احتياطيات النفط والمعادن في القطب الشمالي مسرح جديد للصراع بين روسيا والغرب
نوار صبح
- القطب الشمالي يمثّل أولوية إستراتيجية خاصة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين
- ما يزال قاع القطب الشمالي غير مستكشَف إلى حد كبير
- درجة حرارة القطب الشمالي ترتفع بمعدل أسرع 4 مرات من بقية العالم
- ذوبان الجليد الدائم يؤدي إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي
- التنمية الاقتصادية في القطب الشمالي تشكّل مخاطر على السكان الأصليين والتنوع البيولوجي
أصبحت احتياطيات النفط والغاز في القطب الشمالي مسرحًا جديدًا لصراع مرتقب بين روسيا والدول الغربية، في ظل مساعي القوتين للهيمنة على واحد من أهم الموارد الطبيعية في العالم.
ودفع تغير المناخ وتداعياته في تسريع أنشطة استكشاف واستخراج النفط والغاز والمعادن الأرضية النادرة في القطب الشمالي، الذي يُعدّ منطقة محايدة دوليًا ظلت بعيدة عن الجغرافيا السياسية لمدة طويلة.
وتعمل المصالح الإستراتيجية المتعارضة للدول القائمة على تلك الأنشطة وذوبان الجليد القطبي على إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية في تلك المنطقة.
وأصبحت إدارة احتياطيات النفط والمعادن في القطب الشمالي والإشراف عليها موضع تساؤل فجأة نتيجة لعزلة روسيا، أكبر دولة في المنطقة، بسبب حربها على أوكرانيا، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
مجلس القطب الشمالي
بات مجلس القطب الشمالي، الهيئة الرئيسة للتعاون بين الدول الـ8 التي تشترك في الإشراف، في طي النسيان، وفقًا لما نشرته وكالة بلومبرغ.
وعلّق المجلس اجتماعاته منذ العام الماضي، ولا أحد متأكد تمامًا مما سيحدث بعد 11 مايو/أيار، عندما تسلّم روسيا مسؤولية الإدارة إلى النرويج، كما هو مقرر.
وقال سفير مملكة الدنمارك لدى مجلس القطب الشمالي توماس وينكل، إن روسيا تظل عضوًا في المجلس، وبالتالي ستشارك "من حيث المبدأ" في أي قرارات أو أنشطة.
وأوضح أنّ حدوث ذلك في المناخ السياسي الحالي "ما يزال أمرًا يتم النظر فيه"، مضيفًا: "أنا ببساطة ليس لديّ إجابة".
الأمر الواضح هو أن الوضع الراهن منخفض التوتر في خطر، ما يهدّد التعاون العلمي الذي ازدهر منذ نهاية الحرب الباردة، من أجل تطوير احتياطيات النفط والمعادن في القطب الشمالي.
وأصبحت الأمور محفوفة بالمخاطر في وقت يتزايد فيه ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي والتسابق على موارده، التي تُقدَّر بملايين براميل النفط والمكامن المعدنية الغنية.
السيطرة على القطب الشمالي
على الرغم من عدم امتلاك أي شخص للقطب الشمالي فإن الدول التي لها أراضٍ تحيط بالمحيط المتجمد الشمالي الأوسط تمتلك فعليًا حقوقًا تمتد إلى ما وراء سواحلها، بموجب القانون الدولي.
وتعيد 3 من تلك الدول -هي روسيا وكندا والدنمارك، نيابة عن منطقتها المستقلة غرينلاند- رسم الخرائط، وتطالب بحقوق سيادية أوسع لما هو تحت المحيط، التي تُعَدّ رقعة شاسعة من قاع البحر في القطب الشمالي، وتمتد عبره.
وتعتمد طريقة ترسيم الحدود، باستعمال المصطلحات الدبلوماسية، على مدى امتداد الجرف القاري إلى ما وراء ساحل كل دولة.
وتدعي الدول الـ3 أن أجرافها القارية تمتد إلى سلسلة جبال تحت الماء تسمى لومونوسوف ريدج. و(قدمت دولة رابعة، النرويج، حجة أكثر تواضعًا لإعادة ترسيم الحدود منذ بضع سنوات)، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وستظل هذه البلدان قادرة على السفر بحرُّية، عبر ما سيبقى في المياه الدولية، وربما تكون الموارد الطبيعية الموجودة تحت تلك المياه شاسعة ويمكن الاستيلاء عليها.
ويمكن أن تكون للمنافسة الجارية تداعيات كبيرة على مَن يتحكم في الموارد الرئيسة -احتياطيات النفط والمعادن في القطب الشمالي-، وعلى المناخ.
وعلى صعيد آخر، توفر القومية حافزًا آخر، إذ يمثّل القطب الشمالي أولوية إستراتيجية خاصة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفقًا لما نشرته وكالة بلومبرغ.
خطط روسيا
من جهتها، أزالت التغييرات الحاصلة في أحدث إستراتيجية لروسيا في القطب الشمالي على النحو المبيَّن في وثيقة السياسة الخارجية التي وقّعها بوتين في 31 مارس/آذار، الإشارات إلى "التعاون الدولي البناء".
وتتعهّد الوثيقة بالرد على الدول غير الصديقة التي تأمل في عسكرة المنطقة وإقامة علاقات تعاونية أوثق مع الدول غير القطبية الشمالية "التي تنتهج سياسة بناءة تجاه روسيا"، في إشارة محتملة إلى الصين، التي لديها أيضًا تطلعات في المنطقة القطبية.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، إن الولايات المتحدة -وهي دولة أخرى لها حضور في القطب الشمالي- ما تزال ملتزمة بالمنطقة والمجلس.
وأضاف المصدر أن تصرفات روسيا في شن حرب ضد أوكرانيا "تمنع التعاون والتنسيق والتفاعل الذي يميّز عمل مجلس القطب الشمالي".
وتقدمت فنلندا بطلب للانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، ردًا على عدوان بوتين، وقُبلت في 4 أبريل/نيسان، وبافتراض انضمام السويد، فإن روسيا ستكون القوة القطبية الوحيدة التي ليست عضوًا في الحلف.
وقال كبير الباحثين في معهد فريدجوفنانسن النرويجي أندرياس أوستاجن: "بعد 50 عامًا من الآن، من يدري ما إذا كنا ما زلنا نحاول جاهدين استخراج آخر موارد النفط والغاز المتبقية، أم أننا في حاجة ماسة إلى المزيد من المعادن الأرضية النادرة، التي قد تكون موجودة في هذا الجزء من القطب الشمالي".
في المقابل، تدّعي كل من روسيا والدنمارك وكندا أن سلسلة جبال لومونوسوف، التي تعبر القطب، هي امتداد للجرف القاري الممتد من ساحلها إلى المحيط المتجمد الشمالي الأوسط.
بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فإن هذا من شأنه أن يمنح الحقوق السيادية الحصرية على الموارد الطبيعية في قاع البحر القطبي وتحته، خارج المناطق الاقتصادية الخالصة التي تمتد حتى 200 ميل بحري (230 ميلًا) (370.14 كيلومترًا) قبالة سواحلها.
بالإضافة إلى تلك البلدان، قدّمت النرويج في عام 2009 طلبًا مدعومًا من هيئة مستقلة مكلفة بمراجعة العلوم، المعروفة باسم هيئة حدود الجرف القاري (سي إل سي إس)، لكنها لا تقترب كثيرًا من القطب الشمالي.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تصدّق على اتفاقية الأمم المتحدة، إلّا أنها ربما تُعِدّ مطالبها الخاصة.
وقالت مديرة معهد بولار في مركز ويلسون -وهو مركز أبحاث بالعاصمة الأميركية واشنطن- ريبيكا بينكوس: "لقد دأبت الولايات المتحدة على جمع البيانات منذ عقود في القطب الشمالي، وما زلنا نسمع كيف يمكن أن تظهر المطالبة".
النفط والمعادن في القطب الشمالي
ما يزال قاع البحر في القطب الشمالي غير مستكشَف إلى حد كبير، ويُعتقد أنه يحتوي على احتياطيات ضخمة من الوقود الأحفوري والمعادن الحيوية، التي سيصبح من السهل الوصول إليها، إذ يؤدي الاحتباس الحراري إلى ذوبان الجليد البحري فوقها.
