التقاريرتقارير الغازرئيسيةروسيا وأوكرانياغاز

هل تضمن خطط الغاز في ألمانيا النجاة من أزمة الإمدادات الروسية؟

مهلة 3 أشهر لتجنب أزمة الطاقة في الشتاء

هبة مصطفى

اقرأ في هذا المقال

  • خفض غازبروم تدفقات الغاز عبر نورد ستريم 1 إنذار بخطر وشيك
  • إجراءات حكومة شولتس لمواجهة أزمة الطاقة المرتقبة "بطيئة"
  • ألمانيا أمامها مهلة 4 أشهر فقط لإنقاذ مستوى التخزين قبل بداية الشتاء
  • زيادة أسعار الغاز لأكثر من 30% رفع أسعار الكهرباء إلى مستويات قياسية
  • مستوى التخزين بلغ 68% فقط حتى الآن.. هل يصل إلى 95% قبل بداية نوفمبر؟
  • شركات ألمانية عملاقة أبدت استعدادها للمشاركة في خطة خفض الاستهلاك
  • صندوق النقد الدولي يتوقع خسارة ألمانيا 220 مليار يورو إذا توقفت الإمدادات الروسية

ما زالت مستويات تخزين الغاز في ألمانيا لا ترقى لمستوى يؤهل أكبر الاقتصادات الأوروبية لمواجهة شتاء بارد خالٍ من الإمدادات الروسية، إذ إن معدل التخزين الذي تعهدت بالوصول إليه مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل ما زال يواجه تحديات.

ورغم أن خطط الاتحاد الأوروبي المعلنة -قبل أسبوع- ترمي إلى خفض استهلاك الغاز بدءًا من الآن، فإن برلين تحتاج إلى معدل خفض أكبر، لا سيما بعد أن خفضت شركة غازبروم تدفقاتها إلى ألمانيا عبر خط نورد ستريم 1 لأسباب وصفتها بأنها "فنية"، ما يزيد من صعوبة تعزيز مستويات التخزين، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وبالنظر إلى ردة فعل حكومة المستشار الألماني، أولاف شولتز، نجد أنها كانت "بطيئة" خلال رحلة تأمين إمدادات بديلة للغاز الروسي مقارنة بدول أوروبية أخرى، حسب تحليل نشرته بلومبرغ اليوم الإثنين 1 أغسطس/آب.

الإمدادات الروسية

لا ينبّئ المشهد السياسي بحلول وشيكة للحرب على أوكرانيا، وبالتبعية، قد تواصل موسكو الحفاظ على مستويات تدفق منخفضة إلى الدول الأوروبية خلال الأشهر المقبلة، ويزيد ذلك من معدل نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار في الوقت ذاته.

الغاز في ألمانيا
أحد العاملين في شركة غازبروم الروسية يتابع تدفّق الإمدادات - الصورة من (The Japan Times)

وتُشكّل روسيا أكبر مورّدي الغاز لدول الاتحاد الأوروبي، إذ تلبي ما يزيد عن 40% من الطلب، غير أن ّرد فعل موسكو على العقوبات المفروضة عليها من قبل أميركا والغرب دفع نحو استخدام إمدادات الطاقة بوصفها "سلاحًا" لمواجهة العقوبات.

ولعل أحدث تلك الخطوات قرار شركة غازبروم الروسية بفرض مزيد من الضغوط على احتياطيات الغاز في ألمانيا بخفض التدفقات عبر خط نورد ستريم 1 بنسبة إلى 20% من قدرته الاستيعابية فقط.

وبررت غازبروم حينها قرار الخفض بأنه جاء تحت نطاق اعتبارات فنية، إثر تعطُّل توربين أنتجته شركة سيمنس.

وأدى خفض تدفقات الغاز الروسي إلى ارتفاع أسعاره أوروبيًا لما يزيد عن 30% الأسبوع الماضي، ما ترتَّب عليه ارتفاع أسعار الكهرباء مسجِّلةً أرقامًا قياسية.

الاستجابة الألمانية

وقعت إمدادات الغاز في ألمانيا تحت ضغوط خفض الاستهلاك بصورة اضطرارية، لا سيما أن خطة برلين لتعزيز المخزونات منذ الحرب الأوكرانية كانت بطيئة إلى حدّ كبير، مقارنة بدول أوروبية أخرى.

وفي الآونة الحالية، بات أمن إمدادات الغاز في ألمانيا على المحك، إذ إن المهلة المتبقية أمامها لتعزيز مستوى التخزين قبيل زيادة الطلب مع دخول فصل الشتاء باتت وشيكة، وتُقدَّر بنحو 3 أشهر فقط حتى مطلع نوفمبر/تشرين الثاني.

وعادة ما تلجأ الدول الأوروبية لتعزيز مخزونات الغاز خلال شهور فصل الصيف، ورغم أن دولًا أوروبية عدّة خطت خطوات مهمة في ذلك، وبعضها أنجز مهمته بنجاح، حسبما أعلنت سويسرا قبل يومين، إلّا أن ألمانيا بدأت -فقط- بالآونة الحالية إجراءات خفض الاستهلاك.

وكانت البداية من القصر الرئاسي الذي خفتت أضواؤه ليلًا، في حين عكفت مدن ألمانية على خفض معدل الإضاءة وتسخين المياه، وعمّت حالة من الاستنفار في البلديات المحلية بإعداد موائل تدفئة للحماية من قسوة برد الشتاء.

ورغم أن حرارة الصيف ما زالت في أوجها، فإن المهلة المقدَّرة بنحو 3 أشهر لتعزيز مستوى تخزين الغاز في ألمانيا تحاصر الجهود الحكومية قبل فصل الشتاء، الذي بات كابوسًا يهدد القارّة العجوز عمومًا، وألمانيا خصوصًا.

بدائل طارئة

بالقياس على الدول الأوروبية، نجد أن ألمانيا -بوصفها أكبر اقتصادات القارة العجوز- المتضررة الكبرى من الضغوط الروسية على إمدادات الغاز، ما يتطلب استعدادات بصورة تفوق بقية الدول، لكن الواقع جاء مخالفًا لتلك الآمال.

الغاز في ألمانيا
مرافق لتخزين الغاز - الصورة من (CNN)

ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، نهاية فبراير/شباط الماضي، لم تعلن الحكومة الألمانية أهدافًا واضحة تضمن خفض الطلب إلّا قبل أيام قليلة، دون الإفصاح عن خطط توفير إمدادات بديلة.

واللافت للنظر أن التباطؤ الألماني في مواجهة نقص الإمدادات الروسية تزامن مع محاولة فرنسا الاستمرار في تصدير الكهرباء للدول المجاورة، رغم تعثرات الإنتاج التي تشير إلى إمدادات غير مضمونة في ظل أعطال فنية لمحطات الطاقة النووية.

وقال وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، ردًا على ما أثير حول تحميل المستهلك فارق زيادة أسعار الكهرباء الناجم عن ارتفاع أسعار الغاز ونقص إمداداته، إن برلين تواجه تحديات ضخمة، منتقدًا خفض غازبروم لتدفقاتها.

وكانت الحكومة الألمانية قد لجأت إلى إعادة تشغيل محطات الكهرباء العاملة بالفحم، رغم الخطط والجهود المناخية، ومن ضمن البدائل المطروحة أيضًا إمكان إعلان حالة الطوارئ التي تمكّن الحكومة من التحكم بإمدادات الغاز في ألمانيا.

خسائر وشيكة

على الصعيد المحلي، تسببت المستويات المرتفعة لأسعار الغاز في ألمانيا نحو دفع فواتير الكهرباء إلى مستويات غير مسبوقة، ودخل واحد ضمن كل 4 أشخاص -حتى الآن- ضمن نطاق شرائح "فقر الطاقة"، وفق بيانات معهد كولوغن للأبحاث الاقتصادية.

ويزيد ذلك من الأعباء الحكومية، إذ تعكف حاليًا على إعداد برامج دعم للأسر منخفضة الدخل.

ومن ضمن السيناريوهات التي يحذّر منها محللون إمكان تسبُّب نقص إمدادت الغاز في ألمانيا بتوقُّف بعض المرافق، وانخفاض الطلب الصناعي على الوقود بنسبة 17%، إذا استمرت تدفقات خط نورد ستريم 1 عند مستوى 20% المنخفض.

ووصفت محللة الأبحاث في وود ماكينزي، بيني لينك، أن خفض غازبروم لتدفقاتها من الآن يدفع إمدادات الغاز في ألمانيا لمواجهة مرحلة الخطر، بتأثيرها في مستويات التخزين.

وقُدِّر مستوى تخزين الغاز في ألمانيا -حتى الآن- بنحو 68%، غير أن التوقعات تشير إلى انخفاض هذا المستوى، خاصةً بعد قرار غازبروم فيما يتعلق بتدفقات نورد ستريم 1.

ويبدو أن الهدف الحكومي بالوصول إلى مستوى تخزين الغاز في ألمانيا لما يقارب 95%، بحلول مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، بات مشكوكًا به في ظل مستوى التدفقات الحالي.

وبالنظر إلى نطاق أوسع في أوروبا بالكامل ودول قارة آسيا أيضًا، قد يدفع نقص الإمدادات إلى تكالب الصراع بين شركات الطاقة على إمدادات الغاز المسال الواقعة تحت قيود فعلية منذ مدة.

شركات تسهم في الخفض

نظرًا لكون قطاع الشركات والمؤسسات غير بعيد عن المشهد، بل قد يُعدّ ضمن كبار مستهلكي إمدادات الغاز في ألمانيا، أبدت 16% شركة صناعية ضمن 3 آلاف و500 شركة استعدادها للمشاركة في خطة خفض الاستهلاك.

الغاز في ألمانيا
مضخات غاز في ألمانيا - الصورة من (BOL News)

وأعلنت شركة "باسف" الألمانية، وأحد عمالقة قطاع الكيماويات، أنها تسعى لخفض استهلاك الغاز في عمليات إنتاج الأمونيا المكوّن الرئيس لتصنيع الأسمدة، لا سيما أن ارتفاع تكلفته يخفض من الأرباح المتوقعة.

وتخطط عملاق الكيماويات الألماني إلى استبدال إنتاج الكهرباء والبخار بصورة جزئية بزيت الوقود، ما يسهم في إمكان إعادة بيع الغاز إلى الشبكة.

وكان صندوق النقد الدولي قد قدّر حجم تأثّر ألمانيا بتوقف إمدادات الغاز الروسي بنحو خسارتها 4.8% من الناتج الاقتصادي، بما يعادل 220 مليار يورو، بجانب افتقار برلين لقدرتها التنافسية المعهودة.

(1 يورو = 1.3 دولارًا أميركيًا)

ومن جانب آخر، وجد رئيس وزراء ولاية ساكسونيا الألمانية، مايكل كريتشمر، ضالّته للخروج من أزمة الطاقة الوشيكة في الدعوة إلى تجميد الحرب الأوكرانية وتقبُّل الانتصار الروسي، مع أن غالبية استطلاعات الرأي الشعبية تساند كييف، رغم أسعار الطاقة المرتفعة.

وتزيد المخاوف من اتساع رقعة الداعين لتقبُّل الانتصار الروسي في أوكرانيا، للخروج من أزمة طاقة خانقة قد تغير ملامح القارة العجوز خلال فصل الشتاء المقبل.

هل تنجو ألمانيا؟

يعكس اضطراب قدرة الحكومة للسيطرة على إمدادات الغاز في ألمانيا مخاوف متزايدة لدول القارة العجوز الأقلّ تقدمًا من أكبر الاقتصادات الأوروبية، لا سيما أن حكومة المستشار أولاف شولتس لم تأخذ مخاطر نقص قدرات تخزين الغاز بجدّية منذ انتخابها.

واستفاقت برلين على واقع مرير قبيل حرب أوكرانيا منذ 5 أشهر، ومنذ ذلك الحين تغيَّر المشهد من علاقات قوية تجمعها مع موسكو إلى طرف في النزاع الأوروبي-الروسي، بعدما قررت ألمانيا تجميد مشروع نورد ستريم 2.

وبالنظر إلى حجم تباطؤ حكومة شولتس في الاستجابة لخطط خفض استهلاك الغاز في ألمانيا، لم يعد أمام برلين خيارات سوى طلب الدعم الأوروبي لتنويع مصادر الطاقة، واتّباع خططه الرامية إلى خفض الاستهلاك بصورة سريعة.

وفي ظل تزايد طلب القطاع الصناعي والطلب على التدفئة مع انخفاض مستوى تخزين الغاز في ألمانيا، تتعلق الآمال بصورة نسبية بتوسعات البنية التحتية للغاز المسال التي تجري على قدم وساق، لكن في المقابل لا تشير التوقعات إلى إمكان الاستفادة من إنتاج محطات استقبال إمدادات الغاز في وقت قريب.

الغاز الروسي

الموقف الأوروبي

اعتمد قادة أوروبيون -عقب الغزو الروسي لأوكرانيا- على حجم التطور في مجالات الطاقة المتجددة، والتخلص من الوقود الأحفوري، كونه مسارًا يدعم الاستغناء عن إمدادات الطاقة الروسية، في تصوّر بعيد -إلى حدّ ما- عن الواقع.

واتهمت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، روسيا بممارسة الابتزاز ضد دول أوروبا، ببدء تخفيض "متعمّد" لإمدادات الغاز قبيل أشهر من الحرب الأوكرانية، بدأ منذ الشتاء الماضي.

ودعا الاتحاد الأوروبي إلى خفض استهلاك الغاز بنسبة 15% في فصل الشتاء المقبل، إذا أوقفت موسكو إمداداتها بصورة كاملة.

ورغم أن إيطاليا كانت تعتمد أيضًا على الغاز الروسي بما يزيد عن نصف إمداداتها، فإنها اتخذت خطوات سريعة منذ بدء الحرب، ولجأت إلى الغاز الجزائري والقطري مصدرًا بديلًا للإمدادات، ما يزيد من حجم الاتهامات الموجّهة إلى ألمانيا بالتباطؤ في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنّب أزمة طاقة خانقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق