تقارير النفطرئيسيةنفط

مشروع مصفاة تكرير في بنغلاديش يخسر السعودية والكويت.. ما القصة؟

أسماء السعداوي

يعاني قطاع التكرير في بنغلاديش من شح المصافي رغم ارتفاع الطلب في البلد الذي يقترب عدد سكانه من 174 مليون نسمة، وفي الوقت الذي تتكبد فيه خزينة الدولة المُثقل كاهلها بالديون تكلفة استيراد النفط والمشتقات بالدولار الشحيح.

ولا توجد سوى مصفاة وحيدة في تشاتوغرام أسستها شركة المصفاة الشرقية المحدودة (ERL) في عام 1960، ثم دخلت حيز التشغيل بعد 8 سنوات، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وتصل القدرة الإنتاجية للمصفاة إلى 1.5 مليون طن سنويًا (8.5 ملايين برميل)، وتلبي 20% فقط من الطلب، وكانت تعتمد على نفط حقل أغا جاري في إيران، ثم جرى تحديثها لاستقبال النفط المستورد من السعودية وأبو ظبي في أواخر سبعينيات القرن الماضي.

(الطن = 7.1 برميلًا).

وخضعت المصفاة لعمليات تطوير في منتصف التسعينيات لإنتاج مشتقات نفطية متنوعة، لكن المصفاة قديمة، ولم تعد تكفي لتلبية الطلب على المشتقات الذي تضاعفَ عدة مرات، إلى 7.5 ملايين طن حاليًا.

وبسبب قِدم المصفاة وقدراتها الضعيفة على التكرير، حُرمت بنغلاديش من فرصة الاستفادة من النفط الروسي الرخيص، مثلما فعلت الهند والصين.

وواجهت فكرة إقامة ثاني مصافي التكرير في بنغلاديش عقبات كثيرة منذ طرحها على السعودية والكويت والصين لأول مرة، ورغم الترحيب والاهتمام، لم يحرز المشروع تقدمًا.

وتتراوح قيمة الاستثمارات بالمصفاة الجديدة بين 12 و15 مليار دولار، ويمكنها أن تضمن أمن الطاقة على المدى الطويل، بالإضافة إلى كسب مليارات الدولارات سنويًا نظير تصدير المشتقات، فضلًا عن توفير النقد الأجنبي المستنزف في الواردات.

ثانية مصافي التكرير في بنغلاديش

أبدت رئيسة الوزراء الشيخة حسين واجد اهتمامًا كبيرًا بتحقيق أمن الطاقة في بنغلاديش على المدى الطويل، كما أعربت عن رغبتها في إقامة مصفاة نفط جديدة ومرافق جديدة للغاز المسال والبتروكيماويات في أقرب وقت.

من جانبها، أطلقت وزارة الطاقة عدّة مبادرات لتحديث وتوسيع نطاق المصفاة الوحيدة على مدار العقدين الماضيين.

ويقول خبراء، إن مصفاة تشاتوغرام قديمة للغاية، ولا يمكنها اللحاق بركب المصافي الأحدث والأكثر كفاءة، ثم عادوا وأعربوا عن رغبتهم في توسيع نطاقها فقط، لكن الأمر ربما لا يكون مجديًا من الناحية التقنية، كما أنها تقع داخل منطقة مكتظة بالسكان.

مصفاة النفط الوحيدة في بنغلاديش
مصفاة النفط الوحيدة في بنغلاديش - الصورة من موقع الشركة المشغّلة

وربما يكون الخيار الأفضل إقامة مصفاة حديثة بسعة 20 مليون طن لتدعيم صناعة التكرير في بنغلاديش، في مدينة ماتارباري الساحلية، إذ يمكن لناقلات النفط الكبيرة جدًا تفريغ شحنات الخام بأمان.

وحاولت شركة بنغلاديش بتروليوم (BPC) إجراء اتصالات مع الكويت والسعودية والصين للمشاركة ببناء ثاني مصافي التكرير في بنغلاديش داخل إطار مشروع مشترك، أو على أساس الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

من جانبها، أبدت شركة نفط الكويت (KOC) اهتمامًا بالمشاركة في مشروع مشترك مع شركة بنغلاديش بتروليوم وشركة المصفاة الشرقية المحدودة، بحسب تقرير صحيفة "ذا بيزنس ستاندرد" (The business standard).

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، جرى حثّ الشركة الكويتية على تسريع وتيرة بناء المصفاة، لكن لم يُحرَز أيّ تقدّم يُذكَر، ثم اتجهت الشركة للاستثمار في مصفاة نفط ضخمة في فيتنام.

كما أبدت الصين اهتمامًا ببناء المصفاة الجديدة في بنغلاديش، واقترحت تطوير المشروع بموجب قرض صيني، وهو ما رفضته شركة بنغلاديش بتروليوم، بسبب العبء الهائل الذي سيخلّفه القرض على كاهل الدولة.

أرامكو السعودية

في عام 2017، أدّى سفير بنغلاديش لدى السعودية في ذلك الوقت، غلام موشي، دورًا كبيرًا في إقناع رئيس شركة أرامكو العملاقة بالاستثمار في مصفاة تكرير النفط الجديدة.

سفير بنغلاديش السابق في السعودية غلام موشي
سفير بنغلاديش السابق في السعودية غلام موشي- الصورة من صحيفة عكاظ

وبالفعل، أبدت أرامكو اهتمامًا بالمشاركة في الاستثمار بحزمة شاملة تتضمن إقامة مصفاة ضخمة بقدرة إنتاجية 20 مليون طن مع شركة المصفاة الشرقية المحدودة، ومرافق الغاز المسال مع شركة النفط والغاز الحكومية بتروبانغلا (Petrobangla) ومجمع بتروكيماويات مع شركتي بتروبانغلا وشركة "بي سي آي سي" (BCIC).

ولسوء الحظ لاقى المشروع اهتمامًا باردًا من شركتي بنغلاديش بتروليوم وبتروبانغلا، ولم تقدّما التعاون المطلوب لإقناع أرامكو بالاستثمار في بنغلاديش.

ونتيجة لذلك، أُصيب فريق أرامكو بالإحباط، واتّجه للاستثمار في الصين وكوريا الجنوبية والهند، وهو ما حرم بنغلاديش من وجود أرامكو على أراضيها، وإقامة مشروعات استثمارية ضخمة.

ولفت السفير إلى افتقار بنغلاديش للخبراء المطلوبين لجذب الاستثمارات الأجنبية، وللتعامل مع أصحابها.

وعمّا إذا كان من الممكن إحياء المفاوضات مع أرامكو، قال: إن "الأمر ممكن بشرط إعداد الفريق الصحيح المزود بالإستراتيجية المناسبة، ومن المحتمل بصورة كبيرة أن يحدث ذلك حاليًا، وخاصة في ضوء حرص القائد الديناميكي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على رؤية تقدّم بنغلاديش".

القطاع الخاص ومخاوف مشروعة

يتردد داخل أوساط قطاع تكرير النفط في بنغلاديش أن بعض رجال الأعمال يفضّلون مواصلة استيراد المشتقات النفطية بدلًا من تحقيق الاكتفاء الذاتي؛ بسبب المكاسب المالية والعمولات الضخمة التي سيحصلون عليها نظير الاستيراد.

وفي تحول كبير، تتجه الحكومة -حاليًا- نحو السماح للقطاع الخاص باستيراد النفط الخام وتكريره عبر إقامة وإدارة مصافي تكرير، ثم تسويق المنتجات عبر شبكاته الخاصة؛ لأن الحكومة لم تتمكن من توسيع نطاق المصفاة الوحيدة للّحاق بركب الطلب المتسارع.

لكن مسألة الطاقة قضية حساسة للغاية بالنسبة للأمن القومي؛ ولذلك يقول خبراء، إن خروج أمر مصافي التكرير من يد الحكومة وانتهاءه بيد عدد صغير من رجال الأعمال والنقابات ربما يعرض كلًا من الاقتصاد والأمن القومي للخطر في المستقبل.

موضوعات متعلقة

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق