تحويل مسار إمدادات الغاز الروسي.. وموسكو تضغط لإنقاذ نورد ستريم2
أسعار الغاز تواصل الارتفاع إلى مستويات قياسية
هبة مصطفى
أصبحت إمدادات الغاز الروسي سلاح ضغط تستخدمه موسكو ضد الدول الأوروبية -خاصة ألمانيا- لإنقاذ مشروع نورد ستريم2 الذي يواجه عقبات في الموافقات اللازمة لتشغيله، ما أرجأ بدء تدشينه إلى النصف الثاني من العام المقبل.
وبينما يُرجع محللون تلك الخطوة إلى ضعف الطلب الألماني على الغاز نتيجة عطلات نهاية العام، وما بين الموقف الروسي، تظل النتيجة واحدة، بعدما تأثرت أسعار الغاز في الأسواق العالمية مسجلة قفزة في تداولات العقود الآجلة في ظل زيادة الطلب وبرودة الطقس القياسية.
وغيّرت إمدادات الغاز الروسي وجهتها من ألمانيا إلى بولندا، ما دفع نحو ارتفاع أسعار العقود الآجلة للغاز بنسبة 11%، وفق مُشغل الشبكة غازكاد.
أسعار الغاز في أوروبا
كانت أسعار الغاز الأوروبية قد قفزت في مؤشر تي تي إف الهولندي إلى أعلى مستوياتها عند 162.78 يورو/ميغاواط/ساعة، فيما سجلت العقود الآجلة ارتفاعًا إلى 160.75 يورو (9.4%) في الحادية عشرة و23 دقيقة صباحًا حسب التوقيت المحلي في أمستردام.
ومع ازدياد برودة الجو إلى حد التجمد، يدفع انخفاض إمدادات الغاز الروسي إلى ألمانيا نحو مزيد من السحب من المخزونات المنخفضة في أوروبا.
وتحتاج القارة الأوروبية إلى إمدادات الغاز لتلبية الطلب على الإنارة والتدفئة في ظل عدم قدرة مصادر الطاقة المتجددة على الوفاء بالطلب، إذ سجل إنتاج طاقة الرياح في ألمانيا أدنى مستوياته خلال 5 أسابيع.
من جانبه، توقع كبير اقتصاديي الطاقة في مصرف "إيه بي إن أمرو" الهولندي، هانز فن كليف، استمرار تأثر الإمدادات والأسعار حتى نهاية فصل الشتاء.
وأضاف أن تأثير الأسعار في عجز الإمدادات الحالي يمكن أن يطول لمدة تعتمد على حجم المخزونات المُتوفرة، حسب وكالة بلومبرغ.
مخزونات الغاز الأوروبية
تُشير توقعات المُحللين إلى أن موسم الشتاء سينتهي مُسجلًا انخفاضات قياسية في مستوى المخزونات، ما يعزز احتمالات مواصلة أزمة الغاز الأوروبية للشتاء المقبل، جنبًا إلى جنب مع مخاوف تأثير التوترات الروسية الأوكرانية وسيناريوهات التدخل العسكري التي تثير قلق صانعي السياسات.
وتحولت تدفقات الغاز الروسي إلى بولندا، مُسببة توقفًا في إمدادات محطة ضاغط مالنو عبر خط أنابيب (يامال-أوروبا) الذي يربط حقول الغاز الطبيعي الروسية في شبه جزيرة يامال وغرب سيبيريا، عبر بيلاروسيا، مع بولندا وألمانيا.
من جانبها، أرجعت كبيرة أول باحثي معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، كاتيا يافيمافا، قفزة أسعار العقود الآجلة للغاز الأوروبي -المدفوعة بتحول وجهة الواردات الروسية إلى بولندا بدلًا من ألمانيا- إلى انخفاض الطلب الألماني متأثرًا بالعطلات.
وأضافت أن شركة غازبروم (عملاق الغاز الروسي) لم تكن بحاجة إلى توصيل الإمدادات إلى محطة مالناو الألمانية اليوم الثلاثاء، للوفاء بتعاقداتها المُبرمة حاليًا، في إشارة إلى الإمدادات الروسية لبولندا.
وتوقعت استمرار ضعف الطلب الألماني على الغاز الروسي -عبر خط أنابيب يامال- طوال مدة احتفالات نهاية العام الجاري وبداية العام المقبل، عدا طلبات محدودة خلال شهر يناير/كانون الثاني القادم.
ضغوط روسية
تمارس شركة غازبروم الروسية ضغوطًا على أوروبا -خاصة ألمانيا- بضخ كميات أقل من إمدادات الغاز، لدفع مسار الموافقات المُجمدة على مشروع الغاز الروسي (خط أنابيب نورد ستريم2) من الجانب الألماني.
وتواجه الدول الأوروبية عجزًا في إمدادات الغاز الخارجية، ما دفعها إلى الاعتماد على مخزونات الغاز.
كما لجأت أوروبا إلى الحفاظ على إمدادات الكهرباء عبر حرق الفحم الذي يُعدّ أكثر مصادر الوقود الأحفوري تلويثا.
وحاول الأستاذ الجامعي في معهد باريس للدراسات السياسية، ثييري بروس، تفسير تحول مسار الغاز الروسي عن ألمانيا وتغيير وجهته إلى بولندا بأنه ربما يكون لعدم توافر احتياطيات لدى شركة غازبروم نتيجة الطلب الروسي القياسي.
وبالإضافة إلى احتمال عدم توافر احتياطيات، تابع بروس تفسير موقف إمدادات الغاز الروسي، مشيرًا إلى أنه ربما يحمل أجندة سياسية غير معلنة، في إشارة إلى الدعم الأوروبي لأوكرانيا وتجميد ألمانيا لموافقات نورد ستريم2.
إمدادات الكهرباء
تمتد أزمات الطاقة الأسبوع الجاري إلى ما أبعد من إمدادات الغاز، إذ تشير التوقعات إلى ارتفاعات قصيرة الأجل في أسعار الكهرباء، في ظل الطقس المتجمد، إذ انخفض إنتاج طاقة الرياح في ألمانيا إلى 2227 ميغاواط، اليوم الثلاثاء، وهو أدنى مستوياتها منذ ما يزيد على شهر.
وكانت الكهرباء الألمانية بعقود البيع المباشر قد ارتفعت أمس إلى 420 يورو/ميغاواط ساعة.
من جهة مقابلة، تشير توقعات الطقس الصادرة عن مركز "كوموديتي ويزر غروب" للاستشارات، إلى عدم استمرار موجة البرد في أوروبا.
إذ أوضح خبير الطقس في كوموديتي ويزر، ويليام هينبيرغ، أن الأسبوع الجاري قد يكون ذروة الانخفاض في درجات الحرارة.
وأضاف هينبيرغ أن توقعات عدم استمرار انخفاض درجات الحرارة مقرونة بتوقعات أخرى متناسبة طرديًا مع زيادة الطلب على الكهرباء في أوروبا الأسابيع المقبلة.
وشدد خبير الأرصاد على أن تلك التوقعات حول الطقس غير نهائية، لكنها متطابقة مع أحداث المؤشرات الأسبوع الماضي.
وألقى ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق العالمية إلى ما يزيد على 20%، اليوم الثلاثاء، بظلاله على باقي الدول الأوروبية، ما أجبر فرنسا على تعزيز واردات الكهرباء وحرق النفط للحفاظ على استمرار خدمات الإنارة، بعد أن قررت روسيا خفض إمداداتها إلى أوروبا.
ورغم أن فرنسا تُعد أحد مُوردي الكهرباء، فإنها اضطرت بعد التأثيرات الأخيرة في الأسعار وإمدادات الغاز والكهرباء إلى غلق إنتاج بعض الشركات أو خفضه.
الأسعار وسلاسل التوريد
تُهدد أزمة الطاقة الحالية سلاسل التوريد، خاصة في ظل انتشار متحور أوميكرون الجديد وتنامي عدد الإصابات، ما يُهدد بإغلاقات محتملة.
وتأثرت سلاسل التوريد بالأسعار المرتفعة للطاقة، في عدة قطاعات منها صناعة السيارات وتوربينات الرياح وغيرها.
وتسببت قفزة الأسعار اليوم في رفع عقود الكهرباء الألمانية الخاصة بالعام المقبل لأكثر من 25%، في حين حققت العقود الفرنسية مكاسب وصلت إلى 26% بعد تشغيل 6 وحدات عاملة بالنفط لمحاولة احتواء انقطاع إمدادات الطاقة النووية.
كانت شركة فرنسية قد أعلنت الأسبوع الماضي وقف 4 مفاعلات تُنتج 10% من الإمدادات النووية، في ظل الطقس "المُتجمد"، وبذلك تُصبح 30% من الطاقة النووية في فرنسا خارج حيز التشغيل بداية الشهر المقبل.
ويُضاف إلى ذلك عزم ألمانيا إغلاق 50% من مفاعلاتها قبل نهاية العام الجاري.
ويدفع نقص الكهرباء الدول الأوروبية إلى حرق المزيد من الغاز في موقف روسي مثير للجدل، لتكون المحصلة النهائية استمرار السحب من مخزونات الغاز الأوروبي -التي تعاني عجزًا فعليًا- بمعدلات قياسية.
اقرأ أيضًا..
- إكوينور النرويجية تدعم خطط السعودية بشأن مستقبل النفط والغاز
- لماذا لم تتأثر أسعار النفط بتراجع الإنتاج الليبي؟.. أنس الحجي يجيب (فيديو)
- أهمية الطاقة الشمسية.. الثلاجات تنقذ اللقاحات في الدول الأفريقية