البيان الختامي لقمة المناخ كوب 28.. تحليل يكشف ثغرات و"تضارب مصالح"
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
- مفردات البيان الختامي ليس مجرد صياغة لغوية، بل تعكس مواقف دول
- الدول النامية أصرّت على استعمال مفردات مرنة ذات قابلية لتفسيرات متعددة
- أوبك نجحت في فرض موقفها من لفظ التخلص من الوقود الأحفوري
- قمة غلاكسو 2021 شهدت اختلافات مماثلة في الصياغة، ولكن حول الفحم
حظي اتفاق قمة المناخ كوب 28، الذي استضافته الإمارات في ديسمبر/كانون الأول 2023، بترحيب على المستويين الدولي والإقليمي؛ لاحتواء نصّه على فقرات تشير إلى التحول عن الوقود الأحفوري لأول مرة في تاريخ مؤتمر الأطراف.
ورغم الحفاوة التي حظي بها الاتفاق الختامي الصادر بعد مدّ المؤتمر يومين إضافيين، فإنه خرج مليئًا بالثغرات اللغوية التي تفسّر حالة تضارب المصالح والانقسام بين الدول المشاركة في صياغة الاتفاق، بحسب تحليل حديث للمؤتمر ومخرجاته، حصلت وحدة أبحاث الطاقة على نسخة منه.
وشمل التحليل جميع القضايا التي ناقشتها قمة المناخ كوب 28، بداية من مسألة التقييم العالمي لجهود الدول منذ اتفاق باريس للمناخ 2015، وحتى قضايا تمويل المناخ والتقنيات الانتقالية وتدابير التكيف، وصولًا إلى مسألة انبعاثات غاز الميثان وصندوق الخسائر والأضرار لمساعدة الدول المتضررة من تغير المناخ.
قمة المناخ كوب 28 تتجنب المفردات الحادة
اعتمدت دراسة صادرة من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة على تحليل بعض العبارات والمفردات الرئيسة الواردة في البيان الختامي للقمّة بصفتها أساسًا لتحليل المناقشات الدائرة بين الدول المشاركة على مدار أسبوعين، وحتى إعلان البيان في الساعات الأخيرة.
وتوصلت الدراسة إلى أن طريقة صياغة بعض العبارات قابلة للتفسير على أكثر من وجه؛ ما يفتح الباب أمام الدول للتراخي في تنفيذ بنود الاتفاق، كما حدث في الاتفاقيات السابقة لمؤتمرات المناخ.
وحاول البيان الختامي، على سبيل المثال، تجنّب استعمال ألفاظ حادة في وصف النتائج الضعيفة لتقرير التقييم العالمي الأول لمسار الجهود المناخية منذ اتفاق باريس، رغم أن المؤتمر بكامله كان مخصصًا للتركيز على عملية التقييم ورصد التقدم المحرز منذ عام 2015.
ونشرت قمة المناخ كوب 28 تقريرًا موجزًا حول نتائج التقييم العالمي لم تكن جيدة على الإطلاق، خلصت فيما بعد إلى عبارات محدودة في الاستنتاجات النهائية للتقييم، من أمثلتها: "يؤكد مؤتمر الأطراف أن الدول لم تسر بشكل جماعي بعد على المسار الصحيح نحو تحقيق غرض اتفاق باريس وأهدافه طويلة المدى".
كما شمل البيان الختامي عبارات أخرى تعبّر عن القلق من أن عام 2023 كان الأكثر دفئًا على الإطلاق، وعبارات تحذيرية من أن التأثيرات الناجمة عن تغير المناخ تتسارع، مع إشارات أخرى إلى حاجة العالم لاتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية في متناول اليد خلال هذا العقد.
كما استعمل بيان قمة المناخ كوب 28 الختامي لغة أقل حسمًا في مخاطبة الدول باتخاذ الإجراءات اللازمة لخفض الانبعاثات، واستعمل بدلًا من صيغة الشجب والإدانة عبارات مثل: "يعترف مؤتمر الأطراف -أيضًا- بالحاجة إلى تخفيضات عميقة وسريعة ومستدامة في انبعاثات غازات الدفيئة، بما يتماشى مع مسارات 1.5 درجة مئوية".
واستعمل -أيضًا- مفردات "ندعو" الأطراف إلى المساهمة في الجهود العالمية القادمة، بطريقة محددة وطنيًا مع مراعاة اتفاق باريس واختلافات الظروف والمسارات والمقاربات الوطنية.
اختلافات الصياغة في قمة غلاسكو 2021
أثارت اللغة الضعيفة غضب العديد من المندوبين الذين هددوا بالانسحاب من مفاوضات قمة المناخ كوب 28؛ بسبب عدم الأخذ بمقترحاتهم في استعمال مفردات إلزامية أكثر حسمًا في ترتيب الالتزامات على الدول.
وتبدو العبارات السابقة خفيفة بالنسبة للدول، بداية من المطالبة بأن تسهم في الجهود العالمية القادمة دون تحديد مدى وتوقيت تلك الإسهامات، وحتى استعمال عبارة "بطريقة محددة وطنيًا"، التي تترك المجال واسعًا أمام الحكومات لاختيار مسارها الخاص، وإن كان ذلك مصحوبًا بأخذ اتفاق باريس في الحسبان.
من هذا المنطلق، واجهت إدارة قمة المناخ كوب 28 مشكلات في الصياغة النهائية للبيان الختامي، كعادة كل مؤتمرات المناخ السابقة التي تنتهي باستعمال عبارات وسط أقرب للدعوة والحث عنه إلى الإدانة أو المطالبات الإلزامية، بحسب المقارنة التحليلية التي أجرتها وحدة أبحاث الطاقة مع البيانات الختامية لقمم المناخ السابقة.
واختلفت دول العالم في قمة كوب 26 في مدينة غلاسكو بإسكتلندا عام 2021 حول صياغة المسودة النهائية للاتفاقية، مع إصرار بعضهم على تضمين صيغة التعهد لفظ "التخلص من الفحم" فقط بقيادة الهند، بينما أصرّ آخرون على كتابة "التخلص التدريجي من الفحم".
وأصرّت الهند على صيغة "التخلص من الفحم"؛ لأنها عبارة مطلقة لا تتقيد بأجل زمني محدد؛ ما يجعلها في سعة من أمرها حسب أحوالها وظروفها، بينما يشير لفظ التدريجي إلى درجة من التقييد تستبطن أجلًا زمنيًا محددًا، وإن كان طويلًا.
من هذا المنطلق، تبرز أهمية تحليل دلالات المفردات الواردة في اتفاقيات المناخ تحديدًا؛ لما تعكسه من خلافات كبرى بين الدول المتقدمة والنامية حول أولويات موضوعات الطاقة وطريقة التحول الأخضر.
وتشير عبارات مثل "يقرّ أو يعترف" إلى حاجة العالم إلى التقدم، لكنها تفتقر إلى الثقل الدلالي لمفردات أقوى مثل "يؤكد أو يدين"، كما تختلف دلالات "يحثّ أو يوصي" عن دلالات "يلتزم أو يضمن".
ورغم غلبة المفردات الأقلّ حدّة على البيان الختامي لقمّة المناخ كوب 28، فإنها تسمح بتفسيرات متعددة تساعد كل دولة على مراعاة ظروفها الوطنية في مسار تحول الطاقة والإسهامات المناخية، بحسب معهد أكسفورد لدراسات الطاقة.
كيف صيغت إشارات الوقود الأحفوري التاريخية؟
على الرغم من أن القرارات والصياغات المتعلقة بمصادر الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة كانت إيجابية، فإن عددًا من المندوبين والمراقبين أشاروا إلى أن ذلك لن يحلّ أزمة المناخ دون العمل على الحدّ من استعمال الوقود الأحفوري.
وربما كانت هذه القضية الأكثر إثارة للجدل في قمة المناخ كوب 28، مع عدم وجود أرضية مشتركة تُذكَر مع جماعات الضغط المناهضة للوقود الأحفوري، التي أكدت أن شركات الوقود الأحفوري وجماعات الضغط المرتبطة بها لا ينبغي أن تكون حاضرة حتى في المؤتمر.
على الجانب الآخر، دافع بعض المعتدلين عن الوقود الأحفوري بوصفه جزءًا من نظام الطاقة، وسيظل كذلك، مع ضرورة أخذ ذلك في الحسبان خلال التفكير في مسارات تحول الطاقة عالميًا.
كما أشارت البلدان المنتجة للنفط في العالم النامي إلى أن التحول العادل للطاقة لا يمكن أن يسمح بالتخلص التدريجي السريع من أهم مصادر دخلها، مشددة على أنه لا يمكن للبلدان المتقدمة أن تتوقع منها الإقدام على ما يشبه "الانتحار الاقتصادي"، وقبول هذه المعادلة، على حدّ تعبير معهد أكسفورد لدراسات الطاقة.
ونظرًا لحدّة تباين وجهات النظر في هذه القضية، فقد كان من المدهش التوصل إلى إجماع على إدراج 4 عبارات مهمة بشأن الوقود الأحفوري في بيان قمة المناخ كوب 28، وهو ما افتخرت به إدارة المؤتمر بوصفها أول إشارة في تاريخ قمم المناخ.
وتنصّ العبارة الأولى إلى تسريع الجهود نحو التخفيض التدريجي لطاقة الفحم دون هوادة، بينما تشير الثانية إلى الانتقال من استعمال الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة، وتسريع العمل في هذا العقد الحرج، لتحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
كما تنص العبارة الثالثة على إدراك كون الوقود الانتقالي يمكن أن يؤدي دورًا في تسهيل تحول الطاقة، مع ضمان أمن الطاقة، أمّا العبارة الأخيرة فتشير إلى الإلغاء التدريجي لدعم الوقود الأحفوري غير الفاعل الذي لا يعالج فقر الطاقة أو التحولات العادلة في أقرب وقت ممكن.
أوبك تفرض رأيها في الصياغة
رغم إثبات العبارات سالفة الذكر في البيان الختامي لمؤتمر قمة المناخ كوب 28، فإن الإشارة للنفط والغاز جاءت ضمنية، ولم تأتِ صريحة، إذ ركّز البيان على الوقود الأحفوري بصورة عامة، مع الإشارة إلى الفحم خاصة في عبارة استثنائية.
كما جاءت مطالبة الدولة بالانتقال عن الوقود الأحفوري مشفوعة بـ3 مفردات مهمة "بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة"، وهي مفردات تشير بشكل واضح إلى أحقية البلدان النامية في التحرك بصورة أبطأ من البلدان المتقدمة، مع قيامها بالانتقال بطريقة لا تقوّض تنميتها الاقتصادية.
جدير بالذكر -أيضًا- أن لغة البيان استعملت لفظ الانتقال عن الوقود الأحفوري، ولم تستعمل ألفاظ التخلص التدريجي أو التخفيض التدريجي، كما طالب المتشددون المناهضون للوقود الأحفوري.
وجاء استعمال لفظ "انتقال" بعد ضغوط مارستها منظمة أوبك التي حثّت أعضاءها على رفض تأييد أيّ اتفاق يدعو إلى التخلص التدريجي من النفط والغاز، استنادًا إلى أن اتفاق باريس يدعو إلى التركيز على خفض الانبعاثات، ولا يستهدف مصادر طاقة محددة.
ويشير حذف عبارة التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري من المسودة النهائية للاتفاق، إلى حجم تأثير المنظمات التي تضم عددًا من الدول، إذ يكون الإجماع مطلوبًا لاعتماد أيّ نص، ما يشير إلى نجاح أوبك في صدّ واحدة من أشرس الهجمات على الوقود الأحفوري خلال عام 2023.
موقف السعودية من البيان الختامي
شدد وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان في أثناء مناقشات قمة المناخ كوب 28، على أن بلاده لن توافق على أيّ نص يدعو إلى التخفيض التدريجي للوقود الأحفوري.
ورغم ذلك، فقد علّق الوزير على البيان الختامي بطريقة توحي بأن الفقرات المشار إليها بشأن الوقود الأحفوري لن تؤثّر في المملكة العربية السعودية أو الدول المنتجة للنفط والغاز بصورة عامة.
وقال الوزير، إنّ نص البيان الختامي يوفر بدائل، ولا يؤثّر في قدرات المملكة علي البيع، مشيرًا إلى أن عبارات بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة تترك مساحات تقديرية للدول في فهم وتفسير اتفاقية تغير المناخ، مع أخذ ظروفها في الحسبان.
كما أشار إلى أن هذه الفقرات تترك البلدان دون قيود تنتقل من كيانات ليست طرفًا في عملية صنع القرار الوطني، إشارةً إلى المنظمات وجماعات الضغط الدولية المناهضة للوقود الأحفوري، وهو أمر مهم، على حدّ تعبيره.
موضوعات متعلقة..
- اتفاق قمة المناخ كوب 28 يتبنى الدعوة إلى التحول عن الوقود الأحفوري دون التخلص منه
- فاتورة التخلص من الوقود الأحفوري في أوروبا تتجاوز 2 تريليون دولار (دراسة)
- خبير بريطاني: التخلص الفوري من الوقود الأحفوري يقتل معظم البشر
اقرأ أيضًا..
- أنس الحجي: أسواق النفط في 2023 شهدت مفاجآت.. أبرزها روسيا وأميركا
- إنتاج النفط الليبي ومعضلة الـ2 مليون برميل (مقال)
- إيرادات قناة السويس تهبط مع تراجع عبور ناقلات النفط
- بلغاريا تستغني عن النفط الروسي.. دولتان عربيتان ضمن البدائل