الحياد الكربوني في الصين.. 4 مسارات أمام صاحبة أعلى انبعاثات في العالم
أحمد بدر
ما يزال تحقيق الحياد الكربوني في الصين واحدًا من أهم الملفات التي يهتم بها العالم كله، لا سيما أن البلد الواقع في جنوب شرق آسيا هو أكبر منتج للانبعاثات الكربونية عالميًا، وأحد أكبر مستعملي الوقود الأحفوري الأكثر تلويثًا، وهو "الفحم".
وتُنتج الصين نحو 12.7 مليار طن من غازات الاحتباس الحراري، وفق إحصاءات منشورة في عام (2019)، أي قبل تراجع الأنشطة الصناعية والتشييد بفعل جائحة كورونا، أي ما يعادل 27% من إجمالي الانبعاثات العالمية، وفق ما جاء في تقرير نشره مركز الإمارات للسياسات، واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وفي ذروة تفشّي جائحة كورونا خلال عام (2020)، وصلت انبعاثات الصين الكربونية نحو 11 مليار طن متري، أي ما يعادل 30% من إجمالي الانبعاثات العالمية خلال ذلك العام، ولكن في الوقت نفسه اتّسع نفوذ بكين بصفتها أحد القادة العالميين لمواجهة التغير المناخي، وأصبحت هناك ضرورة لتحقيق الحياد الكربوني في الصين.
علاقة نمو الاقتصاد بزيادة الانبعاثات
خلال المدة بين 2005 و2019، شهد معدل الانبعاثات في الصين ارتفاعًا كبيرًا، تزامنَ مع تحقيق اقتصاد البلاد قفزات كبيرة، إذ بلغت معدلات النمو الاقتصادي نحو 224%، وزاد معدل نمو استهلاك الطاقة بنحو 75%، مقارنة بمعدل نموّ في الانبعاثات العالمية بأقلّ من 24%.
وأدى تجاوز معدلات النمو الاقتصادي لمعدلات انبعاثات الكربون لانخفاض مؤشر كثافة الانبعاثات الناجمة عن النشاط الاقتصادي إلى 46%، وفق التقرير الذي حمل اسم "مسؤولية بحجم الانبعاثات: سياسات الصين المناخية وأبعادها العالمية"، واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وقسَّم التقرير القطاعات الاقتصادية الأكثر إنتاجًا للكربون في الهواء إلى 5 قطاعات رئيسة، هي: الطاقة، والتصنيع والبناء، والإنتاج الصناعي، والنقل، والزراعة.
وبلغت الانبعاثات الكربونية الناتجة عن قطاعي الطاقة والإنتاج الصناعي في الصين، خلال المدة بين عامي 1980 و2020، نحو 48% من إجمالي الانبعاثات في البلاد، في حين بلغت بقطاع التصنيع 36%، والنقل نحو 8%، والبناء نحو 5%.
بالإضافة إلى ذلك، هناك مشكلات هيكلية تواجه مسألة تحقيق الحياد الكربوني في الصين، من بينها نقاء الهواء، ونظافة المياه وتوفرها، بجانب التصحر وتلوث التربة، والتلوث الناتج عن النفايات النووية.
وتؤثّر هذه المشكلات مباشرةً في الصحة العامة وحياة سكان الصين، إذ يتسبب تلوث الهواء في وفاة 1.1 مليون شخص سنويًا، مع انتشار الأمراض الصدرية والتنفسية والأوبئة، في حين يموت 60 ألف شخص سنويًا بسبب تلوث المياه.
إضافةً إلى هذه الخسائر في الأرواح، هناك التحدي البيئي الذي يتسبب في خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات سنويًا، قدَّرها بعض الخبراء بما يصل إلى نحو 10% من الناتج الإجمالي المحلي في الصين.
كما تتأثر بكين بشكل واضح بهذه النسبة المرتفعة من الانبعاثات، بما يجعلها عرضة لتبعات تغير المناخ، لذا يتطلب تحقيق الحياد الكربوني في الصين مواجهة ظواهر محددة ومكررة، أهمها ارتفاع مستوى سطح البحر، والظواهر الجوية الشديدة، وذوبان الأنهار الجليدية، والفيضانات، وحرائق الغابات، والجفاف.
التبعات السياسية للانبعاثات في الصين
لا تتوقف المخاطر التي تواجه تحقيق الحياد الكربوني في الصين عن التبعات البيئية والصحية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن تمتد للأزمات السياسية، إذ هناك زيادة في عدد وكثافة التظاهرات الشعبية والمناشدات خلال الـ10 سنوات الماضية، المرتبطة بالوعي الشعبي لمواجهة تغير المناخ.
وهددت هذه التحركات السياسية -تدريجيًا- شرعية الحزب الشيوعي الصيني، ما دفعه إلى إصدار قانون في عام 2016، يمنع عمل منظمات المجتمع المدني الأجنبية بالبلاد، ويحظر عمل النشطاء، بمن فيهم نشطاء البيئة، إلى جانب ممارسات قمعية ضد تحذيرات وسائل الإعلام ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي من تداعيات تغير المناخ.
من جهة أخرى، تبنّت الحكومة سياسات متوازية لتحقيق الحياد الكربوني في الصين والتكيف مع تبعات تغير المناخ، غطَّت البنية التحتية والغابات والمراعي والرعاية الصحية والموارد المائية والزراعة والمدن.
وأدرجت الصين خطط تعزيز المرونة البيئية، وجعل أنظمتها البيئية والصحية والاقتصادية والاجتماعية الوطنية أكثر قدرة على المقاومة، والتعايش مع تبعات التغير المناخي في "الإستراتيجية الوطنية للتكيف مع تغير المناخ 2035" التي صدرت عام 2022، واطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
التحول إلى الصين الخضراء
تدرّجت سياسات تحقيق الحياد الكربوني في الصين، ومواجهة تغير المناخ، ضمن سياق زمني ضيق، ولكنه مكثّف، ويمكن تقسيم فلسفة مكافحة الصين للتغير المناخي لحقبتين، الأولى في المدة بين عامي 2007 و2015، والثانية من عام 2015 حتى الآن.
في عام 2007، أدركت الصين تبعات النمو الاقتصادي السريع وارتباطه بتفاعلات تغير المناخ، إذ ركّزت سياساتها المناخية حينها على إصلاح قطاع الطاقة بين عامي 2007 و2010، لتقليل نسبة الانبعاثات الكربونية.
وانقسمت هذه الإصلاحات لقسمين: قانوني ومؤسسي، بخلاف الاستثمار في تطوير التكنولوجيا الفائقة، إذ عدّلت بكين قانون توفير الطاقة، لخفض مستوى الإهدار، بجانب تخصيص ميزانيات للاستثمار في تكنولوجيا احتجاز الكربون والطاقة المتجددة والنظيفة.
وبين عامي 2012 و2015، شهد مسار الصين نحو تحقيق الحياد الكربوني قفزة في السياسات والتوجيهات الحكومية لمواجهة تغير المناخ، بالتزامن مع إصدار الخطة الخمسية الـ12، التي هدفت للتحكم في انبعاثات الغازات الحرارية، وإنشاء سوق لتداول الكربون للمرة الأولى، وشهدت هذه المدة تموضع الصين بوصفها قوة عظمى بمجال مكافحة تغير المناخ.
وفي عامي 2014 و2016، عدّلت الحكومة "الخطة الوطنية لمواجهة التغير المناخي"، لتكون أكثر تركيزًا على التبادل والتعاون، وهما بُعدان تعدُّهما الحكومة أكثر مركزية في إستراتيجياتها المناخية، ويتّسقان مع التزامات البلاد، بموجب اتفاق كوبنهاغن واتفاقية باريس المناخية.
4 مسارات لتحقيق الحياد الكربوني
منذ عام 2015، مع بدء المرحلة الثانية، تبنَّت بكين سياسات أكثر تشعبًا وعمقًا وشمولية من حيث المناطق الجغرافية والمجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، الرئيسة والفرعية، إذ وضعت مستهدفات الحياد الكربوني في الصين، التي شملت الوصول لذروة الانبعاثات بحلول عام 2030، وتحقيق الحياد الكربوني الكامل بحلول 2060.
واعتُمدت "المستهدفات المناخية الإستراتيجية لذروة الانبعاثات 2030" وإستراتيجية "الحياد الكربوني في الصين 2060" رسميًا في أكتوبر/تشرين الأول 2021، قُبيل انعقاد قمة المناخ كوب 26 في غلاسكو.
ويوضح الإنفوغرافيك التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، خطة تحقيق الحياد الكربوني في الصين بحلول عام 2060:
وترتكز إستراتيجية الحياد الكربوني في الصين على 4 اتجاهات رئيسة، هي:
- مراقبة انبعاث ثاني أكسيد الكربون: ويشمل التحول للطاقة النظيفة والمتجددة، وتوفير الطاقة، وخفض الانبعاثات.
- تقليص مصادر الكربون: ويشمل استعمال وتخزين وتقليل الانبعاثات، والحوكمة الإيكولوجية، وتخضير مساحات شاسعة.
- تطوير التكنولوجيا الرئيسة: ويشمل الاستعمال الصفي للكربون، واقتران الفحم بمصادر الطاقة المتجددة، واستعمال الكربون وتخزينه، وتكنولوجيا تخزين الطاقة.
- تطوير السياسات: ويشمل وضع ضمانات قانونية لتعزيز سوق تداول الكربون، ووضع معايير انبعاث الكربون للشركات، وزيادة التوعية والتثقيف للأفراد والمجتمع.
وبالإضافة إلى ذلك، تسعى بكين للوصول إلى مستهدفات موازية لإستراتيجية الحياد الكربوني في الصين بحلول عام 2030، إذ تهدف الحكومة لخفض كثافة الكربون بأكثر من 65% عن مستوى عام 2005، وإنتاج أكثر من 1200 غيغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وبموجب هذه المستهدفات، يجب أن تصل حصة الوقود غير الأحفوري في استهلاك الطاقة أيضًا إلى 25% بحلول عام 2030، وأن يزيد مخزون الغابات في الصين بمقدار 6 مليارات متر مكعب فوق مستوى عام 2005 بحلول العام نفسه.
وخلص التقرير إلى أن الصين ستواصل تحقيق أهدافها المناخية تدريجيًا، لكن أمن الطاقة سيظل المحدد الرئيس للتوازن بين مواصلة الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية والتحول للطاقة النظيفة لخفض الانبعاثات.
ورغم ذلك، أشار إلى أن هناك إجماعًا بين الباحثين على إمكان تحقيق الحياد الكربوني في الصين بحلول 2060، وهدفي الوصول لذروة الانبعاثات في عام 2030، قبل موعدهما، بما يسهم في الوصول لهدف خفض درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية.
موضوعات متعلقة..
- الغاز الطبيعي.. مفتاح الصين نحو الحياد الكربوني (تقرير)
- قطاع السيارات في الصين لا يتواءم مع مستهدفات الحياد الكربوني (تقرير)
- الصين تعتزم تشجير 36 ألف كيلومتر مربع لتحقيق الحياد الكربوني
اقرأ أيضًا..
- قطر للطاقة توقع صفقة غاز مسال مع الصين لمدة 27 عامًا (تحديث)
- خبراء: أكبر مصنع للهيدروجين الأخضر بقيادة السعودية ينقل رسالة مهمة لأسواق الطاقة
- وزير النفط الهندي: تخفيضات أوبك+ لم ترفع أسعار النفط لعدة أسباب
- أكبر 5 محطات غاز مسال في الشرق الأوسط بنهاية 2022 (تقرير)