نفطتقارير الطاقة المتجددةتقارير النفطسلايدر الرئيسيةطاقة متجددة

لماذا سيصبح انتقال الطاقة مستعصيًا؟.. خبير الطاقة دانييل يرغن يُجيب

مي مجدي

مع التطورات الجارية وتسارع وتيرة أزمات الطاقة التي تلاحق دول العالم، يرى المؤلف، خبير الطاقة الحائز على جائزة بوليتزر، دانييل يرغن، أن الوقود الأحفوري والمناخ قوى دافعة رئيسة للسياسة العالمية.

وطرح يرغن -الذي يعدّ واحدًا من أبرز المؤرخين في عصرنا- في مقاله الأخير "لماذا سيصبح انتقال الطاقة مستعصيًا؟"، العديد من التساؤلات حول مدى صعوبة انتقال الطاقة في ظل التناقضات الحاصلة، ولماذا سيكون انتقال الطاقة المقبل مختلفًا عن سابقه؟ وهل أزمة الطاقة الحالية بداية لأزمات أخرى؟

سياسة ذات وجهين

في بداية المقال الذي نشره موقع ذي أتلانتك، لفت يرغن الانتباه إلى التناقض الواضح بين سياسات العمل المناخي والحاجة المستمرة إلى الطاقة.

وأضاف أن انتقال الطاقة سيكون أكثر تعقيدًا مما نعتقد، رغم دعوات مؤتمر المناخ كوب26 بالاعتماد على الطاقة المتجددة والهيدروجين واحتجاز الكربون، وتعهدات الدول بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

واستشهد دانييل يرغن بحادث وقع العام الماضي، عندما طلبت شركة "إنوفيكس داونهول سوليوشن" -شركة تقدّم خدمات تقنية لصناعة النفط والغاز، ومقرّها تكساس- من العلامة التجارية "نورث فيس" صنع 400 سترة تحمل شعار الشركة.

لكن شركة الملابس الشهيرة رفضت تنفيذ الطلب، بحجة أنه لا يتماشى مع سياستها، فالشركة نأت بنفسها عن التعامل مع الشركات العاملة في التبغ والجنس والمواد الإباحية، وكذلك صناعة النفط والغاز.

ذا نورث فيس
أحد مقارّ شركة الملابس الأميركية ذا نورث فيس - أرشيفية

وقالت الشركة، إن ذلك يتعارض مع أهدافها والتزاماتها المتعلقة بالاستدامة وحماية البيئة، إذ تخطط لاستخدام مواد معاد تدويرها في صناعة ملابسها خلال السنوات المقبلة.

وكشف دانييل يرغن السياسة ذات الوجهين التي تنتهجها نورث فيس، موضحًا أنها تعتمد على النفط والغاز، و90% من المواد التي تدخل في صناعة ستراتها مصنوعة من مشتقات النفط والغاز الطبيعي.

علاوة على ذلك، فإن العديد من ستراتها والمواد المستخدمة مصنوعة في دول مثل الصين وفيتنام وبنغلادش، والتي بدورها تقوم بشحنها إلى الولايات المتحدة في سفن تدار بالنفط.

وما زاد الطين بلة، ما تداولته الأنباء عن قيام صاحب الشركة ببناء حظيرة للطائرات النفاثة في مطار دنفر، وكلها تعمل بوقود الطائرات.

أزمة طاقة جديدة

زادت التعقيدات مع تفاقم أزمة الطاقة التي عصفت بأوروبا وآسيا خلال الشهور الماضية.

يقول دانييل يرغن، إن النفط عادة ما يلعب الدور الأكبر في أزمات الطاقة، لكن الغريب في الأزمة الأخيرة أنها كانت مدفوعة بنقص الفحم والغاز الطبيعي المسال، وأدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار، وتقويض إمدادات الكهرباء في الصين، والذي قاد بعد ذلك إلى تقنين الكهرباء وإغلاق المصانع واضطرابات في سلاسل التوريد المرسلة إلى أميركا.

أمّا في أوروبا، فقد تطورت الأمور للأسوأ بسبب انخفاض سرعة الرياح في بحر الشمال، وساعد ذلك في خفض توليد الكهرباء التي تنتجها توربينات الرياح البحرية لبريطانيا وشمال أوروبا لمدة من الوقت.

وفي الوقت الذي زادت فيه أسعار الغاز والفحم والكهرباء، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي المسال بقدر 7 مرات، وتوقفت المصانع عن الإنتاج لعدم قدرتها على تحمّل التكاليف، ومن بينها مصانع في بريطانيا وأوروبا تُنتج الأسمدة اللازمة لموسم الربيع المقبل.

أزمة الطاقة في أوروبا

وأشار يرغن إلى أسعار النفط الجنونية التي تجاوزت 80 دولارًا، وأسعار البنزين القياسية التي أثارت قلق السياسيين في أميركا، وكيف دفعت الأزمة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الطلب من السعودية وروسيا زيادة إنتاج النفط في السوق، لكن دون جدوى.

وتبعها بعد ذلك إعلان إدارة بايدن أكبر عملية سحب للنفط من المخزون الإستراتيجي، بالتنسيق مع دول أخرى لتهدئة الأسعار.

هل ستكون الأزمة حدثًا فريدًا، أم بداية لأزمات أخرى؟

في هذا الشأن، قال يرغن: "إذا كانت الأزمة حدثًا فريدًا، حينذاك سيتعافى العالم في غضون بضعة أشهر، أمّا إذا كانت مجرد بداية لأزمات لاحقة ناجمة عن الضغط الشديد لتحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول 2050، مع نقص في الطاقة، فقد تضطر الحكومات إلى إعادة النظر في التوقيت والنهج المتّبع لتحقيق أهدافها المناخية".

وكانت البداية من بريطانيا، فرغم دعواتها لإنهاء استخدام الفحم، اضطرت إلى إعادة تشغيل محطة تعمل بالفحم لتعويض النقص في الكهرباء.

واستشهد يرغن -أيضًا- بوجهة نظر الخبير الاقتصادي الفرنسي، جان بيساني فيري، الذي حذّر في أغسطس/آب من أن العالم سيشهد أزمات اقتصادية ضخمة تشبه أزمات النفط التي هزّت الاقتصاد العالمي في السبعينات عند المبالغة في الانتقال السريع بعيدًا عن الوقود الأحفوري.

انتقال مغاير للطاقة

في العام الفائت، أطلّ علينا يرغن بكتاب جديد يحمل عنوان "الخريطة الجديدة: الطاقة والمناخ وصدام الأمم"، وشرح باستفاضة كيف أن الطريق ليس ممهدًا لانتقال الطاقة من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، ومليء بالتحديات.

فانتقال الطاقة لم يكن سهلًا عبر التاريخ، فأول انتقال للطاقة كان في يناير/كانون الثاني 1709، عندما اكتشف عامل لحام إنجليزي يدعى أبراهام داربي أنه يمكن صنع الحديد باستخدام الفحم بدلًا من الخشب، لكن ذلك الانتقال الأول لم يكن سريعًا.

فحم - الفحم- الهند- روسيا

ورغم أن القرن الـ19 يُعرف بـ"قرن الفحم"، لاحظ عالم التكنولوجيا، فاكلاف سميل، أن الفحم لم يتفوق على الخشب إلّا في بداية القرن العشرين، كونه المصدر الأول للطاقة في العالم.

وكانت التحولات السابقة عبارة عن إضافة مصدر جديد لمصادر أخرى، فالنفط عند اكتشافه في عام 1859، لم يتجاوز الفحم، وظل الأخير متربعًا على العرش حتى الستينيات، ومع ذلك يستخدم العالم حتى يومنا هذا ما يقرب من 3 أضعاف كمية الفحم التي استخدمها في الستينيات.

أمّا انتقال الطاقة المقبل فهو مختلف، فبدلًا من إضافة مصدر جديد، سيكون هناك تحوّل شبه كامل بعيدًا عن الوقود الأحفوري.

فوفقًا للكاتب، يعتمد العالم على الفحم والنفط والغاز في إنتاج 80% من الطاقة حتى يومنا هذا، وإجراء تغيير في أقل من 30 عامًا سيكون مهمة شاقة.

التباس حاصل

كشف يرغن أنه غالبًا ما يحدث التباس عند الحديث عن مدى اعتماد العالم على النفط والغاز، فالأمر ليس مجرد الانتقال من استخدام سيارات البنزين إلى السيارات الكهربائية، والتي يدخل البلاستيك في صناعتها بنسبة 20%، وإنما يتعلق بالابتعاد عن استخدام كل مشتقات النفط والغاز.

وأوضح أن منتجات النفط والغاز الطبيعي متجذّرة بعمق في حياتنا الحديثة، فالبلاستيك يدخل في العديد من الصناعات بداية من الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، إلى غطاء الهاتف المحمول وإطارات الطائرات.

فضلًا عن ذلك، أصبحت المنتجات النفطية ضرورة لا غنى عنها للتعامل مع جائحة كورونا، ودخلت في صناعة الملابس الوقائية والدهون (الليبيد) التي تعدّ جزءًا من لقاحات فايزر وموديرنا.

الفجوة بين الشمال والجنوب

من وجهة نظر يرغن، هناك تعقيد آخر يفوق التحديات التقنية، وأطلق عليه " الفجوة بين الشمال والجنوب".

ويرى أن الفجوة ظهرت في البداية بصفة صراع اقتصادي في السبعينيات بين الدول المتقدمة في نصف الكرة الشمالي والدول النامية في النصف الجنوبي، وهو العقد الذي برز فيه نجم أوبك على الساحة العالمية، وأصبحت أسعار النفط مركزًا للصراعات.

وبمرور الوقت، تقلّص ذلك مع تقدّم العولمة وصعود الأسواق الناشئة وزيادة الاندماج الاقتصادي.

لكن سرعان ما بزغت فجوة جديدة تتعلق بكيفية معالجة تغيّر المناخ، ووضعت العالم المتقدم في مواجهة مع الدول النامية.

الطاقة

فتغيّر المناخ بالنسبة للدول المتقدمة أمر حتمي، لكن الأمر مختلف بالنسبة للدول النامية، فهي تكافح من أجل التعافي من الوباء والحدّ من الفقر وتعزيز نموها الاقتصادي، بالإضافة إلى الحفاظ على استقرارها الاجتماعي وتحسين قطاع الصحة.

فبينما يناقش الاتحاد الأوروبي ما إذا كان الغاز الطبيعي سيشغل أيّ دور في برامج الطاقة المستقبلية، فإن الهند أعلنت مواصلة استخدام الهيدروكربونات، وخصصت 60 مليار دولار للاستثمار في البنية التحتية للغاز الطبيعي لتقليل اعتمادها على الفحم وتقليل الانبعاثات.

كما إن نائب رئيس نيجيريا، يمي أوسينباغو، أعرب عن قلقه من قرار منع البنوك الأوروبية والمؤسسات المالية الدولية من تمويل تطوير قطاع الهيدروكربونات، ولاسيما الغاز الطبيعي، بسبب مخاوف المناخ.

ويرى أن الحدّ من تطوير مشروعات الغاز يمثّل تحديًا كبيرًا للدول الأفريقية، إذ ستسهم بضآلة في الانبعاثات العالمية، كما إنها ستحلّ محلّ مواقد الطهي التي تعتمد على الفحم والكيروسين، ومن ثم ستنقذ أرواح الملايين التي تُزهَق بسبب تلوث الهواء داخل المنازل سنويًا.

في حين ترى وزيرة الطاقة في السنغال، إيساتو صوفي غلاديما، أن تقييد القروض لتطوير النفط والغاز يشبه مطالبة الدول النامية بالانتحار.

تعويض الإيرادات

تعتمد ميزانية العديد من الدول النامية على صادرات النفط والغاز.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، حذّر مسؤول حكومي أميركي الشركات الأميركية من مواجهة عقوبات محتملة إذا أقدمت على استثمارات جديدة في موارد النفط والغاز في أفريقيا.

ومع ذلك، لا يتوافر أيّ بديل آخر للدول النامية، فعلى سبيل المثال: تعتمد نيجيريا، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 200 مليون نسمة، على صادرات النفط والغاز في تمويل 70% من الميزانية و40% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويرى دانييل يرغن أن هناك بوادر توتّر بين الجانبين مع تحركات أوروبا لتطبيق "آلية تعديل الحدّ الكربوني"، والتي تعدّها وسيلة لضمان اعتماد سياستها المتعلقة بتغيّر المناخ عالميًا، مع توفير الحماية للصناعات الأوروبية التي تواجه تكاليف أعلى بسبب تسعير الكربون.

وبدأ الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم على سلع محددة، وستتوسع القائمة في المستقبل، أمّا إدارة بايدن فتدرس تطبيق تعرفة الكربون، لكن الدول النامية تعدّ هذه الخطوة تمييزية ومحاولة لفرض السياسات الأوروبية عليها.

واختتم يرغن مقاله بأن مؤتمر المناخ بباريس لعام 2015 حدد هدف الحياد الكربوني، أمّا مؤتمر كوب26 فأوضح الخطوات الرئيسة لكيفية تحقيق هذا الهدف، لكن عندما يتعلق الأمر بانتقال الطاقة فما يزال يتعين علينا الكثير لنتعلّمه حول الصعوبات التي تنتظرنا في المستقبل.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق