غازالتغير المناخيتقارير التغير المناخيتقارير الغازرئيسية

حرق الغاز في المكسيك يكشف عن تورط الحكومة في أزمة الجريدة الرسمية (تقرير)

وزارة الطاقة حاولت منع النشر 7 أشهر

عمرو عز الدين

فتحت مشكلة حرق الغاز في المكسيك النيران على مسؤولي وزارة الطاقة المكسيكية، بعد أن كشفت وثائق عن تورطها في فضيحة الضغط على الجريدة الرسمية في البلاد لمنع نشر قواعد جديدة تستهدف شركة النفط الحكومية بيمكس.

وأظهرت وثائق -حصلت عليها وكالة رويترز- محاولات حثيثة من وزارة الطاقة المكسيكية لتعطيل نشر قواعد بيئية جديدة أصدرتها الجهة المنظمة لانبعاثات الكربون في البلاد وأرسلتها إلى الجريدة الرسمية للنشر.

يُعَد النشر في الجريدة الرسمية الخطوة القانونية الأخيرة لدخول القوانين والتشريعات واللوائح والإجراءات حيز النفاذ في أغلب النظم القانونية والبيروقراطية في العالم.

9 مراسلات داخلية

تضم الوثائق 9 مراسلات داخلية، و6 رسائل، وبريدًا إلكترونيًا واحدًا أُرسِلَ بين وزارتي الطاقة والداخلية والهيئة المنظمة لانبعاثات الكربون في المكسيك (سي إن إتش).

وتحمل الوثائق والرسائل تواريخ مختلفة في نطاق المدة بين 17 فبراير/شباط و17 يونيو/حزيران 2022، وفقًا لتفاصيل اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

وطلب المسؤول الكبير بوزارة الطاقة المكسيكية، خورخي أريفالو، من الجريدة الرسمية عدم نشر القواعد المعدلة بناء على تعليمات عليا غير محدد أشخاصها، وفقًا لمراسلة أولى مؤرخة في 17 فبراير/شباط 2022.

وتضمّنت الرسالة إشارة إلى أن القواعد الجديدة التي تستهدف التصدي لمشكلة حرق الغاز في المكسيك ستضر بصورة بالغة بعمليات شركة النفط الحكومية بيمكس، وستسبب لها خسائر لا يمكن تعويضها عبر إلزامها بضخ إنفاق ضخم على بنيتها التحتية دون جدوى.

كما أشارت رسالته إلى الأهمية الإستراتيجية القصوى التي توليها الحكومة المكسيكية الحالية لإنقاذ قطاع النفط المكسيكي من التدهور ليتمكن من المشاركة في التنمية الوطنية مرة أخرى، وبصورة قوية كما كان في السابق.

تعليمات عُليا

لم تستطِع رويترز الوصول إلى مصدر التعليمات العليا، وإلى أين يصل مداها في دواليب السلطة التنفيذية بالبلاد، كما لم يستجِب خورخي أريفالو لطلب التعليق على مراسلته.

أفاد خبيران قانونيان -اطلعا على الوثائق- بأن وزارة الطاقة المكسيكية تجاوزت حدودها الإدارية والقانونية في هذه المطالبة؛ إذ ينص القانون المكسيكي على استقلالية الجهة المنظمة في وضع القواعد الفنية المنظمة للقطاع.

وقال المحامي المتخصص في نزاعات الطاقة، سانتياغو أروير، إنه لا يوجد كيان لديه سلطة إعاقة أو تأخير نشر التشريعات أو الإجراءات في الجريدة الرسمية، وإذا حصل ذلك فلا يمكن إدراجه إلا في إطار إساءة استعمال السلطة.

تعطيل الجريدة الرسمية 7 أشهر

حرق الغاز في المكسيك
صورة تعبيرية

يحدد القانون المكسيكي مدة النشر في الجريدة الرسمية -التي تقع تحت إشراف وزارة الداخلية- بـ15 يوم عمل من تاريخ تسلُّم القانون أو اللائحة أو الإجراءات التي تصدرها هيئات الدولة المكسيكية ومؤسساتها.

قدمت الهيئة المنظمة لانبعاثات الكربون في المكسيك (سي إن إتش) التعديلات لأول مرة في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، لكن نشرها لم يتم إلا في 23 يونيو/حزيران 2022؛ أي بعد 7 أشهر من إرسالها للنشر؛ ما يعد سابقة غير مألوفة عالميًا، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وأبدى مسؤول وزارة الداخلية، أليخاندور لوبيز، ارتباكه من وصول تعليمات متضاربة بالنشر وعدم النشر من قِبل وزارة الطاقة والجهة المنظمة، وفقًا لمراسلة مؤرخة في 2 مارس/آذار 2022.

كما حثَّ مسؤول الداخلية الطرفين على التوافق وتسوية الأمر بينهما، وتحديد موعد للنشر، وهو طلب كرره في مراسلة أخرى مؤرخة في 18 أبريل/نيسان 2022.

وزارة الداخلية ترفض التعليق

رفضت وزارة الداخلية الإدلاء بأي تعليق آخر حول كواليس تأجيل النشر، لكن مصدرًا بالهيئة المنظمة أكد لـ"رويترز" ممارسة وزارة الطاقة ضغوطًا على وزارة الداخلية لعدم نشر التغييرات في موعدها وتأجيلها لعدة أشهر.

قدمت الهيئة المنظمة لانبعاثات الكربون في المكسيك التعديلات لأول مرة في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وقالت الهيئة، وقتها، إن القواعد ستعالج مشكلة حرق الغاز في المكسيك وستُسهِم في ترشيد ممارسات القطاع لتصبح متوافقة مع أفضل الاشتراطات الصناعية السليمة في العالم.

وتتمتع الجهة المنظمة بصلاحيات تقييم واعتماد خطط الاستكشاف والإنتاج لجميع الشركات؛ بما في ذلك عملاق النفط الحكومي بيمكس؛ للتأكد من مراعاتها للمتطلبات البيئية ومعايير السلامة.

كما تلتزم الجهة -المفترض أنها مستقلة سياسيًا- بتنظيم السوق وحمايتها من صور التلاعب والممارسات الاحتكارية وغيرها، وفقًا للقانون المكسيكي.

واستهدفت التعديلات التي أدخلتها الجهة المنظمة على الإطار القانوني المنظم لقطاعات النفط والغاز، تشديد معايير التقييم الخاصة بخطط تطوير الحقول؛ بما في ذلك كيفية إدارة الغاز وحساب انبعاثاته الخارجة إلى الغلاف الجوي.

نفوذ بيمكس

تكشف كواليس المراسلات المعطّلة لنشر تعديلات الجهة المنظمة، عن حجم النفوذ الضخم الذي تحظى به أكبر شركة نفط حكومية داخل دوائر صنع القرار التنفيذي في البلاد.

ولم ترد وزارة الطاقة، ولا شركة بيمكس، على طلبات التعليق من رويترز، بخلاف ما كشفت عنه الوثائق من إلحاح الوزارة على تخفيف الاشتراطات البيئية الملزمة لشركات النفط والغاز.

كما لم ترد وزارة الداخلية على طلبات الوكالة الإخبارية المتخصصة ومقرها كندا، للاستفسار عن كواليس الموضوع، بوصفها المشرفة على إصدار الجريدة الرسمية.

وسبق أن وثّقت رويترز انتهاكات المكسيك لتعهداتها الدولية بخفض الانبعاثات، وتساهلها مع مشكلة حرق الغاز في حقول النفط بصورة مفرطة زائدة عن المعايير العالمية، كما وثّقت نكوص شركة بيمكس عن وعودها والتزاماتها السابقة بالإنفاق على البنية التحتية وتطويرها.

حرق الغاز في المكسيك
أندريس مانويل رئيس المكسيك

دعم رئاسي لشركة بيمكس

تعهّد الرئيس المكسيكي الحالي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادوا، بإحياء ثروات شركة بيمكس تحت شعار محلي "بتروليوس ميكسيكانوس"، بعد سنوات من ضعف إنتاجها وتراكم ديونها حتى أصبحت أكبر شركة نفط مدينة في العالم.

وتتعرض المكسيك لضغوط متصاعدة من الولايات المتحدة الأميركية؛ لإلزامها ببذل خطوات جادة في خفض حرق الغاز وانبعاثات الميثان، بوصفها ثاني أكبر مصدر للانبعاثات الناتجة عن حرق الغاز في العالم.

حاول الرئيس أندريس مانويل لوبيز تهدئة مخاوف الولايات المتحدة -مؤخرًا- عبر تعهده، خلال مؤتمر المناخ الأخير في شرم الشيخ المصرية (كوب 27)، بالتزام بلاده بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وارتفع معدل حرق الغاز في المكسيك، تحت إدارة الرئيس لوبيز، إلى أعلى مستوياته منذ بدء السجلات الرسمية في البلاد، ولم يرد مكتب الرئيس على طلبات رويترز للتعليق.

تخلف الشركة عن وعودها

إزاء هذه الضغوط، أعلنت بيمكس، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تعهدها بتطوير البنية التحتية لحقول النفط والغاز ومحطات المعالجة وفق خطة تستهدف ضخ 2 مليار دولار استثمارات في هذه المجال.

تمثل هذه الخطة ثاني تعهّد تقطعه الشركة على نفسها منذ عام 2016، ويترقب أنصار المناخ وفاء الشركة المكسيكية بتعهدها هذه المرة، وسط مخاوف من تكرار التنصل للخطة في منتصف الطريق كما حدث سابقًا، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

كانت بيمكس قد وقّعت اتفاقًا في نهاية عام 2016، مع هيئة الاستثمار الحكومية، لمعالجة مشكلة حرق الغاز الزائد عن الحد في حقول النفط والغاز الرئيسة في المكسيك.

كما وعدت الشركة آنذاك بتخصيص 3 مليارات دولار لهذا الهدف، لكنها لم تنفذ وعودها؛ ما دفع المراقبين لتفسير تعهدها بالرغبة في تجنب تراكم الغرامات الموقعة على الشركة من هيئات السلامة البيئية في البلاد.

وتحاول شركات الوقود الأحفوري التهرب من الإنفاق على تقنيات التقاط الميثان ومعالجته؛ لارتفاع تكلفته، مقارنةً بانخفاض تكلفة عمليات التخلص منه خلال حرق الغاز المصاحب.

ترفض بيمكس -التي تنتج 40% من إجمالي النفط المكسيكي- التقارير التي تشكّك في خططها لمعالجة مشكلة حرق الغاز وخفض الانبعاثات، وتقول إنها تبذل جهودًا كبيرة لمعالجة هذه الظواهر.

تعهد دولي بمشاركة 33 دولة

وقّعت المكسيك تعهدًا دوليًا بخفض حرق الغاز الروتيني إلى الصفر بحلول عام 2030، وهو تعهُّد شاركتها في التوقيع عليه 33 دولة و51 شركة حول العالم، بدعم من البنك الدولي.

ورغم توقيع المكسيك هذا التعهد؛ فإن معدلات حرق الغاز في الحقول النفطية سجّلت مستويات قياسية خلال عام 2021، وفقًا لتحليل صور أقمار صناعية لحقول المكسيك.

تؤكد نتائج التحليل الأولية انخفاض الاحتراق بصورة طفيفة خلال الأشهر الـ7 الأولى من عام 2022، لكنها ما زالت بالقرب من المستويات القياسية المسجلة خلال 2012.

وتتفق هذه النتائج مع تحليل سابق رصد ارتفاع معدلات حرق الغاز بنسبة 12% إلى 5.8 مليار مكعب في عام 2020، إلى 6.5 مليار مكعب في 2021.

ولا تنشر شركة النفط الحكومية بيمكس بيانات دورية عن حرق الغاز المصاحب في حقول النفط الـ3 المكونة لمنطقة كو مالوب زاب، لكن بعض التقارير الصادرة عن الجهات المنظمة تؤكد ارتفاع معدلات الحرق بصورة كبيرة منذ عام 2018.

وتقول الهيئة المنظمة لانبعاثات الكربون في المكسيك (سي إن إتش) إن شركة النفط الحكومية أهدرت 37.7% من الغاز الناتج عن حقل كو فقط (أحد الحقول الثلاثة)، وذلك من خلال عمليات الإحراق ومشكلات تنفيس الآبار وخطوط الأنابيب.

حرق الغاز في المكسيك
حرق الغاز بأحد حقول النفط المكسيكية - الصورة من رويترز

الهدر لا يزيد على 2%

يلتزم المنتجون في المكسيك بألا يزيد حدّ الهدر في احراق الغاز على نسبة 2%، إلا أن بعض العلماء قد رصدوا معدلات هدر أعلى في حقول النفط المكسيكية.

وارتفعت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من قطاع النفط والغاز المكسيكي إلى 373.8 مليون طن في عام 2021، بنسبة نمو 4.8% مقارنة بنتائج العام السابق 2020.

وتخطط المكسيك لخفض الانبعاثات بنسبة 22% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات (2005)، كما تأمل في أن تزيد هذه النسبة إلى 50% بحلول عام 2050.

وتتمتع المكسيك -رابع أكبر منتج للنفط في الأميركيتين- باحتياطيات نفط ضخمة بلغت 5.99 مليار برميل بنهاية عام 2021، كما تمتلك احتياطات غاز تصل إلى 6.88 تريليون قدم مكعبة مؤكدة بنهاية عام 2021، وفقًا لتقديرات أويل آند غاز جورنال.

ورغم هذا الحجم الضخم من الاحتياطيات؛ فإن إنتاج البلاد من النفط والغاز ما زال ضعيفًا؛ ما يضطر المكسيك لاستيراد المنتجات النفطية، فضلًا عن كونها مستوردًا صافيًا للغاز الطبيعي، وفق البيانات التي رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق