الطلب على الغاز الطبيعي في 2023.. عودة تدريجية للنمو بعد صدمة الأزمة الأوكرانية
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد شوقي
بدأ الطلب على الغاز الطبيعي عالميًا يتحسس خطاه نحو العودة إلى النمو، مع هدوء نسبي لتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أنه ما زال تحت ضغط الأسعار المرتفعة تاريخيًا وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليحدث تحولات تاريخية في السوق، وينهي ما يُسمى بالعقد الذهبي للغاز (2011-2022)، الذي شهد نموًا في استهلاك الغاز بنسبة تقارب 25%، مع توافر الإمدادات بأسعار معقولة وطفرة النفط الصخري الأميركي.
ورغم عودة التوازن إلى سوق الغاز تدريجيًا في 2023؛ فإن ارتفاع الأسعار عن المتوسطات التاريخية يؤدي إلى تباطؤ نمو الطلب، كما أن أيّ هزة تشهدها الأسواق، خاصة في أوروبا، كفيلة بأن تُعيد الاضطرابات مجددًا، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ويميل الطلب العالمي على الغاز إلى الاستقرار على نطاق واسع في عام 2023، على أن يأتي معظم النمو من منطقتي آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط، مقابل انخفاض الطلب في أوروبا وأميركا الوسطى والجنوبية.
الطلب العالمي على الغاز في 2023
تشير التقديرات الأولية إلى نمو الطلب على الغاز الطبيعي في 2023 بنسبة طفيفة 0.24%، من 4.061 تريليون متر مكعب عام 2022 إلى 4.071 تريليون متر مكعب هذا العام، وفق بيانات وكالة الطاقة الدولية، ليواصل تأرجحه خلال السنوات الـ5 الماضية.
بينما يرى منتدى الدول المصدرة للغاز نموًا أعلى -إلى حد ما- بنسبة 1% على أساس سنوي، بقيادة الولايات المتحدة والصين وبعض الدول الناشئة مثل إندونيسيا وتايلاند وبنغلاديش.
الرسم التالي من إعداد وحدة أبحاث الطاقة ويرصد إجمالي الطلب العالمي على الغاز خلال الأعوام الـ5 الماضية وتوقعات عام 2024:
وعاد الطلب على الغاز الطبيعي إلى النمو بوتيرة طفيفة في 2023، بعدما انكمش بنسبة 1.5% خلال 2022، بفعل تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، خاصة على القارة الأوروبية، التي شهدت هبوطًا تاريخيًا للاستهلاك.
واستمر هبوط الاستهلاك العالمي في الربع الأول من عام 2023، بسبب تأثير ارتفاع الأسعار في استعمال الغاز بقطاعي الصناعة والكهرباء، فضلًا عن الطقس المعتدل على غير العادة، ثم عاد للنمو في الربعين الثاني والثالث بقيادة أميركا الشمالية وآسيا والمحيط الهادئ، إلا أنه واصل تراجعه في أوروبا.
وكان الطلب العالمي على الغاز قد بلغ مستوى قياسيًا في عام 2021 عند 4.124 تريليون متر مكعب، ليتعافى من هبوط خلال عام جائحة كورونا (2020)، لكن يبدو أنه سيسجل رقمًا قياسيًا جديدًا خلال 2024 عند 4.135 تريليون متر مكعب، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
ويأتي نمو الطلب على الغاز الطبيعي في 2023 مع انخفاض أسعاره مقارنة بالمستويات التاريخية خلال 2022، فضلًا عن الانخفاض الحاد في إنتاج الطاقة المائية بسبب الجفاف، إلا أن تباطؤ الاقتصاد العالمي والإجراءات الأوروبية لتقليص الاستهلاك جعلت هذا النمو باهتًا إلى حد كبير.
الطلب على الغاز حسب المنطقة
قادت منطقة آسيا والمحيط الهادئ نمو الطلب على الغاز الطبيعي في 2023، مع تعافي الاقتصاد الصيني بصفة خاصة من تداعيات جائحة كورونا، لتسجل زيادة بمقدار 27 مليار متر مكعب، ليصل إجمالي الاستهلاك إلى 904 مليارات متر مكعب، وهو أعلى مستوى على الإطلاق، وفق تقديرات وكالة الطاقة الدولية.
تأتي الزيادة التي تعادل نسبة 3% على أساس سنوي بدعم من قطاعي الكهرباء والصناعة، بعد انكماش الطلب الآسيوي على الغاز بنحو 2% خلال 2022، الذي شهد أول انخفاض لاستهلاك الغاز في الصين منذ 4 عقود، وفق ما توصلت إليه وحدة أبحاث الطاقة.
وارتفع الطلب على الغاز الطبيعي في الصين بنسبة 7% (18 مليار متر مكعب) في الأرباع الـ3 الأولى من 2023، وهي النسبة نفسها المتوقّعة للاستهلاك في إجمالي 2023، بدعم زيادة الطلب من قطاع الصناعة مع التعافي الاقتصادي إلى جانب قطاع الكهرباء، لتعويض الانخفاض الحاد في إنتاج الطاقة المائية.
ومن جهة أخرى، يتجه الطلب على الغاز في منطقة الشرق الأوسط إلى مستوى قياسي عند 590 مليار متر مكعب في 2023، مقابل 580 مليار متر مكعب عام 2022، كما تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى نمو استهلاك الغاز في أفريقيا 6 مليارات متر مكعب إلى 170 مليار متر مكعب عام 2023.
ومن المرجّح نمو الطلب على الغاز الطبيعي في منطقة أوراسيا إلى 625 مليار متر مكعب في عام 2023، مقابل 622 مليار متر مكعب العام السابق له، بدعم ارتفاع استهلاك روسيا إلى 490 مليار متر مكعب، بعد انكماش ملحوظ في 2022.
أمّا أميركا الشمالية -أكثر المناطق استهلاكًا وإنتاجًا للغاز في العالم- فقد يكون عام 2023 علامة فارقة في الطلب على الغاز داخل القارة؛ إذ يُتوقع أن يبلغ ذروته عند 1.149 تريليون متر مكعب، قبل أن يهبط تدريجيًا، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
في المقابل، يُتوقع أن يواصل الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا انخفاضه للعام الثاني على التوالي بمقدار 35 مليار متر مكعب إلى 489 مليار متر مكعب في 2023، متأثرًا بتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا.
بينما ستكون أميركا الوسطى والجنوبية ثاني المناطق التي تشهد انخفاضًا في استهلاك الغاز الطبيعي خلال 2023، بمقدار 6 مليارات متر مكعب إلى إجمالي 144 مليار متر مكعب في 2023.
يوضح الرسم التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة، الطلب على الغاز الطبيعي عالميًا حسب المنطقة:
الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا
تركز وحدة أبحاث الطاقة، خلال رصد الطلب على الغاز الطبيعي في 2023، على القارة الأوروبية؛ كونها أكثر المناطق انخفاضًا في استهلاك هذا الوقود والأكثر تحولًا بعيدًا عنه، خلافًا لاتجاه العديد من المناطق الأخرى مثل آسيا والشرق الأوسط.
وتشير المعطيات الحالية والتوقعات المستقبلية إلى أن استهلاك الغاز في أوروبا لن يعود مجددًا إلى مستويات ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، التي بلغت 609 مليارات متر مكعب عام 2021، قبل أن يشهد هبوطًا قياسيًا إلى 524 مليار متر مكعب عام 2022، وفق تقديرات وكالة الطاقة الدولية.
وفي عام 2023، تشير التقديرات الأولية إلى هبوط الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي عند 489 مليار متر مكعب، مقابل 524 مليار متر مكعب، وفق ما اطلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة.
وتاريخيًا؛ فإن الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا قد بلغ ذروته عند 627.9 مليار متر مكعب عام 2005، وظل بالقرب من هذه المستويات المرتفعة حتى بدأ رحلة الهبوط منذ عام 2011، مع رغبة القارة العجوز في نشر الطاقة المتجددة، وتقليل وارداتها، قبل أن يأتي الغزو الروسي لأوكرانيا ويُجبرها على تسريع هذا الاتجاه وخفض استهلاكها من الغاز خلال 2023 إلى أقلّ مستوى منذ منتصف التسعينيات.
الرسم التالي من إعداد وحدة أبحاث الطاقة ويرصد تطور الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا منذ عام 1965 حتى 2023:
وبالعودة إلى عام 2022، وتحديدًا في أغسطس/آب؛ فقد أعلن الاتحاد الأوروبي مخططًا لخفض الطلب على الغاز طوعًا بنسبة 15%، مقارنة بمتوسط السنوات الـ5 الماضية، خلال المدّة من 1 أغسطس/آب 2022 حتى 31 مارس/آذار 2023، قبل أن يمددها خلال 2023 إلى نهاية مارس/آذار 2024.
وكان لهذه الإجراءات مفعول السحر في وصول مخزونات الغاز الأوروبية إلى مستويات ممتلئة، الشتاء الماضي (2022-2023)، مع انخفاض الاستهلاك بنسبة 19.3% بين أغسطس/آب 2022 ويناير/كانون الثاني 2023.
وفي عام 2023، ومع تمديد إجراءات خفض الاستهلاك، وصلت مخزونات الغاز لدى دول الاتحاد الأوروبي، قبل بدء موسم التدفئة، إلى 3.65 تريليون قدم مكعبة، ما يعادل 99% من السعة التخزينية حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بحسب بيانات رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.
وكان لانخفاض الاستهلاك دور كبير في ذلك؛ إذ تشير بيانات منتدى الدول المصدرة للغاز إلى أن استهلاك الغاز في الاتحاد الأوروبي قد انخفض بنسبة 4.8% خلال أول 11 شهرًا من 2023، ليصل إلى 298 مليار متر مكعب.
وبالطبع أثر انخفاض الاستهلاك نسبيًا في كميات الغاز المستوردة عبر خطوط الأنابيب؛ إذ تراجعت واردات القارة الأوروبية بنسبة 25% على أساس سنوي خلال أول 11 شهرًا من 2023، لتصل إلى 142 مليار متر مكعب، مع الوضع في الحسبان أن غالبية الانخفاض ترجع إلى الهبوط الحاد في الإمدادات الروسية المصدرة إلى أوروبا.
ويتضح تأثير انخفاض الاستهلاك أكثر في واردات الغاز المسال الأوروبية، التي ظلت مستقرة عند 112.53 مليار متر مكعب في الأشهر الـ11 الأولى من 2023، وهى المستويات نفسها المسجّلة خلال المدّة المقارنة من 2022.
استهلاك الغاز في الولايات المتحدة
بالنظر إلى أكبر مستهلك للغاز الطبيعي عالميًا؛ فإن الولايات المتحدة تتّجه لتسجيل أكبر مستوى سنوي للطلب على الإطلاق في 2023، مع زيادة التحول من الفحم إلى الغاز وتغلغل الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء.
ومن المرجّح أن يصل الطلب على الغاز الطبيعي في أميركا إلى 922 مليار متر مكعب خلال 2023، مقابل 919 مليار متر مكعب عام 2022، ليواصل الصعود للعام الثالث على التوالي، بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، الموضحة في الرسم التالي:
وارتفع الطلب على الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بنسبة 1.9% خلال المدّة من يناير/كانون الثاني إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ليصل إلى 822 مليار متر مكعب، وفق تقديرات اطلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة من منتدى الدول المصدّرة للغاز.
بينما تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية زيادة الطلب على الغاز الطبيعي في أميركا إلى 89.5 مليار قدم مكعبة يوميًا (2.53 مليار متر مكعب يوميًا) في 2023، مقابل 88.5 مليار قدم مكعبة يوميًا (2.50 مليار متر مكعب يوميًا) خلال 2022.
ويأتي ذلك مع زيادة استهلاك الغاز في توليد الكهرباء -أكثر القطاعات استهلاكًا للغاز في أميركا- بنسبة 6.8% على أساس سنوي، ليصل إلى 35.38 مليار قدم مكعبة يوميًا (مليار متر مكعب يوميًا)، في حين شهدت القطاعات السكنية والتجارية والصناعية انخفاضًا في الاستهلاك.
وارتفعت حصة الغاز الطبيعي في مزيج الكهرباء بالولايات المتحدة إلى 42% خلال 2023، مقابل 39% عام 2022، نتيجة لانخفاض حصة الفحم إلى 17% مقابل 20% العام السابق، وفق تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ورغم أنها أكبر منتج للغاز عالميًا؛ فإن الولايات المتحدة تستورد جزءًا من احتياجاتها لتلبية الطلب المتزايد، خاصة من كندا؛ حيث ترتبط معها شبكة من خطوط الأنابيب، ومن المتوقع أن تبلغ واردات الغاز الأميركية عبر خطوط الأنابيب 7.85 مليار قدم مكعبة يوميًا (0.222 مليار متر مكعب يوميًا) في 2023، مقارنة بـ8.22 مليار قدم مكعبة يوميًا (0.232 مليار متر مكعب يوميًا) عام 2022.
وفي المقابل، يُتوقع أن تبلغ صادرات أميركا من الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب 9.06 مليار قدم مكعبة يوميًا (0.256 مليار متر مكعب يوميًا)، مقابل 8.32 مليار قدم مكعبة يوميًا (0.235 مليار متر مكعب يوميًا) عام 2022.
وللاطلاع على حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2023 بشأن النفط والغاز والفحم والطاقة المتجددة والهيدروجين والسيارات الكهربائية، يرجى الضغط هنا.
اقرأ أيضًا أبرز موضوعات حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2023:
- اكتشافات النفط والغاز عربيًا.. 4 دول تعثر على حقول جديدة في 2023
- إنتاج النفط في 2023.. زيادة ملحوظة عالميًا رغم تخفيضات أوبك+
- احتياطيات النفط والغاز العالمية 2023.. زيادة في دول الشرق الأوسط وأميركا
- أسعار النفط في 2023.. خسائر وتقلبات بعد عامين من المكاسب
- سوق النفط في 2024.. توقعات حذرة للأسعار مع تباطؤ الطلب
- سوق الغاز المسال العالمية 2023.. أسعار هادئة وتغيرات في خريطة التجارة
- مشروعات الهيدروجين في 2023.. إعلانات وخطط طموحة مع نقص المشترين
- إنتاج الهيدروجين الأخضر في 2023.. 7 دول عربية تتسابق نحو الريادة العالمية
- الطاقة المتجددة في 2023.. طفرة قياسية بالأسواق الكبرى فاقت قدرة الشبكات
- قطاع الطاقة المتجددة عربيًا 2023.. 3 دول خليجية تتصدر المشهد وخطوة مهمة للجزائر