السيارات الكهربائية الصينية تخاطر بأمن أوروبا.. هل تستمر المنافسة؟
دينا قدري
أثار انتشار السيارات الكهربائية الصينية في السوق الأوروبية قلق العديد من المسؤولين والمراقبين؛ نظرًا لما يفرضه من تقويض المنافسة وتهديد أمن القارة العجوز، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وجذبت هذه السيارات الجديدة إعجاب الجمهور، إذ بدت النماذج مرحة وممتعة وعملية، فضلًا عن كونها رخيصة مقارنةً بسيارات تيسلا (Tesla) أو نظيراتها الأوروبية، مثل رينو (Renault) وبي إم دبليو (BMW).
ويبدو أن العلامات التجارية الصينية تقود الطريق، وتطرح قضايا أمنية خطيرة يتعين على الاتحاد الأوروبي وحكومات الدول الأعضاء معالجتها بسرعة، إلى جانب التحدي الاقتصادي الذي يواجهه المنافسون الأوروبيون.
ورأت مديرة برنامج آسيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، يانكا أورتيل، أن التهديد المزدوج الذي تشكّله السيارات الكهربائية الصينية على القدرة التنافسية والأمن في أوروبا، ربما يكون ما تحتاج إليه القارة لإجراء نقاش حقيقي حول الثقة والقدرة الصناعية.
وأوضحت أنه سيتعين على الأوروبيين -أساسًا- أن يتوصلوا إلى ما إذا كانوا يثقون في الشركات الصينية لقيادة التحول الرقمي والأخضر.
ما هي مخاطر السيارات الكهربائية الصينية؟
قد يزعم بعضهم أن الأوروبيين لا بد أن يكونوا ممتنّين للسيارات الصينية المدعومة، التي قد تسمح لأوروبا بالانتقال إلى التنقل منخفض الكربون بشكل أسرع وأرخص، وأن عليهم احتضان الوافدين الجدد في السوق القديمة، وأن شركات صناعة السيارات الألمانية لا بد أن تدفع ثمن التشبث بأحلام التفوق الهندسي الأبدي التي تغذّيها محركات الاحتراق الداخلي.
ويُقارن بعض المراقبين وصولهم بظهور الشركات المصنّعة اليابانية والكورية في السبعينيات، ويشيرون إلى أن المنافسة لم تكن أسوأ ما حدث لهذه الصناعة.
وأكدت يانكا أورتيل -في مقال اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة- أن هذه النقاط صحيحة، ولكنها تتجاهل سرعة طرح النماذج الصينية، وحجم التحدي، بمجرد أن يتبنّاها السائقون الأوروبيون بأعداد كبيرة، والعواقب الجيوسياسية النهائية لوجود السيارات الكهربائية الصينية على طرقات أوروبا.
وهذه ليست مجرد سيارات، وبالفعل ليس المقصود من السيارات الحديثة أن تكون كذلك؛ فمن المفترض أن تكون منصات للتنقل تشارك في تدفّق مستمر للاتصالات والترفيه ومشاركة البيانات.
وبدرجات متفاوتة من التطور، تجمع السيارات الجديدة اليوم -بالفعل- البيانات لتدريب الذكاء الاصطناعي على القيادة الآلية؛ إذ يُراقَب سلوك السائق والراكب داخل السيارة، في حين تقوم أجهزة الاستشعار خارج السيارة بتتبّع وتعقّب المناطق المحيطة لتعليم البرمجيات.
وقالت يانكا أورتيل، إن "من يتحكم في تدفقات البيانات وتحديثات البرامج؟" هو بعيد كل البعد عن كونه سؤالًا تافهًا، إذ تتعدى إجاباته على قضايا الأمن القومي، والأمن السيبراني، والخصوصية الفردية.
ولهذه الأسباب، يتعين على صنّاع السياسات أن يتعاملوا مع هذه المركبات الجديدة بشكل مختلف عن السيارات التي عرفناها من قبل، ومن المثير للقلق أنهم لم يفعلوا ذلك بشكل كامل بعد.
تهديدات أمنية
بدأت المفوضية الأوروبية بإعلانها أنها تنظر في "جوانب الأمن السيبراني للمركبات المتصلة والآلية، بما في ذلك السيارات الكهربائية" على أنها تمثّل الأولوية، وتخطط لتقييم مخاطر هذه السيارات الكهربائية، جزءًا من هذا الجهد.
كما بدأ بعض مراقبي الصين والبرلمانيين في أوروبا في إثارة أسئلة مماثلة، ولكن ما يزال هناك نقاش أوسع نطاقًا، قد يشمل قضايا حماية المستهلك، وخطر المراقبة المستهدفة، واحتمالات التجسس على نطاق واسع من خلال "ميكروفونات" السيارات، و"الكاميرات"، وأجهزة الاستشعار.
ويتمثل التحدي في السيارات الكهربائية، بشكل مباشر، في أنه قد يكون من الصعب التحكم بأيّ منتج متصل يخضع لتحديثات البرامج من البائع.
ومن المحتمل أن يكون من المستحيل تقديم تنظيم يعالج بشكل كامل المخاطر التي تنشأ عن هذه العلاقة؛ وسيعتمد نجاحها في نهاية المطاف على قدرة السلطات الأوروبية في التحقق من التزام الشركات بالقواعد.
في المقابل، فإن طبيعة السيارات الكهربائية تعني أن السؤال التالي سيكون أكثر صعوبة؛ فعوامل السعر والتوفر حساسة للغاية، وستكون حجة المناخ مقنعة لصانعي السياسات والمستهلكين على حدٍّ سواء، كما أن جودة السيارات الصينية لا تتساوى مع منافسيها فحسب، بل تتفوق عليها في كثير من الأحيان.
وللبدء في معالجة هذه المشكلة، يحتاج الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى كسب الوقت لتمكين صنّاع القرار من التفكير، والتخطيط للقواعد التي يتعين عليهم تقديمها.
أسئلة مطروحة
طرحت يانكا أورتيل عدّة تساؤلات: هل ينبغي السماح لموظفي الخدمة العامة الأوروبيين بقيادة السيارات الكهربائية الصينية؟ وماذا عن أعضاء البرلمان أو القضاة أو الشرطة أو أطباء الطوارئ؟
وهل ينبغي السماح لهذه السيارات بالقيادة في أيّ مكان بأوروبا؟ هل ينبغي تقليصها بالقرب من المنشآت العسكرية، أو قواعد حلف شمال الأطلسي، أو غيرها من البنية التحتية الحيوية؟
وأشارت أورتيل إلى أن الحكومة الصينية تدرك تمامًا المخاطر الأمنية التي تفرضها السيارات الكهربائية، وتطبّق بالفعل قيودًا مماثلة على سيارات تيسلا.
وتابعت: "كم عدد السيارات الكهربائية التي قد تحتاج إليها الوكالات الصينية نظريًا لكل كيلومتر مربع لتجميع صورة استخباراتية كاملة في المستقبل؟ هل يُسمح بتحميل البيانات في الوقت الفعلي، أم مع تأخير زمني فقط؟"
وشددت على أنه يتعين على صنّاع السياسات أن يطرحوا هذه الأسئلة الآن، وليس بمجرد أن يشتري المستهلكون الأوروبيون السيارات، فسيكون أوان التنظيم قد فات بعد ذلك.
في الوقت الحالي، ما تزال السيارات الكهربائية الصينية تؤدي دورًا هامشيًا في سوق السيارات الأوروبية عمومًا، لكن هذا الأمر يتغير بسرعة.
وللسماح بأقصى قدر من الحماية للمستهلك والشفافية الكاملة، يجب على الاتحاد الأوروبي وحكومات الدول الأعضاء ضمان وجود التنظيم في السوق الموحدة بأكملها بأقرب وقت ممكن، بحسب ما جاء في المقال الذي اطّلعت منصة الطاقة على تفاصيله.
وعلى مستوى الدول الأعضاء، يحتاج صنّاع القرار إلى إيجاد التوازن الصحيح بين تخفيف المخاطر الأمنية التي لا يمكن السيطرة عليها، والحفاظ على الانفتاح الأوروبي أمام السيارات الكهربائية من دول خارج الاتحاد الأوروبي، للمساعدة بإزالة الكربون من قطاع النقل.
وسيكون تعزيز المنافسة في السوق الأوروبية بين المصنّعين الأوروبيين وغير الأوروبيين (لكن غير الصينيين) عاملًا أساسيًا في خفض الأسعار وتوسيع نطاق الاختيار بين المستهلكين.
موضوعات متعلقة..
- دفاعًا عن السيارات الكهربائية الصينية.. مجلة بريطانية: الهجوم عليها "مبالغ فيه"
- السيارات الكهربائية الصينية رخيصة الثمن تُجبر الشركات على إنتاج طرازات بأسعار معقولة (تقرير)
- سوق السيارات الكهربائية الصينية في مأزق.. خسائر فادحة وانهيار المبيعات
اقرأ أيضًا..
- إيرادات النفط والغاز الروسية في 2024.. قد ترتفع ولكن! (مقال)
- الطلب على الغاز المسال في 2023.. خريطة احتياجات 4 أسواق عالمية
- سباق مشروعات الهيدروجين العربية.. قائمة الـ10 الكبار بالأرقام
- الطاقة النووية في آسيا قد تتجاوز أميركا الشمالية بحلول 2026 (تقرير)