وفي عام 2008، أجرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية أحدث تقييم بشأن احتياطيات النفط والمعادن في القطب الشمالي، وقد قدّر التقييم أن نحو 90 مليار برميل من النفط غير المكتشف و 1.670 تريليون قدم مكعبة من الغاز تقع داخل الدائرة القطبية الشمالية، جنبًا إلى جنب مع المعادن الحيوية اللازمة للكهربة.
وما تزال المكامن المعدنية البحرية للأجراف القارية في القطب الشمالي غير مستكشفة إلى حد كبير، على الرغم من أن الجيولوجيا تشير إلى أنها قد تكون مهمة.
وقال الموظف السابق لدى هيئة حدود الجرف القاري، وولتر رويست: "أعتقد أنه لم يكن هناك شك لدى هذه الدول الساحلية أنها ستقدم مطالب في ثروات الجرف القاري، على الرغم من التكاليف المرتفعة ومن أن الفوائد الاقتصادية غير معروفة تمامًا".
دَوْر تغيُّر المناخ
سيسهل تغير المناخ الوصول إلى مناطق القطب الشمالي، والقيام بأنشطة الاستكشاف والاستخراج، وكذلك شحن الموارد.
وترتفع درجة حرارة القطب الشمالي بمعدل أسرع 4 مرات من بقية العالم، وهذه الوتيرة آخذة في التسارع، وفق المعلومات التي رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وفي تقرير حالة الغلاف الجليدي لعام 2022، خلصت المبادرة الدولية لمناخ الغلاف الجليدي (آي سي سيآي) إلى أنه من المحتمل الآن أن يكون هناك صيف خالٍ من الجليد في القطب الشمالي قبل عام 2050.
ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تفاقم مجموعة العواقب المدمرة المتعلقة بالمناخ. وعلى الرغم من أنّ الجليد يحمي كوكب الأرض من خلال صدّ حرارة الشمس، فإن المياه المفتوحة تفعل العكس، ما يؤدي إلى تسريع الاحترار.
وقد تؤدي التغيرات في فجوة درجات الحرارة بين القطب الشمالي، التي تزداد احترارًا، وخطوط العرض المنخفضة إلى جعل أنماط الطقس العالمية أكثر قسوة، في حين يؤدي فقدان الجليد والتغيرات في دوران المحيط إلى تلاشي موائل الحيوانات البحرية.
ويؤدي ذوبان الجليد الدائم إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى تسريع الاحترار، ما يؤدي إلى تسريع الذوبان، ويتسبب ذوبان الأنهار الجليدية في ارتفاع مستويات سطح البحر بشكل أسرع وأقوى.
بالإضافة إلى ذلك، تشكّل التنمية الاقتصادية في القطب الشمالي مخاطر على السكان الأصليين والتنوع البيولوجي، خصوصًا في حالة استخراج الوقود الأحفوري، إذ يتغيّر المناخ بصورة أسرع مما يستطيع البشر التكيف معه.
وتعهّدت روسيا، التي كانت تنتج النفط البحري في القطب الشمالي منذ عقد من الزمان، في إستراتيجيتها في القطب الشمالي بزيادة الإنتاج البري والبحري حتى عام 2035، على الرغم من تعليق خططها الأكثر طموحًا بسبب العقوبات.
وعلى الرغم من موافقة الولايات المتحدة -مؤخرًا- على مشروع ويلو النفطي بقيمة 8 مليارات دولار في البر الرئيس لألاسكا، فإنها تقيد تأجير حقول النفط البحرية في مياه القطب الشمالي.
وتمتلك النرويج حقولًا بحرية فوق الدائرة القطبية الشمالية، لكن محاولتها ترخيص استكشاف نفط جديد في بحر بارنتس تواجه تحديات قانونية.
في عام 2021، ألغت غرينلاند خططًا للتنقيب عن النفط في المستقبل، قائلة إن التداعيات المناخية كانت كبيرة جدًا، وفقًا لما نشرته وكالة بلومبرغ (Bloomberg) في 5 مايو/أيار الجاري.
اقرأ أيضًا..
- أسعار الوقود في مصر.. 3 أسباب دفعت الحكومة لزيادة "السولار"
- وكالة الطاقة الدولية تتوقع استمرار شح إمدادات الغاز الطبيعي في 2023
- شبكة الطاقة المتجددة في بحر الشمال.. مشروع بريطاني لكهربة حقول النفط والغاز