في ظل الارتفاع المستمر في الطلب على النحاس، شهدت الأسابيع الأخيرة تقلبات ملحوظة في الأسعار؛ ما من شأنه أن يمهّد الطريق لتنمية الموارد المحلية.
ففي 1 ديسمبر/كانون الأول 2023، وصل سعر النحاس إلى 8 آلاف و450 دولارًا للطن المتري في بورصة لندن للمعادن، وهو أعلى مستوى له منذ 4 أشهر.
وبعد 4 أيام، اقترب السعر من 8 آلاف و250 دولارًا؛ في حين أنه بحلول 8 ديسمبر/كانون الأول، تعافى إلى نحو 8 آلاف و350 دولارًا، وفق الأرقام التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
ومع ذلك؛ فإن مزيجًا من مشكلات العرض ونقص الاستثمار وارتفاع الطلب يُمكن أن يؤدي إلى أن يصبح النحاس سلعة مرتفعة السعر بشكل أكثر ثباتًا.
تقلبات كثيرة.. وأجواء إيجابية
يقول مدير الاقتصاد والبيئة في مجموعة دراسة النحاس الدولية كارلوس ريسوباترون: "الشيء الوحيد المؤكّد في النحاس هو أنه يمكنك دائمًا الاعتماد على التقلبات".
وبالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط على نطاق أوسع؛ فإن ذلك له بعض الآثار المهمة.
وبوصفهم مستهلكين رئيسين للنحاس منذ مدّة طويلة؛ فإن ارتفاع الأسعار ونقص العرض قد يعطي زخمًا إضافيًا لتنمية الموارد المحلية، مع فرض رسوم أيضًا على استعمال البدائل، مثل الألومنيوم.
وفي الوقت نفسه، أصبحت دول الخليج مستثمرة أكثر نشاطًا في مناجم ومصاهر ومصافي النحاس في الخارج، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة، نقلًا عن منصة "أرابيان غلف بيزنس إنسايت" (Arabian Gulf Business Insight).
بشكل عام، "بالنظر إلى الطلب المستقبلي"، قال كبير المديرين في وكالة فيتش، أوليفر شوه، إن الديناميكيات الأساسية للنحاس إيجابية للغاية.
4 أسواق للنحاس في الشرق الأوسط
هناك 4 أسواق رئيسة للنحاس في الشرق الأوسط: الإمارات والسعودية وتركيا وإيران؛ وتمثل فيما بينها نحو 5% من الاستهلاك العالمي، أو 1200 إلى 1250 كيلو طن سنويًا.
واستحوذت الإمارات على 405 كيلو طن في عام 2023؛ ومع ذلك، تُعد المنطقة صغيرة نسبيًا من حيث الإنتاج.
وتهيمن أميركا اللاتينية على الإنتاج: تشيلي هي أكبر منتج في العالم، وبيرو هي الثانية؛ وأكملت جمهورية الكونغو الديمقراطية والصين والولايات المتحدة المراكز الـ5 الأولى على مستوى العالم.
وتُعد المملكة العربية السعودية أكبر منتج في دول مجلس التعاون الخليجي؛ إذ يُنتِج منجما جبل صايد والمصانع نحو 64 كيلو طن و5.9 كيلو طن على التوالي في عام 2023.
وقد أُنتجت بعض الأحجام سابقًا في سلطنة عمان، لكن مصهر صحار في السلطنة مغلق الآن؛ ولم يدخل مشروع بقيمة 300 مليون دولار "مزون" قيد التشغيل بعد.
وعلى المستوى الإقليمي، تتمتع مصر أيضًا بقدرة تكريرية تبلغ نحو 4 كيلو طن سنويًا؛ كما تمتلك إيران احتياطيات كبيرة من خام النحاس -نحو 6% من الإجمالي العالمي- وتنتج تركيا نحو 100 كيلو طن سنويًا.
ولذلك، تعتمد صناعة النحاس في دول مجلس التعاون الخليجي إلى حدٍ كبير على الواردات، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من تعرض لتقلبات الأسعار العالمية.
ومع ذلك، غالبًا ما تُصنع الأسلاك والقضبان والأنابيب النحاسية محليًا؛ وتمتلك الإمارات والسعودية قدرة كبيرة في هذه المنتجات.
وقال ريسوباترون: "إن تكرير النحاس وتحويله إلى خطوط وقضبان، في الإمارات على وجه الخصوص، أعطى المنطقة دورًا مهمًا على مدى السنوات الـ7 إلى الـ10 الماضية".
عقبات أمام صناعة النحاس
ولعل المشكلة الأكثر أهمية التي يواجهها القطاع في الوقت الحالي هي نقص الاستثمار على المدى الطويل؛ وقد أدّت جائحة فيروس كورونا، الذي أعقبه ارتفاع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، إلى تباطؤ الاستثمار.
وقال ريسوباترون: "مع ارتفاع أسعار الفائدة، لن تستثمر أي شركة تعدين كبيرة في مناجم النحاس الجديدة".
ونظرًا إلى كون النحاس "معدنًا مهمًا" يُستعمل في السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وتوربينات الرياح ومجموعة كاملة من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية؛ فمن المتوقع حدوث زيادة في الطلب على النحاس خلال تحول الطاقة.
ونتيجة لذلك، قال ريسوباترون: "أعتقد أننا قد نشهد نقصًا في النحاس خلال المستقبل، مع عدم إضافة قدرة منجم جديدة".
وبالنسبة إلى منطقة الخليج؛ فإن ذلك يخلق حافزًا كبيرًا لاستكشاف النحاس وتطويره محليًا ودوليًا.
وتقود شركة معادن السعودية هذه المهمة، من خلال عمليات استكشاف محلية جديدة واستثمارات في المناجم، في حين تعمل الإمارات والسعودية الآن على تعزيز مشاركتهما بشركات التعدين في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا.
يقول شوه: "خلال عام 2023، في ظل الظروف الكلية السيئة، صمد سعر النحاس بشكل جيد.. نتوقع أنه في وقت لاحق من عام 2024، سينتعش النشاط الصناعي في الأسواق المتقدمة أيضًا، لذلك يمكنك أن ترى السعر يتجاوز 9 آلاف دولار للطن".
عوامل ارتفاع أسعار النحاس
كان يُنظر إلى النحاس منذ مدّة طويلة على أنه سلعة ذات مؤشر؛ إذ يعتمد النمو الاقتصادي العالمي على الطلب والسعر.
ومع ذلك؛ فإن المضاربة غالبًا ما تكون -أيضًا- عاملًا قصير المدى في التسعير، كما هو الحال مع التطورات في تجارة الخردة وإعادة التدوير.
وقال شوه: "مع سعر النحاس الذي يزيد على 8 آلاف دولار للطن، إذا كان بإمكانك الحصول على النحاس من خلال إعادة تدوير مجاري النفايات؛ فإن ذلك يوفر الكثير من المال في التعدين والصهر وتكرير المنتجات الجديدة".
ومع ذلك؛ فإن الخردة لها مشكلاتها؛ إذ تُعد إعادة التدوير -في حد ذاتها- ليست مهمة سهلة أو غير مكلفة.
وهذا يمكن أن يجعل كمية النحاس التي تأتي إلى السوق من الخردة وإعادة التدوير لا يمكن التنبؤ بها؛ وقد ينتظر تجار الخردة -أيضًا- ارتفاع الأسعار قبل إطلاق مخزونهم؛ ما يؤدي إلى مزيد من التقلبات.
وتميل أسعار النحاس -أيضًا- إلى الارتفاع في أوقات الصراع، مع ارتفاع الطلب على النحاس للذخيرة والاستعمالات العسكرية الأخرى.
كما أن هذا القطاع عرضة للاضطرابات السياسية؛ إذ تؤثر الإضرابات والإغلاق المفاجئ للمناجم في العرض خلال بعض الأحيان.
موضوعات متعلقة..
- توقعات بارتفاع الطلب على النحاس إلى 30 مليون طن سنويًا بحلول 2035
- انهيار أسعار النحاس.. هل يهدد انتشار الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية؟
- توقعات بارتفاع أسعار النحاس 20% بحلول عام 2027
اقرأ أيضًا..
- وزير النفط الليبي: لدينا ثروات نفط وغاز يجب استغلالها.. ودولة عربية فقط تستثمر لدينا (1/2) - حوار
- توقعات أسواق النفط في 2024.. وهل تستمر تخفيضات أوبك+؟
- صادرات الغاز المسال المصرية إلى أوروبا تقفز 42% (خاص)
- خبراء: توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة في الجزائر يقل 6 مرات عن تكلفة الغاز