مكافحة تغير المناخ في تركيا ضرورة لحماية الأمن القومي (مقال)
أومود شوكري - ترجمة: نوار صبح
- • نظرًا لاشتداد تأثيرات تغير المناخ، يصبح دور تركيا في تسهيل التحول السلس للطاقة حاسمًا
- • يمكن لانبعاثات الغازات الدفيئة التي تطلقها تركيا أن تعرّض الأمن القومي للخطر بعدّة طرق
- • تركيا تحتلّ المرتبة 17 بين أكبر الدول المُصْدرة لانبعاثات الكربون على مستوى العالم
- • اعتماد تركيا الكبير على واردات الطاقة، وخصوصًا الغاز الطبيعي، يمثّل تحديًا كبيرًا لأمن الطاقة
مع تزايد تداعيات تغير المناخ في تركيا، تمرّ الدولة بمرحلة حاسمة في قيادة تحول كبير بمجال الطاقة بسبب اقتصادها القوي، وتزايد عدد السكان، وموقعها الإستراتيجي الذي يربط بين قارّتَي أوروبا وآسيا.
وتنبع حاجة البلاد إلى إستراتيجية شاملة للطاقة من الهدفين المتمثلين في دعم النمو الاقتصادي والوفاء بالتزامات المناخ العالمي.
ونظرًا لاشتداد تأثيرات تغير المناخ في تركيا، يصبح دور البلاد في تسهيل التحول السلس للطاقة حاسمًا في المعركة العالمية ضد التدهور البيئي.
وتُظهر المشاركة الفعالة في حوارات المناخ الدولية، مثل قمة المناخ كوب 28، التزام تركيا الثابت بهذا التحول المعقّد في مجال الطاقة.
ويمكن لانبعاثات غازات الدفيئة، التي تطلقها تركيا، أن تعرّض الأمن القومي للخطر بعدّة طرق، وقد يتعرض السكان والاقتصاد والبنية التحتية لمخاطر كبيرة بسبب تداعيات تغير المناخ، مثل ظروف الطقس القاسية وارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه، التي يمكن أن تؤثّر في الأمن القومي.
من جهة ثانية، قد تؤدي زيادة الكوارث الطبيعية إلى الضغط على أنظمة الاستجابة لحالات الطوارئ وإثارة السخط لدى المجتمع.
على صعيد آخر، قد تتفاقم الصراعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الموجودة، حاليًا، بسبب تغير المناخ، ما قد يؤدي إلى اندلاع الحروب.
ويمكن أن تنشأ المخاطر الأمنية من تأثيرات ذلك في الخدمات الحيوية، مثل شبكات المياه والكهرباء، التي يمكن أن تعطّل البنية التحتية الرئيسة، وقد يسبب الطابع العابر للحدود لتغير المناخ عدم الاستقرار والحروب في الدول المجاورة.
وبالإضافة إلى كونها ضرورية اقتصاديًا وبيئيًا، تمثّل معالجة تغير المناخ في تركيا أهمية بالغة بالنسبة للأمن القومي للدولة.
الحياد الكربوني
تنطلق انبعاثات غازات الدفيئة في تركيا، غالبًا، من محطات الكهرباء العاملة بالفحم، والسيارات التي تستعمل البنزين أو الديزل، واستهلاك الوقود الأحفوري.
وبالنظر إلى أن أكثر من 70% من الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي يأتي من قطاع الطاقة، وخصوصًا توليد الكهرباء، تهدف تركيا إلى خفض الانبعاثات بنسبة 41% أقلّ من مستويات العمل المعتاد بحلول عام 2030.
وتشمل التدابير الرئيسة زيادة الطاقة المتجددة، وتعزيز كفاءة الطاقة، والتشجير على نطاق واسع.
بالإضافة إلى ذلك، تخطط الدولة لتشغيل محطة أكويو النووية في عام 2023، مستهدفة ما يصل إلى 10% من توليد الكهرباء.
وعلى الرغم من هدف تركيا الطموح المتمثل في تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2053، فإن التقييمات العلمية تُبرِز عدم كفاية مسار التنمية الحالي، وتؤكد تعقيد تعهداتها المناخية.
وقد خضع إنشاء مجلس المناخ في عام 2021 بهدف تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2053 للتدقيق، وخصوصًا فيما يتعلق بعدم وجود خطة واضحة للتخلص التدريجي من الفحم، مصدر الطاقة الأكثر تلويثًا.
وعلى الرغم من أن مشاركة تركيا في قمة المناخ كوب 28 تؤكد التزامها بالوصول إلى الحياد الكربوني، توجد مخاوف بشأن جدوى وفعالية إستراتيجيتها للحدّ من انبعاثات الكربون.
وتستمر الدعوات الموجهة إلى تركيا لترقية أهدافها لعام 2030، واتخاذ خطوات أكثر حسمًا لتحقيق الحياد الكربوني بتكلفة معقولة.
فوائد إزالة الكربون
تتزايد تداعيات تغير المناخ في تركيا، مع احتلالها المرتبة 17 بين أكبر الدول المصدرة لانبعاثات الكربون على مستوى العالم، وفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي.
وعلى الرغم من أن نصيب الفرد من الانبعاثات لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي أقلّ من المتوسط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد ارتفع إجمالي الانبعاثات على مدى العقد الماضي.
هناك فرص ملحوظة لتحول اقتصادي أكثر مراعاة للبيئة يعزز في الوقت نفسه الرفاهية الاقتصادية ويعالج تغير المناخ، على الرغم من الحاجة إلى إمدادات طاقة ثابتة لدعم نمو تركيا وازدهارها.
وتفوق مزايا هذا التحول التحديات في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
على الصعيد الاقتصادي، من الممكن أن تعمل إزالة الكربون على حماية أسواق التصدير التركية، وخصوصًا في الاتحاد الأوروبي، الذي يشكّل أكثر من 40% من صادراتها.
وتتماشى إزالة الكربون مع آلية تعديل حدود الكربون بموجب الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي، ما قد يعزز جاذبية تركيا للاستثمار الأجنبي والمشاركة في سلاسل القيمة العالمية الأكثر مراعاة للبيئة.
ومن الناحية الاجتماعية، يمكن للسياسات الخضراء جيدة التصميم أن تعالج التأثير غير المتناسب الذي تخلّفه الظروف المناخية القاسية وندرة المياه على الأسر الضعيفة.
ويتيح هذا التحول فرصًا للابتكار، وتحسين المهارات، وتنمية رأس المال البشري، ما يسهم بشكل كبير في الحدّ من الفقر وتحقيق الرخاء المشترك.
ومن الناحية البيئية، يمكن لجهود إزالة الكربون أن تخفف من تلوث الهواء الناجم عن احتراق الوقود، ويمكن أن تعمل الإجراءات المناخية مثل إعادة التشجير على تعزيز عزل الكربون، ما يفيد التنوع البيولوجي والمساحات الخضراء.
تداعيات إهمال إزالة الكربون في العقد المقبل
قد يؤدي إهمال إزالة الكربون، في العقد المقبل، إلى تداعيات اقتصادية محتملة مختلفة على تركيا، تشمل ما يلي:
الأضرار التجارية: قد يؤدي الفشل في تبنّي مبادرات إزالة الكربون إلى أضرار تجارية ويعوق استكشاف آفاق تجارية جديدة، خصوصًا فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي.
وتؤثّر الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي والتزامها بإزالة الكربون بشكل متزايد في السياسات التجارية، وقد يؤثّر إخفاق تركيا في إزالة الكربون سلبًا في العلاقات التجارية القائمة، ويعرقل الفرص المحتملة.
المخاوف المتعلقة بأمن الطاقة: يمثّل اعتماد تركيا الكبير على واردات الطاقة، وخصوصًا الغاز الطبيعي، تحديًا كبيرًا لأمن الطاقة، ويُعدّ إعطاء الأولوية لإزالة الكربون والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة أمرًا ضروريًا لضمان أمن الطاقة على المدى الطويل، وتقليل الاعتماد على الواردات الخارجية.
القدرة التنافسية الاقتصادية: يمكن أن يؤثّر تجاهل جهود إزالة الكربون -الذي يفاقم تغير المناخ في تركيا- في القدرة التنافسية الاقتصادية للبلاد، خصوصًا مع تحرك البلدان والمناطق الأخرى نحو إزالة الكربون والطاقة النظيفة.
وقد يؤثر هذا في قدرة تركيا على جذب الاستثمار والحفاظ على القدرة التنافسية في الاقتصاد العالمي سريع التطور.
تعرفات الكربون: أثار تنفيذ حزمة الاتحاد الأوروبي التشريعية "لائق لنسبة 55%"، بما في ذلك اقتراح فرض تعرفة الكربون المعروفة باسم آلية تعديل حدود الكربون، مخاوف كبيرة داخل مجتمع الأعمال التركي.
وتواجه القطاعات الخاضعة للتعرفات الجمركية، مثل صناعات الحديد والصلب والألومنيوم، تحديات محتملة.
الوصول إلى تمويل المناخ: قد يكون لإهمال تركيا في مجال إزالة الكربون تداعيات على وصولها إلى تمويل المناخ والدعم الدولي لمشروعات الطاقة النظيفة والتكيف مع المناخ، وهذا يمكن أن يعوق قدرة البلاد على تأمين التمويل والتنفيذ الفعال للمبادرات المناخية الحاسمة.
قمة المناخ كوب 28
خلال قمة المناخ كوب 28، أظهرت تركيا التزامها بالعمل المناخي، إذ شاركت وقدّمت تحديثات مفصلة عن مساعيها المستمرة لتحقيق هدف الحياد الكربوني.
وأدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دورًا مهمًا في الدعوة إلى الالتزام بمعالجة تغير المناخ في تركيا، وعلى مستوى العالم.
ومن الجدير بالذكر أن أردوغان اقترح أن تستضيف تركيا قمة المناخ كوب 31 في عام 2026، ووضع البلاد في مقدمة المرشحين وتحدّى ترشيح أستراليا السابق، ما أظهر طموح البلاد لتولي دور قيادي في تشكيل خطط المناخ الدولية.
وبكونا دولة موقّعة لاتفاق باريس للمناخ منذ عام 2021، حددت تركيا بجرأة تحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2053، وهو التزام اكتسب أهمية متزايدة في أعقاب حرائق الغابات المدمرة عام 2021.
وقد سلّط الرئيس أردوغان، في مشاركاته بقمة المناخ كوب 28، الضوء على اهتمام الدولة من خلال تأكيد استكمال الخطط التفصيلية الشاملة لإزالة الكربون.
إضافة إلى ذلك، حدّد أردوغان هدفًا طموحًا لتركيا لتحقيق حصة من الطاقة المتجددة بنسبة 69% بحلول عام 2053، ما يوضح تصميم البلاد الثابت على التحول نحو مصادر الطاقة المستدامة والنظيفة.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها، مثل الانسحاب من استضافة اجتماع الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في عام 2024 بسبب الزلزال، تظل تركيا ملتزمة بقيادة العمل المناخي، وتسعى جاهدة للحصول على الدعم لمحاولتها استضافة قمة المناخ كوب 31، بهدف تعزيز دورها في مبادرات المناخ العالمية.
وباستضافة 45 فعالية مرتبطة بالمناخ، أعلنت تركيا هدف تحقيق الحياد الكربوني في عام 2053، وتنفيذ المبادرة الوطنية للتنمية الخضراء والإستراتيجية الوطنية للتمويل الأخضر.
وعلى الرغم من الانتقادات، ما تزال الدعوات مستمرة لتبنّي سياسات قوية وإجراءات طموحة لتحقيق الحياد الكربوني.
وتشمل التدابير التي حددتها تركيا أهداف الطاقة المتجددة، وخفض ثاني أكسيد الكربون بمقدار 66.6 مليون طن بحلول عام 2023، وحملات التشجير، وتشغيل محطة أكويو النووية عام 2023.
وترمي الأهداف الطموحة لخفض الانبعاثات بنسبة 41% عن مستويات العمل المعتادة بحلول عام 2030.
تحديات ما بعد كوب 28
بعد قمة المناخ كوب 28، تواجه تركيا تحديات في مواءمة الأهداف مع الإجراءات، ولا سيما في تطوير محطة الكهرباء الجديدة وإستراتيجية التخلص التدريجي من الفحم.
وعلى الرغم من التحديات، فإن استضافة قمة المناخ كوب 31 عام 2026 توفر فرصة لتركيا لإظهار قيادتها وتعزيز إستراتيجيتها المناخية بتدابير أقوى.
وتسلّط الصعوبات التي تواجهها تركيا، في مرحلة ما بعد قمة المناخ كوب 28، الضوء على الحاجة إلى إستراتيجيات منسّقة، بما في ذلك تعزيز أهداف عام 2030، وضمان الشفافية لمواءمة الخطاب مع التدابير العملية.
في الختام، تتطلب الصعوبات التي تواجهها تركيا، في مرحلة ما بعد قمة المناخ كوب 28، مراجعة متأنية لسياساتها، للتأكد من أن الأهداف تتوافق مع التدابير العملية.
ومن الضروري تعزيز أهداف 2030 وزيادة الشفافية لسدّ الفجوة بين التطلعات والتنفيذ، الأمر الذي يتطلب اعتماد إستراتيجية أكثر تنسيقًا ووضوحًا.
ويوضح طلب تركيا الجريء لاستضافة قمة المناخ كوب 31 الحاجة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة، ويؤكد مدى إلحاح العمل الآن.
ويؤدي التغلب على هذه العقبات إلى تحسين موقف أنقرة في الخارج، وإلى تعزيز الجهود العالمية الرامية لمكافحة تغير المناخ في تركيا بشكل كبير.
وتُعدّ زيادة الاستثمارات أمرًا حيويًا لإدارة تعقيدات المخاوف المناخية، سواء لتعزيز الاستدامة في تركيا، أو لتقديم مساهمة كبيرة في جهود الاستدامة العالمية.
* الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- الطاقة المتجددة.. سلاح تركيا لمواجهة التغير المناخي - مقال
- تركيا تتلقى تمويلًا أوروبيًا بـ 110 ملايين دولار لدعم شبكة الكهرباء
- الحافلات الكهربائية.. تيمسا التركية تقتحم الأسواق الأميركية لأول مرة
اقرأ أيضًا..
- موعد انتهاء قطع الكهرباء في مصر.. وتخفيف مرتقب (خاص)
- انكماش صناعة البتروكيماويات فرصة لتوسع شركات النفط الكبرى (تقرير)
- ما علاقة الغاز المسال الأميركي بالسياسة؟ أنس الحجي يجيب