تقارير منوعةتقارير الكهرباءكهرباءمنوعات

غابات بابوا الإندونيسية تستغيث.. مشروع كهرباء فاشل يعرض البيئة والبشر للخطر

أسماء السعداوي

اقرأ في هذا المقال

  • مشروع للكهرباء في إندونيسيا يتسبب في إزالة مساحات شاسعة من الغابات المطيرة.
  • تحويل نحو 10 كيلومترات من الغابات إلى مزارع أخشاب.
  • أطفال المنطقة يعانون التقزم وسوء التغذية.
  • الحكومة الإندونيسية تدعم محطة الكهرباء الجديدة.

كشف تقرير حديث عن الأضرار البالغة التي طالت غابات بابوا الإندونيسية، وخاصة في منطقة بابوا شرقي البلاد، بسبب أعمال توسعة مشروع كان يهدف بالأساس للمساعدة في خفض الانبعاثات الكربونية، إلا أنه انتهى به المطاف بتدمير مساحات شاسعة من الغابات المطيرة، فضلًا عن معاناة السكان المحليين.

وأنفقت شركة ميدكو غروب ملايين الدولارات لإقامة محطة لتوليد الكهرباء من الكتلة الحيوية من خلال حرق الخشب، وأزالت مساحات واسعة من الغابات، لإقامة مزارع الأخشاب بدلًا منها.

وحاليًا، تخطط الشركة لتوسيع نطاق تلك المزارع بمقدار 2500 هكتار في غابات بابوا الإندونيسية، وهو ما يعني قطع المزيد من الغابات المطيرة، بحسب تقرير نشره موقع "كلايمت تشينغ نيوز" (climatechangenews)، واطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

يمثل المشروع كابوسًا مفزعًا لشعب الماريند الذين تؤويهم سهول غابات بابوا الإندونيسية، ويقتاتون على الصيد وجمع الثمار ليظلوا على قيد الحياة.

أحلام وردية

كان سكان قرية زانغي من عرقية ماريند يجدون قوت يومهم من الصيد، على بُعد خطوات معدودة من منازلهم؛ إذ كان من الشائع رؤية طيور الكاسواري في الساحات الخلفية لمنازلهم، وكانت الخنازير البرية والكناغر تجوب حول القرية، والمستنقعات مليئة بالأسماك.

ثم في أواخر العقد الأول من الألفينيات، أرادت إندونيسيا تحويل جنوب جزيرة بابوا إلى مصدر للغذاء والطاقة.

وحصلت شركة ميدكو على رخصة لتحويل 170 ألف هكتار من الأراضي في غابات بابو الإندونيسية، لتنفيذ خطة مزارع الأخشاب لإنتاج رقائق الأخشاب بغرض التصدير.

واستقبل بعض سكان القرية، مشروع شركة ميدكو بحرارة، محملين بآمال المال الوفير وفرص العمل الواعدة ودعم تعليم الأطفال وبناء مدرسة جديدة وكنيسة ومرافق صحية.

ثم أبرمت الشركة اتفاقًا في عام 2009، تعهّدت فيه بحماية الأماكن المقدسة والمناطق ذات الأهمية الثقافية وساحات الصيد، ومواقع أخرى وصفتها ميدكو بـ"أماكن أخرى تُعَد مهمة للسكان".

يقول أحد سكان القرية وهو أب لـ9 أبناء، أماندوس غيبزي: "في البداية، كان الأمر جيدًا؛ لأن السكان حصلوا على فرص عمل، كان الجميع بلا استثناء يشاركون في العمل".

وبعد سنوات معدودة، أُقيل القرويون من عملهم، وجفت منابع أموال ميدكو، وحلّت بدلًا منها أعمال غير منتظمة لجمع القطع الصغيرة من الأخشاب مقابل 5 دولارات عن المتر المربع الواحد.

من جانبها، بررت ميدكو إقالة العمال من سكان القرية بأنها توقفت عن إزالة الغابات في عام 2014 بسبب الخسائر المالية، كما اتجهت لمقاولين ووجهات أخرى لتشغيل العمال، بدلًا من قيامها بذلك مباشرة .

وألقت باللوم على القرويين ممن خسروا وظائفهم؛ لعدم تمكنهم من "الانصياع للوائح الشركة"، و"غابوا في كثير من الأحيان"، ولذلك اعتُبروا مستقيلين.

إزالة الغابات في بابوا
إزالة الغابات في بابوا - الصورة من كلايمت تشينغ نيوز

رحلة البحث عن غذاء

عندما تحوّلت الأحلام التي رسمتها ميدكو إلى سراب، عاد بعض سكان القرية لصيد الحيوانات والطيور بحثًا عن غذاء يبقيهم أحياء، لكن الوضع الآن أصبح أصعب ومختلفًا عن ذي قبل.

فقد تحوّلت 10 كيلومترات من غابات بابوا الإندونيسية، إلى مزارع أخشاب تتراص فيها الأشجار المتماثلة بلا روح.

وأصبح عليهم التجول لمسافة 15 كيلومترًا، لصيد طيور الكاسواري والغزال، وعادة ما يعودون خالين الوفاض لعدة أيام متوالية.

ومع جفاف موارد الغذاء هناك، يضطر القرويون لشراء الغذاء بتكلفة تزيد على مثيله في متجر راقٍ بإحدى كبريات المدن بإندونيسيا.

وفي ظل عدم توافر مصدر دخل مستقر وتراجع إمكانات الغذاء التقليدي، اضطر بعض القرويين لتناول الأرز فقط.

في أبريل/نيسان 2022، قال عاملون صحيون إن 4 أطفال بالقرية يعانون التقزم، وعانت 8 نساء حوامل سوء التغذية الناتج عن نقص الطاقة.

كما كشفت السجلات الصحية، التي حصلت عليها صحيفة كومباس المحلية في أغسطس/آب 2022، عن أن نحو ثلث الأطفال يعانون التقزم.

ومنذ عام 2012، وردت تقارير تقول إن 9 أطفال ممن أصيبوا بسوء التغذية قد ماتوا، وبحسب "كومباس"؛ ففي الأعوام بين 2019 و2021، فقدت أسرة واحدة 3 أطفال.

من جانبها، رفضت شركة ميدكو المطورة للمشروع اتهامات بتسببها في المعاناة الصحية للسكان وقالت "عمليات ميدكو في بابوا لم تسبب سوء التغذية".

كما نفت وعودًا للمحليين، بخلاف الاتفاق المكتوب لحماية موارد الغذاء ومناطق أخرى رئيسة.

أطفال أماندوس يتناولون الأرز
أطفال أماندوس يتناولون الأرز - الصورة من كلايمت تشينغ نيوز

الحكومة تدعم المشروع الفاشل

تقول ميدكو إن المشروع ليس مجديًا من الناحية المالية، ولذلك اقتصرت مساحة المشروع على 3 آلاف هكتار.

ومع ذلك، أعطت الحكومة للمشروع "الفاشل" قبلة الحياة في عام 2017، بتمويلها ميدكو لإقامة محطة جديدة لتوليد الكهرباء من الكتلة الحيوية على بُعد 20 كيلومترًا من قرية زانغي، بل ألزمت شركة الكهرباء المملوكة للدولة بشراء الكهرباء التي تنتجها.

وكشفت صور الأقمار الصناعية عن أن عمليات إزالة غابات بابوا الإندونيسية هناك قد استؤنفت في عام 2021.

جاءت أول دفعة تمويلية حكومية من شركة سارانا مالتي إنفراستكتور الخاصة لوزارة المالية؛ إذ إنها في عام 2017 قدمت 60 مليار روبية (4.5 مليار دولار أميركي)، لتمويل محطة الكهرباء.

تركز الشركة الحكومية جهودها على مساعدة البلاد على الوفاء بالتزاماتها المناخية، وكان تقرير الاستدامة الصادر في 2017، قد أشار إلى قدرة محطة توليد الكهرباء من الكتلة الحيوية في بابوا، على تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

وفي عام 2020، اعتبر أحد مديري ميدكو، المحطة بأنها مثال على "التمويل الذي يُسهم في تخفيف حدة آثار تغير المناخ".

كل ذلك، جاء رغم تصريح منظمات غير ربحية ومنها الأمم المتحدة، بأن مشروع ميدكو يترك أهالي الماريند "جوعى".

كما أعلنت وزارة الطاقة وشركة ميدكو أن الصندوق الإندونيسي للبيئة، سيقدم دعمًا تمويليًا لصالح محطة توليد الكهرباء من الكتلة الحيوية.
بلغ إجمالي التمويل المقدم من الصندوق 140 مليار روبية أي ما يعادل 9 ملايين دولار أميركي.

وعندما حصلت على تمويل الصندوق، كانت ميدكو قد أزالت 3 آلاف هكتار من غابات بابوا الإندونيسية.

وفي تحدٍّ صارخ، أكدت ميدكو الحاجة لمضاعفة مساحة مزارع الأخشاب لتلبية مطالب محطة الكهرباء، معلنة مواصلتها الاستفادة من الأخشاب التي أزيلت من الغابات، كما أعربت عن أملها في مضاعفة مساحة المحطة.

حق مشروع

دافع عن المشروع المسؤول بالصندوق الإندونيسي للبيئة إنداه تري كورنياواتي، قائلًا إنه من حق شركة ميدكو إزالة الغابات، فهو حق مشروع لها.

وأضاف: "بحسب القوانين والتشريعات السارية، يمكنهم القيام بذلك".

كما يرى آخرون أن دعم الحكومة الإندونيسي لتوليد الكهرباء من الوقود الأحفوري في بابوا، ليس انحرافًا.

فبدلًا من إغلاق محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم، تخطط البلاد لاستمرار عملها مع التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري عبر الإشعال الآني مع الكتلة الحيوية.

يُشير مصطلح الإشعال الآني إلى الاستعمال المختلط للفضلات العضوية في أغراض توليد الطاقة الكهربائية.

وقال وزير الطاقة عارفين تصريف، في يونيو/حزيران من العام الماضي (2022)، إن الإشعال الآني محوري في إستراتيجية خفض انبعاثات الفحم.

وأعلنت شركة الكهرباء الوطنية الإندونيسية "بي إل إن"، في عام 2022 المنصرم، أنها تخطط لزيادة قدرة الكتلة الحيوية بمقدار 5 أضعاف خلال العام المقبل، ووضعت هدف حرق 10.2 طنًا في أكثر من 50 محطة لتوليد الكهرباء بحلول عام 2025.

وخلال فعاليات مؤتمر المناخ "كوب 27" الذي عُقد بمدينة شرم الشيخ المصرية خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني (2022)، أعلن المدير العام لإدارة الغابات المستدامة أغوس غوستيانتو، "دعم مزارع الأخشاب من أجل تنمية الطاقة"، معلنًا استعمال أكثر من مليون هكتار من الغابات.

وبحسب منظمة تريند آسيا؛ فإن تلبية الطلب لهذه الخطة تتطلب ما لا يقل عن 2.3 مليون هكتار من الأراضي، وهي تعادل نصف مساحة الدنمارك.

وبينما قد لا يدرك أماندوس وزوجته ناتاليا وأبناؤهما -وهم من سكان المنطقة- أمور السياسة والمال وتغير المناخ، تبادر إلى ذهن رب الأسرة تساؤل واحد وهو: "إذا كانوا يريدون تطوير المجتمع؛ فسيحتاجون إلى المزيد من أراضينا، إذا كان علينا منحهم المزيد من الأراضي، فهل هناك أي فرصة لإظهار المزيد من الاهتمام بنا؟ لا يوجد أمل".

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال غير متوازن يميل الى تقديس شخص سكن في هذا المكان ويعتقد او يوهموه انه يمتلك المكان لمجرد انه اتى قبله ووجده فارغ واستوطنه ، الحل الوحيد هو ان ينتقل الى تجمعات بشرية اكبر مثل المدن ويبدأ في الدراسة والتنمية ومواطبة العصر وليس العيش في الغابات والصيد مثل القرود وبالمناسبة هم شكلهم قرود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق