التقاريرتقارير الغازتقارير الهيدروجينرئيسيةروسيا وأوكرانياغازهيدروجين

الاحتجاجات الألمانية تتلاعب بمصير صفقة الغاز المسال مع كندا.. والهيدروجين يظهر بديلًا

شكوك حول قدرة كندا على تزويد ألمانيا بالهيدروجين الأخضر

هبة مصطفى

قلبت تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا قبل نحو 6 أشهر الخطط الأوروبية رأسًا على عقب، وبعد أن كان استمرار تلقّيها شحنات الغاز المسال ضربًا من الخيال في ظل الأهداف المناخية، بات الحديث عن مواصلة الاعتماد على الغاز والعودة إلى الفحم أمرًا مألوفًا لمسؤولي تلك البلاد.

وعلى الجانب الآخر، ما زالت مجموعات بيئية ونشطاء معنيون بشؤون المناخ يرون في الطاقة النظيفة حلًا سحريًا لإنهاء الاعتماد على إمدادات الطاقة من موسكو، من جهة، والوفاء بالالتزامات المناخية تجاه الحياد الكربوني، من جهة أخرى، بحسب ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وعقب قرار شركة غازبروم الروسية بخفض إمداداتها إلى أوروبا إلى مستوى 20% فقط من التدفقات المعتادة، بداية من 27 يوليو/تموز الماضي، زادت حالة الارتباك في ألمانيا، أكبر الاقتصادات الأوروبية.

وبحثت الحكومة عقد صفقات جديدة لاستيراد الغاز المسال، خاصة مع كندا، بينما انتشرت الاحتجاجات في شوارعها، وفق ما ورد في موقع سي بي سي (CBC.ca) الإلكتروني التابع لهيئة الإذاعة الكندية.

احتجاجات ألمانية

كان الموقف في ألمانيا على صفيح ساخن، إذ لم تجد برلين منفذًا أمامها لتعويض غياب الغاز الروسي، الذي كانت تعتمد عليه بقوة، سوى بمحاولة إيجاد بدائل ووجهات مختلفة لتلقّي وارداتها، لا سيما أن إنتاج الطاقة المتجددة حتى الآن لا يمكنه تلبية الطلب.

الغاز المسال
المحتجون ضد الغاز في ألمانيا ينصبون الخيام - الصورة من (CBC)

وفي ظل تلك المعطيات، سعت الحكومة الألمانية إلى إتمام صفقتها حول واردات الغاز المسال من كندا، وعلّقت عليها آمالًا ضخمة، غير أن معطيات طرأت على المشهد قد تنذر بعدم نجاح الاتفاق.

وشهدت الشوارع الألمانية انتشار المحتجين ضد ما أسموه عودة بلادهم إلى الاعتماد بقوة على الغاز والوقود الأحفوري؛ خوفًا من الانبعاثات المسبّبة لغازات الاحتباس الحراري.

وفي الوقت ذاته، وبالتزامن مع تلك الاحتجاجات، تجاهلت الزيارات الرسمية بين البلدين الحديث عن صفقة الغاز المسال، في حين انصبّ الاهتمام على تصدير كندا الهيدروجين إلى ألمانيا وقدرات البنية التحتية.

انتحار مناخي

طوال أسبوع كامل، احتشد المتظاهرون في هامبورغ قبالة أحد مواقع الغاز المسال، مطالبين بمواصلة العمل لتعزيز المجتمع المستدام، لا سيما أن الغاز في منظورهم ليس الحل الأمثل لأزمة الطاقة الأوروبية التي خلّفها الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقال أحد المحتجين، إن الاعتقاد الأوروبي في قدرة الغاز على إبقاء بلدان القارة دافئة خلال فصل الشتاء "كاذب"، ووصف المتظاهرون دعوة كندا لزيادة سعته بصفته بديلًا للإمدادات الروسية، ومواصلة استثماراته، بأنها "انتحار مناخي" يدفع نحو زيادة الانبعاثات.

ووسّع الرافضون لاستثمارات الغاز المسال -خاصة الصفقة مع كندا- من دائرة احتجاجهم، إذ انضم إلى مجموعة "إندي غيلاندي" 40 مجموعة إضافية، وبلغ عدد المحتجين من أنحاء أوروبا كافة في هامبورغ نحو 6 آلاف شخص.

وعكفوا جميعًا على بحث مسارات بديلة عن توسعات الغاز الطبيعي لحلّ أزمة الطاقة، رغم تمسُّك عدد من النشطاء بالمصادر المتجددة بديلًا وحيدًا يُجنّب ارتكاب جريمة مناخية، وفق وصف أحدهم.

أسعار الغاز والصفقة الكندية

في ظل تزامن أزمة الطاقة الأوروبية مع ارتفاع الأسعار بصورة عامة وأسعار الغاز بصورة خاصة، تطلعت شركات وحكومات عدّة إلى زيادة استثماراتها في الغاز المسال، من ضمنها كندا.

وخطا المنسّق الألماني للتعاون في منطقة المحيط الأطلسي، مايكل لينك، خطوات في هذا الشأن، وزار العاصمة الكندية أوتاوا؛ لبحث إمكان زيادة صادراتها إلى بلاده، لا سيما أن التعطش إلى إمدادات الغاز الطبيعي لا يتعلق بألمانيا فقط، بل امتد إلى إيطاليا وهولندا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، وفق قوله.

وتطرّق لينك إلى جانب مهم ضمن محادثات الصفقة في وقت سابق، يتعلق بتأهيل البنية التحتية لمحطات الغاز المسال، والتي قد تتطلب سنوات عدّة للعمل عليها، ورغم أن إطالة أمد التعاون في مجالات الغاز يتناقض مع الخطط المناخية، فإنه يُعدّ "ضرورة" في الآونة الحالية.

قدرات التصدير وتحديات الصفقة

تملك كندا بنية تحتية قوية، غير أن المباحثات استمرت لمدة طويلة؛ لمناقشة قدرتها على زيادة معدل الصادرات إلى أوروبا لتلبية الطلب، وفَور توارد الأنباء حول الصفقة الكندية-الألمانية لتعزيز صادرات الغاز المسال الأوروبية، شرعت شركات عدّة في إظهار قدرتها على زيادة الإنتاج، في حين اهتمت شركات أخرى بالحديث حول خطوط النقل.

الغاز المسال
ناقلة تحمل إمدادات الغاز المسال - الصورة من (Foreign Brief)

وبخلاف المتوقع، اصطدمت الصفقة بتحدٍ يتعلق بـ"مدة الاتفاق"، إذ إن تأهيل قطاع النفط والغاز الكندي لزيادة الصادرات يتطلب دعم الاستثمار وتطوير البنية التحتية، لكنه غير قادر على اتخاذ تلك الخطوات الجادة دون توقيع اتفاق طويل الأمد للشراء، طوال 20 عامًا.

وكانت ملامح الصفقة تشير إلى الاعتماد على 3 محطات تصدير: (محطة سان جون التابعة لشركة ريبسول الإسبانية في كندا، ومحطة سابقة لشركة بييرداي إنرجي، بالإضافة إلى محطة في غولد بورو).

ولم يقتصر الأمر على المنشآت والمرافق الكندية فقط، إذ إن برلين تحتاج إلى إجراء توسعات بمحطات الغاز المسال في مدينتي (فيلهمسهافن، وبرونسبوتل)، في غضون السنوات الـ8 المقبلة.

وواجهت الصفقة معارضة قوية من حزب الخضر الألماني، لا سيما أنه سبق أن أعلن هدفًا وطنيًا لخفض الانبعاثات بمعدل 65% بحلول نهاية العقد (2030)، والوصول للحياد الكربوني بحلول عام (2045).

وتتناقض تلك الخطط -التي تقضي بالتخلي عن الغاز في موعد أقصاه عام 2045- مع مدة اتفاقية الشراء التي حددها الجانب الكندي، بامتدادها 20 عامًا.

الهيدروجين.. هل يكون بديلًا؟

يستعد المستشار الألماني، أولاف شولتس، لزيارة تستغرق 3 أيام إلى كندا خلال المدة من 21 أغسطس/آب الجاري حتى 23 من الشهر ذاته، وتتزامن تلك الزيارة مع احتجاجات لنشطاء المناخ في هامبورغ، والحديث عن صفقة الغاز مع كندا، غير أن الأنباء حولها حملت مفاجأة.

فرغم أهمية صفقة الغاز المسال الكندي لألمانيا خلال مرحلة زيادة مستويات التخزين في فصل الصيف، استعدادًا لتلبية الطلب على الوقود والتدفئة الشتاء المقبل، فإن الإعلان الألماني حول الزيارة تجاهل الحديث حول صفقة الغاز.

ونشرت صحيفة "غلوب أند ميل" الكندية أن مسؤولي البلدين في طريقهما لتوقيع اتفاقية استكشافية لإنتاج الهيدروجين في كندا وتصديره إلى ألمانيا، بحسب ما نقلت عنها صحيفة كوربوريت نايتس (Corporate Knights).

الغاز الروسي

ومن المقرر أن تشمل مناقشات مسؤولي الجانبين سبل حماية أمن الطاقة، وتسريع وتيرة التحول عبر وسائل وموارد آمنة، أبرزها "الهيدروجين"، وقطاعات الطاقة النظيفة، كالسيارات الكهربائية، وغيرها.

وعادةً ما تُنتج كندا الهيدروجين الأزرق المعتمد على الغاز، وتكتفي خلال الحديث عن الهيدروجين إلى الإشارة له بصفته "هيدروجينًا نظيفًا"، غير أن ألمانيا تُفضّل الهيدرجين الأخضر المشتق عبر مصادر الطاقة المتجددة.

ومنذ سنوات عدّة، تُخصص برلين مقدّراتها التمويلية فيما يتعلق باقتصاد الهيدروجين نحو "الهيدروجين الأخضر".

وتشكّل الخريطة الإنتاجية الكندية للهيدروجين عائقًا جديدًا أمام ألمانيا لاستيراد الوقود النظيف، وفي المقابل يعدّ هذا التحدي فرصة جديدة أمام أوتاوا للاستفادة من مواردها الضخمة في الطاقة المتجددة، والتوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق