رئيسيةتقارير منوعةسلايدر الرئيسيةمنوعات

الطهي بالفحم يهدد تحول الطاقة في أفريقيا.. و10 دول أكثر معاناة

هبة مصطفى

يتسع نطاق الطهي بالفحم في أفريقيا إلى حد كبير ليضيف إلى ملوثاتها عنصرًا جديدًا يعوق عملية تحول الطاقة، لا سيما أن الحديث عن وقود الطهي يشمل نطاقًا عريضًا من الأسر التي لم تنتقل بعد إلى الاعتماد على الكهرباء.

ولا تقل انبعاثات وقود الطهي أهمية عن انبعاثات قطاع النقل، إلا أن استعمال الفحم في إعداد الوجبات اليومية يعرّض ربات المنازل لآثار وتداعيات صحية.

وإذا ما كان استعمال الفحم -سواء في توليد الكهرباء أو الطهي أو غيره- يشكل عائقًا أمام تحول الطاقة في القارة السمراء، فإن السؤال يبقى مطروحًا حول إمكان نشر سبل الطهي بالكهرباء بين دول يعاني عدد لا بأس به من سكانها عدم انتظام التيار وصعوبة الوصول للكهرباء.

وفي التقرير أدناه، تستعرض منصة الطاقة المتخصصة نماذج لتوسعات الطهي بالفحم في أفريقيا، ومحاولات البرامج العالمية للإسهام في تغيير حقيقي، حتى يتسق خفض انبعاثات الطهي مع التقدم المحدود في قطاعات الطاقة المتجددة.

لماذا يُستعمل الفحم في الطهي؟

يرجع انتشار عمليات الطهي بالفحم في أفريقيا إلى نقص إمدادات الوقود البديلة، التي حتى وإن توفرت فإنها تُستعمل على نطاق محدود وحسب أولويات الطلب.

ويشمل توغل الوقود الملوث نطاقًا أوسع من الدول التي تواجه تحديات في الوصول للكهرباء، إذ ما زال يُشكل عنصرًا رئيسًا لدى دول تحظى بانتشار معقول للكهرباء، لأنه يؤدّي دورًا مهمًا في صناعة الحديد الخام والطهي.

وفي ظل نقص المصادر البديلة -مثل الغاز والكهرباء- يزداد الطلب على الفحم والكتلة الحيوية مثل الحطب والخشب.

طهو الطعام باستعمال الخشب
طهي الطعام باستعمال الخشب - الصورة من RT

ولا يُعد نقص الكهرباء -فقط- السبب الأبرز لزيادة معدلات الطهي بالفحم في أفريقيا، إذ ما زال يُستعمل في مناطق تصل الكهرباء إليها بسهولة، وربما يرجع ذلك إلى انخفاض تكلفته ووفرة إمداداته وسهولة نقله وتصديره.

ويمتد هذا التفسير إلى السوق العالمية بأسرها وليس أفريقيا فقط، إذ أُنتج إجمالًا ما يزيد على 53 مليون طن من الفحم النباتي أو المستخرج من أخشاب الأشجار (Charcoal) عام 2018، وهو الفحم المستعمل وقودًا في الطهي، حسب بحث منشور في الموقع الإلكتروني لمركز كلاين مان إنرجي لسياسات الطاقة (Kleinman Center for Energy Policy).

وتؤدي الغابات الأفريقية دورًا في إنتاجه، من بينها غابات نيجيريا وتنزانيا والكونغو، كما توسعت مصر وإثيوبيا وناميبيا والصومال في تعزيز مخزوناته لاستعمالات الطهي والصناعات الثقيلة.

نماذج أفريقية

يزداد عدد الأسر المعتمدة على الطهي بالفحم في أفريقيا تحديدًا، ورغم أن استعمالات العالمية ما زالت واسعة النطاق فإنه في القارة السمراء هو المصدر الرئيس والأبرز بصفته وقودًا للطهي بالنظر إلى تكلفته المعقولة وسهولة الوصول إليه مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى.

وفي حال توافر الغاز الطبيعي والكهرباء لدى بعض دول القارة، فإن الأولوية تكون إما لتلبية الاستهلاك المحلي وزيادة معدلات الوصول وإما للتصدير، ونرصد تجارب بعض الأسر من هذه الدول فيما يلي:

1) دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى:

يشكل الفحم المستعمل وقودًا للطهي (أو الفحم النباتي) عنصرًا رئيسًا لنحو 195 مليون أفريقي (18% من إجمالي عدد السكان)، وعنصرًا بديلًا لما يقرب من 200 مليون شخص، حسب تقديرات وردت في بحث نشره موقع ساينس دايركت (Science Direct).

وتعتمد دول أفريقيا جنوب الصحراء -عدا جنوب أفريقيا- على مصادر الكتلة الحيوية التقليدية بحصة 75% من إجمالي مزيج الطاقة، غالبيتها يتوجه إلى الطهي.

ويغلب الطهي بالفحم في دول أفريقيا جنوب الصحراء على المناطق الحضرية لسهولة نقله، في حين تفضل المناطق الريفية الحطب.

واستحوذت الكونغو على الحصة الأكبر من استعمال الفحم في الطهي بما يشمل 29 مليون شخص، في حين تراوح عدد مستعملي الوقود الملوث في تنزانيا والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا ونيجيريا بين 12 و18 مليون شخص.

2) رواندا:

تعتمد غالبية الأسر في المناطق الحضرية في رواندا على الفحم وقودًا للطهي، ويهدد ذلك شريحة كبيرة من المجتمع غالبيتها من النساء والأطفال، نتيجة تعرضهم لوقت أطول إلى ملوثات الفحم سواء في المنازل أو الهواء.

وأطلقت منظمة الطاقة المستدامة سي فور أوول (SE for All) مبادرة في الدولة الواقعة شرق أفريقيا، لتجربة نشر الطهي الكهربائي، بهدف تجنب انبعاثات الطهي بالفحم في أفريقيا، وتوفير وقت ربات المنازل باستعمال قدور الضغط الذكية العاملة بالكهرباء، وفق موقع إي إس آي أفريكا (ESI Africa).

امرأة أفريقية تستعمل قدرًا كهربائية في الطهي
امرأة أفريقية تستعمل قدرًا كهربائية في الطهي - الصورة من UpEnergy Group

3) أوغندا:

بالإضافة إلى الآثار الصحية، تحمل عمليات الطهي بالفحم في أفريقيا زاوية بيئية مهمة، إذ يتطلب إنتاج الفحم النباتي إزالة الغابات لاستخراج الوقود الملوث وأنواع الكتلة الحيوية الأخرى منها، مثل حالة أوغندا.

وكشفت نتائج دراسة عن أن ما يزيد على 90% من الأسر الأوغندية تستعمل الحطب والفحم النباتي، ما يتسبب في مخاطر صحية وبيئية سواءً لما يطلقه الفحم من ملوثات وانبعاثات، أو الخطر المحدق بالغابات والمناخ، حسب نتائج منشورة في موقع إم دي بي آي (MDPI).

وتدعم الغابات الطبيعية في أوغندا النظام البيئي الكامل للبلاد، وتوفر مصدرًا لإنتاج الأخشاب وتنشيط السياحة.

وقد تزداد معدلات فقدان الغابات بمواصلة اعتماد أوغندا على الفحم وقودًا للطهي ومصدرًا رئيسًا للطاقة، خاصة أن 42.7% فقط من السكان يمكنهم الوصول إلى الكهرباء، وفق شبكة أبحاث التطوير الدنماركية (DDRN).

ويعكف باحثون من جامعة غولو على توفير مصدر أكثر نظافة للطهي وحماية الغابات من خطر الإزالة بدراسة الاستفادة من النفايات الزراعية، في حين أطلقوا عليه مشروع "الفحم الأخضر".

ويواجه مشروع الفحم الأخضر تحديات جمة، أبرزها انقطاع الكهرباء عن مناطق الشمال، رغم أن غالبية إمدادات الكهرباء المستعملة في أوغندا مولدة من الطاقة الكهرومائية.

4) الكاميرون:

امتدت استعمالات الطهي بالفحم في أفريقيا إلى الكاميرون، في محاولة لإنقاذ الغابات من الانقراض وتحجيم التأثير الصحي السلبي للتلوث والانبعاثات.

وابتكرت مجموعة شبابية في الدولة الأفريقية إستراتيجية جديدة للسيطرة على انبعاثات الفحم، بإعادة تدوير مخلفات وبقايا الطعام وتحويلها إلى فحم صديق للبيئة لا يطلق الأدخنة، وفق موقع ميديا فور أفريكا (Media for Africa).

وربما يسهم هذا الابتكار في خفض اعتماد 80% من سكان الكاميرون ومناطقها الريفية على الوقود المستخرج من الأخشاب والفحم النباتي، خاصة أن حجم الطلب على الطاقة المستخرجة من الأخشاب في البلاد يقدر بنحو 6.560 مليون طن سنويًا، يشكل الفحم 356 ألف طن منها.

سلال لبيع الفحم النباتي المستعمل في الطهي
سلال لبيع الفحم النباتي المستعمل في الطهي - الصورة من The Charcoal Project

5) تنزانيا:

انعكست توسعات الطهي بالفحم في أفريقيا على تنزانيا أيضًا، إذ يشكل الوقود الملوث والحطب 90% من إمدادات المنازل.

وتستهدف حكومة تنزانيا تحويل اعتماد وقود عملية الطهي إلى مصادر الطاقة النظيفة والغاز، بنسبة 80%، بحلول 2032.

وتحصل تنزانيا -مثلها مثل الدول الأفريقية الأخرى- على الفحم المستعمل في الطهي من جذوع أشجار الغابات، وتسبب ذلك في فقدان البلاد 470 ألف فدان سنويًا من الغابات خلال المدة من عام 2015 حتى 2020، حسب صحيفة تشاينا ديلوج (China Dialogue).

ولتعزيز موارد الغاز ونشره في المنازل بصفته وقودًا للطهي، تعقد الحكومة اتفاقيات مع كبريات شركات الطاقة -مثل شل وإكوينور- لتعزيز الاستهلاك المحلي والتصدير.

6) مدغشقر:

بدأ الجفاف يدب في مدغشقر أيضًا، بفعل استمرار قطع الأشجار وحرق الغابات للحصول على وقود الكتلة الحيوية، وازدهرت تجارة الفحم الملوث المستعمل وقودًا للطهي.

وقد تترتب على مواصلة تدمير غابات مدغشقر آثار واسعة النطاق، مثل الانبعاثات وتغيير أنماط المطر وفقدان التربة، حسب صحيفة فايننشال تايمز (Financial Times).

فحم الطهي وتحول الطاقة في أفريقيا

يشكل نمو عمليات الطهي بالفحم في أفريقيا عثرة جديدة أمام خطط تحول الطاقة، إذ يقضي الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة التخلي عن وقود الكتلة الحيوية وزيادة استثمارات الكهرباء وغاز النفط المسال.

وترمي أهداف التنمية المستدامة إلى تعزيز الحق في الحصول على طهي نظيف وآمن بحلول عام 2030، لكن تزايد الطلب على الفحم (سواء لتوليد الكهرباء أو للطهي) بات لا يهدد فقط تحول الطاقة، وإنما يمتد تأثيره -أيضًا- إلى التنوع البيولوجي وتغير المناخ.

ولجأت حكومات أفريقية عدة إلى حظر تصدير الفحم النباتي المستعمل في الطهي، ويبدو أن تلك الخطوة لم تكن كافية، إذ ظهرت سوق موازية استأنفت توزيع الفحم محليًا ونقله خارج حدود الدول في صورة ألواح خشبية قبل أن يستخرج منها، حسب صحيفة فورست نيوز (Forests News).

وتتسبب صناعات النفط والتعدين وكذلك توليد الكهرباء بمصادر الوقود الأحفوري وعمليات الطهي بالفحم في أفريقيا في تلويث الهواء، إذ تنتج الكربون الأسود وانبعاثات غازات الدفيئة وثاني أكسيد النيتروجين.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق