إمدادات النفط الروسي إلى الهند.. كيف تتأثر بمتغيرات سوق الطاقة العالمية؟ (مقال)
فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح
- الهند استوردت نحو 1.7 مليون برميل يوميًا من النفط الروسي في مارس الماضي
- هجمات الطائرات المسيرة على المصافي الروسية تخفّض قدرة التكرير بنحو 400 ألف برميل يوميًا
- إمدادات النفط إلى آسيا في مارس الماضي ارتفعت إلى 27.48 مليون برميل يوميًا
- المصافي الهندية قررت وقف المشتريات من فنزويلا تحسبًا لانتهاء مدة تخفيف العقوبات الأميركية
في مقالنا السابق من الأسبوع الماضي، بحثنا في التحديات المحيطة بإمدادات النفط الروسي إلى الهند، وسلطنا الضوء على تحول الهند التدريجي نحو موردي النفط الأميركيين.
بالإضافة إلى ذلك، ناقشنا كيف أصبحت المؤسسات المالية في تركيا والإمارات العربية المتحدة، وحتى تلك الموجودة في الصين المتحالفة مع روسيا حذرة بصورة متزايدة، وتسعى إلى تفادي العقوبات الثانوية المحتملة من خلال تجنب المعاملات مع الجهات الروسية.
ونهدف هذا الأسبوع إلى إثراء هذا الموضوع بمزيد من المعلومات والبيانات الملموسة، وتقديم رؤية أكثر شمولًا للمتغيرات المتطورة في تجارة النفط العالمية.
التطورات الأخيرة
وفي التطورات الأخيرة التي تُظهر تعقيدات سوق الطاقة العالمية، سجلت الهند أكبر حجم واردات من النفط الخام الروسي منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على الرغم من الجهود المتضافرة التي بذلتها الدول الغربية للحد من صادرات النفط الروسية من خلال العقوبات المشددة.
ووفقًا لبيانات شركة تحليلات تدفقات النفط المنقول بحرًا كبلر Kpler، استوردت الهند، ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، ما يقرب من 1.7 مليون برميل يوميًا من النفط الروسي في مارس/آذار الماضي.
ويمثّل هذا زيادة بنسبة 9% عن الشهر السابق، على الرغم من أن الواردات ما تزال أقل من ذروة مايو/أيار من العام الماضي، التي شهدت 2.2 مليون برميل يوميًا.
وعلّق كبير محللي النفط الخام لدى شركة كبلر، فيكتور كاتونا، على مرونة العلاقات التجارية الروسية الهندية وسط هذه العقوبات، قائلًا: "تعرقل الولايات المتحدة تدفق التجارة الروسية الهندية، لكنها تغض الطرف عنها دائمًا".
ويُعزى هذا الارتفاع في إمدادات النفط الروسية للهند جزئيًا إلى هجمات الطائرات المسيرة على المصافي الروسية، ما أدى إلى انخفاض قدرة التكرير بنحو 400 ألف برميل يوميًا، ما أجبر شركات النفط الروسية على البحث عن أسواق في الخارج.
واغتنمت شركات التكرير الهندية هذه الفرصة من خلال الاستفادة من الأسعار المخفضة لخام الأورال، إذ اشترت 1.4 مليون برميل يوميًا في مارس/آذار الماضي، وهو أعلى حجم منذ يوليو/تموز الماضي.
وفي الوقت نفسه، كانت مشتريات الهند من خام سوكول الأعلى سعرًا في حدها الأدنى، ولم تكن هناك عمليات استحواذ على مزيج إسبو، الذي ذهب في المقام الأول إلى المصافي الصينية.
وفي تحليل أُجري مؤخرًا، سلط الكاتب المتخصص في شؤون السلع والطاقة الآسيوية لدى رويترز، كلايد راسل، الضوء على زيادة كبيرة في واردات آسيا من النفط، إذ وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 10 أشهر، مدفوعة بزيادة الإمدادات من الاتحاد الروسي إلى دول مثل الصين والهند.
وتؤكد البيانات التي جمعتها "مجموعة بورصة لندن" لأبحاث النفط LSEG Oil Research هذا الاتجاه. وارتفعت إمدادات النفط إلى آسيا في مارس/آذار الماضي إلى 27.48 مليون برميل يوميًا، وهي زيادة ملحوظة من 26.70 مليون برميل يوميًا في فبراير/شباط الماضي، و27.18 مليون برميل يوميًا في يناير/كانون الثاني الماضي.
ويعكس هذا النمو في الواردات السلوكيات المتغيرة في سوق الطاقة العالمية، وتحديدًا، الاستجابة للتطورات الجيوسياسية والإستراتيجيات الاقتصادية للاقتصادات الآسيوية الكبرى.
وتسلط المراجعة الأخيرة التي أجراها بنك روسيا لميزان المدفوعات لعام 2023 الضوء على العواقب الاقتصادية الأوسع نطاقًا المترتبة على هذه التحولات.
ويُظهر التقرير انخفاضًا بنسبة 28.3% في صادرات السلع خلال العام الماضي، ويُعزى ذلك في المقام الأول إلى تراجع قيمة صادرات المواد الخام المعدنية وسط بيئة الأسعار الدولية الصعبة.
ويشير هذا التراجع في الصادرات، إلى جانب تأثير العقوبات الدولية وانخفاض أسعار خام برنت بنسبة 10.5% تقريبًا خلال العام الماضي، إلى تفاعل معقد بين العوامل التي تؤثر في المشهد الاقتصادي بروسيا.
من ناحية ثانية، تشير مراجعة بنك روسيا إلى توقعات متفائلة لعام 2024، بناءً على أداء الربع الأول، ما يشير إلى انتعاش محتمل أو استقرار في مواجهة التحديات المستمرة.
وسيقدم الإصدار المرتقب للحساب الجاري في 11 أبريل/نيسان الجاري مزيدًا من الأفكار بشأن تأثير العقوبات في ميزان التجارة الخارجية لروسيا، ما يوفر فهمًا أكثر شمولًا للسيناريو الاقتصادي المتطور.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تنشر وزارة المالية بيانات بشأن إيرادات النفط والغاز قريبًا، التي ستتضمن تفاصيل عن المعاملات بالعملة الأجنبية منذ 5 أبريل/نيسان الماضي.
وستكون هذه البيانات المقبلة مهمة بالنسبة إلى المحللين وصناع السياسات على حد سواء، إذ تقدم صورة أوضح للوضع المالي والاقتصادي والتعديلات الاقتصادية التي تجريها روسيا استجابة للضغوط الخارجية وسوق النفط العالمية المتقلبة.
عدم تجديد الاتفاقية بين شركة روسنفط ومؤسسة النفط الهندية
في إطار التطورات المهمة في العلاقات التجارية بين روسيا والهند، يأتي عدم تجديد اتفاقية توريد النفط بين شركتي "روسنفط" و"أويل إنديا" للمدة 2024-2025.
وبحسب رويترز، نقلًا عن مصادر مطلعة على الأمر، فإن الاتفاق الذي انتهى في 31 مارس/آذار الماضي، لم يجر تمديده بسبب خلافات بشأن التسعير والكميات. وكانت هذه الاتفاقية السابقة قد ضمنت توريدًا شهريًا قدره 1.5 مليون طن من النفط الروسي إلى الهند بسعر مخفض.
وكانت المفاوضات بشأن اتفاق توريد جديد صعبة، إذ أبدت المصافي الهندية المملوكة للدولة، بما في ذلك بهارات بتروليوم وهندوستان بتروليوم، اهتمامهًا بتأمين ما يصل إلى 400 ألف برميل يوميًا من روسنفط بموجب عقد سنوي.
وكان عرض روسنفط أقل من التوقعات، إذ اقترحت 4 إلى 6 شحنات من النفط شهريًا، بإجمالي يصل إلى 4 ملايين برميل، وهو أقل بكثير من متطلبات الشركات الهندية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الحسم الذي اقترحته شركة روسنفط ويتراوح بين 3 و3.5 دولارًا للبرميل الواحد إلى مؤشر دبي القياسي للصفقة الآجلة يعكس الحسومات المتاحة في السوق الفورية.
ويُعد هذا انخفاضًا صارخًا عن التخفيضات التي شُوهدت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، التي تراوحت من 7 إلى 8 دولارات للبرميل، وأقل بصورة ملحوظة من حسم 30 دولارًا للبرميل في بداية عام 2022.
أوبك+ وحصة روسيا في الربع الثاني
في تطور مهم داخل تحالف أوبك+، قررت العديد من الدول الأعضاء تمديد تخفيضات إنتاج النفط من الربع الأول إلى الربع الثاني من عام 2024، مع الالتزام بالقيود المتفق عليها سابقًا.
ويؤكد هذا القرار التزام التحالف بتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية وسط تقلب الطلب والشكوك الجيوسياسية.
جدير بالذكر أن روسيا، وهي لاعب رئيس في التحالف، اختارت إستراتيجية تختلف عن التزامها الأولي بخفض صادرات النفط والمنتجات النفطية بمقدار 500 ألف برميل يوميًا.
وبدلًا من ذلك، سوف تركز في المقام الأول على الحد من إنتاج النفط.
بالنسبة إلى الربع الثاني من عام 2024، أعلنت روسيا خطة مفصلة لخفض إنتاجها وصادراتها من النفط، ما أدى إلى خفض إجمالي قدره 471 ألف برميل يوميًا، بهياكل مختلفة شهريًا.
وعلى وجه التحديد، في أبريل/نيسان الجاري، ستخفض روسيا إنتاجها من النفط بمقدار 350 ألف برميل يوميًا وصادراتها بمقدار 121 ألف برميل يوميًا.
وفي مايو/أيار المقبل، سيشمل التخفيض 400 ألف برميل يوميًا في الإنتاج، و71 ألف برميل يوميًا في الصادرات.
وبحلول يونيو/حزيران المقبل، ستتحول الإستراتيجية بالكامل نحو الإنتاج، بإجمالي خفض قدره 471 ألف برميل يوميًا.
ويحدد هذا النهج الدقيق إنتاج النفط الروسي لشهر أبريل/نيسان الجاري عند 9.1 مليون برميل يوميًا، وفي مايو/أيار المقبل عند 9.05 مليون برميل يوميًا، وفي يونيو/حزيران المقبل عند 8.979 مليون برميل يوميًا. وتتوافق هذه الأرقام مع حصة المملكة العربية السعودية، ما يعكس حصة إنتاج النفط الرسمية لروسيا ضمن تحالف أوبك+ لعام 2024 عند 9.95 مليون برميل يوميًا، معدلة إلى 9.5 مليون برميل يوميًا بعد احتساب خفض الإنتاج الطوعي المعلن في أبريل/نيسان 2023 للعام بأكمله.
وتوضح هذه الخطوة من جانب روسيا والتخفيضات الإضافية التي اتخذتها دول أوبك+ الأخرى -باستثناء روسيا- بمقدار 1.7 مليون برميل يوميًا بما يتجاوز حصصها الرسمية والضوابط الطوعية، جهدًا منسقًا لتحقيق التوازن في سوق النفط.
ويمثل القرار الجماعي بتمديد تخفيضات الإنتاج حتى الربع الثاني من عام 2024 خطوة مهمة نحو إدارة العرض استجابة إلى متغيرات السوق العالمية.
في المقابل، من المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة -وهي ليست عضوًا في تحالف أوبك+- ارتفاع إنتاجها النفطي إلى 13.19 مليون برميل يوميًا في عام 2024، بزيادة على التوقعات السابقة البالغة 13.1 مليون برميل يوميًا، وفقًا لما أوردته معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأميركية.
تضيف هذه الزيادة في إنتاج النفط الأميركي طبقة أخرى إلى مشهد الطاقة العالمي، ما يتناقض مع تخفيضات الإنتاج داخل أوبك+.
من ناحيته، أوضح نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، الأساس المنطقي وراء إستراتيجية روسيا، مؤكدًا المساواة والعدالة في خفض الإنتاج بين جميع البلدان.
وشدد نوفاك على أن قرار روسيا بالتحول من خفض الصادرات إلى خفض الإنتاج يهدف إلى مواءمة إسهاماتها مع إسهامات الدول الأخرى، ما يمثل تحولًا إستراتيجيًا في نهجها تجاه استقرار سوق النفط العالمية. وسيتبع توزيع تخفيضات الإنتاج بين الشركات الروسية التخصيص النسبي المعتاد، ما يضمن إسهامًا متوازنًا في الجهود الجماعية لإدارة إمدادات النفط ودعم استقرار السوق.
المنافسة بين الولايات المتحدة وروسيا
تشهد الهند، التي تحتل مكانتها بصفتها ثالث أكبر مستورد للنفط على مستوى العالم، وثاني أكبر مشترٍ للنفط الروسي بعد الصين، تحولًا ملحوظًا في سلوكيات وارداتها من النفط.
ويتميز هذا التحول بتزايد اختراق النفط الأميركي السوق الهندية، وهي خطوة تعيد تشكيل التدفقات التجارية التقليدية.
وتتوقع شركة كبلر Kpler لتحليل البيانات أن ترتفع شحنات النفط الأميركية إلى الهند في مارس/آذار الماضي إلى أعلى مستوى لها منذ عام تقريبًا.
وفي الوقت نفسه، أفادت وكالة بلومبرغ بانخفاض كبير في واردات الهند من النفط الروسي بنحو 800 ألف برميل يوميًا مقارنة بذروة العام السابق.
ومن المحتمل أن يتفاقم هذا الانخفاض في واردات الهند من النفط الروسي مع ابتعاد المصافي الهندية عن قبول الشحنات من الناقلات التي تديرها شركة سوفكومفلوت، وهي شركة شحن روسية مملوكة للدولة استهدفتها العقوبات الأميركية مؤخرًا.
تجدر الإشارة إلى أن التحول نحو النفط الأميركي لا يخلو من التعقيدات، وتُسهم الفوارق في جودة النفط وأوقات العبور الأطول في الإمدادات الأميركية بديلًا غير مثالي للنفط الروسي.
في هذا السياق، يعترف كبير المحللين في شركة كبلر، مات سميث، بوجود تحول ملحوظ نحو زيادة واردات النفط الأميركية.
ويتجلى هذا التحول في قرار المصافي الهندية بوقف المشتريات من فنزويلا تحسبًا لانتهاء مدة تخفيف العقوبات الأميركية.
وسط تشديد العقوبات الأميركية ضد سوفكومفلوت، أكدت الصحافة التجارية الهندية تحول الهند نحو المزيد من النفط الأميركي.
وذكرت صحيفة "بيزنس ستاندرد" أن شهر أبريل/نيسان الجاري من المقرر أن يشهد أكبر شحنات النفط الأميركي إلى الهند في العام الماضي بمتوسط يصل إلى 250 ألف برميل يوميًا،
وستنقل النفط الأميركي السفن المتجهة في الغالب إلى الساحل الغربي للهند، المستأجرة من شركات كبرى بما في ذلك ريلاينس إندستريز Reliance Industries، وفيتول Vitol، وإكوينور Equinor، وسينوكور Sinokor، وفقًا للمعلومات الواردة من مزود المعلومات المالية "مجموعة بورصة لندن".
ويوضح الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أكبر مستوردي النفط والغاز والفحم من روسيا بين عامي 2023 و2024:
خاتمة
على الرغم من هذه الحسومات المنخفضة، يظل خام الأورال هو أهم الخيارات الاقتصادية بالنسبة إلى الهند، ما يسلط الضوء على تعقيدات المفاوضات الجارية والضغوط الجيوسياسية والاقتصادية الأوسع التي تشكّل سوق النفط العالمية.
ومن المهم ملاحظة مرونة علاقات الطاقة الروسية الهندية على خلفية العقوبات المتزايدة من الغرب، والمناقشات بشأن زيادة تشديد سقف أسعار النفط الروسي.
ويعكس هذا الوضع المناورة الإستراتيجية التي تؤديها الدول لتأمين شروط مواتية في سوق متقلبة، ما يسلط الضوء على التفاعل الدقيق بين العقوبات السياسية والحقائق الاقتصادية في مشهد الطاقة العالمي.
ومع استمرار تطور مشهد الطاقة العالمي، فإن التفاعل بين التوترات الجيوسياسية والسياسات الاقتصادية وسلوكيات السوق سيظل مجال التركيز الرئيس.
وتؤكد التعديلات التي أجراها اللاعبون الرئيسون مثل الصين والهند في استراتيجياتهم المتعلقة بشراء الطاقة، جنبًا إلى جنب مع مناورات روسيا داخل سوق دولية مقيدة، التعقيدات التي تحيط بتحقيق أمن الطاقة والاستقرار الاقتصادي في عالم سريع التغير.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
اقرأ أيضًا..
- واردات النفط الأميركية من 3 دول عربية تتجاوز 2.1 مليار دولار
- انبعاثات الميثان من مشروعات النفط والغاز الجديدة ستصل إلى 2.4 مليون طن سنويًا (تقرير)
- نفايات الألواح الشمسية تهدد بأزمة عالمية خلال عامين (دراسة)