صياغة هذه اللوائح مرة أخرى.
وأشار الرئيس التنفيذي لقسم الهيدروجين الأخضر في شركة "إي أو إن"، غابرييل كليمنس، إلى أن "أحد عيوب صياغة التشريعات هو أنه يستغرق وقتًا طويلًا للغاية."
موضوعات متعلقة..
- تقرير يتوقع انخفاضًا كبيرًا بأسعار الهيدروجين في أوروبا
- قدرات مشروعات الهيدروجين في أوروبا تنتظر قفزة في 2023.. ودور مهم لشمال أفريقيا
- وزير الطاقة السعودي: صادراتنا من الهيدروجين إلى أوروبا ستنطلق عبر دولتين
اقرأ أيضًا..
- مصر تلغي التداول على سهم طاقة بعد ارتفاعه 60 ألفًا بالمئة.. ما القصة؟
- سلطنة عمان وقطر تتصدران أكبر 5 صفقات غاز مسال عالمية في يونيو
- أكثر الدول العربية إنتاجًا للغاز الطبيعي في 2022.. قطر والسعودية بالصدارة (إنفوغرافيك)