تقارير النفطأخبار منوعةالتقاريررئيسيةمنوعاتنفط

سرقة النفط في نيجيريا.. الحكومة تعترف بخسارة معركتها ضد اللصوص

وتوقعات بخسارة 6 مليارات دولار في 2022

مي مجدي

"خسرنا 3.5 مليار دولار في 2021 بسبب سرقة النفط في نيجيريا".. هكذا أعلنت الدولة خسارة معركتها ضد لصوص الذهب الأسود، إذ تواصلت أزمة سرقة الخام، التي تعكّر صفو الاقتصاد النيجيري بأكمله، حتى مع ارتفاع الأسعار فوق 90 دولارًا للبرميل.

وحال عدم اتخاذ التدابير اللازمة، تخاطر عملاق أفريقيا في إنتاج النفط بخسارة 6 مليارات دولار بسبب أعمال النهب والسرقة في عام 2022.

ويُعدُّ النفط محركًا رئيسًا للاقتصاد النيجيري، لذا يبقى التحدي الأصعب الذي تخوضه البلاد -حاليًا- هو السيطرة على خسائرها النفطية واحتياطيات النقد الأجنبي وأزمة هروب المستثمرين.

سرقة النفط الخام في نيجيريا

تمتلك نيجيريا باعًا طويلًا من المعاناة مع أزمة سرقة النفط المكرر، وما زالت تتجرع مرارة نهب مواردها منذ عام 1988، عندما أعلن وزير النفط آنذاك أن بلاده تخسر نحو 10 ملايين دولار سنويًا، بسبب سرقة النفط، ومنذ ذلك الحين تفاقمت المشكلة.

وفي عام 2019، أصدرت مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية في نيجيريا تقريرًا يوضح أن عضو أوبك فقدت قرابة 138 ألف برميل يوميًا من النفط الخام، بسبب السرقة على مدى السنوات الـ10 الماضية، بقيمة 40.06 مليار دولار أميركي.

سرقة النفط
عامل داخل مصفاة نفط غير قانونية بولاية بايلسا النيجيرية- الصورة من موقع نيويورك تايمز

وانتهى عام 2021 بتقرير يفيد بأن نيجيريا شهدت عجزًا بنحو 200 مليون برميل من النفط الخام في 11 شهرًا، وقدَّرت الحكومة الفيدرالية خسائرها بسبب سرقة النفط بنحو 3.5 مليار دولار أميركي، أو قرابة 10% من الاحتياطيات الأجنبية للبلاد.

وانخفضت الاحتياطيات -أيضًا- خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي بمقدار 481 مليون دولار، من 40.50 مليار دولار في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2021 إلى 40.04 مليار دولار.

وأصبحت سرقة النفط في نيجيريا أسهل من قبل، نتيجة تقادم البنية التحتية، مثل خطوط الأنابيب التي تسهّل على اللصوص الوصول إلى النفط الخام.

بالإضافة إلى ذلك، أدى نقص الاستثمار في القطاع وانعدام الأمن في الممرات المائية للبلاد دورًا في تفاقم المشكلة، حتى إن بعض الأجهزة الأمنية تتواطأ مع العصابات للحصول على الرشاوى.

ويأتي ذلك في وقت تأمل فيه نيجيريا تلبية حصة أوبك البالغة 1.701 مليون برميل يوميًا من الخام لشهر فبراير/شباط، لكن هذه الجرائم تزيد الأمر صعوبة.

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، أنتجت نيجيريا قرابة 1.25 مليون برميل يوميًا، ويبرهن ذلك معركتها الضارية التي تخوضها لتحقيق هذا الهدف.

علاوة على ذلك، أدى انتشار سرقة النفط إلى هروب المستثمرين العالميين، واتّجه عمالقة النفط إلى الاستثمار في أسواق أكثر موثوقية.

وسحبت شركات شل وإكسون موبيل وشيفرون وتوتال إنرجي استثماراتها في العديد من الأصول البرية لاستمرار سرقة النفط، رغم أن نيجيريا هي أكبر منتج في أفريقيا.

انخفاض احتياطي النقد الأجنبي

 توني إلوميلو
رجل الأعمال توني إلوميلو- أرشيفية

عندما يمثّل النفط الخام الدعامة الأساسية للاقتصاد، يعني ذلك أن الدولة تحقق الكثير من العملات الأجنبية من خلال مبيعات النفط، فكلما ارتفعت أسعار النفط زادات الإيرادات التي تحققها الدولة، والعكس صحيح، لكن نيجيريا لم تستفد من ارتفاع الأسعار.

وفي هذا الشأن، وجّه رجل الأعمال رئيس المصرف المتحد لأفريقيا، توني إلوميلو، انتقادات حادة للحكومة الفيدرالية خلال الأيام الماضية، حسب موقع "بيزنس هالمارك".

وقال: "من المؤسف أن بمقدور الدول الأخرى المنتجة للنفط التمتع بذروة الأسعار، في حين لم تستفد احتياطيات النقد الأجنبي في نيجيريا من ذلك".

وطرح رجل الأعمال النيجيري، بحسابه الشخصي في تويتر، العديد من النقاط المتعلقة بسرقة النفط في نيجيريا، قائلاً: "عمليات السرقة السافرة في وضح النهار تستنزف احتياطياتنا من النفط، ويجعلني ذلك أتساءل: ماذا كان سيحدث لو لم تتوافر الحماية لهؤلاء المجرمين؟".

وتابع: "قبل أسبوعين من لقائي بكبار الضباط في مقرّ الدفاع، أثرتُ موضوع سرقة النفط وحالات الطوارئ المطبّقة في البلاد".

وقال: "خلال العام الماضي وحده، خسرتْ نيجيريا أكثر من 3.5 مليار دولار من عائداتها بسبب سرقة النفط الخام، لكن تخيّل لو أُضيفت هذه المبالغ إلى الخزائن الوطنية أو استخدامها لتعزيز تسهيلات البنك المركزي بهدف جذب الاستثمار في سلاسل القيمة للغاز".

ودعا رجل الأعمال النيجيري الحكومة إلى إيجاد حلّ فعّال للتصدّي لسرقة النفط في نيجيريا، موضحًا أنه لا يوجد وقت أفضل من الوقت الراهن لجني ثمار الثروات الطبيعية، لا سيما أن العالم يتجه نحو الطاقة المتجددة.

وقال: "إذا لم تتخذ نيجيريا خطوة الآن، إذ ما يزال نفطنا ذو قيمة، فقد نفوّت فرصة أخرى لانتشال شعبنا من الفقر".

المخاطرة بمزيد من الخسائر

يبشّر انخفاض الإيرادات في نيجيريا بسيناريوهات قاتمة، والمخاطرة بمزيد من الخسائر وعدم الاستقرار خلال العام الجاري، إذ يرى المحلل السياسي، أوغوجي إيغبوجو، أن الوضع أصبح معقدًا، وهزيمة نيجيريا أمام لصوص النفط، إلى جانب ارتفاع أسعار الخام، سبدفعها لخسارة المزيد.

وتوقّع إيغبوجو أن تصل خسارة البلاد بسبب سرقة النفط إلى قرابة 6 مليارات دولار خلال عام 2022، حسب موقع "ذا صن" النيجيري.

وقال إيغبوجو: "سرقة النفط الخام أصبحت سمة ثابتة لاقتصادنا الوطني، لدرجة أننا بدأنا نعتقد بأن الحكومات تتغاضى عنه.. وهذا لا يعني أن الأجهزة الأمنية لا تلاحق اللصوص، لكن هذه الجريمة المنظمة تحدث في العراء، والأحجام الهائلة المسروقة من النفط صادمة".

وأوضح أن البلاد سنَّت قانون النفط لتحرير القطاع وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، لكنها علّقت جزءًا من القانون حول إلغاء دعم البنزين بحلول يونيو/حزيران 2022.

ويعتقد مراقبو الصناعة أنه حتى إذا وصلت أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل، فلن يعود أكثر الموارد الطبيعية قيمة للبلاد بالنفع على الاقتصاد.

قطاع النفط والغاز في نيجيريا- قانون النفط النيجيري- السنغال

بالإضافة إلى ذلك، تواصل نيجيريا الاقتراض، وكان من المفترض أن يشهد اقتصادها ازدهارًا خلال تلك المدة، إلى جانب تدفّق النقد الأجنبي.

رؤية البنك الدولي

في خضم جائحة كورونا في 2020، تلقّت سوق النفط أكبر ضربة في التاريخ، ولكن رغم التعافي وتوقعات ارتفاع الأسعار، لم يتحسّن تدفّق العملات الأجنبية، وتواصل النايرا النيجيرية تراجعها.

في الوقت نفسه، يعتقد البنك الدولي أن ارتفاع أسعار النفط قد يحقق نموًا اقتصاديًا طفيفًا لنيجيريا بنسبة 2.5% خلال العام الجاري، و2.8 خلال عام 2023، مقابل 2.4% خلال عام 2021، حسب موقع "بانش" النيجيري.

وأوضح في أحدث تقرير له أن على قطاع النفط الاستفادة من ارتفاع الأسعار والتخفيف التدريجي لخفض إنتاج منظمة أوبك، والإصلاحات التنظيمية المحلية، متوقعًا أن تشهد قطاعات أخرى بعض التحسن، مثل الاتصالات والخدمات المالية.

وأضاف أن الأنشطة الاقتصادية غير النفطية ستظل مقيّدة بالاضطرابات الاجتماعية وقضايا العنف، فضلًا عن تداعيات فيروس كورونا، لا سيما مع انخفاض معدلات التطعيم.

لعنة الموارد

يمكن أن يكون للموارد تأثير مدمّر في الاقتصادات المعتمدة على النفط، في ظل الفساد وسوء الإدارة، ويظهر ذلك بوضوح بعد 6 عقود من استقلال نيجيريا، فما تزال البلاد واحدة من أفقر دول العالم، واعتمادها على النفط لم يحفّز نمو الاقتصاد والقطاعات الأخرى، إذ تعدّ البلاد مُصدّرًا صافيًا للنفط الخام بدلاً من معالجته، وتعتمد على استيراد المشتقات النفطية المكررة.

كما إن أغلب المجتمعات النيجيرية يعاني من ارتفاع معدل البطالة وتدهور الأحوال الاجتماعية، خاصة سكان دلتا النيجر الذين يواجهون التلوث البيئي الناجم عن عمليات التنقيب عن النفط وتأثيره في الزراعة والصيد والأنشطة التجارية الأخرى.

علاوة على ذلك، تعتمد منطقة دلتا النيجر على استيراد المواد الغذائية، بسبب الأضرار التي لحقت بأراضيها الزراعية والمياه.

ولجأ مواطنو دلتا النيجر العاطلون عن العمل لعمليات التخريب من خلال سرقة النفط، أو الاستحواذ على الوقود بشكل غير قانوني، بصفته مصدرًا للزرق.

سرقة النفط
عمليات تخريبية لسرقة الوقود في لاغوس - الصورة من موقع فوربس

وتُعدّ تداعيات حرق الغاز أحد الأعباء التي عانت منها المنطقة لمدة طويلة، ولا يؤثّر ذلك في النظام البيئي فحسب، بل يسفر عن آثار صحّية خطيرة على السكان. بالإضافة إلى ذلك، تواجه هذه المجتمعات مشكلة كبيرة مع التسريب المنتظم للنفط.

وكشف تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن وقوع نحو 6 آلاف و817 تسربًا نفطيًا بين عامي 1976 و2001، تسبّبت في 50% منها حوادث خطوط الأنابيب أو الشاحنات، و28% عن طريق التخريب، و21% تحدث خلال عمليات إنتاج النفط، و1% بسبب تعطّل المعدّات.

ويرى مؤتمر الاتحاد العمالي في نيجيريا، الذي يضم 29 نقابة عمّالية، أن الفساد وعدم كفاءة قطاع النفط والغاز مسؤولان عن الفوضى التي تواجه البلاد.

وقال الرئيس الوطني للاتحاد، كوادري أولالي، إن نيجيريا تعدّ الدولة الوحيدة العضو في أوبك التي تستورد أكثر من 90 إلى 95% من المشتقات النفطية المكررة للاستهلاك.

وأوضح أن نيجيريا لديها 5 مصافي تكرير في البلاد، 4 منها مملوكة للدولة وواحدة تابعة لشركة دلتا النيجر للموارد النفطية، مضيفًا أن الحكومة أهدرت قرابة 9.5 مليار دولار لصيانة المصافي الهالكة.

ورغم أن بعض البلدان تغلّبت على لعنة الموارد ودفعت اقتصادها للنمو والازدهار، فإن نيجيريا تواجه صعوبة حتى الآن لاحتواء أزمة سرقة النفط، وتعاني من انخفاض في مستويات الإنتاج.

وتعوّل الحكومة على لجنة استعادة النفط الخام والمشتقات المكررة غير القانونية -والمؤلفة من إدارة الموارد النفطية، ومؤسسة النفط الوطنية ووكالة الكشف عن التسربات النفطية- للحدّ من انتشار سرقة النفط وتأثيرها في تطور صناعة النفط بالبلاد.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق