الغاز المسال الخليجي.. رحلة كفاح بين الاستيراد والتصدير تمهد لمنافسة شرسة
هبة مصطفى
- الغاز المسال الخليجي يغذي السوق العالمية بأكثر من 50% بحلول 2028
- الإمارات وقعت اتفاقيتي استحواذ في مايو، بالتوازي مع تطوير المرافق المحلية
- أرامكو تشتري حصصًا بمشروعات خارجية وتستعمل الفائض في إنتاج الأمونيا الزرقاء
- مشروع توسعة حقل الشمال القطري "نقلة" لإمدادات السوق العالمية
- سلطنة عمان تكافح لزيادة الصادرات.. ومشروع رائد للتزود بالوقود
- الكويت ما زالت تعتمد على الواردات.. ورقم كبير للربع الأول 2024
بدأت ملامح صناعة الغاز المسال الخليجي تتبلور بصورة أوضح قبل ما يقرب من 15 عامًا، رغم التباين الواضح بين الاعتماد على الواردات من جهة وبدء التأسيس للاكتفاء الذاتي والتصدير من جهة أخرى.
وفي ذلك الحين، لم تُقدم هذه الدول على الاستيراد من بعضها، كما أنه لم يُطرح إنشاء سوق إقليمية مشتركة.
وعلى النقيض من ذلك، سارعت بعض هذه الدول لتبحث عن مصادر للإمدادات يمكن اعتماد وارداتها عليها بصورة موثوقة، طبقًا لما تابعته منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن).
ومع تعامل سوق الغاز المسال العالمية مع تقلبات قوية في أعقاب اندلاع الحرب الأوكرانية، تمثل دول مجلس التعاون الخليجي بصفتها عناصر بارزة ضمن توقعات السوق لعام 2030.
وفي التقرير أدناه، نستعرض التغيرات المتدرجة لصناعة الغاز المسال الخليجي في 5 دول، هي: الإمارات، والسعودية، وقطر، وسلطنة عمان، والكويت.
واقع السوق العالمية
يبرز دور قوي لإمدادات الغاز المسال الخليجي مع استعداد الأسواق لاستقبال إنتاج مشروعات جديدة، انطلقت بقوة خلال الآونة الأخيرة.
وتُشير التوقعات إلى أن مشروعات التصدير القائمة حاليًا قد تضيف 250 مليار متر مكعب سنويًا، بحلول عام 2030، تضاف إلى خطط بنحو 16 مليون طن إضافية أعلنتها قطر.
ورغم أن هذه الكميات تمثّل "نصف" الإمدادات العالمية للغاز المسال عام 2022، فإن زخم المشروعات المطروحة يتماشى مع الاتجاه العالمي لتوقعات الطلب، إذ كانت وكالة الطاقة الدولية قد كشفت بلوغ الطلب على الوقود الأحفوري ذروته بحلول نهاية العقد الجاري.
وتبدأ بعض المشروعات تزويد السوق بتدفقاتها، بدءًا من عام 2026، ما يشعل المنافسة بين مُصدّري الغاز المسال الخليجي بعضهم بعضًا، وبين دول الخليج ككل مقابل السوق العالمية، إذ يسعى كل طرف لجذب المشترين في ظل تنوع المعروض.
وتعزّز هذه الوفرة من أفضلية العقود طويلة الأجل تجنبًا لتقلبات السوق الفورية، خاصة بعد طفرة الأسعار التي شهدتها الأسواق لأعلى مستوياتها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.
وتُشير التوقعات إلى أن القدرة التصديرية من الغاز المسال الخليجي قد ترتفع بما يفوق 50%، بحلول عام 2028، ما يضمن منافسة على طرح أفضل سعر بشروط تعاقدية ملائمة.
رحلة 5 دول خليجية
لا تُعد خطوات صناعة الغاز المسال الخليجي متشابهة بين الدول الـ5 محل الرصد، فبعض الدول ما زالت تعتمد على الواردات حتى الآن، والبعض الآخر انطلق في سباق المشروعات أو يكافح لإنجاز خطوة مهمة بها.
ومن زاوية مختلفة، تحولت دولة واحدة من دولة مُصدّرة تاريخيًا إلى دولة مستوردة، في ظل طفرة اقتصادية تطلبت تنويع مصادر الطاقة مع خوض محاولات غير واسعة النطاق للتصدير، حسب مجلة ميس (Mees) المتخصصة في أخبار النفط والغاز الصادرة من قبرص.
1) الإمارات
- تطور الصناعة:
بدأت الإمارات رحلتها في التصدير منذ عام 1977، ليس بصفتها أبرز مصدري الغاز المسال الخليجي فقط، وإنما أحد أبرز المصدرين في العالم.
وتحولت تدريجيًا إلى مستورد صافٍ في ظل معدل الطلب الفائق، نظرًا إلى النمو الاقتصادي المتسارع، وبجانب ذلك أخذ الطلب على الغاز في التراجع مع نمو تطوير مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة الأخرى مثل الطاقة الشمسية والنووية.
ومع اتساع نطاق تنويع مصادر الطاقة بالقدر الكافي لحجم الطلب الكبير، لم تعد الإمارات بحاجة إلى الاحتفاظ بمحطة دائمة للاستيراد، بل على العكس استأنفت تطوير احتياطياتها لزيادة السعة المخصصة للتصدير.
- صفقات ومشروعات:
تركز شركة أدنوك على إنجاز عمليات استحواذ لأصول على نطاق دولي، بما يضمن لها تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوديع الاعتماد على الواردات.
وأنجزت الشركة خلال شهر مايو/أيّار الجاري صفقتي استحواذ، إحداهما على حصة قدرها 11.7% من المرحلة الأولى لمشروع شركة ريو غراندي (Rio Grande) الأميركية التابعة لشركة نيكست ديكيدس (Next Decades)، حسب موقع جي سي سي بيزنس نيوز (GCC Business News).
وتشمل المرحلة الأولى من المشروع خطوط الإنتاج من 1 إلى 3، وعزّزت أدنوك ذلك باتفاق شراء طويل الأجل من خط الإنتاج الرابع، بما يعادل 1.9 مليون طن سنويًا لمدة 20 عامًا.
وتنظر الشركة الإماراتية إلى الصفقة بوصفها أول خطوة إستراتيجية من نوعها لخطتها الاستثمارية في أميركا.
وخلال الشهر ذاته، أبرمت أدنوك صفقة استحواذ ثانية على حصة قدرها 10% من مشروع امتياز 4 التابع لشركة غالب إنرجيا (Galp Energia) البرتغالية في موزمبيق، وبموجب حصة حوض روفوما تحصل أدنوك على حصة من إنتاج الامتياز البالغ 25 مليون طن سنويًا من الغاز المسال.
وتأتي صفقتا الاستحواذ بالتوازي مع تطوير مشروع محطة محلية، تتضمّن خطي إنتاج بسعة 9.6 مليون طن سنويًا، ويمتاز المشروع -الذي قد يبدأ الإنتاج عام 2028- بأنه يعمل بالطاقة النظيفة.
ويقارن الرسم البياني أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- بين صادرات الإمارات من الغاز المسال في الربع الأول من 2023 و2024:
2) السعودية
اقتحمت السعودية مؤخرًا سوق الغاز المسال الخليجي عبر بوابة عالمية، وأعلنت شركة أرامكو الاسبوع الماضي نجاح صفقة شراء حصة أقلية في شركة ميد أوشن إنرجي (MidOcean Energy)، بعد أن استحوذت الأخيرة على حصص في مشروعات غاز مسال بأستراليا وبيرو.
ويبدو أن الطموح السعودي آخذ بالارتفاع في هذا المجال، إذ أكد المدير المالي لأرامكو زياد المرشد، أن صفقة الشراء بداية انطلاق لمشروعات أوسع نطاقًا وحجمًا، بما يعزز سعة الشركة في تجارة الغاز المسال.
وبجانب تعاونها مع شركة "ميد أوشن"، تُخطط أرامكو للاستفادة من الطلب المرتفع بالانضمام إلى مشروعات أخرى منفصلة، مثل مشروع بورت آرثر الأميركي بإنتاج 13.5 مليون طن سنويًا.
وأشار الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو أمين الناصر، إلى أن الشركة تخوض مشاورات مع شراكات أميركية وعالمية، لتعزيز دورها في سباق نمو سوق الغاز المسال.
وتستند أرامكو في عملياتها المستقبلية إلى توقعات بلوغ الطلب العالمي ذروته، وحددت إستراتيجيتها لذلك بالتركيز -حاليًا- على الاستثمار في السوق الدولية، مع دراسة إنشاء مرافق محلية تدريجيًا.
وتنوي الشركة الاستفادة من فائض إمدادات الغاز في إنتاج الأمونيا الزرقاء منخفضة الكربون.
3) قطر
بحلول نهاية عام 2009، كثّفت قطر من استعداداتها بصفتها أبرز مصدري الغاز المسال الخليجي، بإنتاج قدره 77 مليون طن سنويًا.
وتستفيد قطر من البنية التحتية لخطوط حقل الشمال في نقل الصادرات إلى بعض الدول الخليجية، لكن النقلة النوعية الحقيقية تمثّلت في مشروع توسعة حقل الشمال لرفع طاقتها الإنتاجية بحلول عام 2027.
ويوضح الرسم التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- صادرات الغاز المسال القطرية، في الربع الأول من 2023، و2024:
وتخطط قطر لزيادة إنتاجها من الغاز المسال إلى الضعف، قبل نهاية العقد الجاري، مستهدفة إنتاج 142 مليون طن سنويًا.
وتعزّز شركة قطر للطاقة إنتاج الغاز المسال الخليجي والعالمي، إذ تضيف إلى السعة الإنتاجية العالمية ما يقرب من 16 مليون طن إضافية، بحلول نهاية 2030.
4) سلطنة عمان
تكافح سلطنة عمان لحجز موقع رائد لها على نطاق تجارة الغاز المسال الخليجي والعالمي، رغم أنها ما زالت تتلقى تدفقات الغاز الطبيعي من قطر عبر خطوط الأنابيب.
وبالتوازي مع استقبال وارداتها من الغاز الطبيعي، تجري سلطنة عمان مشروعات توسعة لزيادة قدرتها التصديرية، وتبرم اتفاقيات توريد طويلة الأجل.
وسجلت السلطنة المركز الـ8 لصادرات الغاز المسال على المستوى العالمي، في أبريل/نيسان الماضي، بحجم صادرات يصل إلى 1.05 مليون طن.
وخلال الشهر ذاته، أًزيح الستار عن مشروع رائد لقطاع الغاز المسال الخليجي والعالمي، بإعلان احتضان سلطنة عمان أول مركز تزويد للسفن بالوقود المسال في الشرق الأوسط.
ويعكس المشروع ثقة عالمية في قدرة الاستثمارات المحلية بالسلطنة، إذ تستحوذ شركة توتال إنرجي (Total Energy) الفرنسية على 80% من المشروع، في حين تؤول حصة الـ20% المتبقية لصالح شركة أوكيو المحلية.
ولا يكتسب المشروع ميزته من كونه الأول في الشرق الأوسط فقط، لكن يعمل مشروع ميناء صحار بالطاقة الشمسية والمتجددة ما يجعله مخفضًا لانبعاثات النقل البحري أيضًا.
وفي الوقت ذاته، وقّعت الشركة العمانية للغاز المسال أحدث صفقاتها مع "توتال إنرجي"، لتزويدها بما يصل إلى 800 ألف طن متري سنويًا، بدءًا من العام المقبل 2025 ولمدة 10 أعوام.
ويُشير الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- إلى صادرات الغاز المسال العمانية في الربع الأول من 2023، و2024:
5) الكويت
استوردت الكويت أولى شحناتها من الغاز المسال نهاية عام 2009، وكانت أستراليا وجهتها في هذه الشحنة، لكنها تؤمّن وجهات أخرى أيضًا من بينها أميركا وقطر.
وعلى خلاف الاندفاع في تجارة الغاز المسال الخليجي ومساعي زيادة التصدير التي تخوضها دول عدة بالمنطقة، تعد الكويت أكبر مستوردي المنطقة ورسخت لذلك عبر محطة استقبال في ميناء الزور.
واستحوذت شركة كوفبيك (KUFPEC) -الذراع الخارجية لمؤسسة النفط الكوتية الحكومية- على حصة 13.4% في مشروع محطة ويتستون الأسترالية.
وفي مارس/آذار 2022، منحت شركة البترول الكويتية الضوء الأخضر لمشروع ضخم للغاز المسال، بتشغيل الخط الخامس في مصفاة ميناء الأحمدي.
بالإضافة إلى ذلك، عزّزت الشركة إنتاج خطوط الإسالة الـ4 في المشروع بتحديثات، تسمح لها باستيعاب 805 ملايين قدم مكعبة قياسية.
ووفق أحدث بيانات نشرتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، زادت واردات الكويت من الغاز المسال بنسبة 93%، خلال الربع الأول من العام الجاري، وكان غالبيتها من قطر.
وسجلت الواردات 1.12 مليون طن، خلال الربع المذكور، ارتفاعًا من 0.58 مليون طن للربع ذاته العام الماضي.
وتشتهر الكويت بوصفها أكبر سوق لواردات الغاز المسال الخليجي، مع تشغيل مرفأ الاستقبال في ميناء الزور.
موضوعات متعلقة..
- سوق الغاز المسال تواجه توقعات مستقبلية صادمة.. وترقب لتوسعات قطر
- أرامكو السعودية تقتحم سوق الغاز المسال العالمية.. وهذه أبرز المشروعات
- نصف إمدادات الغاز المسال العالمية قد يأتي من أميركا والشرق الأوسط بحلول 2030
اقرأ أيضًا..
- مؤشرات لاكتشافات غاز كبيرة مرتقبة في الجزائر.. وهذه مواقعها
- أرامكو السعودية تعتزم شراء أصول الطاقة المتجددة لريبسول في أميركا
- رحلة قطاع الطاقة في المغرب.. وزراء ومسؤولون يتحدثون (ملف خاص)