تقارير النفطالتقاريرتقارير الغازرئيسيةغازنفط

حظر تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال قد يغير المشهد السياسي لبريطانيا

أسماء السعداوي

تؤدي مشروعات النفط والغاز في بحر الشمال دورًا محوريًا في دعم أمن الطاقة بالمملكة المتحدة؛ ورغم انتقادات المدافعين عن البيئة وخطط تحول الطاقة بشأن تأثيرها السلبي في مسيرة الحياد الكربوني، فالواقع يقول، إن تحجيمها بوقف إصدار تراخيص جديدة للتنقيب هناك لن يؤثّر على صعيد القطاع وحده فحسب، بل قد يغيّر المشهد السياسي أيضًا.

وفي هذا الصدد، ألقى رئيس حزب العمال البريطاني السابق، إد ميليباند، حجرًا في المياه الراكدة -قبل أسبوع-، بإعلانه أن الحزب الساعي إلى رأس السلطة يعتزم حظر إصدار تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال.

أثار النبأ عاصفة من الذُعر داخل الصناعة التي تعاني من ضرائب استثنائية، كما صُدم حزب العمال الإسكتلندي من توقيت الإعلان، وخاصة بعد إحرازه مكاسب طال انتظارها في الانتخابات المحلية مؤخرًا، بحسب مقال للكاتب أندرو ليدل، نشرته مجلة "سبكتاتور" (spectator) البريطانية، واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة

وأسفرت الانتخابات المحلية، في مايو/أيار المنصرم، عن فوز حزب العمال بأكبر عدد من المقاعد لأول مرة منذ عام 2002، وهو ما يضعه في مكانة جيدة للفوز بمنصب رئيس الحكومة في الانتخابات العامة المقررة عام 2025.

احتياطيات النفط والغاز في بحر الشمال

ما يزال الوقود الأحفوري مصدرًا رئيسًا لأمن الطاقة في المملكة المتحدة، إذ لبّى وحده خلال العام الماضي (2022) نحو 3 أرباع الطلب على الطاقة.

واستهلك المواطنون نحو 61 مليون طن من النفط (433 مليون و100 ألف برميل) و77 مليار متر مكعب من الغاز خلال العام الماضي (2022)، بحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

(الطن = 7.1 برميلًا)

يُقدَّر حجم احتياطيات النفط والغاز قبالة سواحل بريطانيا بنحو 15 مليار برميل من النفط المكافئ، حسب هيئة "أوفشور إنرجيز يو كيه" البريطانية.

وفي بحر الشمال وحده، يبلغ حجم الاحتياطيات أكثر من 8 مليارات برميل نفط مكافئ ضمن حدود 30 ميلًا من مجمعات الإنتاج البحرية، ويقع 6.1 مليار برميل داخل دائرة نصف قطرها 18 ميلًا من البنية التحتية الحالية.

وتقول الهيئة الانتقالية عن بحر الشمال (إن إس تي إيه) -هيئة النفط والغاز سابقًا-، إن احتياطيات بحر الشمال تشهد تراجعًا حادًا، ومن المتوقع انخفاض إنتاج النفط والغاز في بحر الشمال من 90.3 مليون طن نفط مكافئ في عام 2019، إلى 46.3 مليون فقط على مدار الأعوام الـ3 المقبلة، بحسب الغارديان.

عواقب مدمرة

يرى كاتب المقال أن حظر تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال سيكون له عواقب اقتصادية مدمّرة على منطقة شمال شرق إسكتلندا، التي تشهد طلبًا كبيرًا على النفط والغاز.

كما سيترك -حال تحوُّلِ النبأ إلى واقع- عشرات الآلاف من العمال، يواجهون مصيرًا مجهولًا عنما يتوقف الإنتاج بالمنطقة الذاخرة بالاحتياطيات المربحة.

ويكافح منتجو النفط والغاز في بحر الشمال لتحقيق أرباح من مشروعاتهم هناك، بسبب الضرائب؛ إذ فرضت الحكومة ضريبة استثنائية في مايو/أيار من العام الماضي (2022)، على أرباح شركات النفط والغاز البريطانية مثل بي بي وشل، والتي استفادت من ارتفاع الأسعار في أعقاب الحرب الروسية في أوكرانيا.

كما ارتفع معدل الضريبة الرئيس على المنتجين بالمملكة المتحدة في ميزانية الخريف الماضي، إلى 75%.

وألغت الحكومة أيضًا بندًا كان سيؤدي إلى إلغاء الضريبة الاستثنائية حال انخفاض أسعار الطاقة، بحسب المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

من جانبها، أعلنت شركة هاربور إنرجي (أكبر منتج للنفط والغاز في بحر الشمال بالمملكة المتحدة)، اعتزامها إلغاء نحو 350 وظيفة، بعد أن استحوذت الضريبة الحكومية على أرباحها بصورة كبيرة.

حماقة اقتصادية

رئيس حزب العمال السابق إد ميليباند
إد ميليباند- الصورة من "جي كيو" ماغازين

يقول حزب العمال، إنه يستهدف تحقيق التحول إلى طاقة خضراء ونظيفة، من أجل مكافحة تغير المناخ وتحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

يتطلب ذلك الوعد ضخ استثمارات ضخمة من جانب منتجي الطاقة، بالإضافة للحفاظ على وظائف القوى العاملة في بحر الشمال، إذ أرادت من الصميم تحقيق ذلك على أرض الواقع.

ولكن تجفيف منابع تمويل شركات الطاقة -إذا صحّت تصريحات إد ميليباند- لن يخدم قضية التحول الأخضر، إذ سيؤدي إلى قطع موارد الاستثمار والبحوث في قطاع التكنولوجيا والمهارات الخضراء الضرورية من أجل التحول بعيدًا عن النفط والغاز، بحسب المقال.

وانتقد الكاتب أندرو ليدل اتجاه حزب العمال بقيادة كير ستارمر إلى إغلاق مشروعات النفط والغاز في بحر الشمال والتركيز على الطاقة المتجددة، قائلًا، إن القرار المحتمل ينمّ عن حماقة وأمية اقتصاديتين، كما يوجّه ضربة ذاتية لحزب العمال.

من المتوقع أن يكون القرار ذا تأثير مدمر سياسيًا على حزب العمال الإسكتلندي الذي بدأ بالتعافي من سلسلة نكسات سياسية وبرلمانية منذ خسارة الانتخابات في 2015.

كما سيضع القرار حزب العمال في مواجهة غير محبّذة مع الرأي العام، وما يدلل على ذلك استطلاع رأي حديث أظهر أن 61% من الإسكتلنديين يرون أن صناعة النفط والغاز في بحر الشمال تحمل تأثيرًا إيجابيًا في الاقتصاد.

كما يعتقد 75% ممن استُطلِعت آراؤهم من الإسكتلنديين أن تلبي الصناعة المحلية الطلب على النفط والغاز.

صراع حزبي

فتحت سياسة حزب العمال، الداعمة للتحول الأخضر على حساب مشروعات النفط والغاز في بحر الشمال، المجال أمام الحزب الوطني الإسكتلندي للتقدم خطوة للأمام.

فلقد سارع الحزب الوطني صاحب السياسات المتناقضة بشأن احتياطيات النفط والغاز في بحر الشمال، باستغلال الفرصة عبر محاولة تعديل سياسته المعارِضة سابقًا لاستثمارات النفط والغاز الجديدة هناك، من أجل الاستفادة من الدعم الشعبي الذي خسره حزب العمال.

من جانبه، حاول حزب العمال استدراك الموقف، إذ أعلن تراجعه عن خطة أعلنها في عام 2021، لاستثمار 28 مليار يورو (32.1 مليار دولار أميركي) سنويًا في الصناعات الخضراء بحلول عام 2030، إذا فاز بالسلطة.

وقال على لسان وزيرة الخزانة في حكومة الظل العمالية، راشيل ريفز، إنه يتعين على الحزب أن يتحلى بالمسؤولية عند التعامل مع الأموال العامة، وعدم التهور.

سياسة حزب العمال تركت حزب المحافظين ليكون المناصر العلني الوحيد عن النفط والغاز في شمال شرق إسكتلندا.

وربما يمنح ذلك مهلة مهمة للمحافظين، لتثبيت مواقعهم البرلمانية، لكنه على الجانب الآخر، قد يكون مكلفًا لحزب العمال.

ميليباند، الذي يشغل حاليًا منصب وزير تغيير المناخ والحياد الكربوني في حكومة الظل العمالية، خسر الانتخابات العامة أمام رئيس الورزاء السابق ديفيد كاميرون عن حزب المحافظين في عام 2015.

وربما بإعلانه اعتزام حزب العمال حظر تراخيص النفط والغاز في بحر الشمال، يبحث ميليباند عن بصمة إيجابية ليتركها في صفحات التاريخ.

لكن تلك الخطوة لن تؤدي إلى خسارة حزب العمال الإسكتلندي لمكاسبه محليًا فحسب، بل ستحول دون عودة حزب العمال البريطاني بقيادة السير كير ستارمر على رأس الحكومة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق