إنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر.. استثمارات ضخمة وتحديات قد تعرقل الحلم (خاص)
داليا الهمشري
- خبير يبرز العقبات التي تواجه التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر.
- ارتفاع ثمن التكنولوجيا المُستعملة في إنتاج الهيدروجين الأخضر وعدم توافرها أبرز تحديات الإنتاج.
- مخاوف من نقل الهيدروجين الأخضر في شبكات الغاز الطبيعي.
- مصر تشجّع الاستثمارات في مجال الهيدروجين الأخضر.
يواجه إنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر عددًا من التحديات التي تحاول الحكومة التغلب عليها لجعل البلاد مركزًا إقليميًا لتصدير هذا الوقود الذي من المتوقع أن يسيطر على أسواق الطاقة في المستقبل.
وأكد الاستشاري والخبير الرئيس في أنظمة تحكم سكادا بالشركة القابضة لكهرباء مصر التابعة لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المهندس محمد أنور، أن هناك 3 عقبات رئيسة تواجه التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر.
وأبرز أنور -خلال تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن العقبة الأولى تتمثل في ارتفاع ثمن التكنولوجيا المُستعملة في إنتاج الهيدروجين الأخضر وعدم توافرها، تليها الحاجة إلى مصدر هائل للكهرباء، بالإضافة إلى عقبات النقل والتخزين.
ونجحت مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر، خلال العام الماضي (2022)، في استقطاب استثمارات ضخمة، وضعت القاهرة في المرتبة الثانية عالميًا والأولى إقليميًا من حيث الاستثمارات الأجنبية التأسيسية المباشرة، بحسب شركة الأبحاث "إف دي آي إنسايت".
وبلغ حجم استثمارات الهيدروجين في مصر المعلنة نحو 107 مليارات دولار، مستحوذة على نحو 40% من إجمالي الاستثمارات المعلنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أنواع الهيدروجين
سلّط الخبير بالشركة القابضة لكهرباء مصر الضوء على أنواع الهيدروجين، مشيرًا إلى أنها تختلف وفقًا لطريقة الإنتاج إلى عدة ألوان.
وقال إن هناك 3 أنواع رئيسة مُستعملة بكثرة في الصناعة؛ أبرزها الهيدروجين الرمادي، لافتًا إلى أنه الأكثر انتشارًا بنسبة تبلغ نحو 90%.
وأضاف أن الهيدروجين الرمادي يُنتج عن طريق استعمال الغاز الطبيعي وتمريره على أبخرة الميثان، وهو في الحالة الغازية.
حيث يتم خلال هذه العملية فصل الهيدروجين عن الكربون، إلا أن هذه الطريقة يشوبها عدد من السلبيات؛ أبرزها استعمال الغاز الطبيعي، الذي يُعَد أحد أنواع الوقود الأحفوري؛ ما يضر بالبيئة نتيجة لما يترتب عليه من انبعاثات كربونية، وهذا يتعارض مع تصنيف الهيدروجين وقودًا صديقًا للبيئة.
الهيدروجين الأزرق
أوضح المهندس محمد أنور أن إنتاج الهيدروجين الأزرق يتم بنفس طريقة إنتاج الهيدروجين الرمادي من تمرير الغاز الطبيعي لفصل الهيدروجين عن الكربون، ولكن هذه المرة يُخزن الكربون الناتج عن هذه العملية في أنابيب تحت الأرض.
وتُعرف هذه العملية بالتقاط الكربون وتخزينه، وبذلك لا يصعد إلى الغلاف الجوي سوى 10% فقط من الكربون المُنبعث عن هذه العملية.
ولفت إلى أن هذه الطريقة تمثل تحسنًا نسبيًا عن إنتاج الهيدروجين الرمادي، إلا أنها تواجه عدة مشكلات؛ في مقدمتها أن عملية التقاط الكربون وتخزينه معقّدة للغاية عمليًا، وتتطلب تكنولوجيا مُكلفة ماديًا، وظروفًا خاصة للغاية لتنفيذها؛ ومن ثَم تحتاج هذه العملية إلى تمويل مادي وخبرات علمية متطورة.
وقود المستقبل
أفاد المهندس محمد أنور -خلال تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- بأن الهيدروجين الأخضر يختلف تمامًا في إنتاجه عن الهيدروجين الرمادي والأزرق؛ لأنه يُنتج عن طريق التحليل الكهربائي للمياه لفصل الهيدروجين عن الأكسجين باستعمال مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وأكد أنور أن الهيدروجين الأخضر يتميز بطريقة إنتاجه النظيفة التي تؤهله ليكون وقود المستقبل، لافتًا إلى أنه في هذه الحالة يتم إنتاج بخار ماء دون انبعاثات كربونية مُلوثة للغلاف الجوي.
كما أن الإنتاج يعتمد على استغلال الموارد الطبيعية، ولا سيما الطاقة الشمسية التي يمكن تخزينها في غير أوقات الذروة لاستعمالها في أوقات أخرى لإنتاج الهيدروجين الأخضر؛ ومن ثم المساعدة على عدم هدر مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة.
إلا أن إنتاج الهيدروجين الأخضر لا يزال يواجه عدة مشكلات؛ أبرزها ارتفاع التكلفة الاقتصادية عن الهيدروجين الأزرق أو الرمادي، نظرًا إلى أن التكنولوجيا المُستعملة لا تزال جديدة، متوقعًا أن تحقق جدوى اقتصادية بمرور الوقت.
الاستعمالات
أشار الاستشاري والخبير الرئيس في أنظمة تحكم سكادا بالشركة القابضة لكهرباء مصر إلى أن الهيدروجين الأخضر يمكن أن يحل محل الوقود الأحفوري في جميع استعمالاته.
ولفت إلى انتشار السيارات والحافلات العاملة بالهيدروجين في عدد من دول العالم مثل اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وأستراليا وغيرها من الدول.
وأبرز استعمال الهيدروجين الأخضر في إنتاج الأمونيا والميثان والمشتقات الحيوية والمبيدات، وتدفئة المنازل.
كما يُستعمل وقودًا للنقل والصواريخ والطائرات وغيرها من الاستعمالات غير المحدودة، مؤكدًا أن هذه الاستعمالات تؤهله لتشكيل مشهد الطاقة في المستقبل.
وأوضح الخبير المصري أن أكثر ما يميز الهيدروجين الأخضر أن وحدة الطاقة المُتولدة عنه تكافئ 3 وحدات من مصادر الطاقة الأخرى؛ ما يجعله أكثر كفاءة من أي مصدر آخر.
التوسع في الاستثمارات
أكد المهندس محمد أنور أن أبرز التحديات التي تواجه إنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر تتمثل في الحاجة إلى كمية أكبر من الكهرباء النظيفة المتولّدة من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح لإنتاج كمية طاقة مكافئة لأي مصدر آخر للطاقة.
وللتغلب على هذا التحدي، اقترح أنور زيادة الاستثمارات في مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة لتوليد مزيد من الهيدروجين الأخضر.
وقال أنور إن مصر تُعد إحدى الدول الرائدة في إنتاج الهيدروجين الأخضر في المنطقة العربية، مشيرًا إلى أن الدولة تمنح تسهيلات كبيرة للمستثمرين لتشجيعهم على التوسع في هذه المشروعات من خلال إتاحة الأراضي والمرافق من كهرباء وغاز بأسعار رخيصة، وتوفير مياه البحر لتحليتها خلال عملية التحليل الكهربائي.
وأضاف أن شركة سكاتك النرويجية قد بدأت -بالفعل- في إنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر في مدينة العين السخنة، وستتبعها شركات أخرى للاستثمار في هذا القطاع المهم.
وتمكّنت مصر، خلال العام الماضي، من تأمين 19 استثمارًا من شركات تعمل على تطوير الهيدروجين الأخضر، تركزت أغلب هذه المشروعات في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وارتفعت الاستثمارات المرتبطة بالمناخ في مصر، خلال العامين الأخيرين (2021 و2022)، إلى 110 مليارات دولار في مصر؛ ما وضع مصر في المرتبة الأولى عالميًا، بنسبة 16.73% من إجمالي الاستثمارات المعلنة.
أبرز التحديات
سلّط الخبير المصري الضوء على أن ارتفاع ثمن التكنولوجيا المُستعملة في إنتاج الهيدروجين الأخضر وعدم توافرها يمثل عقبة كبيرة أمام التوسع في هذا القطاع؛ لأنه يجعل تكلفة الإنتاج تتجاوز تكلفة إنتاج الهيدروجين الرمادي أو الأزرق؛ ما يجعلها غير مُشجعة للمستثمرين الذين يبحثون عن المكسب السريع.
كما أبرز أن حاجة الإنتاج إلى مصدر هائل للكهرباء يتطلب ضرورة مضاعفة محطات الطاقة الشمسية ومزارع الرياح في مصر 3 أضعاف العدد الموجود على الأقل، بالإضافة إلى عقبات النقل والتخزين، مشيرًا إلى أن الهيدروجين يُنقل إما في حالته الغازية، وهذا يتطلب ضغطًا عاليًا ودرجة حرارة مرتفعة للغاية، وإما في الحالة السائلة، وهذا يحتاج إلى حاويات خاصة وهي غير متوافرة بكثرة.
كما يتطلب الأمر تكنولوجيا متطورة للغاية لتحويل الهيدروجين الأخضر إلى حالته السائلة.
النقل في أنابيب الغاز
تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن نقل الهيدروجين يمكن أن يتسبب في حدوث شروخ في أنابيب الغاز نتيجة الضغط العالي ودرجة الحرارة المرتفعة التي تتطلبها عملية النقل؛ ما يهدد شبكة الغاز الطبيعي المُستعملة في عمليات النقل.
كما أن الهيدروجين بوصفه غازًا قابلًا للاشتعال يمكن أن يتسبب في حرائق خلال نقله، وعند حدوث تسريب يعمل غاز الهيدروجين على تقليل نسبة الغازات التي تقاوم الاحتباس الحراري في الجو؛ ما يتسبب في زيادة الغازات المُضرة بالبيئة، وهذا عكس الغرض من استعمال الهيدروجين الأخضر، وهو مواجهة التغيرات المناخية.
ولمواجهة هذه المشكلة، اقترح المهندس محمد أنور استعمال أنابيب ذات مواصفات خاصة في نقل الهيدروجين الأخضر وتخزينه، وعدم استعمال أنابيب الغاز الطبيعي حتى لا تتلف.
منطقة واعدة
رأى المهندس محمد أنور أن منطقة الشرق الأوسط تتسم بمميزات كثيرة للغاية تؤهلها للريادة في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره، مسلطًا الضوء على توافر الشمس في كل فصول العام بشدة سطوع عالية جدًا؛ ما يساعد في توليد كميات هائلة من الطاقة الشمسية.
فضلًا عن وجود مناطق غنية للغاية بسرعات الرياح مثل رأس غارب والزعفرانة في مصر، وأماكن في دول أخرى بالمنطقة العربية مثل الإمارات.
بالإضافة إلى مصادر الطاقة الكهرومائية الضخمة في المنطقة؛ نظرًا إلى توافر البحار والأنهار مثل البحرين الأحمر والمتوسط في مصر اللذين يمكن استعمالهما للحصول على المياه المُستعملة في عملية التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
كما أبرز توافر العنصر البشري بتكلفة أرخص من أي مكان في العالم، مع تمتعه بالخبرة الكافية.
توافر البنية التحتية
أوضح الاستشاري والخبير الرئيس في أنظمة تحكم سكادا أن مصر بدأت في إنتاج الهيدروجين الأخضر عام 1960 في مصنع كيما على هيئة أمونيا خضراء، إلا أن المشروع توقف عام 1997 نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة في ذلك الوقت.
ولكن تم الإعلان في قمة المناخ كوب 27 في شرم الشيخ عودة مصنع كيما لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
وقال الخبير المصري: "نتطلع -الآن- للتوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر؛ نظرًا إلى موقع مصر المتميز، الذي يربط 3 قارات أفريقيا وأوروبا وآسيا؛ ما يسهل عملية التصدير، ليس بالنسبة فقط بالنسبة لمصر، ولكن للمنطقة العربية ككل".
وأضاف أن المغرب يمكنه التصدير لإسبانيا، كما تستطيع دول الخليج العربي التصدير لأوروبا عن طريق تركيا؛ ومن ثَم فهناك مسارات كثيرة جدًا للتصدير؛ ما يؤهل منطقة الشرق الأوسط لأن تكون مركزًا إقليميًا كبيرًا لتصدير الهيدروجين الأخضر.
وحول توافر البنية التحتية المناسبة لتصدير الهيدروجين الأخضر في مصر، أوضح أنور أنه بالإمكان نقل الهيدروجين من خلال خطوط الغاز الطبيعي الموجودة بالفعل، ولكن هذا الاتجاه لا يزال قيد الدراسة خوفًا من الإضرار بأنابيب الغاز.
وكشف عن أنه تجري -حاليًا- دراسات لبناء شبكة نقل جديدة، إلا أنه إذا تم النقل من خلال شبكات الغاز الطبيعي؛ فهي متوافرة في مصر ومعظم الدول العربية.
وتتوقع مصر أن يصل إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مشروعات الهيدروجين الأخضر إلى نحو 81.6 مليار دولار بحلول 2035.
وتمتلك مصر القدرة على إنتاج الهيدروجين الأخضر بأقل تكلفة في العالم؛ إذ يتوقع أن تنخفض تكلفة الإنتاج لتصل إلى 1.7 دولارًا لكل كيلوغرام بحلول 2050 مقارنة بـ2.7 دولارًا لكل كيلوغرام بحلول 2025.
موضوعات متعلقة..
- الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر في مصر يتصدران مناقشات الحكومة
- مصر أول دولة أفريقية تنتج الهيدروجين الأخضر (بيان رسمي)
- مصر تستعين بخبرات اليابان في مجال الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة
اقرأ أيضًا..
- النفط الروسي يضع الهند في ورطة.. وأوروبا تلوح بالعقوبات
- واردات الغاز المسال العالمية تحقق رقمًا قياسيًا في أبريل 2023
- الكشف عن أكبر بطارية لتخزين الكهرباء في أوروبا وموعد تشغيلها
- وكالة الطاقة الدولية: الطلب الصيني على النفط يهدد بنقص المعروض العالمي
شكرا. بارك الله لك