رئيسيةتقارير منوعةمنوعات

قطاع المناجم في جنوب أفريقيا مهدد بضرائب الكربون المحلية والأوروبية (تقرير)

واشتعال أسعار الطاقة تهديد إضافي

عمرو عز الدين

يواجه قطاع المناجم في جنوب أفريقيا -أكبر بلد منتج للانبعاثات في القارة السمراء- تحديات مزدوجة بسبب ضرائب الكربون المحلية والأوروبية، التي من المقرر زيادتها على الشركات العام المقبل (2023).

ويعاني القطاع من ارتفاع تكاليف تشغيل معدّات التعدين التي تعمل بالديزل غالبًا، وهو أحد مشتقات الوقود الأحفوري التي تتعرض بدورها لهجوم حادّ من نشطاء البيئة والمناخ في جنوب أفريقيا والعالم، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

واستحوذت تحديات قطاع المناجم في جنوب أفريقيا على فعاليات المؤتمر الدوري لمجلة إي إس آي أفريكا (esi-africa) الجنوب أفريقية، والذي انعقد في مدينة كيب تون في 28 نوفمبر/تشرين الثاني (2022).

واهتم بعض المشاركين بالتركيز على ارتفاع تكاليف التشغيل واستحواذها على جزء كبير من الإنفاق العام لشركات التعدين، بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز ومشتقاتهما المستعملة بتشغيل معدّات المناجم في جنوب أفريقيا.

تكاليف التشغيل 35%

كانت الشركات تنفق 5% من إجمالي دخلها على تشغيل المناجم قبل 10 سنوات، أمّا الآن فقد ارتفعت التكلفة إلى 35%، بسبب اشتعال أسعار النفط والغاز عالميًا.

وتمثّل هذه التكلفة عبئًا ضخمًا على قطاع المناجم في جنوب أفريقيا، المعوّل عليه في توفير أغلب احتياجات الدولة من الكهرباء بأسعار معقولة، وفقًا للمتحدث باسم جمعية تخزين الطاقة جواني دين.

قطاع المناجم في جنوب أفريقيا
أحد مناجم جنوب أفريقيا-الصورة من ووال ستريت جورنال

ومن المتوقع أن تزيد هذه الأعباء على قطاع المناجم وسط توقعات متشائمة باستمرار ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا خلال السنوات المقبلة، في ظل حالة من عدم اليقين بالأوساط الاقتصادية العالمية، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

ورصد مشاركون في المؤتمر تداعيات خفض البصمة الكربونية وضرائب الكربون المحلية والأوروبية على قطاع المناجم في جنوب أفريقيا بوصفها تمثّل تحديًا مركبًا يحاصر القطاع من الداخل والخارج.

و"البصمة الكربونية" هي مصطلح متداوَل في مجال البيئة منذ تسعينيات القرن الماضي، ويعني حجم ثاني أكسيد الكربون المنبعث في الغلاف الجوي، سواء من أنشطة الأفراد أو الشركات أو المنظمات أو الدول.

وتضغط شركات الوقود الأحفوري على مقولة مسؤولية الفرد عن البصمة الكربونية المعاصرة إلى جانب الشركات، كما تمارس ضغوطًا على الحكومات في اتجاه عدم سَنّ قوانين أو تشريعات تحدّ من قدرتهم على ممارسة الأنشطة النفطية بصورة كبيرة.

ولا تتوقع وكالة الطاقة الدولية خفض انبعاثات الكربون بنسبة أكبر من 4%، إذا ما خفض الأفراد من أنشطة السفر بالطيران أو استعمال السيارات، بينما تتوقع خفضًا بنسبة 40% من جانب الشركات في صورة تخلٍّ عن مشروعات ملوثة، والإقدام على مشروعات الطاقة المتجددة بحلول 2050.

ارتفاع ضرائب الكربون 2023

أقرّت جنوب أفريقيا في مايو/أيار (2019) قانون ضرائب الكربون الذي ستُفرَض بموجبه ضريبة على الشركات المسببة لانبعاثات الكربون في البلاد، لإلزامها بالتحول إلى الطاقة النظيفة بطريقة أو بأخرى.

ودخل القانون حيز النفاذ بداية من يونيو/حزيران (2019)، إذ فرض -حينها- ضريبة مبدئية بقيمة 120 راند جنوب أفريقي لكل طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وانتُقدت هذه الضريبة في وقتها من قبل نشطاء البيئة والمناخ بوصفها متدنية، مقارنة بحجم المخاطر البيئية الناشئة عن انبعاثات شركات الوقود الأحفوري، إذ نصَّ قانون الضريبة على إعادة النظر في شرائحها كل عام حتى 2022، على أن يبدأ تطبيق زيادة تصاعدية كبرى بداية من عام 2023، وفقًا لما أعلنته وزارة الخزانة الجنوب أفريقية في فبراير/شباط (2022).

ويستهدف القانون شركات التعدين والفحم بصورة أساسية، إلى جانب شركات الوقود الأحفوري الأخرى العاملة في مجالات استخراج وإنتاج النفط والغاز في البلاد.

وتحتلّ جنوب أفريقيا المركز الـ12 في قائمة أكثر بلدان العالم تلويثًا للبيئة عالميًا، لاعتمادها على الفحم -أسوأ أنواع الوقود الأحفوري- في توليد أغلب احتياجاتها من الكهرباء بنسبة تتجاوز 80%.

التحصيل بما يعادل سعر الدولار

وفقًا للقانون الجديد، سيدفع المنجم ضريبة على حجم الانبعاثات الكربونية الناتجة عن استهلاك الديزل في عمليات التشغيل بداية من 2023.

كما سيبدأ تحصيل هذه الرسوم بما يعادل أسعار الدولار العالمية بعد عام 2025، في إشارة إلى ما ينتظر شركات المناجم من تكاليف باهظة، إذا لم تسارع إلى ترشيد عمليات التعدين باتجاه خفض البصمة الكربونية لكل شركة أو منجم.

بدأت بعض المناجم في أستراليا وكندا وجنوب أفريقيا تبني خططًا مختلفة لكهربة قطاعات التشغيل بالمناجم، عبر إحلال الكهرباء النظيفة محل الوقود الأحفوري المستعمَل تقليديًا في تشغيل معدّات التعدين.

تطالب كبرى شركات الطاقة والفحم والكيماويات في جنوب أفريقيا، مثل "إسكوم" و"ساسول ليمتد"، بإعادة النظر في قيمة الضريبة وسنوات نفاذها.

أزمة إسكوم تتفاقم

تواجه شركة إسكوم -أكبر مرفق حكومي منتج للكهرباء بنسبة 90%- عجزًا مزمنًا في ضمان استمرار تدفّق الكهرباء بصورة موثوقة ومستمرة لأغلب سكان البلاد، مما أدى إلى مشكلات واسعة بسبب تكرار انقطاع التيار في أغلب عموم البلاد.

وتواجه إسكوم أعطالًا متكررة في محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم بسبب تقادمها وافتقارها إلى الصيانة، كما تواجه مشكلات ديون ضخمة متراكمة عليها منذ سنوات طويلة.

وانقطع التيار الكهربائي أكثر من 100 يوم منذ يناير/كانون الثاني 2022، وحتى سبتمبر/أيلول الماضي، ما دفع عدّة مدن رئيسة، مثل: "كيب تاون" و"جوهانسبرغ" لطرح عطاءات مستقلة للحصول على إمدادات إضافية من الطاقة.

وألزمت إسكوم نفسها عبر خطط سابقة بإغلاق 47% من محطات الفحم في جنوب أفريقيا بحلول عام 2030، ما يعني ضرورة توفير 22 غيغاواط بديلة عبر مشروعات أخرى، أو تعريض البلاد لمزيد من الانقطاعات خلال السنوات المقبلة.

ضريبة الكربون الأوروبية

من هذه الزاوية، يجد قطاع المناجم في جنوب أفريقيا نفسه في مأزق مركب، إذ يُطلب منه تأمين إمدادات ضخمة من الكهرباء لتعويض عجز الشركة الوطنية إسكوم.

كما يجد نفسه في الوقت ذاته محاصرًا بقوانين محلية تشدد على خفض البصمة الكربونية، وتتوعد بفرض ضرائب كربونية متصاعدة ستعصف بعوائد القطاع وأرباحها، إذا لم يسارع في التأقلم عليها والامتثال لشروطها البيئية الصارمة.

بالإضافة لذلك، يواجه القطاع حصارًا من الخارج بخطّة أوروبية -هي الأولى من نوعها في العالم- تستهدف فرض ضرائب على شركات العالم النامي المنتجة للانبعاثات في بلادها.

قطاع المناجم في جنوب أفريقيا
ضرائب الكربون لحماية الكوكب-الصورة من فوربس

وتستهدف خطة الاتحاد الأوروبي المعروفة باسم "آلية تعديل حدود الكربون" (سي بي آيه إم) خفض انبعاثات الاحتباس الحراري بنسبة 55% بحلول عام( 2030).

وتشمل هذه الخطة إلزام الصناعات الرئيسة المسؤولة عن الانبعاثات في أوروبا بدفع ضريبة كربون أعلى بهدف إجبار كل شركات العالم على التحول إلى الطاقة النظيفة.

كما تشمل الخطة فرض ضرائب على وارادات الشركات المسببة للانبعاثات من خارج الاتحاد، لدفع مخاطر خفض تنافسية الشركات الأوروبية لصالح نظيرتها التي تستعمل الوقود الأحفوري في بلاد العالم الأخرى.

ويعني هذا أن الشركات المصدّرة للاتحاد الأوروبي ستدفع ضريبة كربون على صادراتها بحسب درجة إنتاجها للانبعاثات، مقارنة بالشركات الأوروبية التي تعمل في النشاط نفسه.

وتتوقع المفوضية الأوروبية أن تدخل هذه الخطة حيز التنفيذ بالكامل بداية من عام 2026، مما سيؤثّر في واردات جنوب أفريقيا وغيرها من الفحم والصلب والأسمنت والألومنيوم والأسمدة وغيرها.

قطاع المناجم متضرر

تمثّل الخطة الأوروبية ضربة مزدوجة لقطاع المناجم في جنوب أفريقيا من حيث اضطراره إلى إدخال تعديلات جذرية على عمليات التشغيل و المعالجة والإنتاج.

كما سيتعين على المناجم والشركات التي تتعامل مع الاتحاد الأوروبي أن تكون محددة للغاية على مستوي المعايير التي يجب الالتزام بها، إذا أرادت تصدير منتجاتها للخارج.

يقول المتحدث باسم جمعية تخزين الطاقة في جنوب أفريقيا جواني دين: "لقد أصبح المشترون يشترطون معايير أكثر تشددًا لضمان حصولهم على منتجات منخفضة الكربون، خلافًا لأوقات سابقة كان تركيزهم فيها منصبًا على ما ينتج من طاقة، أهم من أيّ عوامل بيئية أخرى".

وبدأت بوادر هذه المشكلة تطفو على سطح العلاقات التجارية بين جنوب أفريقيا وبعض الدول الأوروبية، التي باتت تلحّ على مسألة المعايير البيئية أكثر من أيّ وقت مضي.

وأشار بيان مشترك، صدر الأسبوع الماضي عن وزارتي الطاقة في جنوب أفريقيا والمملكة المتحدة، إلى هذه المشكلة في صورة اعتراف ضمني متبادل، إذ نصَّ على تعزيز التعاون في مجالات التعدين والطاقة.

ويشمل ذلك محادثات وزارية وفنية منتظمة بين وزارة الموارد المعدنية والطاقة في جنوب أفريقيا، ووزارة الأعمال والطاقة والإستراتيجية الصناعية في المملكة المتحدة.

ويقول البلَدان، إنهما سيعززان ما أسمياه "الاستكشاف المسؤول" للمعادن وتطويرها وإنتاجها ومعالجتها في جنوب أفريقيا الرائدة في مجال التعدين عالميًا.

%75 من معادن البلاتين والبلاديوم

تنتج جنوب أفريقيا 75% من معدن البلاتين عالميًا، كما تنتج 40% من معادن البلاديوم والإيريديوم المستعملة في إنتاج الهيدروجين الأخضر.

كما تنتج عناصر أخرى مثل الفانديوم والمنغسيوم المستعملة في صناعة البطاريات بصورة أساسية، إضافة إلى ريادتها في إنتاج النيكل والكوبالت وبعض العناصر الأرضية النادرة.

وسيشمل التعاون بين البلدين الاستثمار في المعادن الأساسية اللازمة لصناعات الطاقة النظيفة والتنمية الاقتصادية والتحول المناخي العالمي، إضافة إلى التعاون في تطوير التقنيات النظيفة، بما في ذلك تخزين البطاريات وتقنيات خلايا الوقود.

وكذلك يمتد التعاون إلى تعزيز الاستخراج المسؤول للمعادن وضمان استدامة صناعة التعدين وسلاسل التوريد من خلال التمويل والمعايير البيئية والاجتماعية وقواعد الحوكمة والجودة والشفافية والصحة والسلامة.

دعم مشروعات الطاقة الصغيرة

يخطط أعضاء مجلس المعادن في جنوب أفريقيا لتنفيذ مشروعات تستهدف توليد 6 آلاف و500 ميغاواط من الكهرباء من مشروعات الطاقة المدمجة أو الصغيرة.

ويمثّل هذا الرقم أكثر من 70% من إجمالي 800 ميغاواط يستهدف المجلس الوصول إليها عبر شركات القطاع الخاص، بهدف الإسهام في دعم الشبكة الوطنية وحلّ أزمة انقطاع التيار المستمرة.

وتطلق مشروعات الطاقة المدمجة على محطات الطاقة المتجددة الأصغر حجمًا المصنّفة بوصفها مشروعات مخططة للاستعمال الخاص، ولا تخضع لبرامج المشتريات الحكومية الرسمية، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وتنخرط في هذه الخطة 29 شركة تعدين خاصة لديها خطط لـ89 مشروعًا بقيمة إجمالية 100 مليار راند جنوب أفريقي (تعادل 17.12 مليار دولار).

ورفعت حكومة جنوب أفريقيا -مؤخرًا- حدّ إعفاء مشروعات الطاقة الصغيرة من الحصول على تراخيص إنتاج الكهرباء إلى 100 ميغاواط، في إطار خطة تستهدف تشجيع المبادرات الصغيرة في مجالات الطاقة المتجددة.

(الدولار=17.12 راندًا جنوب أفريقي).

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق