التقاريرتقارير الغازتقارير النفطرئيسيةغازنفط

تطورات الطاقة في أفريقيا تمهد للتحول وتعزز التوازن العالمي (تقرير)

هبة مصطفى

لسنوات طويلة، كافح قطاع الطاقة في أفريقيا ليبرز إمكانات القارة الهائلة واحتياطياتها، ويبدو أنه نجح في ذلك وجذب أنظار كبريات الشركات العالمية للاستثمار في تطوير آباره وحقوله.

ومع عمليات الاستكشاف والتنقيب المتواصلة، سطع نجم بعض دول شمال القارة وغربها، وانضمت دول أخرى تدريجيًا إلى الدول المنتجة.

وبحسب متابعة منصة الطاقة المتخصصة للسوق العالمية ومدى تأثرها بالأحداث الجيوسياسية، يبدو أن الغاز الأفريقي بات طوق نجاة -خاصة لأوروبا- بعدما غادرها الغاز الروسي عقب اندلاع حرب أوكرانيا.

ولم تنفصل أفريقيا عن مسيرة تحول الطاقة العالمية، حتى وإن تأخرت عن الركب بعض الشيء، إذ تسعى بمعدل بطيء إلى التخلص من الاعتماد المفرط على الفحم في توليد الكهرباء وإفساح مساحة أكبر للطاقة المتجددة.

وفي التقرير أدناه، نستعرض ملامح ومحطات من قطاع الطاقة في أفريقيا، والشكوك حول قدرة إمكانات تحول الطاقة على جذب استثمارات مماثلة لما نجح فيه النفط والغاز.

تاريخ مشرف

أحرز قطاع الطاقة في أفريقيا إنجازات مهمة خلال القرن الماضي، أسست بخطى ثابتة لموقع القارة ضمن خريطة المنتجين في العالم.

ومنذ منتصف القرن، شهد القطاع تحولًا جذريًا في صناعة النفط والغاز، مع اكتشاف الجزائر أكبر حقولها النفطية "حقل حاسي مسعود" عام 1956، وعقب ذلك بعام واحد (في 1957) اكتُشف أكبر حقول البلاد من الغاز "حقل حاسي الرمل".

ويرصد الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أبرز المعلومات حول اكتشاف في حقل الغاز الجزائري "حاسي الرمل":

حاسي الرمل

وانضمت ليبيا إلى فريق عمالقة منتجي الوقود الأحفوري في القارة السمراء، إذ تلقت الصناعة دعمًا واسعًا من اكتشاف "حقول السرير" عام 1961.

وامتدت الاحتياطيات والموارد من شمال القارة إلى غربها، وحظيت دول غرب أفريقيا على مدار ما يزيد على 40 عامًا (من 1958 حتى عام 2000) بتسجيل اكتشافات لنحو 20 حقلًا، باحتياطيات إجمالية تتجاوز مليار برميل.

وتدريجيًا، انتقلت حمى التنقيب عن النفط والغاز إلى بلدان جديدة، وغيّرت اكتشافات الغاز قبالة سواحل موزمبيق وتنزانيا المشهد منذ عام 2006.

الاستثمارات العالمية

أسّست اكتشافات موزمبيق وتنزانيا -خلال السنوات من 2010 حتى 2015- لموقع جديد للقارة ضمن سوق الغاز العالمية، بتسجيل موارد تصل إلى 170 تريليون قدم مكعبة.

ويُعد زخم هذه الاكتشافات وثراؤها امتدادًا للاستعمالات البدائية للنفط، إذ استعمله المصريون القدماء لأغراض اللصق والتحنيط والدهانات.

وبدأ قطاع الطاقة في أفريقيا يأخذ شكلًا جديدًا مع زيادة وتيرة الاستثمارات الأجنبية في النفط والغاز، وأضافت الاستثمارات إلى موارد شمال القارة تحولًا ملموسًا خلال خمسينيات القرن الماضي.

وبالإضافة إلى ذلك، أظهرت نيجيريا أداء جيدًا في تطوير مشروعها المشترك مع شركة شل (Shell) العالمية وشركة توتال إنرجي (Total Energy) الفرنسية.

ومع توالي الاكتشافات منذ الخمسينيات، رسخت شركات النفط والغاز العالمية أقدامها بقطاع الطاقة في أفريقيا وزاد عددها، ودفع ذلك نحو قفزة إنتاج السوائل إلى أعلى مستوياته.

وخلال المدة من عام 2006 حتى 2008، اقترب إجمالي الإنتاج من 10 ملايين برميل يوميًا، وفق تقديرات مزود بيانات الطاقة العالمي "بلاتس" المنشورة في موقع ستاندرد آند بورز غلوبال (S&P Global).

الغاز وتحول الطاقة

جاء تزايد تركيز قطاع الطاقة في أفريقيا على استثمارات تطوير الغاز بمثابة محاولة للتكيف مع المسار العالمي للتحول، والتخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري.

وعقب تداعيات الحرب الأوكرانية وانقلاب خريطة الغاز رأسًا على عقب، برهنت الطاقة المتجددة أنها غير كافية -حتى الآن- لتحل محل الوقود الأحفوري، وعزز ذلك من موقف الغاز بصفته وقودًا انتقاليًا ورئيسًا للمرحلة.

ويقارن الرسم البياني التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- بين إمدادات أكبر 3 منتجين في أفريقيا من عام 2020 وتوقعاتها حتى 2025:

تعرف على أكبر منتجي الغاز في أفريقيا

ومع بحث أوروبا عن منافذ بديلة، برز الحديث حول الغاز الأفريقي على السطح من جديد، وجعله عدد من الحكومات والشركات المنتجة أولوية لوجهة استثماراتها.

وبذلك يعتمد تحول الطاقة الأوروبي في الآونة الحالية على موارد الغاز الأفريقية، خاصة في ظل تقطع إنتاج مصادر الطاقة المتجددة.

وقد تدفع خطوات تطوير الغاز المسال في موزمبيق نحو تقلدها موقع الصدارة الأفريقية ضمن أكبر المُصدرين.

وقد تعزز القارة السمراء من توازن قطاع الطاقة العالمي بالجمع بين تطوير قطاع الطاقة في أفريقيا، بالتوازي مع إحراز خطوات في مسار التحول.

مشروعات قوية

امتدادًا لحالة حراك قطاع الطاقة في أفريقيا، يستعد مشروع تورتو أحميم للغاز المسال المشترك بين السنغال وموريتانيا للتشغيل، مع انتهاء شركة النفط البريطانية (BP) من الخطوات التحضيرية.

وقد يدخل مشروع مارين 12 (Marine XII) التابع لشركة إيني الإيطالية (Eni) في الكونغو، حيز الإنتاج خلال العام الجاري 2024.

وتشهد مشروعات تصدير الغاز في نيجيريا وتنزانيا حراكًا قويًا، إذ تترقب موافقات وشيكة على التطوير.

ويتلاءم هذا النشاط مع قدرة الإسالة الآخذة في الارتفاع بالقارة، إذ تُقدر بنحو 75 مليون طن سنويًا في الآونة الحالية، وقد تقارب بحلول عام 2040 ما يصل إلى 130 مليون طن سنويًا.

وتجري الاستعدادات على قدم وساق لتطوير مشروعات الغاز قبالة سواحل ناميبيا، وفي جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى انضمام عدد من دول القارة إلى قائمة أكبر مُصدري الغاز المسال.

ويبدو أن استثمارات الطاقة في أفريقيا ستواجه مفترق طرق، بين إمكانات الوقود الأحفوري الواعدة من جهة، ومطالبات التحول والانتقال والتركيز على الطاقة النظيفة من جهة أخرى.

وبرهنت دول مثل: المغرب ومصر وناميبيا، على أن الاستقرار أحد أبرز عوامل جذب الاستثمارات وزيادة الاستكشافات، في حين تسعى أنغولا لتهيئة المناخ لشروط مُشجعة لمزيد من الاكتشافات.

أبراج تبريد في محطة لتوليد الكهرباء بالفحم بجنوب أفريقيا
أبراج تبريد في محطة لتوليد الكهرباء بالفحم لدى جنوب أفريقيا - الصورة من China Dialogue

تراجع الفحم

لا يمكن الحديث حول دور الغاز لتعزيز تحول الطاقة في أفريقيا دون التطرق إلى دور الفحم الملوث، ويتطلب "فطم" القارة السمراء عن اعتمادها على الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء جهدًا كبيرًا.

ويُعد تخلص القارة الفوري من الوقود الأحفوري غير منطقي، خاصة أن دول أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء تعتمد على الفحم الملوث في توليد الكهرباء بنسبة تصل إلى 40%.

ويبدو أن تهالك محطات الكهرباء العاملة بالفحم جاء في صالح تحول الطاقة في أفريقيا، لا سيما مع تراجع وتيرة الإقبال العالمي على ضخ استثمارات جديدة في مشروعات للوقود المنبوذ عالميًا.

ويُعد الغاز ومصادر الطاقة المتجددة البديلين المناسبين عن الفحم، خاصة أن استثمارات كبار اللاعبين -مثل الصين- في الوقود الأحفوري الأفريقي ستتأثر بتغير إستراتيجيتها والتركيز على مصادر أنظف للطاقة.

وتُشير التوقعات إلى أن الغاز سيحتل حصة قدرها 35% من مزيج الكهرباء الأفريقي بحلول عام 2050، في حين تتراجع حصة الفحم إلى ما دون 3%.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق