مقالات الغازالمقالاتغازكهرباءمقالات الكهرباء

الغاز الطبيعي يعمق النفوذ الاقتصادي والسياسي لإيران في العراق (مقال)

أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • الغاز الإيراني يلبي ما يقرب من 40% من احتياجات توليد الكهرباء في العراق
  • العراق ملتزم باستيراد الغاز من إيران على مدى السنوات الـ5 المقبلة
  • صادرات الغاز الطبيعي تظل عنصرًا حيويًا في سياسة إيران الخارجية تجاه العراق
  • يتزامن التزام إيران بتصدير كميات كبيرة من الغاز إلى العراق مع نقص الغاز المحلي

يتوسع نفوذ إيران اقتصاديًا وسياسيًا في العراق نظرًا لاعتماده الكبير على واردات الغاز الطبيعي الإيراني، التي تبلغ ما يقرب من 40-45 مليون متر مكعب يوميًا، وتلبي ما يقرب من 40% من احتياجات توليد الكهرباء في العراق.

ويعزز التمديد الأخير لاتفاق تصدير الغاز الطبيعي، الموقّع في مارس/آذار 2024، مكانة إيران بصفته موردًا حيويًا للطاقة للعراق، ويرسّخ نفوذها في البلاد وسط توترات جيوسياسية..

ويضمن هذا التمديد دور إيران بصفتها لاعبًا إقليميًا رئيسًا في مجال الطاقة، ويوفر نفوذًا محتملًا في المفاوضات الجيوسياسية الأوسع.

وكشف المدير العام لشركة الغاز الوطنية الإيرانية، مجيد جكيني، خلال حفل تمديد العقد في العراق، أن إيران كسبت 15 مليار دولار من تصدير ما يقرب من 52 مليار متر مكعب من الغاز منذ عام 2017.

في المقابل، خضع الاتفاقان، الموقّعان لصالح بغداد في يوليو/تموز 2017 والبصرة في يونيو/حزيران 2018، لمناقشات مكثفة في طهران وبغداد قبل وضعهما بصيغتهما النهائية.

التزام العراق باستيراد الغاز الطبيعي من إيران

أكد وزير الكهرباء العراقي، زياد علي فاضل، التزام العراق باستيراد الغاز من إيران على مدى السنوات الـ5 المقبلة بموجب تمديد العقد، مشددًا على موثوقية إيران والدور المحوري للغاز في تزويد محطات الكهرباء العراقية بالوقود.

بدورها، تحدّ البنية التحتية القديمة في إيران، والاستثمارات الكبيرة المطلوبة في قطاع النفط والغاز، من قدرتها على زيادة إنتاج الغاز وصادراته.

وعلى الرغم من أن صادرات الغاز الطبيعي تظل عنصرًا حيويًا في سياسة إيران الخارجية تجاه العراق، فإن تحديات الطاقة المحلية، التي تواجهها إيران والديناميات الجيوسياسية المعقدة في المنطقة تشكّل عقبات هائلة أمام جدوى هذه الإستراتيجية على المدى الطويل.

وأبرمت إيران والعراق اتفاقًا مدّته 5 سنوات، تزوّد بموجبه إيران العراق بما يصل إلى 50 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا، لتلبية احتياجات محطات الكهرباء العراقية مقابل النفط والبنزين.

وينطوي تمديد اتفاق الغاز الطبيعي بين إيران والعراق على تحديات وفرص في آن واحد.

مصفاة عبادان لتكرير النفط في جنوب غرب إيران
مصفاة عبادان لتكرير النفط في جنوب غرب إيران - الصورة من رويترز

التحديات

الضغوط الاقتصادية والمرتبطة بالعقوبات: يواجه الاقتصاد الإيراني عقبات كبيرة بسبب العقوبات الدولية، وخاصة من جانب الولايات المتحدة، التي أدت إلى عرقلة المعاملات المالية والوصول إلى الأسواق.

وعلى الرغم من هذه العقبات، تعطي إيران الأولوية لصادرات الغاز إلى العراق، ربما للحفاظ على نفوذها السياسي، ما يضغط على إمدادات الغاز المحلية في إيران وسط ارتفاع الطلب وقضايا البنية التحتية.

قضايا البنية التحتية والإمدادات المحلية: يتزامن التزام إيران بتصدير كميات كبيرة من الغاز إلى العراق مع نقص الغاز المحلي، ما يعرّض احتياجات الطاقة الداخلية والإنتاج الصناعي للخطر، إذ تتطلب البنية التحتية القديمة للنفط والغاز تحديثًا كبيرًا وتوسيع القدرات.

الفرص

تعزيز العلاقات الثنائية: يرسّخ تمديد اتفاق تصدير الغاز الشراكة بين إيران والعراق في مجال الطاقة، ما قد يؤدي إلى زيادة التعاون في قطاعات أخرى، إذ تلبي إمدادات الطاقة الموثوقة من إيران احتياجات توليد الكهرباء في العراق بما يدعم الاستقرار الاقتصادي.

المزايا الاقتصادية لإيران: على الرغم من العقبات، يوفر الاتفاق إيرادات كبيرة لإيران وسط عقوبات صارمة، ويحافظ على مكانتها بصفتها لاعبًا رئيسًا بمجال الطاقة في المنطقة.

التخفيف من أزمة الكهرباء في العراق: يُعدّ استمرار استيراد الغاز الإيراني أمرًا حيويًا لمتطلبات العراق من الكهرباء، ويدعم الاستقرار والتقدم الاقتصادي من خلال التخفيف من نقص التوليد.

إمكانات التكامل الإقليمي في مجال الطاقة: يمكن أن يعزز الاتفاق تكامل الطاقة الإقليمي، وتعزيز التعاون في المشروعات، وتطوير البنية التحتية لتعزيز الأمن وخفض التكاليف وتعزيز التنمية المستدامة.

نقص الغاز الطبيعي في إيران

تواجه إيران، حاليًا، نقصًا في الغاز الطبيعي بسبب عدم كفاءة أساليب الإنتاج وارتفاع الطلب المحلي وتحديات البنية التحتية.

وعلى الرغم من امتلاك إيران ثاني أكبر احتياطيات في العالم، فإن الإنتاج الفعلي لإيران ما يزال منخفضًا نسبيًا عند نحو 5.5 تريليون قدم مكعبة (160 مليار متر مكعب) سنويًا.

ويعزى هذا القصور في القدرة الإنتاجية إلى عدم كفاية الاستثمار بحقول النفط والغاز وتأثير العقوبات الدولية.

وعلى الرغم من احتياطياتها الهائلة، فإن إمدادات الغاز الإيرانية لا تلبي الطلب المحلي، الذي يبلغ نحو 260 مليار متر مكعب سنويًا.

ومن ثم، فإن نسبة ضئيلة فقط، نحو 18 مليار متر مكعب، متاحة للتصدير.

وتعتمد إيران بشكل كبير على الغاز لتوليد الكهرباء، إذ يأتي 68% من استهلاكها من هذا المصدر، ويتناقض هذا الاعتماد الكبير بشكل صارخ مع بلدان مثل تركيا وكندا، إذ يسهم الغاز بنسبة 26% و31% فقط من استهلاك الكهرباء، على التوالي.

من ناحية ثانية، يؤدي التفاوت في تنوع مصادر الطاقة وانخفاض الأسعار إلى تفاقم اعتماد إيران على الغاز، ما يؤدي إلى خسائر كبيرة في إنتاج الغاز ونقله.

على صعيد آخر، يُهدَر ما يقرب من 25 مليار متر مكعب سنويًا بسبب عدم كفاية معدّات جمع الغاز في حقول النفط، بالإضافة إلى فقدان 7 مليارات متر مكعب إضافية خلال النقل والتوزيع.

في المقابل، تعمل محطات الطاقة الكهروحرارية في إيران بمعدل كفاءة يبلغ 33% فقط، ما يؤدي إلى هدر كبير للوقود خلال عملية التحويل.

واستجابة لهذه التحديات، تستكشف إيران تدابير مختلفة لمعالجة نقص الغاز الطبيعي لديها.

ويتضمن أحد الحلول المحتملة استيراد الغاز الطبيعي من الدول المجاورة، مثل تركمانستان وروسيا، لتعزيز إمداداتها المحلية.

بالإضافة إلى ذلك، تهدف إيران إلى تحسين بنيتها التحتية للطاقة والاستثمار في تقنيات أكثر كفاءة لتقليل الهدر وتعزيز القدرة الإنتاجية.

وتُعدّ هذه الجهود حاسمة بالنسبة لإيران لتلبية احتياجاتها من الطاقة بشكل مستدام، والتخفيف من تأثير نقص الغاز في الاستقرار المحلي والإقليمي.

اعتماد العراق على صادرات الطاقة الإيرانية

يعتمد العراق بشكل كبير على الغاز الطبيعي الإيراني، إذ يستورد نحو 40-45 مليون متر مكعب يوميًا لتلبية نحو 40% من احتياجاته من توليد الكهرباء.

ويمتد تأثير إيران في العراق إلى قطاعات مختلفة، لا سيما قطاع الطاقة، إذ تؤدي صادرات الغاز الإيراني دورًا حاسمًا.

ويعزز التمديد الأخير لعقد تصدير الغاز الطبيعي بين إيران والعراق مكانة إيران في سوق الطاقة العراقية، ومنذ عام 2017، صدّرت إيران ما يقرب من 52 مليار متر مكعب من الغاز بقيمة 15 مليار دولار إلى العراق.

وتتضمن صفقة الغاز بين إيران والعراق مقايضة زيت الوقود والخام والثقيل بالغاز الطبيعي؛ بهدف ضمان إمدادات أكثر موثوقية لمحطات الكهرباء العراقية والتحايل على العقوبات الأميركية التي تحظر المدفوعات المباشرة مقابل الغاز المصدّر إلى العراق.

وقد مُدِّدَ هذا العقد، الذي بدأ في عام 2017، لمدة 5 سنوات إضافية.

ويمتد نفوذ إيران في العراق إلى ما هو أبعد من قطاع الطاقة، ليشمل قطاعات مثل النفط والمؤسسات الأمنية والجيش.

وترتبط بعض الجماعات شبه العسكرية في العراق، بما في ذلك "قوات الحشد الشعبي"، بعلاقات مباشرة مع طهران.

محطة دهوك لتوليد الكهرباء بالغاز في العراق
محطة دهوك لتوليد الكهرباء بالغاز في العراق – الصورة من إيراك أويل ريبورت

تحقيق مكاسب اقتصادية

رغم أن العقبات ما تزال قائمة، مثل احتياجات إيران المحلية والعقوبات الدولية، فإن هناك احتمالات لتحقيق مكاسب اقتصادية، وتعزيز العلاقات الثنائية، والتعاون الإقليمي في مجال الطاقة، ويعتمد النجاح على الإدارة الفعالة للعوامل الاقتصادية والسياسية والبنية التحتية.

وفي خضم أزمة الغاز الطبيعي في إيران، تستكشف طهران إمكان استيراد الغاز من تركمانستان وروسيا للاستعمال المحلّي، مع إمكان مبادلته في العراق.

إلى جانب ذلك، تسعى إيران إلى الحفاظ على نفوذها في العراق من خلال صادرات الطاقة المستمرة.

ويثير فشل الحكومة العراقية في معالجة قضايا البنية التحتية للطاقة، وتقليل الاعتماد على الموارد الإيرانية، المخاوف بشأن استقلال العراق في مجال الطاقة وقدرته على الصمود في مواجهة التأثيرات الخارجية.

ومن الأهمية بمكان أن نتساءل: لماذا أهملت الحكومة العراقية قضايا البنية التحتية للطاقة، وفشلت في تقليل الاعتماد على الموارد الإيرانية لأكثر من عقدين من الزمن؟

وتُعدّ معالجة هذه القضايا أمرًا حيويًا لاستقلال العراق في مجال الطاقة، وقدرته على الصمود في مواجهة التأثيرات الخارجية.

 

* الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

 

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق