رئيسيةالتغير المناخيتقارير التغير المناخيقمة المناخ كوب 28

باحث فرنسي: اتفاق كوب 28 مهم لتحول الطاقة.. ونشهد "عصرًا ذهبيًا" للمعادن

دينا قدري

أثار اتفاق كوب 28 الأخير انقسامات بين مؤيدٍ ومعارضٍ، وسط مخاوف بشأن مسار تحول الطاقة، ومدى جدواه في دعم الجهود العالمية لمواجهة تحديات تغير المناخ.

وسلّط مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية الفرنسي (IRIS) إيمانويل آش الضوء على سلبيات الاتفاق وإيجابياته؛ مشددًا على أن التشكيك بإقامة كوب 28 في الإمارات -التي تُعدّ دولة منتجة للنفط- لا معنى له.

وأكد أن مؤتمر الأطراف الناجح هو الذي يسفر عن ترجمة الاتفاقيات إلى عمل على أرض الواقع، موضحًا أن العالم سينتظر الزخم الذي سترتكز عليه التطورات المستقبلية بشأن قضايا المناخ.

وأشار الباحث الفرنسي -في تصريحات اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة- إلى أن العالم يواجه تعديلًا جيوسياسيًا حقيقيًا في العقود المقبلة، وستكون المعادن في قلب التطورات الجيوسياسية العالمية.

هل اتفاق كوب 28 تاريخي؟

قال الباحث الفرنسي إيمانويل آش، إنه من الصعب عَدّ اتفاق كوب 28 تاريخيًا للوهلة الأولى، نظرًا لتباين آراء مختلف الأطراف المعنية؛ إذ يصفه بعضهم بأنه تاريخي، ويصفه آخرون بأنه علامة فارقة أو لحظة مهمة، وهناك من يصفه بأنه غير كافٍ.

ومع ذلك، أوضح أنه لأول مرة منذ 28 عامًا من مؤتمر الأطراف، تظهر إشارة إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في النص النهائي، حسب مقابلة أجراها مع معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية الفرنسي (IRIS)، واطّلعت عليها منصة الطاقة.

وقال: "رغم أننا قد نأسف لغياب مصطلحات مثل "القضاء" على الوقود الأحفوري أو "التخلص التدريجي" منه، ضمن موعد نهائي محدد، فمن المؤكد أن هذه هي المرة الأولى التي يُذكر فيها التحول إلى اقتصاد لا يعتمد على الوقود الأحفوري بهذا القدر من الوضوح".

وتابع: "الأمر الواضح أيضًا هو أننا شهدنا لحظة عظيمة من الإبداع الدلالي في النص النهائي.. استُبدِلَ مصطلح "التخلص التدريجي" بـ"الانتقال بعيدًا" من أجل تحقيق الإجماع.. كما أن الاتفاق غير مُرضٍ إلى حدٍّ ما فيما يتعلق بقضية انبعاثات غاز الميثان والفحم، إذ لا يوجد جدول زمني أو أرقام دقيقة أو تطورات جديدة بشأنها".

ومع ذلك، أشار الباحث الفرنسي إلى النقاط الإيجابية في اتفاق كوب 28، نظرًا لخطورة الوضع المناخي، من بينها تسريع الاستثمار في الطاقات المتجددة (زيادة 3 أضعاف بحلول عام 2030)، وكفاءة استعمال الطاقة، وتسريع الإجراءات المتعلقة بالخسائر والأضرار.

وأوضح أن التشكيك بتنظيم مؤتمر الأطراف في بلد منتج لا معنى له: "أين كان ينبغي أن يُعقَد؟ في بلد مستهلك يعتمد على النفط والغاز؟ إذا كنا نبحث عن دولة فاضلة لتنظيم مؤتمرات الأطراف، فإن الاختيار سهل وسريع إلى حدّ ما.. باستثناء كوستاريكا، وربما بوتان، سيكون من الصعب تنظيم هذه التجمعات، إذا أردنا أن نجد دولة فاضلة فيما يتعلق بهذه القضايا".

مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية الفرنسي (IRIS) إيمانويل آش
مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية الفرنسي (IRIS) إيمانويل آش - الصورة من صحيفة "ويست فرانس"

الآثار المترتبة على اتفاق كوب 28

قال الباحث الفرنسي إيمانويل آش، إن اتفاق كوب 28 ليس مُلزمًا، لكنه بمثابة دعوة متجددة لمختلف الأطراف الفاعلة لتحويل نماذجها الاقتصادية ونماذج الطاقة.

وعن الآثار المترتبة على هذا الاتفاق بالنسبة للنموذج الاقتصادي للدول المنتجة للنفط وشركات النفط، أوضح أن شركات النفط واجهت عددًا من التحديات على مدى العقد الماضي، من بينها الحاجة إلى الحفاظ على جزء من أعمالها الأساسية لتجنّب الاختفاء من المشهد، ومواصلة دفع أجور المساهمين، والاستثمار في تحول الطاقة.

وأشار إلى أن الضغوط التي يمارسها النظام المصرفي الدولي لوقف تمويل الأنشطة كثيفة الكربون ليست قوية بالقدر الكافي، وكذلك الضغوط العامة أو ضغوط المساهمين.

وتطرَّق آش إلى محاولة بطيئة من قبل بعض الشركات للتحول إلى شركات طاقة عالمية، لا ترقى إلى مستوى التحديات، مؤكدًا أن الشركات الأوروبية الكبرى (بي بي وشل وتوتال إنرجي) أكثر تقدمًا في هذا الموضوع من نظيراتها الأميركية، مع استثماراتها في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبطاريات وتوزيع الغاز والكهرباء، لكنها لا تمثّل -حاليًا- سوى نسبة قليلة من مبيعاتها.

وبالنسبة للدول المنتجة، فإن التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون أمر غير معروف؛ فهي لا تمتلك -في أغلب الأحيان- القدرة على السيطرة على وتيرة تحول الطاقة العالمية، أو على نشر التكنولوجيات منخفضة الكربون في الدول المستهلكة، ومن ثم على التغيرات في الطلب على النفط، بحسب الباحث الفرنسي.

وقال إيمانويل آش: "بعض الدول يسبق الجدول الزمني في عملية التنويع الاقتصادي.. تُقدِّم الدول الأكثر تقدمًا (الإمارات وقطر) أمثلة جيدة على التنويع المتقدم، إلى جانب زيادة قوّتها الناعمة على المستوى العالمي".

وتابع: "على الرغم من الجهود التي بذلتها الدول الأكثر تقدمًا منذ السبعينيات، وبشكل خاص منذ عام 2010، مع طرح الخطط أو الرؤى، بما في ذلك على وجه الخصوص رؤية 2030 في السعودية، فإن عدم التنويع ما يزال واضحًا في معظم الدول المصدّرة".

وأكد أن هذا النقص في الزخم يُبقي الدولة والاقتصاد معتمدين على النفط، مشيرًا إلى أن مسألة التنويع تنطوي على تحول جذري في الهياكل الاقتصادية في الدول الريعية (التي تستمد كل -أو جزءًا كبيرًا من- إيراداتها الوطنية عن طريق تأجير الموارد المحلية لعملاء خارجيين).

وتابع: "المشكلة مالية ومؤقتة، لأنه لم يعد هناك المزيد من الوقت بالنسبة للدول المنتجة للنفط، إذا بلغ الطلب على النفط ذروته بحلول عام 2030، كما توقعت وكالة الطاقة الدولية".

قمة المناخ كوب 28

المعادن النادرة.. وتحذير من خطر جديد

أشار الباحث الفرنسي إيمانويل آش إلى أن التحول منخفض الكربون سيتطلب كهربة جميع الاستعمالات، وخاصةً قطاع النقل، الذي يستهلك ما يقرب من 60% من النفط في العالم، بحسب التصريحات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة.

وبالمثل، يشهد قطاع إنتاج الكهرباء تحولًا كبيرًا مع نشر مصادر الطاقة المتجددة (طاقة الرياح والطاقة الشمسية)، لتحلّ محلّ محطات الطاقة الحرارية (الفحم والغاز وغيرها)، مؤكدًا أن "القرن الـ21 سيكون عصرًا ذهبيًا جديدًا للمعادن".

وشدد آش على أن استبدال السيارات الكهربائية بالمركبات التي تعمل بالاحتراق لا يخلو من المشكلات أيضًا، ليس فقط من الناحية المالية بالنسبة للمستهلكين، بل أيضًا من وجهة نظر عالمية وجيوسياسية؛ إذ خلف كل سيارة كهربائية بطارية مكونة من معادن مثل الكوبالت والليثيوم والنيكل والنحاس.

ومع ذلك، يجب أن نتذكر أنه على الرغم من إنتاج البطارية والأثر البيئي المرتبط بها، فإن السيارة الكهربائية ستكون أكثر كفاءة من الناحية البيئية من حيث انبعاثات غازات الدفيئة.

وقال الباحث الفرنسي: "إلى جانب هذا المكسب البيئي، من الواضح أن السباق نحو كهربة وسائل النقل سيضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى التحول العالمي المنخفض الكربون".

وتابع: "في الواقع، هذا التحول هو، أولًا وقبل كل شيء، تحول معدني ومكثّف للمعادن، إذ إن استهلاكنا للمعادن سيزداد بشكل كبير في العقود المقبلة.. الاستهلاك يعني الواردات والاعتماد على الدول المنتجة للمعادن.. ونتيجة لذلك، فمن المرجح أن يؤدي التحول للطاقة منخفضة الكربون إلى إعادة تشكيل مشهد الطاقة العالمي، إذ يصبح منتجو المعادن الجدد حجر الزاوية في العلاقات الدولية".

وتشمل هذه الدول تلك التي تنتج المعادن الأساسية المستعملة في بطاريات المركبات: الليثيوم، الذي يُنتج في أستراليا، وأميركا اللاتينية (تشيلي وبيرو والأرجنتين)، والصين، والكوبالت، الذي تقع معظم احتياطياته في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والنيكل الذي يُستخرَج في إندونيسيا والفلبين.

ويُستخرج أكثر من 60% من العناصر الأرضية النادرة المستعملة في المغناطيس الدائم في الصين.

تتمتع جميع المواد الخام المشاركة في تحول الطاقة بمستويات عالية جدًا من تركيز الإنتاج والاحتياطيات، ما سيضع الدول المنتجة للمعادن في قلب التطورات البيئية العالمية، والتي غالبًا ما تُتَجاهَل في التحول منخفض الكربون لصالح الدول التي تعمل على تطوير الإبداعات التكنولوجية، بحسب الباحث الفرنسي.

وأضاف أن سياق التحول الرقمي والبيئي المزدوج يؤدي إلى تفاقم المنافسة في أسواق المواد الإستراتيجية، لا سيما بين الصين -التي تُعدّ مقرًا رئيسًا لإنتاج المعادن وتكريرها، والولايات المتحدة وأوروبا.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق