مشروعات الرياح البحرية في المملكة المتحدة تستغيث.. هل تستجيب الحكومة؟
أسماء السعداوي
تواجه صناعة الرياح البحرية في المملكة المتحدة أخطارًا تهدد نموها الذي شهد انتعاشة قوية في العقد الماضي، كما نالت اهتمامًا بالغًا، في إطار مساعي تحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وحذّرت مصادر من داخل القطاع من عوامل تعرقل نمو سلسلة من المشروعات الضخمة؛ منها ارتفاع التكاليف وتقليص حجم الإعانات والقواعد التنظيمية الجامدة، بحسب تقرير نشرته صحيفة تليغراف، واطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
"الأمور صعبة للغاية هناك حاليًا"، حسبما يقول أحد المصادر.
وتستهدف الحكومة زيادة قدرات طاقة الرياح البحرية في المملكة المتحدة من 13 غيغاواط حاليًا، إلى 50 غيغاواط بحلول عام 2030.
كما شهدت الصناعة ازدهارًا قويًا على مدار الأعوام الـ10 الماضية، وتركّزت معظم المشروعات قبالة السواحل الشرقية لإسكتلندا وإنجلترا، وارتفع إجمالي القدرات بواقع 10 أضعاف منذ عام 2010 عندما سجلت 1.3 غيغاواط.
معاناة الشركات
تعد شركات أورستد الدنماركية وفاتنفول السويسرية وريد روك باور الصينية، الأكثر تضررًا من تلك العوامل السلبية، رغم فوزها بعقود مدعومة مع الحكومة في العام الماضي (2022).
وأشار التقرير إلى أن بعض تلك المشكلات ليست مقصورة على المملكة المتحدة فحسب، وإنما اصطدمت بمشكلات محلية؛ منها بطء التخطيط وتراجع الإعانات الحكومية، مقارنة بنظيرتها الأميركية المزدهرة حاليًا بفضل قانون خفض التضخم الأميركي الذي أقّره الرئيس جو بايدن.
وما يزيد الأمر تعقيدًا عدم اكتراث الوزراء لتحذيرات مراقبين للصناعة، ووصفت أكثر من شخصية بارزة، وزير النقل غرانت شابس بأنه "منعزل"، ونادرًا ما يلتقي إياهم.
وطالبت شركة أورستد، في 18يونيو/حزيران الجاري، الحكومة البريطانية بمزيد من الجهود لدعم قطاع الرياح البحرية، بحسب تقرير نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز، وطالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وفي معرض حديثه عن ارتفاع تكاليف إقامة مشروعات الرياح البحرية، قال الرئيس التنفيذي للشركة الدنماركية مادس نيبر، إن شركته تعمل بقوة، من أجل تحويل مشروعها "هورن سي 3" قبالة سواحل يوركشاير البريطانية، إلى واقع.
وأكد أن الأسعار التي تشتري بها الحكومة الكهرباء المنتَجة من مشروعات الرياح البحرية لا تكفي لتعويض التكاليف المرتفعة، محذرًا من أنه في حالة استمرار الأمور على ما هي عليه، ربما تجد البلاد نفسها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المناخية.
من جانبه، دعا المدير الإقليمي للشركة في المملكة المتحدة، دانكان كلارك، في شهر مارس/آذار، الحكومة للتدخل بتقديم إعفاءات ضريبية.
وقال: "في ظل المنافسة العالمية الشديدة على جذب الاستثمارات والمهارات وموارد سلسلة الإمدادات، نجد أنفسنا في وضع تتعرض فيه مشروعات مهمة على المستوى القومي مثل أكبر مزرعة رياح بحرية في العالم "هورنسي 3" للخطر، ما لم تتخذ الحكومة تدابير عاجلة ومناسبة للمحافظة على جاذبية بيئة الاستثمار".
وتستعد أورستد لاتخاذ قرار الاستثمار النهائي بشأن أكبر مزرعة رياح بحرية في العالم قبل نهاية عام 2023.
مشروع دوغر بانك
أحد الأمثلة البارزة على الأزمة داخل القطاع، هو مشروع دوغر بانك في بحر الشمال، الذي ما زال قيد التطوير، ومن المتوقع أن يوفر كهرباء تكفي لإنارة 6 ملايين منزل، وسيستعمل توربينات يزيد طولها مرتين عن ساعة "بيغ بين" الشهيرة في لندن.
وتسبّب ارتفاع تكاليف سلاسل الإمداد عالميًا الناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، في عرقلة تقدم المشروع الضخم.
كما دفعت معدلات التضخم المتسارعة، إلى زيادة أسعار مكونات شفرات التوربينات وهياكل المحركات، بينما تسبب ارتفاع معدلات الفائدة في رفع تكلفة التمويلات اللازمة بشكل كبير.
وسجّل أحد مشروعات شركة جنرال إلكتريك الأميركية، لتصنيع توربينات الرياح "هالياد إكس" بطول 260 مترًا، المستعملة في "دوغر بانك"، خسائر بقيمة 2.2 مليار دولار في العام الماضي (2022).
ويقول المحلل في شركة استشارات الطاقة "واط لوجيك" كاثرين بورتر، إن شركات أخرى -مثل سيمنز غاميسا وفيستاس ونورديكس- سجّلت -أيضًا- خسائر مجمعة بلغت 3 مليارات جنيه إسترليني (3.8 مليار دولار)، في 2022.
(الجنيه الإسترليني = 1.27 دولارًا).
وأضاف: "كان يُقال إن تكاليف إقامة مزارع الرياح في المملكة المتحدة ستنخفض وستواصل التراجع، لكن الواقع يقول إن أسعار بيع الكهرباء المنتجة منها، هي المنخفضة للغاية".
وتابع: "مصنّعو التوربينات يبيعون بالخسارة، وأصبحت هذه الخسائر ضخمة حاليًا".
كما يؤكد المحلل بشركة استشارت الطاقة أن هناك عوامل إضافية تؤدي إلى تدهور الأوضاع، ومنها اتباع أسلوب "الأكبر هو الأفضل" فيما يخص توربينات الرياح، وهو ما يقود إلى مزيد من الفشل، ويتسبّب في زيادة أعباء التكاليف بالنسبة للمصنعين، حسب رأيه.
نزيف خسائر
حذّر أحد المديرين الذين قادوا مشروعات عديدة في قطاع الرياح البحرية، من نزيف خسائر محتمل بسبب بند "التعويضات عن الأضرار".
وفي العقود المبرمة بين شركات إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح البحرية والحكومة، تدفع الشركة المطورة مبلغًا من المال إذا لم تلتزم بالبنود أو تجاوزت المواعيد الزمنية للتسليم، حتى لو كان التأخر في التسليم بسبب نقص السفن المتاحة للنقل.
وبحسب المدير؛ فإن "الرياح البحرية ليست الجنة التي يعتقدها الجميع، المخاطر هائلة والمكافآت ليست جيدة جدًا".
وأضاف: "الجميع يتجه نحو التوربينات الأضخم والأساسات الأرخص، وحلول توصيل بالشبكة قد يؤدي فشلها إلى خسارة مزرعة الرياح بأكملها".
ولفت إلى أن بعض المطورين يلجأون إلى تثبيت التوربينات بأساسات رخيصة في قاع البحر، هربًا من ارتفاع التكاليف.
جولة التراخيص المقبلة
من المتوقع أن تشهد مشروعات طاقة الرياح البحرية في المملكة المتحدة منافسة لن تكون في صالحها، مع الطاقة الشمسية والرياح البرية؛ بسبب رخص تكلفة إنشائها.
كما سيتكشّف حجم تفاقم الأزمة، خلال جولة التراخيص بنظام العقود مقابل الفروقات، التي ستطرحها الحكومة لمنح تراخيص جديدة لمشروعات الرياح البحرية في المملكة المتحدة.
و"العقود مقابل الفروقات" هو اتفاق مدته 15 عامًا، بين الحكومة وشركات توليد الكهرباء من مصادر منخفضة انبعاثات الكربون، ويهدف إلى ضمان عائدات مستقرة.
وفي العطاءات، تعرض الشركات سعر تنفيذ تبيع مقابله الكهرباء المنتجة، وفي حالة ارتفاع أسعار البيع بالسوق عن سعر التنفيذ، تدفع للحكومة، وفي حالة الانخفاض ترتفع عائدات الشركة.
ويجري تمويل تلك العقود من حصيلة الضرائب الحكومية على مستهلكي الكهرباء، وفق التقرير الذي طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
ويستعرض الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- سعة طاقة الرياح البرية والبحرية حسب المنطقة:
مشروعات مهددة بالفشل
تهدد بيئة الأعمال الحالية مشروعات فازت بتراخيص خلال جولة الطرح العام الماضي (2022)، وأحد تلك المشروعات مزرعة رياح "هورن سي 3" بقدرة 2.8 غيغاواط.
وتقول شركة فاتنفول السويدية إنها تواجه ظروفًا قاسية للغاية داخل السوق.
وفازت الشركة بعقد خلال الجولة الرابعة لبناء مزرعة رياح "بورياس" في منطقة نورفولك لإقامة 3 مشروعات بقدرة 4.2 غيغاواط.
وتقول مديرة قطاع الرياح البحرية بالشركة كاترين جونغ: "ما زلنا نريد بناء منطقة نورفولك، ولكن على أطر العمل الحكومية، ومنها العقود مقابل الفروقات، أن تعكس واقع السوق".
ويتعرض للضغوط نفسها مشروع "إينش كيب" في مرحلته الأولى بقدرة 1.1 غيغاواط قبالة سواحل إسكتلندا، وهو مملوك مناصفة بين شركة "ريد روك باور" الصينية وشركة "إي إس بي" غروب المملوكة للحكومة الأيرلندية.
وكان من المتوقع أن يكون المشروع المؤلّف من إجمالي 72 توربين رياح، أكبر مصدر للطاقة المتجددة في إسكتلندا، وكان سيولّد كهرباء تعادل حجم الطلب السنوي لمليون منزل هناك.
وتتخذ الشركة قرار الاستثمار النهائي بشأن المزرعة في منتصف هذا العام (2023).
آمال معلّقة
تأمل بعض شركات الرياح البحرية في المملكة المتحدة في الحصول على دعم وزير الخزانة جيرمي هانت، رغم القيود التي تعوق تقديم الحكومة تمويلات حاليًا.
وتقول المديرة التنفيذية للسياسات في شركة "رينوابل إنرجي يو كيه" آنا موسات، إن الفرصة ما زالت سانحة لإجراء تعديلات لمضاعفة سعر التنفيذ الحالي في المشروعات الفائزة بعطاءات الجولة الخامسة.
وأضافت: "المطورون بحاجة للثقة بأن الأسعار سترتفع إذا لزم الأمر بحيث تعكس الظروف الاقتصادية".
وأكدت: "إذا كانت الإشارات الصادرة عن الحكومة تقول إن الأسعار ستنخفض فحسب، حينها أعتقد أنها ستقوّض الثقة على المدى الطويل".
في الجهة المقابلة، تحتفظ الحكومة بنظرة متفائلة للمشهد، كما يرفض وزير النقل غرانت شابس، المقارنة مع الولايات المتحدة.
وقال، أمام مجلس العموم البريطاني، في شهر مايو/أيار المنصرم: "الحقيقة أن الولايات المتحدة لا تمتلك أول وثاني وثالث ورابع أكبر مزرعة رياح بحرية في العالم".
وتساءل: "أتعلمون لماذا؟ إنها مُقامة هنا في المملكة المتحدة.. نحن نتقدم عنهم بعقود".
موضوعات متعلقة..
- مزارع الرياح البحرية في المملكة المتحدة تجني مليار دولار من رسوم تأجير قاع البحر
- سعة الرياح البحرية العائمة في المملكة المتحدة ترتفع إلى 34 غيغاواط بحلول 2040
- طاقة الرياح البحرية في بحر الشمال تؤسس لمرحلة جديدة من "كهربة" أوروبا
- الرياح البحرية العائمة في إيطاليا تتوسع بـ3 مشروعات جديدة
اقرأ أيضًا..
- كيف تؤمّن قطر بيع غاز توسعة حقل الشمال؟.. العقود الأطول تاريخيًا والناقلات الأكبر عالميًا
- اكتشافات الغاز المصري تتلقى صدمة على يد إيني الإيطالية
- مصادر لـ"الطاقة": السعودية تمدد خفض إنتاج النفط مليون برميل يوميًا